قصص الانبياء
محمد (صلى الله عليه وسلم)
في غرب الجزيره العربيه ، وفي مكه المكرمه ، ولدت (امنه بنت وهب) ابنها
محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، في الليله الثانيه عشره من ربيع الاول
سنه 571 ميلاديه وهو ما يعرف بعام الفيل.
وقد ولد محمد صلى الله عليه وسلم يتيما، فقد مات ابوه، وهو لم يزل جنينا
في بطن امه، فقد خرج عبدالله بن عبدالمطلب الى تجاره في المدينه
فمات هناك، واعتنى به جده عبدالمطلب، وسماه محمدا، ولم يكن هذا الاسم مشهورا ولا منتشرا
بين العرب، وقد اخذته السيده حليمه السعديه لترضعه في
بني سعد بعيدا عن مكه ؛ فنشا قوى البنيان، فصيح اللسان، وراوا الخير والبركه من
يوم وجوده بينهم.
وفي الباديه ، وبينما محمد صلى الله عليه وسلم يلعب مع الغلمان، اذ جاء اليه
جبريل -عليه السلام- فاخذه، وشق عن قلبه، فاستخرج القلب، واستخرج منه علقه هي حظ الشيطان
منه، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم، ثم اعاد القلب الى مكانه، فاسرع
الغلمان الى حليمه فقالوا: ان محمدا قد قتل، فاستقبلوه وهو متغير اللون، قال انس بن
مالك: كنت ارى اثر ذلك المخيط في
صدره.[مسلم والحاكم] ولما رات حليمه السعديه ذلك، ارجعت محمدا صلى الله عليه وسلم الى امه
امنه ، فكان معها تعتني به حتى بلغ السادسه من عمره، وبعدها توفيت، فاخذه جده
عبدالمطلب الذي لم يزل يعتني به منذ ولادته، ولما مات جده وهو في الثامنه من
عمره، عهد بكفالته الى عمه ابى طالب..
وقد شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حرب الفجار مع اعمامه، وهذه حرب خاضتها
قريش مع كنانه ضد قيس عيلان من هوازن دفاعا عن قداسه الاشهر الحرم ومكانه بيت
الله الحرام، كما شهد حلف الفضول الذي ردت فيها قريش لرجل من زبيد حقه الذي
سلبه منه العاص بن وائل السهمى، وكان هذا الحلف في دار عبدالله بن جدعان، وقد
اتفقت فيه قريش على ان ترد للمظلوم
حقه، وكان لهذين الحدثين اثرهما في حياه النبي صلى الله عليه وسلم.
وكان من بين اهل قريش امراه شريفه تسمى خديجه بنت خويلد، كانت تستاجر الرجال في
تجارتها، وقد سمعت بامانه محمد صلى الله عليه وسلم، فارسلت اليه تعرض عليه ان يخرج
بتجارتها الى الشام، وتعطيه اكثر ما تعطى غيره، فوافق
محمد صلى الله عليه وسلم، وخرج مع غلامها ميسره ، وتاجرا وربحا، ولما عادا من
التجاره ، اخبر ميسره سيدته خديجه بما لمحمد صلى الله عليه وسلم
من خصائص، وكانت امراه ذكيه ، فارسلت تخطب محمدا صلى الله
عليه وسلم.
ثم جاء عمه ابو طالب وعمه حمزه وخطباها لمحمد صلى الله عليه وسلم، وتزوج رسول
الله صلى الله عليه وسلم بخديجه ، وكانت نعم الزوجه الصالحه ، فقد ناصرته في
حياتها، وبذلت كل ما تملك في سبيل اعلاء كلمه الله، وقد عرف رسول الله صلى
الله عليه وسلم بحسن تدبيره وحكمته ورجاحه عقله في حل
المشكلات، فقد اعادت قريش بناء الكعبه ، وقد اختلفوا فيمن يضع الحجر الاسود مكانه، حتى
كادت ان تقوم حرب بينهم، وظلوا على ذلك اياما، واقترح ابو اميه بن المغيره تحكيم
اول من يدخل من باب المسجد، فكان رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، فامر باحضار ثوب، ثم امر بوضع الحجر في الثوب، وان تاخذ كل
قبيله طرفا من الثوب، فرفعوه جميعا، حتى اذا بلغ الموضع، وضعه رسول الله صلى الله
عليه وسلم بيده الشريفه مكانه، ثم بنى عليه، وكان انذاك في الخامسه
والثلاثين من عمره.
ولما قربت سن محمد صلى الله عليه وسلم نحو الاربعين، حببت اليه العزله ، فكان
يعتزل في غار حراء، يتعبد فيه، ويتامل هذا الكون الفسيح، وفي يوم من الايام كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعبد في غار حراء، فجاء جبريل، وقال له: اقرا..
فقال له محمد صلى الله عليه وسلم: ما انا بقارئ. فاخذه جبريل فضمه ضما شديدا
ثم ارسله وقال له: اقرا. قال: ما انا بقارئ. فاخذه جبريل ثانيه وضمه اليه ضما
شديدا، وقال له: اقرا. قال: ما انا بقارئ. قال له جبريل:
{اقرا باسم ربك الذي خلق . خلق الانسان من علق . اقرا وربك الاكرم الذي
علم بالقلم . علم الانسان ما لم يعلم} [العلق:1-5] _[متفق عليه].
فكان هذا الحادث هو بدايه الوحي، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم خاف مما
حدث له، فذهب الى خديجه وطلب منها ان تغطيه، ثم حكى لها
ما حدث، فطمانته، واخبرته ان الله لن يضيعه ابدا، ثم ذهبت به الى ابن عمها
ورقه بن نوفل، وحكى له ما راى، فبشره ورقه بانه نبي هذه الامه ، وتمنى
ان لو يعيش حتى ينصره، لكن ورقه مات قبل الرساله ، وانقطع الوحى مده ،
فحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم نزل الوحى مره ثانيه ، فقد راى
رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل قاعدا على كرسى بين السماء والارض، فرجع مسرعا
الى اهله، وهو يقول: زملونى، زملونى (اى غطونى) فانزل الله تعالى قوله: {يا ايها المدثر
. قم فانذر . وربك فكبر . وثيابك فطهر . والرجز فاهجر} _[المدثر: 1-5] ثم
تتابع الوحى بعد ذلك [البخارى].
وبعد هذه الايات التى نزلت كانت بدايه الرساله ، فبدا رسول الله صلى الله عليه
وسلم يدعو الاقربين الى الاسلام، فكان اول من امن خديجه زوجته، وابو بكر صديقه، وعلي
بن ابى طالب ابن عمه، وزيد بن حارثه مولاه، ثم تتابع الناس بعد ذلك في
دخول الاسلام، وانزل الله -سبحانه- على رسوله صلى الله عليه وسلم قوله: {وانذر عشيرتك الاقربين}_[الشعراء:
214] فكان الامر من الله ان يجهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدعوه ،
فجمع اقاربه اكثر من مره ، واعلمهم انه نبي من عند الله -عز وجل-.
ولما نزل قول الله تعالى: {فاصدع بما تؤمر واعرض عن المشركين} [الحجر: 94] قام رسول
الله صلى الله عليه وسلم يستنكر عباده الاصنام، وما عليه الناس من الضلاله ، وسمعت
قريش بما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم فاخذتهم الحميه لاصنامهم التى لا تضر ولا
تنفع، وحاولوا ان يقفوا ضد هذه الدعوه الجديده بكل وسيله ، فذهبوا الى ابى طالب،
وطلبوا منه ان يسلم لهم الرسول صلى الله عليه وسلم فرفض، وكانوا يشوهون صورته للحجاج
مخافه ان يدعوهم، وكانوا يسخرون من الرسول صلى الله عليه وسلم ومن القران، ويتهمونه بالجنون
والكذب، لكن باءت محاولاتهم بالفشل، فحاول بعضهم تاليف شىء كالقران
فلم يستطيعوا، وكانوا يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه اشد الايذاء كى يردوهم
عن الاسلام، فكانت النتيجه ان تمسك المسلمون بدينهم اكثر.
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يجتمع بالمسلمين سرا في دار
الارقم بن ابى الارقم يعلمهم امور الدين، ثم امرهم بعد فتره ان يهاجروا الى الحبشه
، فهاجر عدد من المسلمين الى الحبشه ، فارسلت قريش الى النجاشى يردهم، لكن الله
نصر المسلمين على الكفار؛ فرفض النجاشى ان يسلم المسلمين وظلوا عنده في امان يعبدون الله
عز وجل، وحاول المشركون مساومه ابى طالب مره بعد مره بان يسلم لهم محمدا الا
انه ابى الا ان يقف معه، فحاولوا قتل النبي صلى الله عليه وسلم الا ان
الله منعه وحفظه.
