مواضيع منوعات غرائب وعجائب مفيدة

تفسير الانعام في القران , شرح سورة الانعام

تفسير الانعام في القران - شرح سورة الانعام 13934 1

تفسير الانعام في القران - شرح سورة الانعام 13934
تفسير ابن كثير/سوره الانعام

سوره الانعام
ابن كثير سوره الاعراف ←

1 الحمد لله الذي خلق السماوات والارض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون
(1)
2 هو الذي خلقكم من طين ثم قضى اجلا واجل مسمى عنده ثم انتم تمترون
(2)
3 وهو الله في السماوات وفي الارض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون (3)
4 وما تاتيهم من ايه من ايات ربهم الا كانوا عنها معرضين (4)
5 فقد كذبوا بالحق لما جاءهم فسوف ياتيهم انباء ما كانوا به يستهزئون (5)
6 الم يروا كم اهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الارض ما لم نمكن
لكم وارسلنا السماء عليهم مدرارا وجعلنا الانهار تجري من تحتهم فاهلكناهم بذنوبهم وانشانا من بعدهم
قرنا اخرين (6)
7 ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بايديهم لقال الذين كفروا ان هذا الا
سحر مبين (7)
8 وقالوا لولا انزل عليه ملك ولو انزلنا ملكا لقضي الامر ثم لا ينظرون (8)

9 ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون (9)
10 ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون (10)

11 قل سيروا في الارض ثم انظروا كيف كان عاقبه المكذبين (11)
12 قل لمن ما في السماوات والارض قل لله كتب على نفسه الرحمه ليجمعنكم الى
يوم القيامه لا ريب فيه الذين خسروا انفسهم فهم لا يؤمنون (12)
13 وله ما سكن في الليل والنهار وهو السميع العليم (13)
14 قل اغير الله اتخذ وليا فاطر السماوات والارض وهو يطعم ولا يطعم قل اني
امرت ان اكون اول من اسلم ولا تكونن من المشركين (14)
15 قل اني اخاف ان عصيت ربي عذاب يوم عظيم (15)
16 من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه وذلك الفوز المبين (16)
17 وان يمسسك الله بضر فلا كاشف له الا هو وان يمسسك بخير فهو على
كل شيء قدير (17)
18 وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير (18)
19 قل اي شيء اكبر شهاده قل الله شهيد بيني وبينكم واوحي الي هذا القران
لانذركم به ومن بلغ ائنكم لتشهدون ان مع الله الهه اخرى قل لا اشهد قل
انما هو اله واحد وانني بريء مما تشركون (19)
20 الذين اتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون ابناءهم الذين خسروا انفسهم فهم لا يؤمنون (20)

21 ومن اظلم ممن افترى على الله كذبا او كذب باياته انه لا يفلح الظالمون
(21)
22 ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين اشركوا اين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون (22)
23 ثم لم تكن فتنتهم الا ان قالوا والله ربنا ما كنا مشركين (23)
24 انظر كيف كذبوا على انفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون (24)
25 ومنهم من يستمع اليك وجعلنا على قلوبهم اكنه ان يفقهوه وفي اذانهم وقرا وان
يروا كل ايه لا يؤمنوا بها حتى اذا جاءوك يجادلونك يقول الذين كفروا ان هذا
الا اساطير الاولين (25)
26 وهم ينهون عنه ويناون عنه وان يهلكون الا انفسهم وما يشعرون (26)
27 ولو ترى اذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بايات ربنا
ونكون من المؤمنين (27)
28 بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه
وانهم لكاذبون (28)
29 وقالوا ان هي الا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين (29)
30 ولو ترى اذ وقفوا على ربهم قال اليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا قال
فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون (30)
31 قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله حتى اذا جاءتهم الساعه بغته قالوا يا حسرتنا
على ما فرطنا فيها وهم يحملون اوزارهم على ظهورهم الا ساء ما يزرون (31)
32 وما الحياه الدنيا الا لعب ولهو وللدار الاخره خير للذين يتقون افلا تعقلون (32)

33 قد نعلم انه ليحزنك الذي يقولون فانهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بايات الله يجحدون
(33)
34 ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا واوذوا حتى اتاهم نصرنا ولا
مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبا المرسلين (34)
35 وان كان كبر عليك اعراضهم فان استطعت ان تبتغي نفقا في الارض او سلما
في السماء فتاتيهم بايه ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين (35)

36 انما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ثم اليه يرجعون (36)
37 وقالوا لولا نزل عليه ايه من ربه قل ان الله قادر على ان ينزل
ايه ولكن اكثرهم لا يعلمون (37)
38 وما من دابه في الارض ولا طائر يطير بجناحيه الا امم امثالكم ما فرطنا
في الكتاب من شيء ثم الى ربهم يحشرون (38)
39 والذين كذبوا باياتنا صم وبكم في الظلمات من يشا الله يضلله ومن يشا يجعله
على صراط مستقيم (39)
40 قل ارايتكم ان اتاكم عذاب الله او اتتكم الساعه اغير الله تدعون ان كنتم
صادقين (40)
41 بل اياه تدعون فيكشف ما تدعون اليه ان شاء وتنسون ما تشركون (41)
42 ولقد ارسلنا الى امم من قبلك فاخذناهم بالباساء والضراء لعلهم يتضرعون (42)
43 فلولا اذ جاءهم باسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون
(43)
44 فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم ابواب كل شيء حتى اذا فرحوا بما
اوتوا اخذناهم بغته فاذا هم مبلسون (44) فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب
العالمين (45)
45 قل ارايتم ان اخذ الله سمعكم وابصاركم وختم على قلوبكم من اله غير الله
ياتيكم به انظر كيف نصرف الايات ثم هم يصدفون (46)
46 قل ارايتكم ان اتاكم عذاب الله بغته او جهره هل يهلك الا القوم الظالمون
(47)
47 وما نرسل المرسلين الا مبشرين ومنذرين فمن امن واصلح فلا خوف عليهم ولا هم
يحزنون (48)
48 والذين كذبوا باياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون (49)
49 قل لا اقول لكم عندي خزائن الله ولا اعلم الغيب ولا اقول لكم اني
ملك ان اتبع الا ما يوحى الي قل هل يستوي الاعمى والبصير افلا تتفكرون (50)

50 وانذر به الذين يخافون ان يحشروا الى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا
شفيع لعلهم يتقون (51)
51 ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداه والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من
شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين (52)
52 وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا اهؤلاء من الله عليهم من بيننا اليس الله باعلم
بالشاكرين (53)
53 واذا جاءك الذين يؤمنون باياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمه انه
من عمل منكم سوءا بجهاله ثم تاب من بعده واصلح فانه غفور رحيم (54)
54 وكذلك نفصل الايات ولتستبين سبيل المجرمين (55)
55 قل اني نهيت ان اعبد الذين تدعون من دون الله قل لا اتبع اهواءكم
قد ضللت اذا وما انا من المهتدين (56)
56 قل اني على بينه من ربي وكذبتم به ما عندي ما تستعجلون به ان
الحكم الا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين (57)
57 قل لو ان عندي ما تستعجلون به لقضي الامر بيني وبينكم والله اعلم بالظالمين
(58)
58 وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط
من ورقه الا يعلمها ولا حبه في ظلمات الارض ولا رطب ولا يابس الا في
كتاب مبين (59)
59 وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضى اجل مسمى
ثم اليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعملون (60)
60 وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظه حتى اذا جاء احدكم الموت توفته رسلنا
وهم لا يفرطون (61)
61 ثم ردوا الى الله مولاهم الحق الا له الحكم وهو اسرع الحاسبين (62)
62 قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعا وخفيه لئن انجانا من هذه
لنكونن من الشاكرين (63)
63 قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم انتم تشركون (64)
64 قل هو القادر على ان يبعث عليكم عذابا من فوقكم او من تحت ارجلكم
او يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم باس بعض انظر كيف نصرف الايات لعلهم يفقهون (65)
65 وكذب به قومك وهو الحق قل لست عليكم بوكيل (66)
66 لكل نبا مستقر وسوف تعلمون (67)
67 واذا رايت الذين يخوضون في اياتنا فاعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره واما
ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين (68)
68 وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ولكن ذكرى لعلهم يتقون (69)
69 وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم الحياه الدنيا وذكر به ان تبسل نفس
بما كسبت ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع وان تعدل كل عدل لا
يؤخذ منها اولئك الذين ابسلوا بما كسبوا لهم شراب من حميم وعذاب اليم بما كانوا
يكفرون (70)
70 قل اندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على اعقابنا بعد
اذ هدانا الله كالذي استهوته الشياطين في الارض حيران له اصحاب يدعونه الى الهدى ائتنا
قل ان هدى الله هو الهدى وامرنا لنسلم لرب العالمين (71)
71 وان اقيموا الصلاه واتقوه وهو الذي اليه تحشرون (72)
72 وهو الذي خلق السماوات والارض بالحق ويوم يقول كن فيكون قوله الحق وله الملك
يوم ينفخ في الصور عالم الغيب والشهاده وهو الحكيم الخبير (73)
73 واذ قال ابراهيم لابيه ازر اتتخذ اصناما الهه اني اراك وقومك في ضلال مبين
(74)
74 وكذلك نري ابراهيم ملكوت السماوات والارض وليكون من الموقنين (75)
75 فلما جن عليه الليل راى كوكبا قال هذا ربي فلما افل قال لا احب
الافلين (76)
76 فلما راى القمر بازغا قال هذا ربي فلما افل قال لئن لم يهدني ربي
لاكونن من القوم الضالين (77)
77 فلما راى الشمس بازغه قال هذا ربي هذا اكبر فلما افلت قال يا قوم
اني بريء مما تشركون (78)
78 اني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والارض حنيفا وما انا من المشركين (79)
79 وحاجه قومه قال اتحاجوني في الله وقد هدان ولا اخاف ما تشركون به الا
ان يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شيء علما افلا تتذكرون (80)
80 وكيف اخاف ما اشركتم ولا تخافون انكم اشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم
سلطانا فاي الفريقين احق بالامن ان كنتم تعلمون (81)
81 الذين امنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم اولئك لهم الامن وهم مهتدون (82)
82 وتلك حجتنا اتيناها ابراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء ان ربك حكيم عليم
(83)
83 ووهبنا له اسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داوود وسليمان
وايوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين (84)
84 وزكريا ويحيى وعيسى والياس كل من الصالحين (85)
85 واسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين (86)
86 ومن ابائهم وذرياتهم واخوانهم واجتبيناهم وهديناهم الى صراط مستقيم (87)
87 ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو اشركوا لحبط عنهم ما
كانوا يعملون (88)
88 اولئك الذين اتيناهم الكتاب والحكم والنبوه فان يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما
ليسوا بها بكافرين (89)
89 اولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده قل لا اسالكم عليه اجرا ان هو الا
ذكرى للعالمين (90)
90 وما قدروا الله حق قدره اذ قالوا ما انزل الله على بشر من شيء
قل من انزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون
كثيرا وعلمتم ما لم تعلموا انتم ولا اباؤكم قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون
(91)
91 وهذا كتاب انزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر ام القرى ومن حولها والذين
يؤمنون بالاخره يؤمنون به وهم على صلاتهم يحافظون (92)
92 ومن اظلم ممن افترى على الله كذبا او قال اوحي الي ولم يوح اليه
شيء ومن قال سانزل مثل ما انزل الله ولو ترى اذ الظالمون في غمرات الموت
والملائكه باسطو ايديهم اخرجوا انفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير
الحق وكنتم عن اياته تستكبرون (93)
93 ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم اول مره وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى
معكم شفعاءكم الذين زعمتم انهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون
(94)
94 ان الله فالق الحب والنوى يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي ذلكم
الله فانى تؤفكون (95)
95 فالق الاصباح وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا ذلك تقدير العزيز العليم (96)
96 وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر قد فصلنا الايات
لقوم يعلمون (97)
97 وهو الذي انشاكم من نفس واحده فمستقر ومستودع قد فصلنا الايات لقوم يفقهون (98)

98 وهو الذي انزل من السماء ماء فاخرجنا به نبات كل شيء فاخرجنا منه خضرا
نخرج منه حبا متراكبا ومن النخل من طلعها قنوان دانيه وجنات من اعناب والزيتون والرمان
مشتبها وغير متشابه انظروا الى ثمره اذا اثمر وينعه ان في ذلكم لايات لقوم يؤمنون
(99)
99 وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم سبحانه وتعالى عما
يصفون (100)
100 بديع السماوات والارض انى يكون له ولد ولم تكن له صاحبه وخلق كل شيء
وهو بكل شيء عليم (101)
101 ذلكم الله ربكم لا اله الا هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو على كل
شيء وكيل (102)
102 لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير (103)
103 قد جاءكم بصائر من ربكم فمن ابصر فلنفسه ومن عمي فعليها وما انا عليكم
بحفيظ (104)
104 وكذلك نصرف الايات وليقولوا درست ولنبينه لقوم يعلمون (105)
105 اتبع ما اوحي اليك من ربك لا اله الا هو واعرض عن المشركين (106)

