انه يونس بن متى صلى الله عليه وعلى سائر الانبياء، عاش في ارض الموصل، وبعثه
الله الى اهل نينوى، وسمي في القران سوره باسمه، وذكره في معرض قصص الانبياء؛ فقال
تعالى: (وذا النون اذ ذهب مغاضبا فظن ان لن نقدر عليه فنادى في الظلمات ان
لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك
ننجي المؤمنين) الانبياء:78-88.
الحمد لله الذي انزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا، واشهد ان لا اله
الا الله وحده لا شريك له، اعطى كل شيء خلقه ثم هدى، (يعلم ما يلج
في الارض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم اين
ما كنتم والله بما تعملون بصير) [الحديد:4].
واشهد ان محمدا عبده ورسوله فضله بالنبوه ، وعلمه بالرساله ما لم يكن يعلم، وكان
فضل الله عليه عظيما.
اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر النبيين والمرسلين، وارض اللهم عن الصحابه اجمعين والتابعين، ومن
تبعهم باحسان الى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.
(يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند
الله اتقاكم ان الله عليم خبير) [الحجرات:13]. (يا ايها الذين امنوا اتقوا الله وابتغوا اليه
الوسيله وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون) المائده :35.
عباد الله: في القصص بشكل عام سلوه وعبره ، واحسن القصص قصص القران: (لقد كان
في قصصهم عبره لاولي الالباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل
كل شيء وهدى ورحمه لقوم يؤمنون) [يوسف:111].
وساورد لكم –في هذه الخطبه – طرفا من قصه نبي رسول دعا قومه فلم يستجيبوا
له اول الامر، فذهب مغاضبا لهم، وركب البحر وشاء الله ان تقف به وبمن معه
السفينه في لج البحر، او تهيج بها الرياح العاتيه ، مما احوج الى الاقتراع وانزال
احد ركابها، فوقع السهم على هذا النبي، فكان من المدحضين، فالتقمه الحوت وهو مليم، ولذا
نسب الى الحوت فيقل له: (ذو النون)، وعاش فتره في بطن الحوت، لا يهشم له
لحما، ولا يكسر له عظما، لكنه في ظلمات موحشه ، وانقذه الله منها – وان
خرج سقيما ضعيفا – بسبب تعرفه على الله في الشده كما كان يعرفه في الرخاء،
واذا احتمى الانبياء بحمى الله واعترفوا له بالخطيئه ، ودعوه بالفرج فغيرهم اولى بذلك.
انه يونس بن متى صلى الله عليه وعلى سائر الانبياء، عاش في ارض الموصل، وبعثه
الله الى اهل نينوى، وسمي في القران سوره باسمه، وذكره في معرض قصص الانبياء؛ فقال
تعالى: (وذا النون اذ ذهب مغاضبا فظن ان لن نقدر عليه فنادى في الظلمات ان
لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك
ننجي المؤمنين) [الانبياء:78-88].
وفي “الصافات” عرض وتفصيل لبعض ما اجمل في قصته، وفي سوره “القلم” تذكير لمحمد صلى
الله عليه وسلم والمؤمنين بقصه يونس، واخذ العبره منها. وفي قصه يونس –بشكل عام- درس
وعبره للامه التي نزل عليها القران، وفيها حكم واداب ودعاء مستجاب يتجاوز يونس الى غيره
من المؤمنين –كما سياتي البيان.
ايها المسلمون: وقبل ان اقف على شيء من دروس قصه يونس عليه السلام، اسوق لكم
تفصيلا اكثر لقصته وردت في السنه ، رواها ابن ابي شيبه في “مصنفه” وعزاها صاحب
“الدرر المنثور” الى احمد في “الزهد”، وعبد بن حميد، وابن ابي حاتم وغيره، ونقل الحافظ
ابن حجر مقطعا منه وحكم بصحه روايه ابن ابي حاتم كما في “الفتح” وصححها غيره.