وفي هذه الاوقات العصيبه اسلم حمزه وعمر بن الخطاب، فكانا منعه وحصنا للاسلام، ولكن المشركين
لم يكفوا عن التفكير في القضاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما علم
ابو طالب بذلك جمع بني هاشم وبني عبدالمطلب واتفقوا على ان يمنعوا الرسول صلى الله
عليه وسلم من ان يصيبه اذى، فوافق بنو هاشم وبنو عبدالمطلب مسلمهم وكافرهم الا ابا
لهب، فانه كان مع قريش، فاتفقت قريش على مقاطعه المسلمين ومعهم بنو هاشم وبنو عبدالمطلب،
فكان الحصار في شعب ابى طالب ثلاث سنوات، لا يتاجرون معهم، ولا يتزوجون منهم، ولا
يجالسونهم ولا يكلمونهم، حتى قام بعض العقلاء، ونادوا في قريش ان ينقضوا الصحيفه التى كتبوها،
وان يعيدوا العلاقه مع بني هاشم وبني عبدالمطلب، فوجدوا الارضه اكلتها الا ما فيها من
اسم الله.
وتراكمت الاحزان فيما بعد لوفاه ابى طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم وزوجه خديجه
بنت خويلد، فقد ازداد اضطهاد وتعذيب المشركين، وفكر الرسول صلى الله عليه وسلم ان يخرج
من مكه الى الطائف يدعو اهلها الى الاسلام، الا انهم كانوا اشرارا، فاهانوا النبي صلى
الله عليه وسلم وزيد ابن حارثه الذي
كان معه، واثناء عودته بعث الله -عز وجل- اليه نفرا من الجن استمعوا الى القران
الكريم، فامنوا.
واراد الله -سبحانه- ان يخفف عن الرسول صلى الله عليه وسلم فكانت رحله الاسراء والمعراج،
والتى فرضت فيها الصلاه ، خمس صلوات في اليوم والليله واطمانت نفس النبي صلى الله
عليه وسلم بهذه الرحله ، ليبدا من جديد الدعوه الى الله، وقد علم ان الله
معه لن يتركه ولا ينساه، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج في موسم
الحج يدعو الناس الى الايمان بالله وانه رسول الله، فامن له في السنه العاشره من
النبوه عدد قليل، ولما كانت السنه الحاديه عشره من النبوه اسلم سته اشخاص من يثرب
كلهم من الخزرج، وهم حلفاء اليهود، وقد كانوا سمعوا من اليهود بخروج نبي في هذا
الزمان، فرجعوا الى اهليهم، واذاعوا الخبر بينهم.
وعادوا العام القادم وهم اثنا عشر رجلا، فيهم خمسه ممن حضر العام الماضى وبايعوا رسول
الله صلى الله عليه وسلم وعرفت هذه البيعه ببيعه العقبه الاولى فرجعوا وارسل الرسول صلى
الله عليه وسلم معهم مصعب بن عمير ليعلمهم امور دينهم، وقد نجح مصعب بن عمير
نجاحا باهرا، فقد استطاع ان يدعوا كبار المدينه من الاوس والخزرج، حتى امن عدد كبير
منهم، وفي السنه الثالثه عشره من النبوه ، جاء بضع وسبعون نفسا من اهل يثرب
في موسم الحج، والتقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم وبايعوه بيعه العقبه الثانيه ،
وتم الاتفاق على نصره الاسلام والهجره الى المدينه .
وامر الرسول صلى الله عليه وسلم بعدها الصحابه ان يهاجروا الى يثرب، فهاجر من قدر
من المسلمين الى المدينه ، وبقى رسول الله صلى الله عليه وسلم وابو بكر وعلى
وبعض الضعفاء ممن لا يستطيعون الهجره ، وسمعت قريش بهجره المسلمين الى يثرب، وايقنت ان
محمدا صلى الله عليه وسلم لابد ان يهاجر، فاجتمعوا في دار الندوه لمحاوله القضاء على
رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن الله -سبحانه- نجاه من مكرهم، وهاجر هو وابو
بكر بعد ان جعل عليا مكانه ليرد الامانات الى اهلها.
وهاجر الرسول صلى الله عليه وسلم هو وابو بكر الى المدينه ، واستقبلهما اهل المدينه
بالترحاب والانشاد، لتبدا مرحله جديده من مراحل الدعوه ، وهي المرحله المدنيه ، بعد ان
انتهت المرحله المكيه ، وقد وصل الرسول صلى الله عليه وسلم المدينه يوم الجمعه (12
ربيع الاول سنه 1ه/ الموافق 27 سبتمبر سنه 622م) ونزل في بني النجار، وعمل رسول
الله صلى الله عليه وسلم على تاسيس دوله الاسلام في المدينه ، فكان اول ما
صنعه ان بنى المسجد النبوى، ليكون دار العباده للمسلمين، ثم اخى بين المهاجرين والانصار، كما
كتب الرسول صلى الله عليه وسلم معاهده مع اليهود الذين كانوا يسكنون المدينه .
وبدا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتنى ببناء المجتمع داخليا، كى يكون صفا واحدا
يدافع عن الدوله الناشئه ، ولكن المشركين بمكه لم تهدا ثورتهم، فقد ارسلوا الى المهاجرين
انهم سياتونهم كى يقتلوهم، فكان لابد من الدفاع، فارسل رسول الله صلى الله عليه وسلم
عددا من السرايا، كان الغرض منها التعرف على الطرق المحيطه بالمدينه ، والمسالك المؤديه الى
مكه ، وعقد المعاهدات مع القبائل المجاوره واشعار كل من مشركى يثرب واليهود وعرب الباديه
والقرشيين ان الاسلام قد اصبح قويا.
وكانت من اهم السرايا التى بعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل غزوه بدر
سريه سيف البحر، وسريه رابغ، وسريه الخرار، وسريه الابواء، وسريه نخله ، وفي شهر شعبان
من السنه الثانيه الهجريه فرض الله القتال على المسلمين، فنزلت ايات توضح لهم اهميه الجهاد
ضد اعداء الاسلام، وفي هذه الايام امر الله -سبحانه- رسوله صلى الله عليه وسلم بتحويل
القبله من بيت المقدس الى
المسجد الحرام، وكان هذا ايذانا ببدء مرحله جديده في حياه المسلمين
خاصه ، والبشريه عامه .
بعد فرض الجهاد على المسلمين، وتحرش المشركين بهم، كان لابد من القتال فكانت عده لقاءات
عسكريه بين المسلمين والمشركين، اهمها: غزوه بدر الكبرى في العام الثانى الهجرى، وكانت قريش قد
خرجت بقافله تجاريه كبيره على راسها ابو سفيان بن حرب، وقد خرج رسول الله صلى
الله عليه وسلم في ثلاثمائه وبضعه عشر رجلا لقصد هذه القافله ، لكن ابا سفيان
كان يتحسس الخبر فارسل رجلا الى قريش يعلمهم بما حدث، ثم نجح هو بعد ذلك
في الافلات بالعير والتجاره ، واستعدت قريش للخروج، فخرج الف وثلاثمائه رجل، وارسل ابو سفيان
الى قريش انه قد افلت بالعير، الا ان ابا جهل اصر على القتال، فرجع بنو
زهره وكانوا ثلاثمائه رجل، واتجه المشركون ناحيه بدر، وكان المسلمون قد سبقوهم اليها بعد استطلاعات
واستكشافات.
وبدات الحرب بالمبارزه بين رجال من المشركين ورجال من المهاجرين، قتل فيها المشركون، وبدات المعركه
، وكتب الله -عز وجل- للمسلمين فيها النصر وللكفار الهزيمه ، وقد قتل المسلمون فيها
عددا كبيرا، كما اسروا اخرين، وبعد غزوه بدر علم الرسول صلى الله عليه وسلم ان
بني سليم من قبائل غطفان تحشد قواتها لغزو المدينه ، فاسرع رسول الله صلى الله
عليه وسلم في مائتى رجل وهاجمهم في عقر دارهم، ففروا بعد ان تركوا خمسمائه بعير
استولى عليها المسلمون، وكانت هذه الغزوه في شوال (2ه) بعد بدر بسبعه ايام، وعرفت بغزوه
بني سليم.
ورات اليهود في المدينه نصر الرسول صلى الله عليه وسلم فاغتاظوا لذلك، فكانوا يثيرون القلاقل،
وكان اشدهم عداوه بنو قينقاع، فجمع الرسول صلى الله عليه وسلم اليهود بالمدينه ونصحهم وعرض
عليهم الاسلام، الا انهم ابدوا استعدادهم لقتال المسلمين، فكظم الرسول صلى الله عليه وسلم غيظه،
حتى تسبب رجل من بني قينقاع في كشف عوره امراه ، فقتله احد المسلمين، فقتل
اليهود المسلم فحاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم بني قينقاع، ثم اجلاهم عن المدينه
بسبب الحاح عبدالله بن ابى بن سلول.