106 ولو شاء الله ما اشركوا وما جعلناك عليهم حفيظا وما انت عليهم بوكيل (107)

107 ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم كذلك زينا
لكل امه عملهم ثم الى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون (108)
108 واقسموا بالله جهد ايمانهم لئن جاءتهم ايه ليؤمنن بها قل انما الايات عند الله
وما يشعركم انها اذا جاءت لا يؤمنون (109)
109 ونقلب افئدتهم وابصارهم كما لم يؤمنوا به اول مره ونذرهم في طغيانهم يعمهون (110)

110 ولو اننا نزلنا اليهم الملائكه وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا
ليؤمنوا الا ان يشاء الله ولكن اكثرهم يجهلون (111)
111 وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الانس والجن يوحي بعضهم الى بعض زخرف القول
غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون (112)
112 ولتصغى اليه افئده الذين لا يؤمنون بالاخره وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون (113)
113 افغير الله ابتغي حكما وهو الذي انزل اليكم الكتاب مفصلا والذين اتيناهم الكتاب يعلمون
انه منزل من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين (114)
114 وتمت كلمه ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم (115)
115 وان تطع اكثر من في الارض يضلوك عن سبيل الله ان يتبعون الا الظن
وان هم الا يخرصون (116)
116 ان ربك هو اعلم من يضل عن سبيله وهو اعلم بالمهتدين (117)
117 فكلوا مما ذكر اسم الله عليه ان كنتم باياته مؤمنين (118)
118 وما لكم الا تاكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرم
عليكم الا ما اضطررتم اليه وان كثيرا ليضلون باهوائهم بغير علم ان ربك هو اعلم
بالمعتدين (119)
119 وذروا ظاهر الاثم وباطنه ان الذين يكسبون الاثم سيجزون بما كانوا يقترفون (120)
120 ولا تاكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وانه لفسق وان الشياطين ليوحون الى
اوليائهم ليجادلوكم وان اطعتموهم انكم لمشركون (121)
121 اومن كان ميتا فاحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في
الظلمات ليس بخارج منها كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون (122)
122 وكذلك جعلنا في كل قريه اكابر مجرميها ليمكروا فيها وما يمكرون الا بانفسهم وما
يشعرون (123)
123 واذا جاءتهم ايه قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما اوتي رسل الله الله
اعلم حيث يجعل رسالته سيصيب الذين اجرموا صغار عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون
(124)
124 فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام ومن يرد ان يضله يجعل صدره
ضيقا حرجا كانما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون (125)

125 وهذا صراط ربك مستقيما قد فصلنا الايات لقوم يذكرون (126)
126 لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون (127)
127 ويوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الانس وقال اولياؤهم من الانس
ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا اجلنا الذي اجلت لنا قال النار مثواكم خالدين فيها الا
ما شاء الله ان ربك حكيم عليم (128)
128 وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون (129)
129 يا معشر الجن والانس الم ياتكم رسل منكم يقصون عليكم اياتي وينذرونكم لقاء يومكم
هذا قالوا شهدنا على انفسنا وغرتهم الحياه الدنيا وشهدوا على انفسهم انهم كانوا كافرين (130)

130 ذلك ان لم يكن ربك مهلك القرى بظلم واهلها غافلون (131)
131 ولكل درجات مما عملوا وما ربك بغافل عما يعملون (132)
132 وربك الغني ذو الرحمه ان يشا يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء كما انشاكم
من ذريه قوم اخرين (133)
133 ان ما توعدون لات وما انتم بمعجزين (134)
134 قل يا قوم اعملوا على مكانتكم اني عامل فسوف تعلمون من تكون له عاقبه
الدار انه لا يفلح الظالمون (135)
135 وجعلوا لله مما ذرا من الحرث والانعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا
فما كان لشركائهم فلا يصل الى الله وما كان لله فهو يصل الى شركائهم ساء
ما يحكمون (136)
136 وكذلك زين لكثير من المشركين قتل اولادهم شركاؤهم ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم ولو شاء
الله ما فعلوه فذرهم وما يفترون (137)
137 وقالوا هذه انعام وحرث حجر لا يطعمها الا من نشاء بزعمهم وانعام حرمت ظهورها
وانعام لا يذكرون اسم الله عليها افتراء عليه سيجزيهم بما كانوا يفترون (138)
138 وقالوا ما في بطون هذه الانعام خالصه لذكورنا ومحرم على ازواجنا وان يكن ميته
فهم فيه شركاء سيجزيهم وصفهم انه حكيم عليم (139)
139 قد خسر الذين قتلوا اولادهم سفها بغير علم وحرموا ما رزقهم الله افتراء على
الله قد ضلوا وما كانوا مهتدين (140)
140 وهو الذي انشا جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفا اكله والزيتون والرمان متشابها
وغير متشابه كلوا من ثمره اذا اثمر واتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا انه لا
يحب المسرفين (141)
141 ومن الانعام حموله وفرشا كلوا مما رزقكم الله ولا تتبعوا خطوات الشيطان انه لكم
عدو مبين (142)
142 ثمانيه ازواج من الضان اثنين ومن المعز اثنين قل الذكرين حرم ام الانثيين اما
اشتملت عليه ارحام الانثيين نبئوني بعلم ان كنتم صادقين (143)
143 ومن الابل اثنين ومن البقر اثنين قل الذكرين حرم ام الانثيين اما اشتملت عليه
ارحام الانثيين ام كنتم شهداء اذ وصاكم الله بهذا فمن اظلم ممن افترى على الله
كذبا ليضل الناس بغير علم ان الله لا يهدي القوم الظالمين (144)
144 قل لا اجد في ما اوحي الي محرما على طاعم يطعمه الا ان يكون
ميته او دما مسفوحا او لحم خنزير فانه رجس او فسقا اهل لغير الله به
فمن اضطر غير باغ ولا عاد فان ربك غفور رحيم (145)
145 وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما الا
ما حملت ظهورهما او الحوايا او ما اختلط بعظم ذلك جزيناهم ببغيهم وانا لصادقون (146)

146 فان كذبوك فقل ربكم ذو رحمه واسعه ولا يرد باسه عن القوم المجرمين (147)

147 سيقول الذين اشركوا لو شاء الله ما اشركنا ولا اباؤنا ولا حرمنا من شيء
كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا باسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا
ان تتبعون الا الظن وان انتم الا تخرصون (148)
148 قل فلله الحجه البالغه فلو شاء لهداكم اجمعين (149)
149 قل هلم شهداءكم الذين يشهدون ان الله حرم هذا فان شهدوا فلا تشهد معهم
ولا تتبع اهواء الذين كذبوا باياتنا والذين لا يؤمنون بالاخره وهم بربهم يعدلون (150)
150 قل تعالوا اتل ما حرم ربكم عليكم الا تشركوا به شيئا وبالوالدين احسانا ولا
تقتلوا اولادكم من املاق نحن نرزقكم واياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن
ولا تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون (151)
151 ولا تقربوا مال اليتيم الا بالتي هي احسن حتى يبلغ اشده واوفوا الكيل والميزان
بالقسط لا نكلف نفسا الا وسعها واذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله
اوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون (152)
152 وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم
به لعلكم تتقون (153)
153 ثم اتينا موسى الكتاب تماما على الذي احسن وتفصيلا لكل شيء وهدى ورحمه لعلهم
بلقاء ربهم يؤمنون (154)
154 وهذا كتاب انزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون (155)
155 ان تقولوا انما انزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وان كنا عن دراستهم لغافلين
(156)
156 او تقولوا لو انا انزل علينا الكتاب لكنا اهدى منهم فقد جاءكم بينه من
ربكم وهدى ورحمه فمن اظلم ممن كذب بايات الله وصدف عنها سنجزي الذين يصدفون عن
اياتنا سوء العذاب بما كانوا يصدفون (157)
157 هل ينظرون الا ان تاتيهم الملائكه او ياتي ربك او ياتي بعض ايات ربك
يوم ياتي بعض ايات ربك لا ينفع نفسا ايمانها لم تكن امنت من قبل او
كسبت في ايمانها خيرا قل انتظروا انا منتظرون (158)
158 ان الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء انما امرهم الى الله
ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون (159)
159 من جاء بالحسنه فله عشر امثالها ومن جاء بالسيئه فلا يجزى الا مثلها وهم
لا يظلمون (160)
160 قل انني هداني ربي الى صراط مستقيم دينا قيما مله ابراهيم حنيفا وما كان
من المشركين (161)
161 قل ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين (162)
162 لا شريك له وبذلك امرت وانا اول المسلمين (163)
163 قل اغير الله ابغي ربا وهو رب كل شيء ولا تكسب كل نفس الا
عليها ولا تزر وازره وزر اخرى ثم الى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون
(164)
164 وهو الذي جعلكم خلائف الارض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما اتاكم
ان ربك سريع العقاب وانه لغفور رحيم (165)
الحمد لله الذي خلق السماوات والارض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون (1)[عدل]

الحمد لله الذي خلق السماوات والارض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون

سوره الانعام قال العوفي وعكرمه وعطاء عن ابن عباس انزلت سوره الانعام بمكه . وقال
الطبراني : حدثنا علي بن عبد العزيز حدثنا حجاج بن منهال حدثنا حماد بن سلمه
عن علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس قال : نزلت الانعام
بمكه ليلا جمله واحده حولها سبعون الف ملك يجارون حولها بالتسبيح وقال سفيان الثوري عن
ليث عن شهر بن حوشب عن اسماء بنت يزيد قالت : نزلت سوره الانعام على
النبي صلى الله عليه وسلم جمله وانا اخذه بزمام ناقه النبي صلى الله عليه وسلم
ان كادت من ثقلها لتكسر عظام الناقه . وقال شريك عن ليث عن شهر عن
اسماء قالت : نزلت سوره الانعام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في
مسير في زجل من الملائكه وقد طبقوا ما بين السماء والارض . وقال السدي عن
مره عن عبد الله قال : نزلت سوره الانعام يشيعها سبعون الفا من الملائكه وروي
نحوه من وجه اخر عن ابن مسعود . وقال الحاكم في مستدركه : حدثنا ابو
عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ وابو الفضل الحسن بن يعقوب العدل قالا : حدثنا
محمد بن عبد الوهاب العبدي اخبرنا جعفر بن عون حدثنا اسماعيل بن عبد الرحمن السدي
حدثنا محمد بن المنكدر عن جابر قال : لما نزلت سوره الانعام سبح رسول الله
صلى الله عليه وسلم ثم قال ” لقد شيع هذه السوره من الملائكه ما سد
الافق ” ثم قال صحيح على شرط مسلم . وقال ابو بكر بن مردويه :
حدثنا محمد بن عمر حدثنا ابراهيم بن درستويه الفارسي حدثنا ابو بكر بن احمد بن
محمد بن سالم حدثنا ابن ابي فديك حدثني عمر بن طلحه الرقاشي عن نافع بن
مالك بن ابي سهيل عن انس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم ” نزلت سوره الانعام معها موكب من الملائكه سد ما بين الخافقين لهم
زجل بالتسبيح , والارض بهم ترتج ” ورسول الله يقول ” سبحان الله العظيم سبحان
الله العظيم ” ثم روى ابن مردويه عن الطبراني عن ابراهيم بن نائله عن اسماعيل
بن عمر عن يوسف بن عطيه عن ابن عون عن نافع عن ابن عمر قال
: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم” نزلت علي سوره الانعام جمله واحده وشيعها
سبعون الفا من الملائكه لهم زجل بالتسبيح والتحميد” .

يقول الله تعالى مادحا نفسه الكريمه وحامدا لها على خلقه السموات والارض قرارا لعباده .
وجعل الظلمات والنور منفعه لعباده في ليلهم ونهارهم فجمع لفظ الظلمات ووحد لفظ النور لكونه
اشرف كقوله تعالى ” عن اليمين والشمائل ” وكما قال في اخر هذه السوره ”
وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ” ثم قال
تعالى ” ثم الذين كفروا بربهم يعدلون” اي ومع هذا كله كفر به بعض عباده
وجعلوا له شريكا وعدلا واتخذوا له صاحبه وولدا تعالى الله عز وجل عن ذلك علوا
كبيرا .