والروايه بنصها عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: “ان يونس عليه السلام كان وعد
قومه العذاب، واخبرهم انه ياتيهم الى ثلاثه ايام، فتفرقوا بين كل والده ، وولدها، ثم
خرجوا فجاروا الى الله واستغفروه، فكف الله عنهم العذاب، وغدا يونس عليه السلام ينتظر العذاب
فلم ير شيئا، وكان من كذب ولم يكن له بينه قتل، فانطلق مغاضبا، حتى اتى
قوما في سفينه ، فحملوه، وعرفوه.
فلما دخل السفينه ركدت، والسفن تسير يمينا وشمالا، فقال: ما بال سفيتكم؟ قالوا: ما ندري.
قال: ولكني ادري، ان فيها عبدا ابق من ربه، وانها والله لا تسير حتى تلقوه،
قالوا: اما انت والله يا نبي الله فلا نلقيك.
فقال لهم يونس عليه السلام: اقترعوا فمن قرع فليقع، فاقترعوا، فقرعهم يونس عليه السلام ثلاث
مرار، فوقع وقد وكل به الحوت، فلما وقع ابتلعه فاهوى به الى قرار الارض، فسمع
يونس عليه السلام تسبيح الحصى:(فنادى في الظلمات ان لا اله الا انت سبحانك اني كنت
من الظالمين) [الانبياء: 87] قال: ظلمه بطن الحوت وظلمه البحر، وظلمه الليل.
قال:(لولا ان تداركه نعمه من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم) [القلم:49].
قال: كهيئه الفرخ الممعوط الذي ليس عليه ريش، وانبت الله عليه شجره من يقطين، فكان
يستظل بها او يصيب منها فيبست، فبكى عليها حين يبست، فاوحى الله اليه: اتبكي على
شجره ان يبست، ولا تبكي على مئه الف او يزيدون، اردت ان تهلكهم؟!
فخرج فاذا هو بغلام يرعى غنما، فقال: ممن انت يا غلام؟ قال: من قوم يونس،
قال: فاذا رجعت اليهم فاقرئهم السلام، واخبرهم انك لقيت يونس.
فقال الغلام: ان تكن يونس فقد تعلم انه من كذب ولم يكن له بينه قتل،
فمن يشهد لي؟ قال: تشهد لك هذه الشجره ، وهذه البقعه .
فقال الغلام ليونس: مرهما، فقال لهما يونس عليه السلام: اذا جاءكما هذا الغلام فاشهدا له،
قالتا: نعم.
فرجع الغلام الى قومه، وكان له اخوه ، فكان في منعه فاتى الملك، فقال: اني
لقيت يونس وهو يقرا عليكم السلام، فامر به الملك ان يقتل، فقال: ان له بينه
، فارسل معه، فانتهوا الى الشجره والبقعه ، فقال لهما الغلام: نشدتكما بالله هل اشهدكما
يونس؟ قالتا: نعم، فرجع القوم مذعورين يقولون: تشهد لك الشجره والارض! فاتوا الملك، فحدثوه بما
راوا، فتناول الملك يد الغلام فاجلسه في مجلسه، وقال: انت احق بهذا المكان مني، واقام
لهم امرهم ذلك الغلام اربعين سنه .
اخوه الايمان! ومن دروس القصه : اهميه الصبر والحاجه الى التواصي به، ان في دعوه
النفس الى الخير وترويضها عليه او دعوه الاخرين بذلك، ولهذا جاء تانيس محمد صلى الله
عليه وسلم به، وتذكيره بقصه يونس في سبيل دعوه قومه:(فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب
الحوت اذ نادى وهو مكظوم لولا ان تداركه نعمه من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم
فاجتباه ربه فجعله من الصالحين) [القلم:48-50].
ثانيا: وما قدره الله على يونس لحكمه بالغه ، لا يقلل من شانه ولا ينبغي
لاحد ان يقول عنه انه افضل منه، ولذا ورد في “الصحيحين” عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم انه قال: “لا ينبغي لعبد ان يقول: انا خير من يونس بن
متى”.
قال الحافظ ابن حجر: وقيل: خص يونس بالذكر، لما يخشى على من سمع قصته ان
يقع في نفسه تنقيص له، فبالغ في ذكر فضله لسد هذه الذريعه .