وفي ذي الحجه سنه (2ه) خرج ابو سفيان في نفر الى المدينه ، فاحرق بعض
اسوار من النخيل، وقتلوا رجلين، وفروا هاربين، فخرج الرسول صلى الله عليه وسلم في اثرهم،
الا انهم القوا ما معهم من متاع حتى استطاعوا الاسراع بالفرار وعرفت هذه الغزوه بغزوه
السويق، كما علم الرسول صلى الله عليه وسلم ان نفرا من بني ثعلبه ومحارب تجمعوا
يريدون الاغاره على المدينه ، فخرج لهم الرسول صلى الله عليه وسلم حتى وصل الى
المكان الذي تجمعوا فيه، وكان يسمى ب(ذي امر) ففروا هاربين الى رءوس الجبال، واقام الرسول
صلى الله عليه وسلم شهرا ليرهب الاعراب بقوه المسلمين، وكانت هذه الغزوه في اوائل صفر
سنه (3ه).
وفي جمادى الاخره سنه (3ه) خرجت قافله لقريش بقياده صفوان بن اميه ومع ان القافله
اتخذت طريقا صعبا لا يعرف، الا ان النبا قد وصل الى المدينه وخرجت سريه بقياده
زيد بن حارثه ، استولت على القافله وما فيها من متاع، وفر صفوان بن اميه
ومن معه، اغتاظ كفار مكه مما حدث لهم في غزوه بدر، فاجتمعوا على الاستعداد لقتال
المسلمين، وقد جعلوا القافله التى نجا بها ابوسفيان لتمويل الجيش واستعدت النساء المشركات للخروج مع
الجيش لتحميس الرجال، وقد طارت الاخبار الى المدينه باستعداد المشركين للقتال، فاستشار الرسول صلى الله
عليه وسلم الصحابه ، واشار عليهم -بدءا- ان يبقوا في المدينه ، فان عسكر
المشركون خارجها، فانهم لن ينالوا منهم شيئا، وان غزوا المدينه ، قاتلوهم قتالا شديدا.
الا ان بعض الصحابه ممن لم يخرج مع الرسول صلى الله عليه وسلم للقتال في
بدر، اشاروا على الرسول صلى الله عليه وسلم الخروج من المدينه ، وكان على راس
المتحمسين للخروج حمزه بن عبدالمطلب، ولبس رسول الله صلى الله عليه وسلم لبس الحرب، وخرج
الجيش وفيه الف مقاتل، واتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانا قريبا من العدو
عند جبل احد، وما كاد وقت المعركه ان يبدا حتى تراجع عبدالله بن ابى سلول
بثلث الجيش، بزعم ان الرسول صلى الله عليه وسلم قد اكره على الخروج، وما اراد
بفعلته الا بث الزعزعه في صفوف المسلمين، وبقى من الجيش سبعمائه مقاتل، وكان عدد المشركين
ثلاثه
الاف مقاتل.
واتخذ الرسول صلى الله عليه وسلم مكانا متميزا في المعركه ، وجعل بعض المقاتلين في
الجبل، وهو ما عرف فيما بعد بجبل الرماه ، وامر عليهم عبدالله بن جبير وامرهم
ان يحموا ظهور المسلمين، والا ينزلوا مهما كان الامر، سواء انتصر المسلمون ام انهزموا، الا
اذا بعث اليهم الرسول صلى الله عليه وسلم، بدات المبارزه بين الفريقين، وقتل فيها المسلمون
عددا من المشركين، وكان معظمهم ممن كانوا يحملون لواء المشركين، حتى القى اللواء على الارض،
واستبسل المسلمون وقاتلوا قتالا شديدا، واستبسل من كانوا على الجبل.
الا انهم لما راوا المسلمين يجمعون الغنائم نزلوا، فذكرهم قائدهم عبدالله بن جبير الا انهم
لم يسمعوا له، ولاحظ خالد بن الوليد، فرجع بمن كان معه، وطوق جيش المسلمين، واضطربت
الصفوف، وقتل المشركون من المسلمين سبعين رجلا واقتربوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم
الذي اصيب ببعض
الاصابات، والذي حاول المشركون قتله لولا بساله بعض الصحابه ممن
دافع عنه، وقد اشيع قتل النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم انتشر بين المسلمين كذب الخبر، فتجمعوا حوله صلى الله
عليه وسلم، واستطاع الرسول صلى الله عليه وسلم ان يخترق طريقا وينجو
بمن معه، وصعدوا الجبل، وحاول المشركون قتالهم، الا انهم لم يستطيعوا، فرجعوا وخشى رسول الله
صلى الله عليه وسلم ان يرجع المشركون، فخرج بمن كان معه في غزوه احد فحسب،
ولم يقبل غيرهم الا عبدالله بن جابر فقد قبل
عذره.
وخرج الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابه حتى وصلوا الى حمراء الاسد، وقد اقبل معبد
بن ابى معبد الخزاعي واسلم، فامره الرسول صلى الله عليه وسلم بمخادعه ابى سفيان ان
كان قد اراد الرجوع لحرب المسلمين، وفي طريق العوده اتفق المشركون على الرجوع، فقابلهم معبد
بن ابى معبد الخزاعي، ولم يكن ابو سفيان قد علم باسلامه، فقال له: ان محمدا
صلى الله عليه وسلم قد جمع جيشا كبيرا لقتالكم، كى يستاصلكم، فارجعوا، واحدثت هذه الكلمات
زعزعه في صفوف المشركين.
وبعد غزوه احد، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض السرايا لتاديب من يريد
ان يعتدي على المسلمين، كسريه ابى سلمه في هلال شهر المحرم سنه (4ه) الى بني
اسد بن خزيمه ، وبعث عبدالله بن انيس لخالد بن سفيان الذي اراد حرب المسلمين،
فاتى عبدالله بن انيس براسه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي بعث الرجيع قتل
بعض الصحابه ، وفي السنه نفسها، بعث الرسول صلى الله عليه وسلم بعض الصحابه لاهل
نجد، ليدعوهم الى الاسلام، وفي الطريق عند بئر معونه
احاط كثير من المشركين بالمسلمين، وقتلوا سبعين من الصحابه ، ولما بلغ الرسول صلى الله
عليه وسلم ذلك الخبر، حزن حزنا شديدا، ودعا على المشركين.
وكانت يهود بني النضير يراقبون الموقف، ويستغلون اى فرصه لاشعال الفتنه وكان بعض الصحابه قد
قتلوا اثنين خطا معهما عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان من بنود
الميثاق بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين اليهود، ان يساعد كل من الطرفين الاخر
في دفع الديه ، فلما ذهب الرسول صلى الله عليه وسلم اليهم حاولوا قتله، الا
ان الله سبحانه حفظه وارسل اليه جبريل، يخبره بما يريدون، فبعث اليهم الرسول صلى الله
عليه وسلم ان يخرجوا، ولكن عبدالله بن ابى وعدهم بالمساعده ، فرفضوا الخروج، وحاصرهم رسول
الله صلى الله عليه وسلم بضعه ايام، وبعدها قرروا الخروج على ان ياخذوا متاعهم، واستثنى
رسول الله صلى الله عليه وسلم سلاحهم، فاخذه، واخذ ارضهم وديارهم، فتفرق يهود بني النضير
في الجزيره .
وفي شعبان من العام الرابع الهجري خرج الرسول صلى الله عليه وسلم في الف وخمسمائه
من اصحابه، لملاقاه ابى سفيان والمشركين، كما اتفقوا في غزوه احد الا ان ابا سفيان
خاف، فتراجع هو وجيشه خوفا من المسلمين، ويسمى هذا الحادث بغزوه بدر الصغرى او بدر
الاخره ، وطارت الانباء الى الرسول صلى الله عليه وسلم ان القبائل حول دومه الجندل
تحشد جيشا لقتال المسلمين، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في جيش من اصحابه،
وفاجاهم، ففروا هاربين وكان ذلك في اواخر ربيع الاول سنه (5ه) وبذا فقد استطاع الرسول
صلى الله عليه وسلم ان يصد كل عدوان، حتى يتسنى له الامر لتبليغ دعوه الله.
ولم تنس اليهود تلك الهزائم التى لحقت بها، لكنها لا تستطيع مواجهه الرسول صلى الله
عليه وسلم فاخذت يهود بني النضير يالبون المشركين في مكه وغيرها على رسول الله صلى
الله عليه وسلم، حتى اجتمع عشره الاف مقاتل، وقد علم الرسول صلى الله عليه وسلم
بذلك، فاستشار الصحابه ، فاشار عليه سلمان الفارسى بحفر خندق، فحفر الرسول صلى الله عليه
وسلم والصحابه الخندق شمال المدينه ، لانه الجهه الوحيده التى يمكن ان ياتى الاعداء منها.
وذهب زعيم بني النضير حيى بن اخطب الى زعيم بني قينقاع المتحالفه مع الرسول صلى
الله عليه وسلم، وجعله ينقض العهد، الا ان الله حمى المسلمين وحفظهم فقد اسلم نعيم
بن مسعود الذي اوقع الدسيسه بين اليهود وقريش، وجعل كلا منهم يتشكك في الاخر، وارسل
الله عليهم ريحا شديده دمرت خيامهم، واطفات نيرانهم؛ فاضطروا الى الرحيل والفرار، وقال بعدها الرسول
صلى الله عليه
وسلم: (الان نغزوهم ولا يغزوننا) وسميت هذه الغزوه بغزوه الخندق او
الاحزاب، وكانت في العام الخامس الهجرى.