هو الذي خلقكم من طين ثم قضى اجلا واجل مسمى عنده ثم انتم تمترون (2)[عدل]

هو الذي خلقكم من طين ثم قضى اجلا واجل مسمى عنده ثم انتم تمترون

وقوله تعالى ” هو الذي خلقكم من طين ” يعني اباهم ادم الذي هو اصلهم
ومنه خرجوا فانتشروا في المشارق والمغارب وقوله” ثم قضى اجلا واجل مسمى عنده ” قال
سعيد بن جبير عن ابن عباس ” ثم قضى اجلا ” يعني الموت ” واجل
مسمى عنده ” يعني الاخره وهكذا روي عن مجاهد وعكرمه وسعيد بن جبير والحسن وقتاده
والضحاك وزيد بن اسلم وعطيه والسدي ومقاتل بن حيان وغيرهم وقول الحسن في روايه عنه
” ثم قضى اجلا” وهو ما بين ان يخلق الى ان يموت ” واجل مسمى
عنده ” وهو ما بين ان يموت الى ان يبعث هو يرجع الى ما تقدم
وهو تقدير الاجل الخاص وهو عمر كل انسان وتقدير الاجل العام وهو عمر الدنيا بكمالها
ثم انتهائها وانقضائها وزوالها وانتقالها والمصير الى الدار الاخره وعن ابن عباس ومجاهد” ثم قضى
اجلا ” يعني مده الدنيا ” واجل مسمى عنده ” يعني عمر الانسان الى حين
موته وكانه ماخوذ من قوله تعالى بعد هذا ” وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما
جرحتم بالنهار ” الايه وقال عطيه عن ابن عباس ” ثم قضى اجلا ” يعني
النوم يقبض فيه الروح ثم يرجع الى صاحبه عند اليقظه ” واجل مسمى عنده ”
يعني اجل موت الانسان وهذا قول غريب ومعنى قوله ” عنده ” اي لا يعلمه
الا هو كقوله ” انما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها الا هو ” وكقوله”
يسالونك عن الساعه ايان مرساها فيم انت من ذكراها الى ربك منتهاها ” وقوله تعالى
” ثم انتم تمترون ” قال السدي وغيره : يعني تشكون في امر الساعه .

وهو الله في السماوات وفي الارض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون (3)[عدل]
وهو الله في السماوات وفي الارض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون

وقوله تعالى ” وهو الله في السموات وفي الارض يعلم سركم وجهركم ” اختلف مفسرو
هذه الايه على اقوال بعد اتفاقهم على انكار قول الجهميه الاول القائلين تعالى عن قولهم
علوا كبيرا بانه في كل مكان حيث حملوا الايه على ذلك فالاصح من الاقوال انه
المدعو الله في السموات وفي الارض اي يعبده ويوحده ويقر له بالالهيه من في السموات
ومن في الارض ويسمونه الله ويدعونه رغبا ورهبا الا من كفر من الجن والانس وهذه
الايه على هذا القول كقوله تعالى ” وهو الذي في السماء اله وفي الارض اله
” اي هو اله من في السماء واله من في الارض وعلى هذا فيكون قوله
” يعلم سركم وجهركم ” خبرا او حالا . ” والقول الثاني ” ان المراد
انه الله الذي يعلم ما في السموات وما في الارض من سر وجهر فيكون قوله
يعلم متعلقا بقوله ” في السموات وفي الارض ” تقديره وهو الله يعلم سركم وجهركم
في السموات وفي الارض ويعلم ما تكسبون والقول الثالث ان قوله ” وهو الله في
السموات ” وقف تام ثم استانف الخبر فقال ” وفي الارض يعلم سركم وجهركم ”
وهذا اختيار ابن جرير وقوله ” ويعلم ما تكسبون ” اي جميع اعمالكم خيرها وشرها
.

وما تاتيهم من ايه من ايات ربهم الا كانوا عنها معرضين (4)[عدل]
وما تاتيهم من ايه من ايات ربهم الا كانوا عنها معرضين

يقول تعالى مخبرا عن المشركين المكذبين المعاندين انهم كلما اتتهم ايه اي دلاله ومعجزه وحجه
من الدلالات على وحدانيه الله وصدق رسله الكرام فانهم يعرضون عنها فلا ينظرون اليها ولا
يبالون بها .

فقد كذبوا بالحق لما جاءهم فسوف ياتيهم انباء ما كانوا به يستهزئون (5)[عدل]
فقد كذبوا بالحق لما جاءهم فسوف ياتيهم انباء ما كانوا به يستهزئون

وهذا تهديد لهم ووعيد شديد على تكذيبهم بالحق بانه لا بد ان ياتيهم خبر ما
هم فيه من التكذيب وليجدن غبه وليذوقن وباله . ثم قال تعالى واعظا لهم ان
يصيبهم من العذاب والنكال الدنيوي ما حل باشباههم ونظرائهم من القرون السالفه الذين كانوا اشد
منهم قوه واكثر جمعا واكثر اموالا واولادا واستعلاء في الارض وعماره لها .

الم يروا كم اهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الارض ما لم نمكن لكم
وارسلنا السماء عليهم مدرارا وجعلنا الانهار تجري من تحتهم فاهلكناهم بذنوبهم وانشانا من بعدهم قرنا
اخرين (6)[عدل]
الم يروا كم اهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الارض ما لم نمكن لكم
وارسلنا السماء عليهم مدرارا وجعلنا الانهار تجري من تحتهم فاهلكناهم بذنوبهم وانشانا من بعدهم قرنا
اخرين

فقال” الم يروا كم اهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الارض ما لم نمكن
لكم ” اي من الاموال والاولاد والاعمار والجاه العريض والسعه والجنود ولهذا قال ” وارسلنا
السماء عليهم مدرارا ” اي شيئا بعد شيء ” وجعلنا الانهار تجري من تحتهم ”
اي كثرنا عليهم امطار السماء وينابيع الارض اي استدراجا واملاء لهم ” فاهلكناهم بذنوبهم” اي
بخطاياهم وسيئاتهم التي اجترموها ” وانشانا من بعدهم قرنا اخرين ” اي فذهب الاولون كامس
الذاهب وجعلناهم احاديث ” وانشانا من بعدهم قرنا اخرين ” اي جيلا اخر لنختبرهم فعملوا
مثل اعمالهم فاهلكوا كاهلاكهم فاحذروا ايها المخاطبون ان يصيبكم مثل ما اصابهم فما انتم باعز
على الله منهم والرسول الذي كذبتموه اكرم على الله من رسولهم فانتم اولى بالعذاب ومعاجله
العقوبه منهم لولا لطفه واحسانه .

ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بايديهم لقال الذين كفروا ان هذا الا سحر
مبين (7)[عدل]
ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بايديهم لقال الذين كفروا ان هذا الا سحر
مبين

يقول تعالى مخبرا عن المشركين وعنادهم ومكابرتهم للحق ومباهتتهم ومنازعتهم فيه ” ولو نزلنا عليك
كتابا في قرطاس فلمسوه بايديهم ” اي عاينوه وراوا نزوله وباشروا ذلك لقال ” الذين
كفروا ان هذا الا سحر مبين ” وهذا كما قال تعالى مخبرا عن مكابرتهم للمحسوسات
” ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا انما سكرت ابصارنا بل
نحن قوم مسحورون ” وكقوله تعالى” وان يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم
” .

وقالوا لولا انزل عليه ملك ولو انزلنا ملكا لقضي الامر ثم لا ينظرون (8)[عدل]
وقالوا لولا انزل عليه ملك ولو انزلنا ملكا لقضي الامر ثم لا ينظرون

” وقالوا لولا انزل عليه ملك ” اي ليكون معه نذيرا قال الله تعالى” ولو
انزلنا ملكا لقضي الامر ثم لا ينظرون” اي لو نزلت الملائكه على ما هم عليه
لجاءهم من الله العذاب . كما قال الله تعالى ” ما ننزل الملائكه الا بالحق
وما كانوا اذا منظرين ” وقوله ” يوم يرون الملائكه لا بشرى يومئذ للمجرمين” الايه
.

ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون (9)[عدل]
ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون

اي لو انزلنا مع الرسول البشري ملكا اي لو بعثنا الى البشر رسولا ملكيا لكان
على هيئه الرجل ليمكنهم مخاطبته والانتفاع بالاخذ عنه ولو كان كذلك لالتبس عليهم الامر كما
هم يلبسون على انفسهم في قبول رساله البشري كقوله تعالى ” قل لو كان في
الارض ملائكه يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا” فمن رحمته تعالى بخلقه انه
يرسل الى كل صنف من الخلائق رسلا منه ليدعو بعضهم بعضا وليمكن بعضهم ان ينتفع
ببعض في المخاطبه والسؤال كما قال تعالى ” لقد من الله على المؤمنين اذ بعث
فيهم رسولا من انفسهم يتلو عليهم اياته ويزكيهم” الايه قال الضحاك عن ابن عباس في
الايه : يقول لو اتاهم ملك ما اتاهم الا في صوره رجل لانهم لا يستطيعون
النظر الى الملائكه من النور ” وللبسنا عليهم ما يلبسون ” اي ولخلطنا عليهم ما
يخلطون وقال الوالبي عنه : ولشبهنا عليهم .

ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون (10)[عدل]
ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون

هذه تسليه للنبي صلى الله عليه وسلم في تكذيب من كذبه من قومه ووعد له
للمؤمنين به بالنصره والعاقبه الحسنه في الدنيا والاخره .

قل سيروا في الارض ثم انظروا كيف كان عاقبه المكذبين (11)[عدل]
قل سيروا في الارض ثم انظروا كيف كان عاقبه المكذبين

اي فكروا في انفسكم وانظروا ما احل الله بالقرون الماضيه الذين كذبوا رسله وعاندوهم من
العذاب والنكال والعقوبه في الدنيا مع ما ادخر لهم من العذاب الاليم في الاخره وكيف
نجى رسله وعباده المؤمنين .

قل لمن ما في السماوات والارض قل لله كتب على نفسه الرحمه ليجمعنكم الى يوم
القيامه لا ريب فيه الذين خسروا انفسهم فهم لا يؤمنون (12)[عدل]
قل لمن ما في السماوات والارض قل لله كتب على نفسه الرحمه ليجمعنكم الى يوم
القيامه لا ريب فيه الذين خسروا انفسهم فهم لا يؤمنون

يخبر تعالى انه مالك السموات والارض ومن فيهما وانه قد كتب على نفسه المقدسه الرحمه
كما ثبت في الصحيحين من طريق الاعمش عن ابي صالح عن ابي هريره رضي الله
عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم ” ان الله لما خلق الخلق
كتب كتابا عنده فوق العرش ان رحمتي تغلب غضبي وقوله ” ليجمعنكم الى يوم القيامه
لا ريب فيه” هذه اللام هي الموطئه للقسم فاقسم بنفسه الكريمه ليجمعن عباده ” الى
ميقات يوم معلوم ” وهو يوم القيامه الذي لا ريب فيه اي لا شك فيه
عند عباده المؤمنين فاما الجاحدون المكذبون فهم في ريبهم يترددون وقال ابن مردويه عن تفسير
هذه الايه : حدثنا محمد بن احمد بن ابراهيم حدثنا عبيد الله بن احمد بن
عقبه حدثنا عباس بن محمد حدثنا حسين بن محمد حدثنا محصن بن عتبه اليماني عن
الزبير بن شبيب عن عثمان بن حاضر عن ابن عباس قال : سئل رسول الله
صلى الله عليه وسلم عن الوقوف بين يدي رب العالمين هل فيه ماء قال ”
والذي نفسي بيده ان فيه لماء ان اولياء الله ليردون حياض الانبياء ويبعث الله تعالى
سبعين الف ملك في ايديهم عصي من نار يذودون الكفار عن حياض الانبياء ” هذا
حديث غريب. وفي الترمذي ” ان لكل نبي حوضا وارجو ان اكون اكثرهم واردا ”
وقوله ” الذين خسروا انفسهم” اي يوم القيامه ” فهم لا يؤمنون ” اي لا
يصدقون بالمعاد ولا يخافون شر ذلك اليوم .

وله ما سكن في الليل والنهار وهو السميع العليم (13)[عدل]
وله ما سكن في الليل والنهار وهو السميع العليم

وهو السميع العليم ” اي السميع لاقوال عباده العليم بحركاتهم وضمائرهم وسرائرهم ثم قال تعالى
لعبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم الذي بعثه بالتوحيد العظيم وبالشرع القويم وامره ان
يدعو الناس الى صراط الله المستقيم .