ثالثا: قدره الله عظمه في كل شيء، وهي واضحه المعالم في قصه صاحب الحوت، فيونس
يظل حيا، وان غيب في ظلمه البحر وظلمه بطن الحزت وظلمه الليل، والحصى يسبح الله
في قاع البحر، والله اقدر الشجر والحجر وانطقهما على الشهاده للغلام المخبر بخبر يونس عليه
السلام، والله وحده هو الذي يسكن الرياح فتظل السفن رواكد على ظهر البحر، او يهيجها
فتضطرب، وربما غرقت واغرقت من فيها، ولا خير فيمن يدعو ربه مخلصا اذا راى الهول
في البحر، فاذا نجاه الله الى البر اذا هو من المشركين الجاحدين.
اعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (واذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون الا اياه
فلما نجاكم الى البر اعرضتم وكان الانسان كفورا افامنتم ان يخسف بكم جانب البر او
يرسل عليكم حاصبا ثم لا تجدوا لكم وكيلا ام امنتم ان يعيدكم فيه تاره اخرى
فيرسل عليكم قاصفا من الريح فيغرقكم بما كفرتم ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا)
[الاسراء:67-69 ]
نفعني الله واياكم بهدي كتابه.
الخطبه الثانيه
الحمد لله رب العالمين، جعل الظلمات والنور، ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، واشهد ان لا
اله الا الله وحده لا شريك له، لا ملجا ولا منجى منه الا اليه، كاشف
الضر، ومزيل الغم والهم، ومنجي المؤمنين، واشهد ان محمدا عبده ورسوله، ترك الامه على المحجه
البيضاء لا يزيغ عنها الا هالك، اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر الانبياء والمرسلين.
اخوه الاسلام وما احوج الامه المسلمه في ظروفها الراهنه ، وكروبها المتلاحقه والظلمات المحيطه بها،
ان تعي الدرس في قصه صاحب الحوت، وفتتجه الى الله وحده، وترغب اليه وتدعوه دعاء
المكروب، دعاء المعترف بخطئه الواثق بنصره خالقه، والله لا يخيب الرجاء، ولا يقطع حبل السماء،
والله قريب لمن دعاه: وكم هو عظيم دعاء ذي النون؟ واعظ منه سماع النجوى واستجابه
الله للنداء:(فنادى في الظلمات ان لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين فاستجبنا
له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين) [الانبياء:87-88].
عباد الله: كم تغيب عنا هذه الدعوه واسم الله الاعظم وهما مفتاح للاجابه وسبيل للنجاه
.
وروى الامام احمد والترمذي والنسائي عن سعد بن ابي وقاص رضي الله عنه؛ ان رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: “دعوه ذي النون: (لا اله الا انت سبحانك اني
كنت من الظالمين) فانها لا يدعو بها مسلم ربه في شيء قط الا استجاب له”.
ورجال احمد رجال الصحيح، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
وفي روايه : “اسم الله الذي اذا دعوي به اجاب، واذا سئل به اعطى، دعوه
يونس بن متى”، قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: هي ليونس خاصه ام لجماعه
المسلمين؟ قال: “هي ليونس بن متى خاصه ، ولجماعه المؤمنين عامه ، اذا دعوا بها،
الم تسمع قول الله عز وجل:(فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين) “؟.
هكذا جاء في هذه الروايه عن اسم الله الاعظم.
وورد في روايه صحيحه : “اسم الله الاعظم الذي اذا دعي به اجاب في ثلاث
سور من القران، في البقره وال عمران وطه”. رواه ابن ماجه والطبراني والحاكم وسنده صحيح.
فهل يتذكر المسلمون قيمه هذه الدعوه ؟ وهل يدعون بها في حال كربهم وهم موقنون
باجابه ربهم ونجاته ونصره لهم؟
اخوه الايمان: ومن قصه يونس عليه السلام وقومه يتبين صدق التوجه الى الله، والتضرع اليه،
وبالصدق والتوبه والدعاء، يرفع الله الضراء ويكشف البلوى، وتاملوا ما خص الله قوم يونس بقوله
تعالى:(فلولا كانت قريه امنت فنفعها ايمانها الا قوم يونس لما امنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي
في الحياه الدنيا ومتعناهم الى حين) [يونس:98].