وقبل ان يخلع رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه ملابس الحرب، جاءه جبريل، وامره
بان يذهب لغزو بني قريظه هو واصحابه، فتحرك الجيش الاسلامى وكان عدده ثلاثه الاف مقاتل
وحاصر الرسول صلى الله عليه وسلم بني قريظه فعرض عليهم رئيسهم كعب بن اسد ثلاث
اقتراحات؛ اما ان يسلموا فيامنوا على انفسهم، واما ان يقتلوا ذراريهم ونساءهم، ثم يخرجوا لقتال
المسلمين، واما ان يهجموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه يوم السبت؛ لكنهم
لم يجيبوه الى شىء من ذلك.
ولم يبق لهم بعد الرفض الا ان ينزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه
وسلم فبعثوا الى ابى لبابه بن المنذر-وكان من حلفائهم قبل اسلامه- ليخبرهم عن حكم رسول
الله صلى الله عليه وسلم، فلما راى ابو لبابه بني قريظه رق قلبه اليهم، واشار
اليهم بيده الى حلقه كنايه عن القتل، وعلم ابو لبابه انه خان الله ورسوله، فذهب
الى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وربط نفسه، واقسم الا يفكه احد الا الرسول
صلى الله عليه وسلم.
ونزلت اليهود على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، واتفق ان يحكم فيهم سعد
بن معاذ، فحكم سعد بان يقتل الرجال، وتسبى النساء والذراري، وكان هذا حكم الله فيهم،
وكانت الغزوه في ذي القعده من العام
الخامس الهجرى، وبعد غزوه بني قريظه بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعه من
الانصار قتلوا سلام بن ابى الحقيق، وذلك انه كان من اليهود الذين اثاروا الاحزاب ضد
المسلمين.
وفي شعبان من العام السادس الهجري علم رسول الله صلى الله عليه وسلم ان زعيم
بني المصطلق جمع قومه ومن قدر عليه من العرب لقتال المسلمين، فتاكد رسول الله صلى
الله عليه وسلم من الخبر، وخرج في عدد من الصحابه ، حتى وصل ماء المريسيع،
ففر المشركون، واستولى المسلمون على
اموالهم وذراريهم، وفي هذه الغزوه كانت حادثه الافك التى افترى فيها على السيده عائشه ،
واتهمت بالخيانه ، فانزل الله -سبحانه- براءتها في قران يتلى الى يوم القيامه .
وقد اراد المنافقون ان يدسوا الفتنه بين المسلمين بعد الانتهاء من الحرب، فقال عبدالله بن
ابي: ليخرجن الاعز منها الاذل (يعنى الاعز هو، والاذل رسول الله صلى الله عليه وسلم)
فقام ابنه عبدالله بن عبدالله بن ابى بالاعتذار لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومنع
اباه من دخول المدينه ، وقال له: رسول الله هو الاعز وانت الاذل.
وفي هذا العام السادس من الهجره راى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام
انه دخل هو واصحابه المسجد الحرام، واخذ مفتاح الكعبه ، وطافوا واعتمروا فكانت بشرى من
الله، بفتح مكه فيما بعد، واستعد الرسول صلى الله عليه وسلم للعمره وخرج معه عدد
كبير من المسلمين، ولما سمعت بذلك قريش، استعدت للحرب وساق الرسول صلى الله عليه وسلم
الهدي؛ دلاله على عدم نيه الحرب، وبعث الرسول صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان،
ليرى راي قريش.
واحتجزت قريش عثمان فتره ، واشيع نبا قتله، وبايع الصحابه الرسول صلى الله عليه وسلم
بيعه الرضوان، وظلت المراسلات بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين قريش، انتهت بان ارسلت
قريش سهيل بن عمرو ليعقد صلح الحديبيه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان
من ضمن بنوده وقف الحرب بين الفريقين عشر سنين، وللقبائل ان تدخل في حلف النبي
صلى الله عليه وسلم، او في حلف قريش، وانه من فر من المسلمين الى قريش
لا ترده قريش، ومن فر من قريش الى الرسول صلى الله عليه وسلم يرده الرسول
صلى الله عليه وسلم.
ومع ان الظاهر في بعض بنود هذه المعاهده الظلم، الا انها اتاحت الفرصه لانتشار الاسلام،
واعتراف قريش بالمسلمين كقوه ، فدخل عدد كبير الاسلام.. بعد هذه الهدنه ، اسلم بعض
ابطال قريش؛ كعمرو بن العاص، وخالد بن الوليد، وعثمان بن طلحه ، وارسل رسول الله
صلى الله عليه وسلم الى الامراء والملوك يدعوهم الى الاسلام، ليعلن ان الاسلام جاء للناس
جميعا، وليس مقصورا على شبه الجزيره العربيه .
وبعد صلح الحديبيه قامت بعض الغزوات؛ كغزوه ذي قرد، وكانت ردا على بعض بني فزاره
الذين ارادوا القيام بعمل القرصنه ضد المسلمين، وقد ابلى فيها سلمه بن الاكوع بلاء حسنا،
وبعد تلك الانتصارات التى قام بها المسلمون كان لابد من تاديب من كان السبب في
كثير من الحروب، وهم يهود خيبر، اولئك الذين جمعوا الاحزاب ضد رسول الله صلى الله
عليه وسلم للقتال، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن بايع معه تحت الشجره
، وكانوا الفا واربعمائه ، حتى وصلوا قرب خيبر، وقد كانت كلها حصونا، ففيها ثمانيه
حصون كبيره منيعه واستبسل الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمون حتى من الله عليهم بفتح
هذه الحصون، واصبح اليهود صاغرين، وصالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ان يبقى
لهم الارض ليزرعوها على ان يكون لهم نصف الثمار، وللمسلمين نصفها، وكانت غزوه خيبر في
العام السابع الهجرى.
وبعد هذه الغزوه جاء جعفر بن ابى طالب ومن معه من الحبشه الى المدينه ،
وفرح الرسول صلى الله عليه وسلم بعودتهم، كما تزوج الرسول صلى الله عليه وسلم بصفيه
بنت حيى بن اخطب بعد ان اسلمت، وقد كانت من السبى، وبعد خيبر صالح يهود
فدك الرسول صلى الله عليه وسلم كما صالحه اهل خيبر، كما حارب رسول الله صلى
الله عليه وسلم بعض اليهود ومن انضم اليهم من العرب عند وادي القرى، وفتحها رسول
الله صلى الله عليه وسلم، وقسم الغنائم على اصحابه، اما النخل والارض فقد عاملهم كما
عامل اهل خيبر، ولما علم يهود تيماء بذلك بعثوا الى رسول الله صلى الله عليه
وسلم ، فكتب لهم كتابا، يدفعون بمقتضاه الجزيه للمسلمين وبعد هذه الحروب والانتصارات رجع رسول
الله صلى الله عليه وسلم الى المدينه .
وبعد ان ادب رسول الله صلى الله عليه وسلم المنافقين واليهود، خرج الرسول صلى الله
عليه وسلم في غزوه ذات الرقاع حتى استطاع تاديب الاعراب، وكان لهذه الغزوه اثرها في
قذف الرعب في قلوب الاعراب، وبذا استطاع الرسول صلى الله عليه وسلم ان يقضى على
الاحزاب، ليتفرغ لنشر الدعوه الاسلاميه ، وكانت هذه الغزوه في العام السابع الهجرى..
وفي ذي القعده من السنه السابعه من الهجره ، خرج رسول الله صلى الله عليه
وسلم والمسلمون الى مكه لاداء عمره القضاء، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد بعث
الحارث بن عمير الازدي الى عظيم بصرى، فعرض له
شرحبيل بن عمرو الغسانى عامل البلقاء من ارض الشام، من قبل قيصر، فامسك الحارث، واوثقه
ثم قتله، فامر الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابه بالخروج لتاديب هؤلاء، فخرج ثلاثه الاف
مقاتل، وقد جعل الرسول صلى الله عليه وسلم الرايه لزيد ثم لجعفر ان قتل، ثم
لعبد الله بن رواحه ، واتجه الجيش ناحيه
العدو حتى وصل الى مكان يقال له (مؤته ) وفوجئ الجيش بان جيش العدو عدده
مائتا الف مقاتل مقابل ثلاثه الاف واستقر الامر على الجهاد.
وقاتل المسلمون واستبسلوا، فقتل القائد زيد بن حارثه ، ثم قتل جعفر ثم قتل ابن
رواحه بعد قتال عنيف، ثم اتفق ان تكون الرايه لخالد بن الوليد الذي استطاع انقاذ
الجيش، وارهاب الاعداء مع كثره عددهم، ففي اليوم الثانى للقتال غير تنظيم الجيش، حتى ظن
الروم ان المسلمين جاءهم مدد، فلم يلاحقوهم، بينما انسحب خالد بالجيش بمهاره كبيره ، ولم
يقتل في هذه الغزوه الا اثنا عشر رجلا من المسلمين، وكانت في العام الثامن الهجرى.