قل اغير الله اتخذ وليا فاطر السماوات والارض وهو يطعم ولا يطعم قل اني امرت
ان اكون اول من اسلم ولا تكونن من المشركين (14)[عدل]
قل اغير الله اتخذ وليا فاطر السماوات والارض وهو يطعم ولا يطعم قل اني امرت
ان اكون اول من اسلم ولا تكونن من المشركين

” قل اغير الله اتخذ وليا فاطر السموات والارض ” كقوله” قل افغير الله تامروني
اعبد ايها الجاهلون” والمعنى : لا اتخذ وليا الا الله وحده لا شريك له فانه
فاطر السموات والارض اي خالقهما ومبدعهما على غير مثال سبق ” وهو يطعم ولا يطعم
” اي وهو الرزاق لخلقه من غير احتياج اليهم كما قال تعالى ” وما خلقت
الجن والانس الا ليعبدون ” الايه واقر بعضهم ههنا ” وهو يطعم ولا يطعم” اي
لا ياكل وفي حديث سهيل بن ابي صالح عن ابيه عن ابي هريره رضي الله
عنه قال : دعا رجل من الانصار من اهل قباء النبي صلى الله عليه وسلم
على طعام فانطلقنا معه فلما طعم النبي صلى الله عليه وسلم وغسل يديه قال ”
الحمد لله الذي يطعم ولا يطعم ومن علينا فهدانا واطعمنا وسقانا من الشراب وكسانا من
العري وكل بلاء حسن ابلانا الحمد لله غير مودع ربي ولا مكفي ولا مكفور ولا
مستغنى عنه الحمد لله الذي اطعمنا من الطعام وسقانا من الشراب وكسانا من العري وهدانا
من الضلال وبصرنا من العمى وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلا الحمد لله رب العالمين”
” قل اني امرت ان اكون اول من اسلم ” اي من هذه الامه .

قل اني اخاف ان عصيت ربي عذاب يوم عظيم (15)[عدل]
قل اني اخاف ان عصيت ربي عذاب يوم عظيم

يعني يوم القيامه .

من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه وذلك الفوز المبين (16)[عدل]
من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه وذلك الفوز المبين

” من يصرف عنه ” اي العذاب ” يومئذ فقد رحمه ” يعني فقد رحمه
الله ” وذلك هو الفوز المبين ” كقوله ” فمن زحزح عن النار وادخل الجنه
فقد فاز ” والفوز حصول الربح ونفي الخساره .

وان يمسسك الله بضر فلا كاشف له الا هو وان يمسسك بخير فهو على كل
شيء قدير (17)[عدل]
وان يمسسك الله بضر فلا كاشف له الا هو وان يمسسك بخير فهو على كل
شيء قدير

يقول تعالى مخبرا انه مالك الضر والنفع وانه المتصرف في خلقه بما يشاء لا معقب
لحكمه ولا راد لقضائه” وان يمسسك الله بضر فلا كاشف له الا هو وان يمسسك
بخير فهو على كل شيء قدير ” كقوله تعالى” ما يفتح الله للناس من رحمه
فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده ” وفي الصحيح ان رسول
الله صلى الله عليه وسلم كان يقول ” لا مانع لما اعطيت ولا معطي لما
منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد ” .

وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير (18)[عدل]
وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير

ولهذا قال تعالى ” وهو القاهر فوق عباده ” اي هو الذي خضعت له الرقاب
وذلت له الجبابره وعنت له الوجوه وقهر كل شيء ودانت له الخلائق وتواضعت لعظمه جلاله
وكبريائه وعظمته وعلوه وقدرته على الاشياء واستكانت وتضاءلت بين يديه وتحت قهره وحكمه ” وهو
الحكيم ” اي في جميع افعاله ” الخبير” بمواضع الاشياء ومحالها فلا يعطي الا من
يستحق ولا يمنع الا من يستحق .

قل اي شيء اكبر شهاده قل الله شهيد بيني وبينكم واوحي الي هذا القران لانذركم
به ومن بلغ ائنكم لتشهدون ان مع الله الهه اخرى قل لا اشهد قل انما
هو اله واحد وانني بريء مما تشركون (19)[عدل]
قل اي شيء اكبر شهاده قل الله شهيد بيني وبينكم واوحي الي هذا القران لانذركم
به ومن بلغ ائنكم لتشهدون ان مع الله الهه اخرى قل لا اشهد قل انما
هو اله واحد وانني بريء مما تشركون

ثم قال ” قل اي شيء اكبر شهاده ” اي من اعظم الاشياء شهاده ”
قل الله شهيد بيني وبينكم ” اي هو العالم بما جئتكم به وما انتم قائلون
لي” واوحي الي هذا القران لانذركم به ومن بلغ” اي هو نذير لكل من بلغه
كقوله تعالى ” ومن يكفر به من الاحزاب فالنار موعده ” قال ابن ابي حاتم
: حدثنا ابو سعيد الاشج حدثنا وكيع وابو اسامه وابو خالد عن موسى بن عبيده
عن محمد بن كعب في قوله ” ومن بلغ ” من بلغه القران فكانما راى
النبي صلى الله عليه وسلم زاد ابو خالد وكلمه . ورواه ابن جرير من طريق
ابي معشر عن محمد بن كعب قال : من بلغه القران فقد ابلغه محمد صلى
الله عليه وسلم وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتاده في قوله تعالى ” لانذركم
به ومن بلغ ” ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” بلغوا عن
الله فمن بلغته ايه من كتاب الله فقد بلغه امر الله ” وقال الربيع بن
انس حق على من اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يدعو كالذي دعا
رسول الله صلى الله عليه وسلم وان ينذر بالذي انذر وقوله ” ائنكم لتشهدون” ايها
المشركون اي ” ان مع الله الهه اخرى قل لا اشهد ” كقوله ” فان
شهدوا فلا تشهد معهم” ” قل انما هو اله واحد وانني بريء مما تشركون” .

الذين اتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون ابناءهم الذين خسروا انفسهم فهم لا يؤمنون (20)[عدل]
الذين اتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون ابناءهم الذين خسروا انفسهم فهم لا يؤمنون

ثم قال تعالى مخبرا عن اهل الكتاب انهم يعرفون هذا الذي جئتهم به كما يعرفون
ابناءهم بما عندهم من الاخبار والانباء عن المرسلين المتقدمين والانبياء فان الرسل كلهم بشروا بوجود
محمد صلى الله عليه وسلم ونعته وصفته وبلده ومهاجره وصفه امته ولهذا قال بعده ”
الذين خسروا انفسهم” اي خسروا كل الخساره ” فهم لا يؤمنون ” بهذا الامر الجلي
الظاهر الذي بشرت به الانبياء ونوهت به في قديم الزمان وحديثه .

ومن اظلم ممن افترى على الله كذبا او كذب باياته انه لا يفلح الظالمون (21)[عدل]

ومن اظلم ممن افترى على الله كذبا او كذب باياته انه لا يفلح الظالمون

ثم قال ” ومن اظلم ممن افترى على الله كذبا او كذب باياته” اي لا
اظلم ممن تقول على الله فادعى ان الله ارسله ولم يكن ارسله ثم لا اظلم
ممن كذب بايات الله وحججه وبراهينه ودلالاته ” انه لا يفلح الظالمون ” اي لا
يفلح هذا ولا هذا لا المفتري ولا المكذب .

ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين اشركوا اين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون (22)[عدل]
ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين اشركوا اين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون

يقول تعالى مخبرا عن المشركين ” يوم نحشرهم جميعا ” يوم القيامه فيسالهم عن الاصنام
والانداد التي كانوا يعبدونها قائلا لهم ” اين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون ” كقوله تعالى
في سوره القصص ” ويوم يناديهم فيقول اين شركائي الذين كنتم تزعمون ” .

ثم لم تكن فتنتهم الا ان قالوا والله ربنا ما كنا مشركين (23)[عدل]
ثم لم تكن فتنتهم الا ان قالوا والله ربنا ما كنا مشركين

وقوله تعالى ” ثم لم تكن فتنتهم” اي حجتهم الا ان قالوا ” والله ربنا
ما كنا مشركين ” قال الضحاك عن ابن عباس ” ثم لم تكن فتنتهم ”
اي حجتهم . وقال عطاء الخراساني عنه اي معذرتهم . وكذا قال قتاده وقال ابن
جريج عن ابن عباس اي قيلهم وكذا قال الضحاك وقال عطاء الخراساني ” ثم لم
تكن فتنتهم ” بليتهم حين ابتلوا ” الا ان قالوا والله ربنا ما كنا مشركين”
وقال ابن جرير : والصواب ثم لم يكن قيلهم عند فتنتنا اياهم اعتذارا عما سلف
منهم الشرك بالله ” الا ان قالوا والله ربنا ما كنا مشركين” وقال ابن ابي
حاتم : حدثنا ابو سعيد الاشج حدثنا ابو يحيى الرازي عن عمرو بن ابي قيس
عن مطرف عن المنهال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : اتاه رجل
فقال يا ابن عباس سمعت الله يقول ” والله ربنا ما كنا مشركين ” قال
: اما قوله ” والله ربنا ما كنا مشركين ” فانهم راوا انه لا يدخل
الجنه الا اهل الصلاه فقالوا تعالوا فلنجحد فيجحدون فيختم الله على افواههم وتشهد ايديهم وارجلهم
ولا يكتمون الله حديثا فهل في قلبك الان شيء ؟ انه ليس من القران شيء
الا ونزل فيه شيء ولكن لا تعلمون وجهه . وقال الضحاك عن ابن عباس :
هذه في المنافقين وفيه نظر فان هذه الايه مكيه والمنافقون انما كانوا بالمدينه والتي نزلت
في المنافقين ايه المجادله ” يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له ” الايه .

انظر كيف كذبوا على انفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون (24)[عدل]
انظر كيف كذبوا على انفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون

وكذا قال في حق هؤلاء ” انظر كيف كذبوا على انفسهم وضل عنهم ما كانوا
يفترون ” كقوله” ثم قيل لهم اين ما كنتم تشركون من دون الله قالوا ضلوا
عنا ” الايه .

ومنهم من يستمع اليك وجعلنا على قلوبهم اكنه ان يفقهوه وفي اذانهم وقرا وان يروا
كل ايه لا يؤمنوا بها حتى اذا جاءوك يجادلونك يقول الذين كفروا ان هذا الا
اساطير الاولين (25)[عدل]
ومنهم من يستمع اليك وجعلنا على قلوبهم اكنه ان يفقهوه وفي اذانهم وقرا وان يروا
كل ايه لا يؤمنوا بها حتى اذا جاءوك يجادلونك يقول الذين كفروا ان هذا الا
اساطير الاولين

وقوله ” ومنهم من يستمع اليك وجعلنا على قلوبهم اكنه ان يفقهوه وفي اذانهم وقرا
وان يروا كل ايه لا يؤمنوا بها” اي يجيئون ليستمعوا قراءتك ولا تجزي عنهم شيئا
لان الله ” جعل على قلوبهم اكنه ” اي اغطيه لئلا يفقهوا القران ” وفي
اذانهم وقرا ” اي صما عن السماع النافع لهم كما قال تعالى ومثل الذين كفروا
كمثل الذي ينعق بما لا يسمع الا دعاء ونداء الايه . وقوله ” وان يروا
كل ايه لا يؤمنوا بها ” اي مهما راوا من الايات والدلالات والحجج البينات والبراهين
لا يؤمنوا بها فلا فهم عندهم ولا انصاف كقوله تعالى ” ولو علم الله فيهم
خيرا لاسمعهم ” الايه وقوله تعالى ” حتى اذا جاءوك يجادلونك ” اي يحاجونك ويناظرونك
في الحق بالباطل ” يقول الذين كفروا ان هذا الا اساطير الاولين ” اي ما
هذا الذي جئت به الا ماخوذ من كتب الاوائل ومنقول عنهم .