والمعنى: لم توجد قريه امنت بكاملها بنبيهم ممن سلف من القرى الا قوم يونس، وما
كان ايمانهم الا تخوفا من عذاب الله الذي انذرهم به نبيهم يونس –عليه السلام- فخرجوا
الى الصحراء وجاروا الى الله بالدعاء ومعهم نساؤهم واطفالهم ودوابهم، وفرقوا بين الامهات واولادها، حتى
تضرعوا الى الله وجاروا اليه، وصدقوا في توبتهم ودعائهم، ورغت الابل وفصلانها، وخارت البقر واولادها،
وثغت الغنم وسخالها، فلما علم الله صدقهم رفع عنهم العذاب ومتعهم الى حين.
ايها المسلمون: وفي قصه يونس من العبر: عظم جريمه الكذب، وقد كانت في الامم الغابره
جريمه كبرى يستحق مرتكبها القتل. كما ان في القصه ان ملك الله يؤتيه من يشاء،
وهو المعز لمن شاء، وقد رفع الله قدر الغلام من راعي غنم الى ملك يسوس
الناس بالحسنى فتره من الزمن.
وفي القصه : ان عظم الجزاء مع عظم البلاء، ويبتلي الله عباده على قدر ايمانهم،
والانبياء اكثر الناس بلاء، ومع ما وقع ليونس عليه السلام من البلاء فقد كان في
نجاته درس له ورفعه وذكرى للمؤمنين من بعده، وصدق الله:(فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك
ننجي المؤمنين) [الانبياء:88].
عباد الله: خلاصه دعوه ذي النون صدق في التوجه الى الله، وتسبيح بحمده وحده، وطلب
الغوث والنجاه منه، واذا وصلت الامه والافراد هذا المستوى فسياتيهم ما يوعدون.
ايها المؤمنون وتظل قصه ذي النون درسا وموعظه لكل مغموم، ومهما اشتطت بالمرء الدروب، او
لاحقته الهموم، او احاطت به الكروب، فخلاصه الوحيد مناجاه ربه، والتضرع اليه، وسؤاله الفرج وصدق
الله: (وان يمسسك الله بضر فلا كاشف له الا هو) [الانعام:17].
وحاجه المرء للتوبه والاستغفار مستمره ، وفيها خلاص من الذنوب، وانتقال من حال الى حال:
(ان تتوبا الى الله فقد صغت قلوبكما) [التحريم: 4].
هذا على مستوى الافراد، وعلى مستوى الامه ، فمهما اطلقت الامه من نداءات فسيظل النداء
المنقذ: (لا اله الا انت سبحانك) ، ومهما تلبست به من شعارات براقه زائفه ،
فيظل شعار التوحيد هو الشعار الحق.
كم تصيب الامه من ازمات ولكنها لا تحسن المخرج منها، فتتوالى عليها النكبات، وتتضاعف الازمات،
وكم تملك من اسباب القوه الالهيه ، ولكنها –مع الاسف- تهمشها وتظل تلهث وراء السراب
مستجديه من لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا، وتقرا في كتاب ربها ان الولاء الحق
لله ولرسوله وللمؤمنين، ثم هي تستمرئ ولاء الكافرين وتناشد المنافقين، وما لم يصح المعتقد، ويتوحد
الاتجاه لله الحق، فستظل المسيره متخبطه ، والعدو غالبا، والنصر بعيدا.
الا ويح الامه في صدورها عن كتاب ربها، وبعدها عن هدي انبيائها والله يقول: (ان
هذا القران يهدي للتي هي اقوم ) [الاسراء: 9]. ويقول: (لقد كان في قصصهم عبره
لاولي الالباب ) [يوسف: 111].
وقصه يونس عليه السلام واحده من قصص القران، فهل تقرا للعبره والاتعاظ ام تهذ كغيرها
من اي الكتاب هذ الشعر.. ؟!اللهم اجعل القران ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء احزاننا، وذهاب
همومنا، اللهم علمنا منه ماجهلنا، وذكرنا منه ما نسينا، وانفعنا به.
- قصص النبي
- قصص،النبي
- متي سميت يوسف ذي النون