وقد علم رسول الله صلى الله عليه وسلم ان بعض القبائل العربيه قد انضمت الى
الرومان، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص في جيش لتاديبهم، فلما
ذهب عمرو وراى كثره عدد المشركين ارسل الى الرسول صلى الله عليه وسلم يطلب مددا،
فبعث اليه بابي عبيده في مائتى رجل، واستطاع المسلمون هزيمه تلك القبائل، وعرفت هذه الحرب
بسريه ذات السلاسل، وكانت بعد غزوه مؤته في جمادى الاخره في العام الثامن الهجرى.
وحدث ان اعتدت بنو بكر -وكانت قد دخلت في حلف قريش حسب اتفاق الحديبيه –
على خزاعه التى دخلت في حلف النبي صلى الله عليه وسلم، وجاء عمرو بن سالم
الخزاعي الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستنصره، فقال له النبى: (نصرت يا عمرو
بن سالم) وعلمت قريش انها نقضت العهد، فذهب
ابو سفيان الى المدينه ليسترضي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه رجع دون فائده
، وتجهز الرسول صلى الله عليه وسلم في عشره الاف مقاتل من الصحابه لغزو مكه
دون ان تعلم قريش بذلك، وفي هذه الاثناء اسلم ابو سفيان، ولما قرب الرسول صلى
الله عليه وسلم من مكه كان ابو سفيان قد رجع
ليخبر القوم.
ودخل الرسول صلى الله عليه وسلم واصحابه مكه منتصرين فاتحين، واتجه الرسول صلى الله عليه
وسلم والصحابه خلفه ناحيه المسجد الحرام، فاستلم الرسول صلى الله عليه وسلم الحجر الاسود وطاف
بالبيت، وهدم الاصنام التى كانت حول الكعبه ، ثم نادى عثمان بن طلحه واخذ منه
مفتاح الكعبه فدخلها فوجد فيها صورا فمحاها، وخطب الرسول صلى الله عليه وسلم في قريش،
ثم قال لهم: ما ترون انى فاعل بكم؟ قالوا: خيرا، اخ كريم، وابن اخ كريم..
فقال: فانى اقول لكم كما قال يوسف لاخوته {لا تثريب عليكم اليوم} اذهبوا فانتم الطلقاء.
ثم رد المفتاح الى عثمان بن طلحه ، وكان قد حان وقت الصلاه ، فامر
بلال ان يصعد الكعبه ، فصعدها واذن، واهدر الرسول صلى الله عليه وسلم دم بعض
من اكابر المجرمين الذين عذبوا المسلمين واذوهم، فقتل بعضهم واسلم بعضهم، ثم اخذ الرسول صلى
الله عليه وسلم البيعه ممن اسلم من الرجال، ثم اخذ البيعه من النساء، واقام الرسول
تسعه عشر يوما في مكه يجدد معالم الاسلام فيها، وبعث نفرا من اصحابه لهدم الاصنام
التى كان منتشره في مكه ، وقد كان فتح مكه في العام الثامن من الهجره
.
وقد كان فتح مكه مرحله فاصله في تاريخ الاسلام، فقد كان لقريش مكانه عظيمه بين
القبائل العربيه ، فلما رات القبائل قريشا دخلت الاسلام، اسرعت القبائل تدخل في دين الله
افواجا، ولكن مسيره الجهاد لم تقف، فلقد ابت بعض القبائل العربيه ان تدخل الدين الجديد،
والا تستسلم كما استسلمت القبائل الاخرى، وكان من بين هذه القبائل هوازن وثقيف، وانضمت بعض
القبائل الاخرى تحت قياده مالك بن عوف، وخرج الجيش الاسلامى ناحيه (حنين) وكان مالك بن
عوف قد سبقهم اليها، ووزع الجيش في الوادي، ولما نزل المسلمون الوادي رشقهم العدو بالنبال،
حتى تقهقرت كتائب المسلمين، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم جمع شمل المسلمين الفارين واعاد
للجيش انتظامه، وحاربوا العدو، ونصرهم الله عليهم وغنموا غنائم كثيره ، وتفرق العدو الى الطائف
ونخله واوطاس.. وغير ذلك من الاماكن، وقد كانت هذه الغزوه في شوال من العام الثامن
الهجري.
وعلم الرسول صلى الله عليه وسلم ان معظم جيش هوازن وثقيف دخلوا الطائف، فخرج اليهم
رسول الله صلى الله عليه وسلم في اخر شوال وحاصرهم حصارا شديدا عده ايام، وبعدها
رفع الرسول صلى الله عليه وسلم الحصار عنهم فقال له بعض الصحابه : يا رسول
الله، ادع على ثقيف، فقال: اللهم اهد ثقيفا وائت بهم، وقسم الرسول صلى الله عليه
وسلم الغنائم، وبعد تقسيم الغنائم جاء وفد هوازن مسلمين، وطلبوا من الرسول صلى الله عليه
وسلم ان يرد عليهم غنائمهم، فطلب الرسول صلى الله عليه وسلم من الصحابه رد الغنائم
لوفد هوازن، فاستجابوا لامر الرسول صلى الله عليه وسلم، بعدها اعتمر الرسول صلى الله عليه
وسلم ثم رجع الى المدينه .
وفي العام التاسع من الهجره ، سمع الرسول صلى الله عليه وسلم ان الرومان تستعد
للقاء المسلمين، وقد تجمع معها بعض القبائل العربيه من النصارى، فاعلن رسول الله صلى الله
عليه وسلم انه خارج لقتال الروم، ودعا الى الجهاد والانفاق، وانفق الصحابه من اموالهم الكثير،
ولم يتخلف عن هذه الغزوه الا المنافقون وثلاثه من المؤمنين، وقد كان هذا الوقت شديد
الحر، الا ان المسلمين جاهدوا انفسهم في الخروج للجهاد، ولم يكف الزاد، وسمي هذا الجيش
بجيش العسره ، وخرج الرسول صلى الله عليه وسلم في رجب من العام التاسع الهجري
تجاه تبوك، حتى وصل اليها وعسكر فيها خمسين يوما.
ولما سمع الروم به خافوا، فلم يخرجوا لقتال المسلمين، وجاء اليه بعض الرومان واصطلحوا معه
على دفع الجزيه ، وانتشر الخبر في الجزيره العربيه ، فازداد الاسلام قوه الى قوته،
ورجعت اليه القبائل التى كانت تنوى الاحتماء بالرومان، وعاد الرسول صلى الله عليه وسلم في
رمضان من هذه السنه مظفرا منتصرا، وفي هذه السنه توفي النجاشى ملك الحبشه ، وصلى
عليه الرسول صلى الله عليه وسلم صلاه الغائب، كما توفيت ام كلثوم بنت النبي صلى
الله عليه وسلم ومات راس المنافقين عبدالله بن ابى بن سلول.
وفي ذي الحجه من العام التاسع الهجري بعث الرسول صلى الله عليه وسلم ابا بكر
اميرا على الحج، فحج بالمسلمين، ودخل الناس في الاسلام افواجا، فاتت القبائل الى الرسول صلى
الله عليه وسلم متتاليه متتابعه معلنه اسلامها لله، وفي
ذي الحجه من العام العاشر الهجري خرج الرسول صلى الله عليه وسلم الى مكه وحج
بالناس حجه الوداع، بعد ان اعلمهم امور الدين، وخطب فيهم خطبه وضع فيها الاسس التى
يسيرون عليها في حياتهم استكمالا للرساله التى جاء بها الى الناس.
وفي اوائل صفر من العام الحادي عشر الهجري خرج النبي صلى الله عليه وسلم الى
احد، وصلى على الشهداء كانه يودعهم، وفي ليله من الليالى خرج الى البقيع فاستغفر للموتى،
ومرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما اشتد عليه المرض امر ابا بكر ان
يصلى بالناس، وفي هذه الايام كان الرسول يخرج للناس اذا وجد خفه في نفسه، فخرج
اليهم ذات مره ، فوعظهم وذكرهم، والمح بان اجله قد اقترب، ولم يفهم ذلك من
الصحابه الا ابو بكر، وقبل ان يتوفى النبي صلى الله عليه وسلم بيوم اعتق غلمانه،
وتصدق بسبعه دنانير كانت عنده.
وفي اليوم الاخير من مرض النبي صلى الله عليه وسلم، وفي فجر يوم الاثنين الثاني
عشر من ربيع الاول من العام الحادي عشر من الهجره كان الرسول صلى الله عليه
وسلم في حجره عائشه ، فرفع الستار وراى المسلمين يصلون الفجر، فتبسم وفي وقت الضحى
صعدت الروح الطاهره الزكيه الى ربها بعدما ادت ما عليها فحزن الصحابه -رضوان الله عليهم-
حزنا شديدا لوفاه النبي صلى الله عليه وسلم، وغسلوا الجسد الشريف ليله الثلاثاء من غير
ان يجردوا الرسول صلى الله عليه وسلم من الثياب، وحفر قبره صلى الله عليه وسلم
في حجرته، ودخل الناس جماعات يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم، بعد ما ادى
ما عليه من امانه الله، فصلوات الله وسلامه عليه.