وهم ينهون عنه ويناون عنه وان يهلكون الا انفسهم وما يشعرون (26)[عدل]
وهم ينهون عنه ويناون عنه وان يهلكون الا انفسهم وما يشعرون

وقوله ” وهم ينهون عنه ويناون عنه ” في معنى ينهون عنه قولان” احدهما ”
ان المراد انهم ينهون الناس عن اتباع الحق وتصديق الرسول والانقياد للقران ” ويناون عنه
” اي ويبعدونهم عنه فيجمعون بين الفعلين القبيحين لا ينتفعون ولا يدعون احدا ينتفع قال
علي بن ابي طلحه عن ابن عباس ” وهم ينهون عنه ” يردون الناس عن
محمد صلى الله عليه وسلم ان يؤمنوا به . وقال محمد بن الحنفيه : كان
كفار قريش لا ياتون النبي صلى الله عليه وسلم وينهون عنه وكذا قال قتاده ومجاهد
والضحاك وغير واحد وهذا القول اظهر والله اعلم وهو اختيار ابن جرير . ” والقول
الثاني ” رواه سفيان الثوري عن حبيب بن ابي ثابت عمن سمع ابن عباس يقول
في قوله ” وهم ينهون عنه ” قال : نزلت في ابي طالب كان ينهى
الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم ان يؤذى . وكذا قال القاسم بن مخيمره
وحبيب بن ابي ثابت وعطاء بن دينار وغيره انها نزلت في ابي طالب . وقال
سعيد بن ابي هلال : نزلت في عمومه النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا عشره
فكانوا اشد الناس معه في العلانيه واشد الناس عليه في السر رواه ابن ابي حاتم
وقال محمد بن كعب القرظي” وهم ينهون ” عنه اي ينهون الناس عن قتله وقوله”
ويناون عنه ” اي يتباعدون منه ” وان يهلكون الا انفسهم وما يشعرون ” اي
وما يهلكون بهذا الصنيع ولا يعود وباله الا عليهم وهم لا يشعرون.

ولو ترى اذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بايات ربنا ونكون
من المؤمنين (27)[عدل]
ولو ترى اذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بايات ربنا ونكون
من

يذكر تعالى حال الكفار اذا وقفوا يوم القيامه على النار وشاهدوا ما فيها من السلاسل
والاغلال وراوا باعينهم تلك الامور العظام والاهوال فعند ذلك قالوا ” يا ليتنا نرد ولا
نكذب بايات ربنا ونكون من المؤمنين ” يتمنون ان يردوا الى الدار الدنيا ليعملوا عملا
صالحا ولا يكذبوا بايات ربهم ويكونوا من المؤمنين .

بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وانهم
لكاذبون (28)[عدل]
بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وانهم
لكاذبون

قال الله تعالى ” بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ” اي بل
ظهر لهم حينئذ ما كانوا يخفون في انفسهم من الكفر والتكذيب والمعانده وان انكروها في
الدنيا او في الاخره كما قال قبله بيسير ” ثم لم تكن فتنتهم الا ان
قالوا والله ربنا ما كنا مشركين انظر كيف كذبوا على انفسهم ” ويحتمل انهم ظهر
لهم ما كانوا يعلمونه من انفسهم من صدق ما جاءتهم به الرسل في الدنيا وان
كانوا يظهرون لاتباعهم خلافه كقوله مخبرا عن موسى انه قال لفرعون ” لقد علمت ما
انزل هؤلاء الا رب السموات والارض بصائر ” الايه وقوله تعالى مخبرا عن فرعون وقومه
” وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم ظلما وعلوا ” ويحتمل ان يكون المراد بهؤلاء المنافقين الذين
كانوا يظهرون الايمان للناس ويبطنون الكفر ويكون هذا اخبارا عما يكون يوم القيامه من كلام
طائفه من الكفار ولا ينافي هذا كون هذه السوره مكيه والنفاق انما كان من بعض
اهل المدينه ومن حولها من الاعراب فقد ذكر الله وقوع النفاق في سوره مكيه وهي
العنكبوت فقال ” وليعلمن الله الذين امنوا وليعلمن المنافقين ” وعلى هذا فيكون اخبارا عن
قول المنافقين في الدار الاخره حين يعاينون العذاب فظهر لهم حينئذ غب ما كانوا يبطنون
من الكفر والنفاق والشقاق والله اعلم واما معنى الاضراب في قوله ” بل بدا لهم
ما كانوا يخفون من قبل ” فانهم ما طلبوا العود الى الدنيا رغبه ومحبه في
الايمان بل خوفا من العذاب الذي عاينوه جزاء ما كانوا عليه من الكفر فسالوا الرجعه
الى الدنيا ليتخلصوا مما شاهدوا من النار ولهذا قال ” ولو ردوا لعادوا لما نهوا
عنه وانهم لكاذبون ” اي في طلبهم الرجعه رغبه ومحبه في الايمان ثم قال مخبرا
عنهم انهم لو ردوا الى الدار الدنيا لعادوا لما نهوا عنه من الكفر والمخالفه ”
وانهم لكاذبون ” اي في قولهم يا ليتنا نرد ولا نكذب بايات ربنا ونكون من
المؤمنين .

وقالوا ان هي الا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين (29)[عدل]
وقالوا ان هي الا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين

ثم قال مخبرا عنهم انهم لو ردوا الى الدار الدنيا لعادوا لما نهوا عنه من
الكفر والمخالفه ” وانهم لكاذبون ” اي في قولهم يا ليتنا نرد ولا نكذب بايات
ربنا ونكون من المؤمنين اي لعادوا لما نهوا عنه ولقالوا ان هي الا حياتنا الدنيا
اي ما هي الا هذه الحياه الدنيا لا معاد بعدها ولهذا قال ” وما نحن
بمبعوثين ” .

ولو ترى اذ وقفوا على ربهم قال اليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا قال فذوقوا
العذاب بما كنتم تكفرون (30)[عدل]
ولو ترى اذ وقفوا على ربهم قال اليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا قال فذوقوا
العذاب بما كنتم تكفرون

ثم قال ” ولو ترى اذ وقفوا على ربهم ” اي اوقفوا بين يديه قال
” اليس هذا بالحق ” اي اليس هذا المعاد بحق وليس بباطل كما كنتم تظنون
” قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون” اي بما كنتم تكذبون به
فذوقوا اليوم مسه” افسحر هذا ام انتم لا تبصرون ” .

قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله حتى اذا جاءتهم الساعه بغته قالوا يا حسرتنا على
ما فرطنا فيها وهم يحملون اوزارهم على ظهورهم الا ساء ما يزرون (31)[عدل]
قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله حتى اذا جاءتهم الساعه بغته قالوا يا حسرتنا على
ما فرطنا فيها وهم يحملون اوزارهم على ظهورهم الا ساء ما

يقول تعالى مخبرا عن خساره من كذب بلقائه وعن خيبته اذا جاءته الساعه بغته وعن
ندامته على ما فرط من العمل وما اسلف من قبح الفعل ولهذا قال ” حتى
اذا جاءتهم الساعه بغته قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها ” وهذا الضمير يحتمل
عوده على الحياه وعلى الاعمال وعلى الدار الاخره اي في امرها وقوله ” وهم يحملون
اوزارهم على ظهورهم الا ساء ما يزرون ” اي يحملون وقال قتاده يعملون وقال ابن
ابي حاتم : حدثنا ابو سعيد الاشج حدثنا ابو خالد الاحمر عن عمرو بن قيس
عن ابي مرزوق قال : يستقبل الكافر او الفاجر عند خروجه من قبره كاقبح صوره
رايتها وانتنه ريحا فيقول من انت فيقول اوما تعرفني فيقول لا والله الا ان الله
قبح وجهك وانتن ريحك فيقول انا عملك الخبيث هكذا كنت في الدنيا خبيث العمل منتنه
فطالما ركبتني في الدنيا هلم اركبك فهو قوله ” وهم يحملون اوزارهم على ظهورهم ”
الايه وقال اسباط عن السدي انه قال : ليس من رجل ظالم يدخل قبره الا
جاءه رجل قبيح الوجه اسود اللون منتن الريح وعليه ثياب دنسه حتى يدخل معه قبره
فاذا راه قال : ما اقبح وجهك قال كذلك كان عملك قبيحا قال ما انتن
ريحك قال كذلك كان عملك منتنا قال ما ادنس ثيابك قال فيقول ان عملك كان
دنسا قال له من انت ؟ قال عملك قال فيكون معه في قبره فاذا بعث
يوم القيامه قال له : اني كنت احملك في الدنيا باللذات والشهوات وانت اليوم تحملني
قال فيركب على ظهره فيسوقه حتى يدخله النار ; فذلك قوله” وهم يحملون اوزارهم على
ظهورهم الا ساء ما يزرون” .

وما الحياه الدنيا الا لعب ولهو وللدار الاخره خير للذين يتقون افلا تعقلون (32)[عدل]
وما الحياه الدنيا الا لعب ولهو وللدار الاخره خير للذين يتقون افلا تعقلون

وقوله ” وما الحياه الدنيا الا لعب ولهو ” اي انما غالبها كذلك ” وللدار
الاخره خير للذين يتقون افلا تعقلون ” .

قد نعلم انه ليحزنك الذي يقولون فانهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بايات الله يجحدون (33)[عدل]

قد نعلم انه ليحزنك الذي يقولون فانهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بايات الله يجحدون

يقول تعالى مسليا لنبيه صلى الله عليه وسلم في تكذيب قومه له ومخالفتهم اياه ”
قد نعلم انه ليحزنك الذي يقولون ” اي قد احطنا علما بتكذيبهم لك وحزنك وتاسفك
عليهم كقوله ” فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ” كما قال تعالى في الايه الاخرى”
لعلك باخع نفسك ان لا يكونوا مؤمنين ” ” فلعلك باخع نفسك على اثارهم ان
لم يؤمنوا بهذا الحديث اسفا ” وقوله ” فانهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بايات الله
يجحدون ” اي لا يتهمونك بالكذب في نفس الامر ” ولكن الظالمين بايات الله يجحدون”
اي ولكنهم يعاندون الحق ويدفعونه بصدورهم كما قال سفيان الثوري عن ابي اسحاق عن ناجيه
بن كعب عن علي قال : قال ابو جهل للنبي صلى الله تعالى عليه واله
وسلم : انا لا نكذبك ولكن نكذب ما جئت به فانزل الله ” فانهم لا
يكذبونك ولكن الظالمين بايات الله يجحدون ” رواه الحاكم من طريق اسرائيل عن ابي اسحاق
. ثم قال : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه .

وقال ابن ابي حاتم : حدثنا محمد بن الوزير الواسطي بمكه حدثنا بشر بن المبشر
الواسطي عن سلام بن مسكين عن ابي يزيد المدني ان النبي صلى الله عليه وسلم
لقي ابا جهل فصافحه قال له رجل الا اراك تصافح هذا الصابئ ؟ فقال والله
اني لاعلم انه لنبي ولكن متى كنا لبني عبد مناف تبعا ؟ وتلا ابو يزيد
” فانهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بايات الله يجحدون ” وقال ابو صالح وقتاده :
يعلمون انك رسول الله ويجحدون ; وذكر محمد بن اسحاق عن الزهري في قصه ابي
جهل حين جاء يستمع قراءه النبي صلى الله عليه وسلم من الليل هو وابو سفيان
صخر بن حرب والاخنس بن شريق ولا يشعر احد منهم بالاخر فاستمعوها الى الصباح فلما
هجم الصبح تفرقوا فجمعتهم الطريق فقال كل منهم للاخر ما جاء بك ؟ فذكر له
ما جاء به ثم تعاهدوا ان لا يعودوا لما يخافون من علم شباب قريش بهم
لئلا يفتتنوا بمجيئهم فلما كانت الليله الثانيه جاء كل منهم ظنا ان صاحبيه لا يجيئان
لما سبق من العهود فلما اصبحوا جمعتهم الطريق فتلاوموا ثم تعاهدوا ان لا يعودوا فلما
كانت الليله الثالثه جاءوا ايضا فلما اصبحوا تعاهدوا ان لا يعودوا لمثلها ثم تفرقوا فلما
اصبح الاخنس بن شريق اخذ عصاه ثم خرج حتى اتى ابا سفيان بن حرب في
بيته فقال : اخبرني يا ابا حنظله عن رايك فيما سمعت من محمد قال يا
ابا ثعلبه والله لقد سمعت اشياء اعرفها واعرف ما يراد بها وسمعت اشياء ما عرفت
معناها ولا ما يراد بها قال الاخنس : وانا والذي حلفت به ثم خرج من
عنده حتى اتى ابا جهل فدخل عليه في بيته فقال يا ابا الحكم ما رايك
فيما سمعت من محمد ؟ قال ماذا سمعت ؟ قال تنازعنا نحن وبنو عبد مناف
الشرف اطعموا فاطعمنا وحملوا فحملنا واعطوا فاعطينا حتى اذا تجاثينا على الركب وكنا كفرسي رهان
قالوا : منا نبي ياتيه الوحي من السماء فمتى ندرك هذه ؟ والله لا نؤمن
به ابدا ولا نصدقه قال فقام عنه الاخنس وتركه .