كيف اسلم باذان؟
قال تعالى:- {فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام …} سوره الانعام ايه 125
جهز عبد الله بن حذافه راحلته، وودع صاحبته وولده، ومضى الى غايته ترفعه النجاد، وتحطه
الوهاد، وحيدا، فريدا، ليس معه الا الله .
حتى بلغ ديار فارس، فاستاذن بالدخول على ملكها، واخطر الحاشيه بالرساله التي يحملها له، عند
ذلك امر كسرى بايوانه فزين، ودعا عظماء فارس لحضور مجلسه فحضروا، ثم اذن لعبد الله
ابن حذافه بالدخول عليه .
دخل عبد الله بن حذافه على سيد فارس، مشتملا شملته الرقيقه ، مرتديا عباءته الصفيقه
، عليه بساطه الاعراب، لكنه كان عالي الهمه ، مشدود القامه ، تتاجج بين جوانحه
عزه الاسلام، وتتوقد في فؤاده كبرياء الايمان .
المؤمن له هيبه ، ومن هاب الله هابه كل شيء .
فما ان راه كسرى مقبلا، حتى اوما الى احد رجاله ان ياخذ الكتاب من يده،
فقال عبد الله بن حذافه :
لا، انما امرني رسول الله صلى الله عليه وسلم ان ادفعه اليك يدا بيد، وانا
لا اخالف امر رسول الله .
فقال كسرى لرجاله: اتركوه يدنو مني، فدنا من كسرى حتى ناوله الكتاب بيده، ثم دعا
كسرى كاتبا عربيا من اهل الحيره ، وامره ان يفض الكتاب بين يديه، وان يقراه
عليه، فاذا فيه:
”
من محمد رسول الله الى كسرى عظيم فارس، سلام الله على من اتبع الهدى، وامن
بالله ورسوله، وشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له، وان محمدا عبده
ورسوله، وادعوك بدعايه الله، فاني انا رسول الله الى الناس كافه ، لينذر من كان
حيا ويحق القول على الكافرين فاسلم تسلم، فان ابيت فان اثم المجوس عليك.”
فما ان سمع كسرى هذه الرساله ، حتى اشتعلت نار الغضب في صدره، فاحمر وجهه،
وانتفخت اوداجه، لان الرسول عليه الصلاه والسلام، بدا بنفسه، وبداه بقوله: من محمد رسول الله
الى كسرى، فكان تفكير كسرى تفكيرا شكليا، ولم يفهم المضمون، ولم يهتم له، فغضب للشكل
.
غضب هذا الرجل المغرور المتكبر رغم ان النبى صلى الله عليه وسلم خاطبه بالعظمه فقال
(الى عظيم الفرس)، وكان النبى صلى الله عليه وسلم دقيقا فى الفاظه فلم يقل (سلام
عليك) بل قال (سلام على من اتبع الهدى)، اي ان اتبعت الهدى فسلام عليك، وان
لم تتبع الهدى، فالسلام ليس عليك، على من اتبع الهدى… وهكذا ..
ولكن انى ياتى الخير من رجل امتلات نفسه كبرا وتيها فظن انه الوحيد وما عداه
صفرا .
وكيف يؤمل الانسان خيرا… وما ينفك متبعا هواه
يظن بنفسه قدرا وشرفا … كان الله لم يخلق سواه
ولعل كسرى انفعل هذا الانفعال الشديد بسبب هزيمته الاخيره التى نالها على ايدى الروم، فظن
ان الاعراب والتابعين بداوا يتجراون عليه بسبب هزيمته .
لقد فقد كسرى توازنه تماما اذ انه جلب الرساله من يد كاتبه، وجعل يمزقها دون
ان اى شر يجره على نفسه، مزقها وهو يصيح: ايكتب لي بهذا، وهو عبدي؟.
لانه من اتباعه، ولان باذان عامله على اليمن، تابع لكسرى، والمناذره وعاصمتهم الحيره يتبعون كسرى،
فهذا الذي قال له:
من محمد رسول الله هو من عبيده، هكذا يفهم كسرى، قال: ايكتب لي بهذا وهو
عبدي؟!!!
ثم امر بعبد الله بن حذافه ، ان يخرج من مجلسه، فاخرج .
فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الخبر قال: “اللهم مزق ملكه”
قام كسرى منتفخا وامر كاتبه ان يكتب الى باذان نائبه على اليمن: ان ابعث الى
هذا الرجل، الذي ظهر بالحجاز، رجلين جلدين من عندك، ومرهما ان ياتياني به .
ولم تكن هذه المره الاولى التى يسمع بها اهل اليمن عن دعوه الاسلام اذ ان
ارض الحجاز ليست بعيده عن اهل اليمن فهناك ارتباط وثيق بين البلدين من زمن بعيد
من حيث الموقع الجغرافى ومن حيث الرحلات التجاريه التى كانت قريش تقوم بها فى رحلتى
الشتاء والصيف .
وقد سمع اهل اليمن عن رجل يدعى النبوه من اهل مكه وسمعوا انه خرج طريدا
الى يثرب واقام بها حتى الان اى قرابه عشرين عاما -اذ ظل النبى فى مكه
ثلاثه عشر عاما وها نحن فى العام السابع للهجره – كل هذا والامر حتى الان
لا يعنيهم بل يتابعونه من بعيد.
لكن باذان ما ان وصلته رساله سيده كسرى حتى انتدب رجلين من خيره رجاله الى
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحملهما رساله له، يامره فيها بان ينصرف معهما الى
لقاء كسرى، دون ابطاء، وطلب الى الرجلين ان يقفا على خبر النبي صلى الله عليه
وسلم، وان يستقصيا امره، وان ياتياه بما يقفان عليه من معلومات .
فخرج الرجلان يغذان السير الى غايتهما شطر المدينه ، حتى اذا بلغاها علما مما رايا
من تعظيم اهل المدينه للنبى صلى الله عليه وسلم وحبهم له مدى خطوره المهمه التى
اقبلا من اجلها حيث انهما لا يستطيعان ان ياتيا بمحمد الا اذا اتيا باهل المدينه
اجمعين، نظرا للمحبه والفداء التى يصنعها اهل المدينه لمحمد صلى الله عليه وسلم .
ولما دخلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد حلقا لحاهما واعفيا شواربهما، فكره
النظر اليهما، واظهر ذلك لهما وقد اشاح بوجهه الى الجانب الاخر حتى لا ينظر اليهما
وقال: (ويلكما من امركما بهذا؟ قالا امرنا ربنا يعنيان كسرى فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم ولكن ربي امرني باعفاء لحيتي وقص شاربي) .
ودفع الرجلان الى النبى صلى الله عليه وسلم رساله باذان، وقالا له: ان ملك الملوك
كسرى كتب الى ملكنا باذان، ان يبعث اليك من ياتيه بك، وقد اتيناك لتنطلق معنا
اليه، “شرف معنا” فان اجبتنا، كلمنا كسرى بما ينفعك، ويكف اذاه عنك، وان ابيت، فهو
من قد علمت سطوته وبطشه وقدرته على اهلاكك، واهلاك قومك، ” اذا قلت: لا، فان
كسرى قادر على ان يهلكك، ويهلك قومك .
لم يغضب النبي صلى الله عليه وسلم بل تبسم عليه الصلاه والسلام، وقال لهما: ارجعا
الى رحالكما اليوم، وائتيا غدا .
فلما غدوا على النبي صلى الله عليه وسلم في اليوم التالي، قالا له: هل اعددت
نفسك للمضي معنا الى لقاء كسرى؟
فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: ان ربى قتل ربكما الليله .
لن تلقيا كسرى بعد اليوم، فلقد قتله الله، حيث سلط عليه ابنه شيرويه في ليله
كذا من شهر كذا وقتله .
انه خبر الوحي، نقله ببروده ، لن تلقياه بعد اليوم، لقد قتله الله، لانه مزق
الكتاب .
فحدقا في وجه النبي، وبدت الدهشه على وجهيهما، وقالا: اتدري ما تقول!! انكتب بذلك لباذان؟
قال: نعم، وقولا له: ان ديني سيبلغ ما وصل اليه ملك كسرى، وانك ان اسلمت،
اعطيتك ما تحت يديك، وملكتك على قومك.
بلغا باذان وقولا له: ان ملكي سيصل الى ملك كسرى، وانت ان اسلمت اقررناك على
ملكك، اختلف الامر اختلافا كليا .
خرج الرجلان من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقدما على باذان، وقالا له
لقد ارسلتنا الى رجل ناتيك به لا نستطيع ان ناتى به الا اذا اتيناك باهل
المدينه جميعا، واخبراه الخبر .
طار عقل باذان، لكن باذان كان رجلا لبيبا عاقلا حازما يعرف مصادر الامور ومواردها، فقال
لمن حوله: ان الامر لا يحتاج الى اكثر من شهر لنعرف حقيقه محمد .