وروى ابن جرير من طريق اسباط عن السدي في قوله ” قد نعلم انه ليحزنك
الذي يقولون فانهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بايات الله يجحدون” لما كان يوم بدر قال
الاخنس بن شريق لبني زهره : يا بني زهره ان محمدا ابن اختكم فانتم احق
من ذب عن ابن اخته فانه ان كان نبيا لم تقاتلوه اليوم وان كان كاذبا
كنتم احق من كف عن ابن اخته قفوا حتى القى ابا الحكم فان غلب محمد
رجعتم سالمين وان غلب محمد فان قومكم لم يصنعوا بكم شيئا – فيومئذ سمي الاخنس
وكان اسمه ابي – فالتقى الاخنس بابي جهل فخلا به فقال يا ابا الحكم اخبرني
عن محمد اصادق هو ام كاذب فانه ليس ههنا من قريش غيري وغيرك يستمع كلامنا
؟ فقال ابو جهل ويحك والله ان محمدا لصادق وما كذب محمد قط ولكن اذا
ذهبت بنو قصي باللواء والسقايه والحجابه والنبوه فماذا يكون لسائر قريش ؟ فذلك قوله ”
فانهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بايات الله يجحدون ” فايات الله محمد صلى الله عليه
وسلم .

ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا واوذوا حتى اتاهم نصرنا ولا مبدل
لكلمات الله ولقد جاءك من نبا المرسلين (34)[عدل]
ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا واوذوا حتى اتاهم نصرنا ولا مبدل
لكلمات الله ولقد جاءك من نبا المرسلين

وقوله ” ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا واوذوا حتى اتاهم نصرنا
” هذه تسليه للنبي صلى الله عليه وسلم وتعزيه له فيمن كذبه من قومه وامر
له بالصبر كما صبر اولو العزم من الرسل ووعد له بالنصر كما نصروا وبالظفر حتى
كانت لهم العاقبه بعدما نالهم من التكذيب من قومهم والاذى البليغ ثم جاءهم النصر في
الدنيا كما لهم النصر في الاخره ولهذا قال ” ولا مبدل لكلمات الله ” اي
التي كتبها بالنصر في الدنيا والاخره لعباده المؤمنين كما قال ” ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا
المرسلين انهم لهم المنصورون وان جندنا لهم الغالبون ” وقال تعالى ” كتب الله لاغلبن
انا ورسلي ان الله قوي عزيز ” وقوله ” ولقد جاءك من نبا المرسلين ”
اي من خبرهم كيف نصروا وايدوا على من كذبهم من قومهم فلك فيهم اسوه وبهم
قدوه .

وان كان كبر عليك اعراضهم فان استطعت ان تبتغي نفقا في الارض او سلما في
السماء فتاتيهم بايه ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين (35)[عدل]
وان كان كبر عليك اعراضهم فان استطعت ان تبتغي نفقا في الارض او سلما في
السماء فتاتيهم بايه ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين

ثم قال تعالى ” وان كان كبر عليك اعراضهم ” اي ان كان شق عليك
اعراضهم عنك ” فان استطعت ان تبتغي نفقا في الارض او سلما في السماء ”
قال علي بن ابي طلحه عن ابن عباس : النفق السرب فتذهب فيه فتاتيهم بايه
او تجعل لك سلما في السماء فتصعد فيه فتاتيهم بايه افضل مما اتيتهم به فافعل
وكذا قال قتاده والسدي وغيرهما ; وقوله ” ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا
تكونن من الجاهلين ” كقوله تعالى ” ولو شاء ربك لامن من في الارض كلهم
جميعا ” الايه قال علي بن ابي طلحه عن ابن عباس في قوله ” ولو
شاء الله لجمعهم على الهدى ” قال ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان
يحرص ان يؤمن جميع الناس ويتابعوه على الهدى فاخبر الله انه لا يؤمن الا من
قد سبق له من الله السعاده في الذكر الاول .

انما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ثم اليه يرجعون (36)[عدل]
انما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ثم اليه يرجعون

وقوله تعالى ” انما يستجيب الذين يسمعون ” اي انما يستجيب لدعائك يا محمد من
يسمع الكلام ويعيه ويفهمه كقوله ” لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين ”
وقوله” والموتى يبعثهم الله ثم اليه يرجعون ” يعني بذلك الكفار لانهم موتى القلوب فشبههم
الله باموات الاجساد فقال ” والموتى يبعثهم الله ثم اليه يرجعون ” وهذا من باب
التهكم بهم والازدراء عليهم .

وقالوا لولا نزل عليه ايه من ربه قل ان الله قادر على ان ينزل ايه
ولكن اكثرهم لا يعلمون (37)[عدل]
وقالوا لولا نزل عليه ايه من ربه قل ان الله قادر على ان ينزل ايه
ولكن اكثرهم لا يعلمون

يقول تعالى مخبرا عن المشركين انهم كانوا يقولون لولا نزل عليه ايه من ربه اي
خارق على مقتضى ما كانوا يريدون ومما يتعنتون كقولهم” لن نؤمن لك حتى تفجر لنا
من الارض ينبوعا” الايات ” قل ان الله قادر على ان ينزل ايه ولكن اكثرهم
لا يعلمون ” اي هو تعالى قادر على ذلك ولكن حكمته تعالى تقتضي تاخير ذلك
لانه لو انزل وفق ما طلبوا ثم لم يؤمنوا لعاجلهم بالعقوبه كما فعل بالامم السالفه
كما قال تعالى ” وما منعنا ان نرسل بالايات الا ان كذب بها الاولون واتينا
ثمود الناقه مبصره فظلموا بها وما نرسل بالايات الا تخويفا ” وقال تعالى ” ان
نشا ننزل عليهم من السماء ايه فظلت اعناقهم لها خاضعين” .

وما من دابه في الارض ولا طائر يطير بجناحيه الا امم امثالكم ما فرطنا في
الكتاب من شيء ثم الى ربهم يحشرون (38)[عدل]
وما من دابه في الارض ولا طائر يطير بجناحيه الا امم امثالكم ما فرطنا في
الكتاب من شيء ثم الى ربهم يحشرون

قال مجاهد : اي اصناف مصنفه تعرف باسمائها. وقال قتاده الطير امه والانس امه والجن
امه وقال السدي ” الا امم امثالكم ” اي خلق امثالكم. وقوله ” ما فرطنا
في الكتاب من شيء ” اي الجميع علمهم عند الله ولا ينسى واحدا من جميعها
من رزقه وتدبيره سواء كان بريا او بحريا كقوله ” وما من دابه في الارض
الا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين ” اي مفصح باسمائها
واعدادها ومظانها وحاصر لحركاتها وسكناتها وقال تعالى ” وكاين من دابه لا تحمل رزقها الله
يرزقها واياكم وهو السميع العليم ” وقد قال الحافظ ابو يعلى : حدثنا محمد بن
المثنى حدثنا عبيد بن واقد القيسي ابو عباد حدثني محمد بن عيسى بن كيسان حدثنا
محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال : قل الجراد في سنه من
سني عمر رضي الله عنه التي ولي فيها فسال عنه فلم يخبر بشيء فاغتم لذلك
فارسل راكبا الى كذا واخر الى الشام واخر الى العراق يسال هل رئي من الجراد
شيء ام لا ؟ قال فاتاه الراكب الذي من قبل اليمن بقبضه من جراد فالقاها
بين يديه فلما راها كبر ثلاثا ثم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول ” خلق الله عز وجل الف امه منها ستمائه في البحر واربعمائه في
البر واول شيء يهلك من هذه الامم الجراد فاذا هلكت تتابعت مثل النظام اذا قطع
سلكه ” . وقوله ” ثم الى ربهم يحشرون” قال ابن ابي حاتم : حدثنا
ابو سعيد الاشج حدثنا ابو نعيم حدثنا سفيان عن ابيه عن عكرمه عن ابن عباس
في قوله ” ثم الى ربهم يحشرون ” قال حشرها الموت وكذا رواه ابن جرير
من طريق اسرائيل عن سعيد بن مسروق عن عكرمه عن ابن عباس قال : موت
البهائم حشرها وكذا رواه العوفي عنه . قال ابن ابي حاتم : وروي عن مجاهد
والضحاك مثله .

” والقول الثاني ” ان حشرها بعثها يوم القيامه لقوله ” واذا الوحوش حشرت ”
وقال الامام احمد : حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبه عن سليمان عن منذر الثوري
عن اشياخ لهم عن ابي ذر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم راى شاتين
تنتطحان فقال ” يا ابا ذر هل تدري فيم تنتطحان ؟ ” قال لا قال
لكن الله يدري وسيقضي بينهما ورواه عبد الرزاق عن معمر عن الاعمش عمن ذكره عن
ابي ذر قال : بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم اذ انتطحت
عنزان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اتدرون فيم انتطحتا ؟ قالوا لا ندري
قال ” لكن الله يدري وسيقضي بينهما ” رواه ابن جرير ثم رواه من طريق
منذر الثوري عن ابي ذر فذكره وزاد قال ابو ذر ولقد تركنا رسول الله صلى
الله عليه وسلم وما يقلب طائر جناحيه في السماء الا ذكر لنا منه علما وقال
عبد الله ابن الامام احمد في مسند ابيه حدثني عباس بن محمد وابو يحيى البزار
قالا : حدثنا حجاج بن نصير حدثنا شعبه عن العوام بن مزاحم من بني قيس
بن ثعلبه عن ابي عثمان النهدي عن عثمان رضي الله عنه ان النبي صلى الله
عليه وسلم قال ” ان الجماء لتقتص من القرناء يوم القيامه ” وقال عبد الرزاق
: اخبرنا معمر عن جعفر بن برقان عن يزيد بن الاصم عن ابي هريره في
قوله ” الا امم امثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم الى ربهم يحشرون
” قال : يحشر الخلق كلهم يوم القيامه البهائم والدواب والطير وكل شيء فيبلغ من
عدل الله يومئذ ان ياخذ للجماء من القرناء ثم يقول : كوني ترابا فلذلك يقول
الكافر ” يا ليتني كنت ترابا ” وقد روي هذا مرفوعا في حديث الصور .

والذين كذبوا باياتنا صم وبكم في الظلمات من يشا الله يضلله ومن يشا يجعله على
صراط مستقيم (39)[عدل]
والذين كذبوا باياتنا صم وبكم في الظلمات من يشا الله يضلله ومن يشا يجعله على
صراط مستقيم

وقوله ” والذين كذبوا باياتنا صم وبكم في الظلمات ” اي مثلهم في جهلهم وقله
علمهم وعدم فهمهم كمثل اصم وهو الذي لا يسمع ابكم وهو الذي لا يتكلم وهو
مع هذا في ظلمات لا يبصر فكيف يهتدي مثل هذا الى الطريق او يخرج مما
هو فيه كقوله ” مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما اضاءت ما حوله ذهب الله
بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون صم بكم عمي فهم لا يرجعون” وكما قال تعالى
” او كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات
بعضها فوق بعض اذا اخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا
فما له من نور ” ولهذا قال ” من يشا الله يضلله ومن يشا يجعله
على صراط مستقيم” اي هو المتصرف في خلقه بما يشاء .

قل ارايتكم ان اتاكم عذاب الله او اتتكم الساعه اغير الله تدعون ان كنتم صادقين
(40)[عدل]
قل ارايتكم ان اتاكم عذاب الله او اتتكم الساعه اغير الله تدعون ان كنتم صادقين

يخبر تعالى انه الفعال لما يريد المتصرف في خلقه بما يشاء وانه لا معقب لحكمه
ولا يقدر احد على صرف حكمه عن خلقه بل هو وحده لا شريك له الذي
اذا سئل يجيب لمن يشاء ولهذا قال ” قل ارايتكم ان اتاكم عذاب الله او
اتتكم الساعه ” اي اتاكم هذا او هذا ” اغير الله تدعون ان كنتم صادقين”
اي لا تدعون غيره لعلمكم انه لا يقدر احد على رفع ذلك سواه ولهذا قال
” ان كنتم صادقين” اي في اتخاذكم الهه معه .

بل اياه تدعون فيكشف ما تدعون اليه ان شاء وتنسون ما تشركون (41)[عدل]
بل اياه تدعون فيكشف ما تدعون اليه ان شاء وتنسون ما تشركون

” بل اياه تدعون فيكشف ما تدعون اليه ان شاء وتنسون ما تشركون ” اي
في وقت الضروره لا تدعون احدا سواه وتذهب عنكم اصنامكم واندادكم كقوله ” واذا مسكم
الضر في البحر ضل من تدعون الا اياه ” الايه .