قال له جلساؤه: كيف ذلك؟
قال باذان: ننتظر حتى تاتينا الرسل من فارس، فلئن كان ما قال محمد من قتل
كسرى حقا فان محمد نبي صادق . اما ان كان غير ذلك فلنا معه شان
اخر .
لم يكن وقتها اقمار صناعيه ، او محطات بث مباشر، او محطات وكالات انباء عالميه
، لم يكن لهذا كله وجود، بل ان الخبر يومها يحتاج الى شهر كامل او
يزيد حتى ينتقل الى اليمن .
وعلم اهل اليمن بالقصه كلها، فظل باذان ومن معه من اهل اليمن فى انتظار الرسل
من قبل كسرى ..
انتظروا شهرا كاملا ..
حتى جاءت الرسل .. فقال لهم اهل اليمن : هل حقا قتل كسرى . فتعجب
الرسل ..
فغروا افواههم قائلين: من اخبركم؟! من اعلمكم؟!
قال باذان كيف تم ذلك؟!
قالوا: لقد قامت ثوره كبيره ضد كسرى من داخل بيته بعد ان لاقت جنوده هزيمه
منكره امام جنود قيصر، فقد قام شيرويه بن كسرى على ابيه فقتله، واخذ الملك لنفسه،
وكان ذلك في ليله الثلاثاء لعشر مضين من جمادى الاولى سنه سبع ه، واستلم حكمه
فحسبوا الليله التى قتل فيها فاذا هى الليله التى اخبر عنها رسول الله صلى الله
عليه وسلم .
فض باذان رساله شيرويه التى فيها:
“اما بعد فقد قتلت كسرى، ولم اقتله الا انتقاما لقومنا، فقد استحل قتل اشرافهم، وسبي
نسائهم، وانتهاب اموالهم، فاذا جاءك كتابي هذا فخذ لي الطاعه ممن عندك”.
فما ان قرا باذان كتاب شيرويه، حتى طرحه جانبا، واعلن دخوله في الاسلام، واسلم من
كان معه من الفرس في بلاد اليمن .
يا لا باذان!!
لقد امن قلبه وفؤاده
وسجد لله رب العالمين ..
وامن معه اهل اليمن .
فلقد تاكدوا من صدق ما قاله محمد، ولمسوا ذلك بانفسهم ..
وقالوا: لم يعد لنا قبله نتوجه اليها الا حيث يتوجه محمد وصحبه.
وصل الخبر الى مدينه رسول الله يعلمهم باسلام باذان واسلام اهل اليمن التى هى امتدادا
جعرافيا للجزيره العربيه .
وفرح النبى صلى الله عليه وسلم باسلامهم فرحا شديدا، وقال لاصحابه مرحبا بوفدهم: (اتاكم اهل
اليمن، هم ارق قلوبا منكم، والين افئده ، وهم اول من جاء بالمصافحه ) ..
ثم قال صلى الله عليه وسلم: “الايمان يمان، الفقه يمان، والحكمه يمانيه ” .
وارسل اليهم جماعه من اكابر اصحابه يعلمونهم الاسلام منهم الصحابى الجليل على بن ابى طالب
ثم معاذ بن جبل الذى قال معلما اياه: “انك تقدم على قوم اهل كتاب فليكن
اول ما تدعوهم اليه ان يوحدوا الله تعالى فاذا عرفوا ذلك فاخبرهم ان الله فرض
عليهم خمس صلوات فى يومهم وليلتهم فاذا صلوا فاخبرهم ان الله افترض عليهم زكاه فى
اموالهم تؤخذ من اغنيائهم فترد على فقيرهم فاذا اقروا بذلك فخذ منهم وتوق كرائم اموال
الناس”
انها خطوات مفصله يعلم بها النبى صلى الله عليه وسلم اصحابه ان يبداوا بالاهم فالمهم
كما يقول القائل:
العلم ان طلبته كثير .. والعمر فى تحصيله قصير ..
فقدم الاهم منه فالاهم
وامر النبى صلى الله عليه وسلم ان يظل باذان على ملكه ..
يا لا باذان .. نال عز الدنيا، وسعاده الاخره !
اما كسرى ففى مزبله التاريخ، لقد مزق الله ملكه، فلم تقم له قائمه بعد ذلك.
وما هى الا سنوات معدودات حتى كانت مطارق الفتح الاسلامى تضرب ايوان كسرى وتسيطر عليه
ودخل الصحابى الجليل سعد ابن ابى وقاص ايوان كسرى بعد هزيمتهم دخل باكيا يقرا قول
الله تعالى:
{كم تركوا من جنات وعيون . وزروع ومقام كريم . ونعمه كانوا فيها فاكهين. كذلك
واورثناها قوما اخرين . فما بكت عليهم السماء والارض وما كانوا منظرين} سوره الدخان ايه
25 :29 .
الصحابه
خليفه رسول الله ابو بكر الصديق
انه الصديق ابو بكر -رضي الله عنه-، كان اسمه في الجاهليه عبد الكعبه بن عثمان
بن عامر فسماه رسول الله ( عبد الله، فهو عبد الله بن ابي قحافه ،
وامه ام الخير سلمى بنت صخر.
ولد في مكه بعد ميلاد النبي ( بسنتين ونصف، وكان رجلا شريفا عالما بانساب قريش،
وكان تاجرا يتعامل مع الناس بالحسنى.
وكان ابو بكر صديقا حميما لرسول الله (، وبمجرد ان دعاه الرسول ( للاسلام اسرع
بالدخول فيه، واعتنقه؛ لانه يعلم مدى صدق النبي ( وامانته، يقول النبي (:”ما دعوت احدا
الى الاسلام الا كانت عنده كبوه وتردد ونظر، الا ابا بكر
ما عكم (ما تردد) عنه حين ذكرته ولا تردد فيه”[ابن هشام].
وجاهد ابو بكر مع النبي ( فاستحق بذلك ثناء الرسول ( عليه اذ يقول: “لو
كنت متخذا خليلا؛ لاتخذت ابا بكر، ولكن اخي وصاحبي” [البخاري].
ومنذ اعلن ابو بكر الصديق اسلامه، وهو يجاهد في سبيل نشر الدعوه ، فاسلم على
يديه خمسه من العشره المبشرين بالجنه وهم: عثمان بن عفان، والزبير بن العوام، وطلحه بن
عبيد الله، وسعد بن ابي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف-رضي الله عنه-.
وكانت الدعوه الى الاسلام في بدايتها سريه ، فاحب ابو بكر ان تمتلئ الدنيا كلها
بالنور الجديد، وان يعل الرسول ( ذلك على الملا من قريش، فالح ابو بكر على
النبي ( في ان يذهب الى الكعبه ، ويخاطب جموع المشركين، فكان النبي ( يامره
بالصبر وبعد الحاح من ابي بكر، وافق النبي (، فذهب ابو بكر عند الكعبه ،
وقام في الناس خطيبا ليدعو المشركين الى ان يستمعوا الى رسول الله (، فكان اول
خطيب يدعو الى الله، وما ان قام ليتكلم، حتى هجم عليه المشركون من كل مكان،
واوجعوه ضربا حتى كادوا ان يقتلوه، ولما افاق -رضي الله عنه- اخذ يسال عن رسول
الله ( كي يطمئن عليه، فاخبروه ان رسول الله ( بخير والحمد لله، ففرح فرحا
شديدا.
وكان ابو بكر يدافع عن رسول الله ( بما يستطيع، فذات يوم بينما كان ابو
بكر يجلس في بيته، اذ اسرع اليه رجل يقول له ادرك صاحبك. فاسرع -رضي الله
عنه-؛ ليدرك رسول الله ( فوجده يصلي في الكعبه ، وقد اقبل عليه عقبه بن
ابي معيط، ولف حول عنقه ثوبا، وظل يخنقه، فاسرع -رضي الله عنه- ودفع عقبه عن
رسول الله ( وهو يقول: اتقتلون رجلا ان يقول ربي الله؟! فالتفت المشركون حوله وظلوا
يضربونه حتى فقد وعيه، وبعد ان عاد اليه وعيه كانت اول جمله يقولها: ما فعل
رسول الله؟
وظل ابو بكر-رضي الله عنه-يجاهد مع النبي ( ويتحمل الايذاء في سبيل نشر الاسلام، حتى
اذن الرسول ( لاصحابه بالهجره الى الحبشه ، حتى اذا بلغ مكانا يبعد عن مكه
مسيره خمس ليال لقيه ابن الدغنه احد سادات مكه ، فقال له: اين تريد يا
ابا بكر ؟
فقال ابو بكر: اخرجني قومي فاريد ان اسيح في الارض واعبد ربي. فقال ابن الدغنه
: فان مثلك يا ابا بكر لا يخرج ولا يخرج، انا لك جار (اي احميك)،
ارجع، واعبد ربك ببلدك، فرجع ابو بكر-رضي الله عنه- مع ابن الدغنه ، فقال ابن
الدغنه لقريش: ان ابا بكر لا يخرج مثله، ولا يخرج، فقالوا له: اذن مره ان
يعبد ربه في داره ولا يؤذينا بذلك، ولا يعلنه، فانا نخاف ان يفتن نساءنا وابناءنا،
ولبث ابو بكر يعبد ربه في داره.
وفكر ابو بكر في ان يبني مسجدا في فناء داره يصلي فيه ويقرا القران، فلما
فعل ذلك اخذت نساء المشركين وابناؤهم يقبلون عليه، ويسمعونه، وهم معجبون بما يقرا، وكان ابو
بكر رقيق القلب، كثير البكاء عندما يقرا القران، ففزع اهل مكه وخافوا، وارسلوا الى ابن
الدغنه ، فلما جاءهم قالوا: انا كنا تركنا ابا بكر بجوارك، على ان يعبد ربه
في داره، وقد جاوز ذلك فابتنى مسجدا بفناء داره، فاعلن بالصلاه والقراءه فيه، وانا قد
خشينا ان يفتن نساءنا وابناءنا فانهه، فليسمع كلامك او يرد اليك جوارك.
فذهب ابن الدغنه الى ابي بكر وقال له: اما ان تعمل ما طلبت قريش او
ان ترد الي جواري، فاني لا احب ان تسمع العرب اني اخفرت رجلا عقدت له
(نقضت عهده)، فقال ابو بكر في ثقه ويقين: فان ارد اليك جوارك، وارضى بجوار الله
عز وجل.
وتعرض ابو بكر مرات كثيره للاضطهاد والايذاء من المشركين، لكنه بقي على ايمانه وثباته، وظل
مؤيدا للدين بماله وبكل ما يملك، فانفق معظم ماله حتى قيل: انه كان يملك اربعين
الف درهم انفقها كلها في سبيل الله، وكان -رضي الله عنه- يشتري العبيد المستضعفين من
المسلمين ثم يعتقهم ويحررهم.
وفي غزوه تبوك، حث النبي ( على الصدقه والانفاق، فحمل ابو بكر ماله كله واعطاه
للنبي (، فقال رسول الله ( له: “هل ابقيت لاهلك شيئا؟” فقال: ابقيت لهم الله
ورسوله، ثم جاء عمر -رضي الله عنه- بنصف ماله فقال له الرسول: “هل ابقيت لاهلك
شيئا؟” فقال نعم نصف مالي، وبلغ عمر ما صنع ابو بكر فقال “والله لا اسبقه
الى شيء ابدا” [الترمذي].
فقد كان رضي الله عنه يحب رسول الله حبا شديدا، وكان الرسول ( يبادله الحب،
وقد سئل النبي ( ذات يوم: اي الناس احب اليك؟ فقال: “عائشه ” فقيل له:
من الرجال، قال: “ابوها” [البخاري]. وكان -رضي الله عنه- يقف على جبل احد مع رسول
الله ( ومعهما عمر، وعثمان-رضي الله عنهما-، فارتجف الجبل، فقال له الرسول (: “اسكن احد،
فليس عليك الا نبي وصديق وشهيدان” [البخاري].
ولما وقعت حادثه الاسراء والمعراج، واصبح النبي ( يحدث الناس بانه قد اسري به من
المسجد الحرام الى المسجد الاقصى، ثم عرج به الى السماء السابعه ، قال المشركون: كيف
هذا، ونحن نسير شهرا حتى نصل الى بيت المقدس؟! واسرعوا الى ابي بكر وقالوا له:
ان صاحبك يزعم انه اسري به الى بيت المقدس! فقال ابو بكر: ان كان قال
ذلك فقد صدق، اني اصدقه في خبر السماء ياتيه.
فسماه الرسول ( منذ تلك اللحظه (الصديق).[ابن هشام]، كذلك كان ابو بكر مناصرا للرسول ومؤيدا
له حينما اعترض بعض المسلمين على صلح الحديبيه .
وحينما اذن الله تعالى لرسوله بالهجره ، اختاره الرسول ( ليكون رفيقه في هجرته، وظلا
ثلاثه ايام في غار ثور، وحينما وقف المشركون امام الغار، حزن ابو بكر وخاف على
رسول الله (، وقال: يا رسول الله، لو ان احدهم نظر الي قدميه، لابصرنا، فقال
له الرسول (: “ما ظنك يا ابا بكر باثنين الله ثالثهما”[البخاري].
وشهد ابو بكر مع رسول الله ( جميع الغزوات، ولم يتخلف عن واحده منها، وعرف
الرسول ( فضله، فبشره بالجنه وكان يقول: “ما لاحد عندنا يد الا وقد كافاناه ما
خلا ابا بكر، فان له عندنا يدا يكافئه الله بها يوم القيامه “[الترمذي].
وكان ابو بكر شديد الحرص على تنفيذ اوامر الله، فقد سمع النبي ( ذات يوم
يقول: من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله اليه يوم القيامه “، فقال ابو بكر:
ان احد شقي ثوبي يسترخي الا ان اتعاهد ذلك منه، فقال له النبي (: “انك
لست تصنع ذلك خيلاء” [البخاري]. وكان دائم الخوف من الله، فكان يقول: لو ان احدى
قدمي في الجنه والاخرى خارجها ما امنت مكر ربي (عذابه).
ولما انتقل الرسول ( الى الرفيق الاعلى، اجتمع الناس حول منزله بالمدينه لا يصدقون ان
رسول الله ( قد مات، ووقف عمر يهدد من يقول بذلك ويتوعد، وهو لا يصدق
ان رسول الله قد مات، فقدم ابو بكر، ودخل على رسول الله ( وكشف الغطاء
عن وجهه الشريف، وهو يقول: طبت حيا وميتا يا رسول الله وخرج -رضي الله عنه-
الى الناس المجتمعين، وقال لهم: ايها الناس، من كان منكم يعبد محمدا ( فان محمدا
قد مات، ومن كان منكم يعبد الله فان الله حي لا يموت، فان الله تعالى
قال: (وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل افان مات او قتل انقلبتم
على اعقابكم) [ال عمران: 144].
ويسرع كبار المسلمين الى السقيفه ، ينظرون فيمن يتولى امرهم بعد رسول الله (، وبايع
المسلمون ابا بكر بالخلافه بعد ان اقتنع كل المهاجرين والانصار بان ابا بكر هو اجدر
الناس بالخلافه بعد رسول الله (، ولم لا؟ وقد ولاه الرسول ( امر المسلمين في
دينهم عندما مرض وثقل عليه المرض، فقال: “مروا ابا بكر فليصل بالناس” [متفق عليه].
وبعد ان تولى ابو بكر الخلافه ، وقف خطيبا في الناس، فقال:
“ايها الناس ان قد وليت عليكم ولست بخيركم، فان احسنت فاعينوني، وان اسات فقوموني، الصدق
امانه ، والكذب خيانه ، والضعيف منكم قوي عندي حتى اريح (ازيل) علته ان شاء
الله، والقوي فيكم ضعيف حتى اخذ منه الحق ان شاء الله، ولا يدع قوم الجهاد
في سبيل الله الا ضربهم الله بالذل، ولا يشيع قوم قط الفاحشه ؛ الا عمهم
الله بالبلاء، اطيعوني ما اطعت الله ورسوله، فان عصيت الله ورسوله؛ فلا طاعه لي عليكم.
وقد قاتل ابو بكر -رضي الله عنه- المرتدين ومانعي الزكاه ، وقال فيهم: والله لو
منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه لرسول الله ( لقاتلتهم عليه. وكان يوصي الجيوش الا يقتلوا
الشيخ الكبير، ولا الطفل الصغير، ولا النساء، ولا العابد في صومعه ، ولا يحرقوا زرعا
ولا يقلعوا شجرا.
وانفذ ابو بكر جيش اسامه بن زيد؛ ليقاتل الروم، وكان الرسول ( قد اختار اسامه
قائدا على الجيش رغم صغر سنه، وحينما لقى النبي ( ربه صمم ابو بكر على
ان يسير الجيش كما امر الرسول (، وخرج بنفسه يودع الجيش، وكان يسير على الارض
وبجواره اسامه يركب الفرس، فقال له اسامه : يا خليفه رسول الله، اما ان تركب
او انزل. فقال: والله لا اركبن ولا تنزلن، ومالي لا اغبر قدمي في سبيل الله.
وارسل -رضي الله عنه- الجيوش لفتح بلاد الشام والعراق حتى يدخل الناس في دين الله.
ومن ابرز اعماله-رضي الله عنه-انه امر بجمع القران الكريم وكتابته بعد استشهاد كثير من حفظته.
وتوفي ابو بكر ليله الثلاثاء الثاني والعشرين من جمادى الاخره في السنه الثالثه عشره من
الهجره ، وعمره (63) سنه وغسلته زوجته اسماء بنت عميس حسب وصيته، ودفن الى جوار
الرسول (.
وترك من الاولاد: عبد الله، وعبد الرحمن، ومحمد، وعائشه واسماء، وام كلثوم
-رضي الله عنهم-. وروى عن رسول الله ( اكثر من مائه حديث.
- حياة زكية موضوعات قصص الارسولا لله