ولقد ارسلنا الى امم من قبلك فاخذناهم بالباساء والضراء لعلهم يتضرعون (42)[عدل]
ولقد ارسلنا الى امم من قبلك فاخذناهم بالباساء والضراء لعلهم يتضرعون

وقوله ” ولقد ارسلنا الى امم من قبلك فاخذناهم بالباساء ” يعني الفقر والضيق في
العيش ” والضراء ” وهي الامراض والاسقام والالام ” لعلهم يتضرعون ” اي يدعون الله
ويتضرعون اليه ويخشعون .

فلولا اذ جاءهم باسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون (43)[عدل]

فلولا اذ جاءهم باسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون

قال الله تعالى ” فلولا اذ جاءهم باسنا تضرعوا ” اي فهلا اذ ابتليناهم بذلك
تضرعوا الينا وتمسكنوا لدينا ” ولكن قست قلوبهم ” اي ما رقت ولا خشعت” وزين
لهم الشيطان ما كانو يعملون ” اي من الشرك والمعانده والمعاصي ” فلما نسوا ما
ذكروا به ” اي اعرضوا عنه وتناسوه وجعلوه وراء ظهورهم” فتحنا عليهم ابواب كل شيء
” اي فتحنا عليهم ابواب الرزق من كل ما يختارون وهذا استدراج منه تعالى واملاء
لهم عياذا بالله من مكروه ولهذا قال ” حتى اذا فرحوا بما اوتوا ” من
الاموال والاولاد والارزاق ” اخذناهم بغته ” اي على غفله ” فاذا هم مبلسون ”
اي ايسون من كل خير قال الوالبي عن ابن عباس المبلس الايس . وقال الحسن
البصري من وسع الله عليه فلم ير انه يمكر به فلا راي له ومن قتر
عليه فلم ير انه ينظر له فلا راي له .

فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم ابواب كل شيء حتى اذا فرحوا بما اوتوا
اخذناهم بغته فاذا هم مبلسون (44) فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين
(45)[عدل]
فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم ابواب كل شيء حتى اذا فرحوا بما اوتوا
اخذناهم بغته فاذا هم مبلسون

ثم قرا ” فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم ابواب كل شيء حتى اذا
فرحوا بما اوتوا اخذناهم بغته فاذا هم مبلسون ” قال مكر بالقوم ورب الكعبه اعطوا
حاجتهم ثم اخذوا رواه ابن ابي حاتم وقال قتاده : بغت القوم امر الله وما
اخذ الله قوما قط الا عند سكرتهم وغرتهم ونعمتهم فلا تغتروا بالله فانه لا يغتر
بالله الا القوم الفاسقون رواه ابن ابي حاتم ايضا . وقال مالك عن الزهري ”
فتحنا عليهم ابواب كل شيء ” قال ارجاء الدنيا وسترها . وقد قال الامام احمد
: حدثنا يحيى بن غيلان حدثنا رشدين – يعني ابن سعد ابا الحجاج المهري –
عن حرمله بن عمران التجيبي عن عقبه بن مسلم عن عقبه بن عامر عن النبي
صلى الله عليه وسلم قال : اذا رايت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه
ما يحب فانما هو استدراج ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ” فلما
نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم ابواب كل شيء حتى اذا فرحوا بما اوتوا اخذناهم
بغته فاذا هم مبلسون ” ورواه ابن جرير وابن ابي حاتم من حديث حرمله وابن
لهيعه عن عقبه بن مسلم عن عقبه بن عامر به . وقال ابن ابي حاتم
: حدثنا هشام بن عمار حدثنا عراك بن خالد بن يزيد حدثني ابي عن ابراهيم
بن ابي عبله عن عباده بن الصامت ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان
يقول” اذا اراد الله بقوم بقاء او نماء رزقهم القصد والعفاف واذا اراد الله بقوم
اقتطاعا فتح لهم او فتح عليهم باب خيانه ” ” حتى اذا فرحوا بما اوتوا
اخذناهم بغته فاذا هم مبلسون ” . كما قال” فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد
لله رب العالمين ” ورواه احمد وغيره .

قل ارايتم ان اخذ الله سمعكم وابصاركم وختم على قلوبكم من اله غير الله ياتيكم
به انظر كيف نصرف الايات ثم هم يصدفون (46)[عدل]
قل ارايتم ان اخذ الله سمعكم وابصاركم وختم على قلوبكم من اله غير الله ياتيكم
به انظر كيف نصرف الايات ثم هم يصدفون

يقول الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم قل لهؤلاء المكذبين المعاندين ” ارايتم ان
اخذ الله سمعكم وابصاركم” اي سلبكم اياها كما اعطاكموها كما قال تعالى” هو الذي انشاكم
وجعل لكم السمع والابصار” الايه ويحتمل ان يكون هذا عباره عن منع الانتفاع بهما الانتفاع
الشرعي ولهذا قال ” وختم على قلوبكم ” كما قال ” امن يملك السمع والابصار”
وقال ” واعلموا ان الله يحول بين المرء وقلبه” وقوله ” من اله غير الله
ياتيكم به ” اي هل احد غير الله يقدر على رد ذلك اليكم اذا سلبه
الله منكم لا يقدر على ذلك احد سواه ولهذا قال” انظر كيف نصرف الايات ”
اي نبينها ونوضحها ونفسرها داله على انه لا اله الا الله وان ما يعبدون من
دونه باطل وضلال ثم هم يصدفون اي ثم هم مع هذا البيان يصدفون اي يعرضون
عن الحق ويصدون الناس عن اتباعه . قال العوفي عن ابن عباس : يصدفون اي
يعدلون . وقال مجاهد وقتاده : يعرضون . وقال السدي : يصدون .

قل ارايتكم ان اتاكم عذاب الله بغته او جهره هل يهلك الا القوم الظالمون (47)[عدل]

قل ارايتكم ان اتاكم عذاب الله بغته او جهره هل يهلك الا القوم الظالمون

وقوله تعالى ” قل ارايتكم ان اتاكم عذاب الله بغته ” اي وانتم لا تشعرون
به حتى بغتكم وفجاكم ” او جهره ” اي ظاهرا عيانا ” هل يهلك الا
القوم الظالمون” اي انما كان يحيط بالظالمين انفسهم بالشرك بالله وينجو الذين كانوا يعبدون الله
وحده لا شريك له فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون كقوله” الذين امنوا ولم يلبسوا
ايمانهم بظلم ” الايه .

وما نرسل المرسلين الا مبشرين ومنذرين فمن امن واصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون
(48)[عدل]
وما نرسل المرسلين الا مبشرين ومنذرين فمن امن واصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون

وقوله” وما نرسل المرسلين الا مبشرين ومنذرين ” اي مبشرين عباد الله المؤمنين بالخيرات ومنذرين
من كفر بالله النقمات والعقوبات ولهذا قال” فمن امن واصلح ” اي فمن امن قلبه
بما جاءوا به وصلح عمله باتباعه اياهم ” فلا خوف عليهم” اي بالنسبه لما يستقبلونه
” ولا هم يحزنون” اي بالنسبه الى ما فاتهم وتركوه وراء ظهورهم من امر الدنيا
وصنيعها الله وليهم فيما خلفوه وحافظهم فيما تركوه .

والذين كذبوا باياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون (49)[عدل]
والذين كذبوا باياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون

ثم قال ” والذين كذبوا باياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون ” اي ينالهم العذاب
بما كفروا بما جاءت به الرسل وخرجوا عن اوامر الله وطاعته وارتكبوا من مناهيه ومحارمه
وانتهاك حرماته.

قل لا اقول لكم عندي خزائن الله ولا اعلم الغيب ولا اقول لكم اني ملك
ان اتبع الا ما يوحى الي قل هل يستوي الاعمى والبصير افلا تتفكرون (50)[عدل]
قل لا اقول لكم عندي خزائن الله ولا اعلم الغيب ولا اقول لكم اني ملك
ان اتبع الا ما يوحى الي قل هل يستوي الاعمى والبصير افلا تتفكرون

يقول الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم” قل لا اقول لكم عندي خزائن الله
” اي لست املكها ولا اتصرف فيها ” ولا اعلم الغيب ” اي ولا اقول
لكم اني اعلم الغيب انما ذاك من علم الله عز وجل ولا اطلع منه الا
على ما اطلعني عليه ولا اقول لكم اني ملك اي ولا ادعي اني ملك انما
انا بشر من البشر يوحى الي من الله عز وجل شرفني بذلك وانعم علي به
ولهذا قال” ان اتبع الا ما يوحى الي ” اي لست اخرج عنه قيد شبر
ولا ادنى منه ” قل هل يستوي الاعمى والبصير ” اي هل يستوي من اتبع
الحق وهدي اليه ومن ضل عنه فلم ينقد له ” افلا تتفكرون” وهذه كقوله تعالى
” افمن يعلم انما انزل اليك من ربك الحق كمن هو اعمى انما يتذكر اولو
الالباب ” .

وانذر به الذين يخافون ان يحشروا الى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع
لعلهم يتقون (51)[عدل]
وانذر به الذين يخافون ان يحشروا الى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع
لعلهم يتقون

وقوله ” وانذر به الذين يخافون ان يحشروا الى ربهم ليس لهم من دونه ولي
ولا شفيع ” اي وانذر بهذا القران يا محمد ” الذين هم من خشيه ربهم
مشفقون الذين يخشون ربهم ويخافون سوء الحساب ” ” الذين يخافون ان يحشروا الى ربهم
” اي يوم القيامه ” ليس لهم ” اي يومئذ ” من دونه ولي ولا
شفيع ” اي لا قريب لهم ولا شفيع فيهم من عذابه ان اراده بهم ”
لعلهم يتقون ” اي انذر هذا اليوم الذي لا حاكم فيه الا الله عز وجل
” لعلهم يتقون ” فيعملون في هذه الدار عملا ينجيهم الله به يوم القيامه من
عذابه ويضاعف لهم به الجزيل من ثوابه .

ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداه والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء
وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين (52)[عدل]
ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداه والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء
وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين

وقوله تعالى ” ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداه والعشي يريدون وجهه ” اي لا
تبعد هؤلاء المتصفين بهذه الصفات عنك بل اجعلهم جلساءك واخصاءك كقوله ” واصبر نفسك مع
الذين يدعون ربهم بالغداه والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينه الحياه الدنيا
ولا تطع من اغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان امره فرطا ” وقوله ”
يدعون ربهم ” اي يعبدونه ويسالونه ” بالغداه والعشي” قال سعيد بن المسيب ومجاهد والحسن
وقتاده المراد به الصلاه المكتوبه وهذا كقوله ” وقال ربكم ادعوني استجب لكم ” اي
اتقبل منكم وقوله ” يريدون وجهه ” اي يريدون بذلك العمل وجه الله الكريم وهم
مخلصون فيما هم فيه من العبادات والطاعات وقوله ” ما عليك من حسابهم من شيء
وما من حسابك عليهم من شيء ” كقول نوح عليه السلام في جواب الذين ”
قالوا انؤمن لك واتبعك الارذلون قال وما علمي بما كانوا يعملون ان حسابهم الا على
ربي لو تشعرون ” اي انما حسابهم على الله عز وجل وليس علي من حسابهم
من شيء كما انه ليس عليهم من حسابي من شيء وقوله ” فتطردهم فتكون من
الظالمين ” اي ان فعلت هذا والحاله هذه قال الامام احمد : حدثنا اسباط هو
ابن محمد حدثني اشعث عن كردوس عن ابن مسعود قال : مر الملا من قريش
على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وعنده خباب وصهيب وبلال وعمار فقالوا :
يا محمد ارضيت بهؤلاء ؟ فنزل فيهم القران ” وانذر به الذين يخافون ان يحشروا
الى ربهم ” الى قوله” اليس الله باعلم بالشاكرين ” ورواه ابن جرير من طريق
اشعث عن كردوس عن ابن مسعود قال : مر الملا من قريش برسول الله صلى
الله عليه واله وسلم وعنده صهيب وبلال وعمار وخباب وغيرهم من ضعفاء المسلمين فقالوا :
يا محمد ارضيت بهؤلاء من قومك ؟ اهؤلاء الذين من الله عليهم من بيننا ؟
انحن نصير تبعا لهؤلاء ؟ اطردهم فلعلك ان طردتهم ان نتبعك فنزلت هذه الايه ”
ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداه والعشي يريدون وجهه – وكذلك فتنا بعضهم ببعض ”
الى اخر الايه وقال ابن ابي حاتم : حدثنا ابن سعيد بن يحيى بن سعيد
القطان حدثنا عمرو بن محمد العنقزي حدثنا اسباط بن نصر عن السدي عن ابي سعيد
الازدي – وكان قارئ الازد – عن ابي الكنود عن خباب في قول الله عز
وجل ” لا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداه والعشي ” قال جاء الاقرع بن حابس

التميمي وعيينه بن حصن الفزاري فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مع صهيب وبلال
وعمار وخباب قاعدا في ناس من الضعفاء من المؤمنين فلما راوهم حول النبي صلى الله
عليه وسلم حقروهم في نفر في اصحابه فاتوه فخلوا به وقالوا انا نريد ان تجعل
لنا منك مجلسا تعرف لنا به العرب فضلنا فان وفود العرب تاتيك فنستحيي ان ترانا
العرب مع هذه الاعبد فاذا نحن جئناك فاقمهم عنا فاذا نحن فرغنا فاقعد معهم ان
شئت قال ” نعم ” قالوا فاكتب لنا عليك كتابا قال فدعا بصحيفه ودعا عليا
ليكتب ونحن قعود في ناحيه فنزل جبريل فقال ” ولا تطرد الذين يدعون ربهم ”
الايه فرمى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصحيفه من يده ثم دعانا فاتيناه ورواه
ابن جرير من حديث اسباط به وهذا حديث غريب فان هذه الايه مكيه والاقرع بن
حابس وعيينه انما اسلما بعد الهجره بدهر وقال سفيان الثوري عن المقدام بن شريح عن
ابيه قال : قال سعد نزلت هذه الايه في سته من اصحاب النبي صلى الله
عليه وسلم منهم ابن مسعود قال كنا نستبق الى رسول الله صلى الله عليه وسلم
وندنو منه ونسمع منه فقالت قريش : تدني هؤلاء دوننا فنزلت ” ولا تطرد الذين
يدعون ربهم بالغداه والعشي ” رواه الحاكم في مستدركه من طريق سفيان وقال على شرط
الشيخين واخرجه ابن حبان في صحيحه من طريق المقدام بن شريح به .

وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا اهؤلاء من الله عليهم من بيننا اليس الله باعلم بالشاكرين
(53)[عدل]
وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا اهؤلاء من الله عليهم من بيننا اليس الله باعلم بالشاكرين

وقوله ” وكذلك فتنا بعضهم ببعض ” اي ابتلينا واختبرنا وامتحنا بعضهم ببعض ” ليقولوا
اهؤلاء من الله عليهم من بيننا ” وذلك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم
كان غالب من اتبعه في اول بعثته ضعفاء الناس من الرجال والنساء والعبيد والاماء ولم
يتبعه من الاشراف الا قليل كما قال قوم نوح لنوح ” وما نراك اتبعك الا
الذين هم اراذلنا بادي الراي ” الايه وكما سال هرقل ملك الروم ابا سفيان حين
ساله عن تلك المسائل فقال له : فاشراف الناس يتبعونه ام ضعفاؤهم ؟ فقال :
بل ضعفاؤهم . فقال هم اتباع الرسل .

والغرض ان مشركي قريش كانوا يسخرون بمن امن من ضعفائهم ويعذبون من يقدرون عليه منهم
وكانوا يقولون اهؤلاء من الله عليهم من بيننا ؟ اي ما كان الله ليهدي هؤلاء
الى الخير لو كان ما صاروا اليه خيرا ويدعنا كقولهم ” لو كان خيرا ما
سبقونا اليه ” وكقوله تعالى ” واذا تتلى عليهم اياتنا بينات قال الذين كفروا للذين
امنوا اي الفريقين خير مقاما واحسن نديا ” قال الله تعالى في جواب ذلك ”
وكم اهلكنا قبلهم من قرن هم احسن اثاثا ورئيا ” وقال في جوابهم حين قالوا
” اهؤلاء من الله عليهم من بيننا اليس الله باعلم بالشاكرين ” اي اليس هو
اعلم بالشاكرين له باقوالهم وافعالهم وضمائرهم فيوفقهم ويهديهم سبل السلام ويخرجهم من الظلمات الى النور
باذنه ويهديهم الى صراط مستقيم كما قال تعالى والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله
لمع المحسنين ” وفي الحديث الصحيح ان الله لا ينظر الى صوركم ولا الى الوانكم
ولكن ينظر الى قلوبكم واعمالكم ” وقال ابن جرير : حدثنا القاسم حدثنا الحسين عن
حجاج عن ابن جريج عن عكرمه في قوله” وانذر به الذين يخافون ان يحشروا الى
ربهم” الايه قال : جاء عتبه بن ربيعه وشيبه بن ربيعه ومطعم بن عدي والحارث
بن نوفل وقرظه بن عبد عمرو بن نوفل في اشراف من بني عبد مناف من
اهل الكفر الى ابي طالب فقالوا : يا ابا طالب لو ان ابن اخيك محمدا
يطرد عنه موالينا وحلفاءنا فانما هم عبيدنا وعتقاؤنا كان اعظم في صدورنا واطوع له عندنا
وادنى لاتباعنا اياه وتصديقنا له قال فاتى ابو طالب النبي صلى الله عليه وسلم فحدثه
بذلك فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : لو فعلت ذلك حتى تنظر ما
الذي يريدون والى ما يصيرون من قولهم فانزل الله عز وجل هذه الايه ” وانذر
به الذين يخافون ان يحشروا الى ربهم ” الى قوله” اليس الله باعلم بالشاكرين ”
قال : وكانوا بلالا وعمار بن ياسر وسالما مولى ابي حذيفه وصبيحا مولى اسيد ومن
الحلفاء ابن مسعود والمقداد بن عمرو ومسعود بن القاري وواقد بن عبد الله الحنظلي وعمرو
بن عبد عمرو وذو الشمالين ومرثد بن ابي مرثد وابو مرثد الغنوي حليف حمزه بن
عبد المطلب واشباههم من الحلفاء فنزلت في ائمه الكفر من قريش والموالي والحلفاء ” وكذلك
فتنا بعضهم ببعض ليقولوا اهؤلاء من الله عليهم من بيننا” الايه فلما نزلت اقبل عمر
رضي

الله عنه فاتى النبي صلى الله عليه وسلم فاعتذر من مقالته.

واذا جاءك الذين يؤمنون باياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمه انه من
عمل منكم سوءا بجهاله ثم تاب من بعده واصلح فانه غفور رحيم (54)[عدل]
واذا جاءك الذين يؤمنون باياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمه انه من
عمل منكم سوءا بجهاله ثم تاب من بعده واصلح فانه غفور رحيم

فانزل الله عز وجل ” واذا جاءك الذين يؤمنون باياتنا ” الايه وقوله ” واذا
جاءك الذين يؤمنون باياتنا فقل سلام عليكم ” اي فاكرمهم برد السلام عليهم وبشرهم برحمه
الله الواسعه الشامله لهم ولهذا قال ” كتب ربكم على نفسه الرحمه ” اي اوجبها
على نفسه الكريمه تفضلا منه واحسانا وامتنانا ” انه من عمل منكم سوءا بجهاله ”
قال بعض السلف كل من عصى الله فهو جاهل وقال معتمر بن سليمان عن الحكم
عن ابان عن عكرمه في قوله ” من عمل منكم سوءا بجهاله ” قال الدنيا
كلها جهاله رواه ابن ابي حاتم ” ثم تاب من بعده واصلح ” اي رجع
عما كان عليه من المعاصي واقلع وعزم على ان لا يعود واصلح العمل في المستقبل”
فانه غفور رحيم ” قال الامام احمد : حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن همام
بن منبه قال هذا ما حدثنا به ابو هريره قال : قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم ” لما قضى الله على الخلق كتب في كتاب فهو عنده فوق
العرش ان رحمتي غلبت غضبي” اخرجاه في الصحيحين وهكذا رواه الاعمش عن ابي صالح عن
ابي هريره ورواه موسى عن عقبه عن الاعرج عن ابي هريره وكذا رواه الليث وغيره
عن محمد بن عجلان عن ابيه عن ابي هريره عن النبي صلى الله عليه وسلم
بذلك وقد روى ابن مردويه من طريق الحكم بن ابان عن عكرمه عن ابن عباس
قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم” اذا فرغ الله من القضاء بين
الخلق اخرج كتابا من تحت العرش ان رحمتي سبقت غضبي وانا ارحم الراحمين فيقبض قبضه
او قبضتين فيخرج من النار خلقا لم يعملوا خيرا مكتوب بين اعينهم عتقاء الله ”
وقال عبد الرزاق : اخبرنا معمر عن عاصم بن سليمان عن ابي عثمان النهدي عن
سليمان في قوله كتب ربكم على نفسه الرحمه قال : انا نجد في التوراه عطفتين
ان الله خلق السموات والارض وخلق مائه رحمه او جعل مائه رحمه قبل ان يخلق
الخلق ثم خلق الخلق فوضع بينهم رحمه واحده وامسك عنده تسعا وتسعين رحمه قال فيها
يتراحمون وبها يتعاطفون وبها يتباذلون وبها يتزاورون وبها تحن الناقه وبها تبح البقره وبها تثغو
الشاه وبها تتتابع الطير وبها تتتابع الحيتان في البحر فاذا كان يوم القيامه جمع الله
تلك الرحمه الى ما عنده ورحمته افضل واوسع وقد روي هذا مرفوعا من وجه اخر
وسياتي كثير من الاحاديث الموافقه لهذه عند قوله ” ورحمتي وسعت كل شيء” ومما

يناسب هذه الايه من الاحاديث ايضا قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل ”
اتدري ما حق الله على العباد ؟ ان يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ” ثم
قال ” اتدري ما حق العباد على الله اذا هم فعلوا ذلك ؟ ان لا
يعذبهم ” وقد رواه الامام احمد من طريق كميل بن زياد عن ابي هريره رضي
الله عنه .

وكذلك نفصل الايات ولتستبين سبيل المجرمين (55)[عدل]
وكذلك نفصل الايات ولتستبين سبيل المجرمين

يقول تعالى وكما بينا ما تقدم بيانه من الحجج والدلائل على طريق الهدايه والرشاد وذم
المجادله والعناد ” كذلك نفصل الايات ” اي التي يحتاج المخاطبون الى بيانها ” ولتستبين
سبيل المجرمين ” اي ولتظهر طريق المجرمين المخالفين للرسل وقرئ ” ولتستبين سبيل المجرمين ”
اي ولتستبين يا محمد او يا مخاطب سبيل المجرمين .

قل اني نهيت ان اعبد الذين تدعون من دون الله قل لا اتبع اهواءكم قد
ضللت اذا وما انا من المهتدين (56)[عدل]
لا يوجد تفسير لهذه الايه

قل اني على بينه من ربي وكذبتم به ما عندي ما تستعجلون به ان الحكم
الا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين (57)[عدل]
قل اني على بينه من ربي وكذبتم به ما عندي ما تستعجلون به ان الحكم
الا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين

وقوله ” قل اني على بينه من ربي ” اي على بصيره من شريعه الله
التي اوحاها الله الي ” وكذبتم به ” اي بالحق الذي جاءني من الله ”
ما عندي ما تستعجلون به ” اي من العذاب” ان الحكم الا لله ” اي
انما يرجع امر ذلك الى الله ان شاء عجل لكم ما سالتموه من ذلك وان
شاء انظركم واجلكم لما له في ذلك من الحكمه العظيمه ولهذا قال ” يقص الحق
وهو خير الفاصلين ” اي وهو خير من فصل القضايا وخير الفاتحين في الحكم بين
عباده .

قل لو ان عندي ما تستعجلون به لقضي الامر بيني وبينكم والله اعلم بالظالمين (58)[عدل]

قل لو ان عندي ما تستعجلون به لقضي الامر بيني وبينكم والله اعلم بالظالمين

وقوله ” قل لو ان عندي ما تستعجلون به لقضي الامر بيني وبينكم ” اي
لو كان مرجع ذلك الي لاوقعت لكم ما تستحقونه من ذلك ” والله اعلم بالظالمين”
فان قيل فما الجمع بين هذه الايه وبين ما ثبت في الصحيحين من طريق ابن
وهب عن يونس عن الزهري عن عروه عن عائشه انها قالت لرسول الله صلى الله
عليه وسلم : يا رسول الله هل اتى عليك يوم كان اشد من يوم احد
؟ فقال لقد لقيت من قومك وكان اشد ما لقيت منه يوم العقبه اذ عرضت
نفسي على ابن عبد يا ليل ابن عبد كلال فلم يجبني الى ما اردت فانطلقت
وانا مهموم على وجهي فلم استفق الا بقرن الثعالب فرفعت راسي فاذا انا بسحابه قد
ظللتني فنظرت فاذا فيها جبريل عليه السلام فناداني فقال ان الله قد سمع قول قومك
لك وما ردوا عليك وقد بعث اليك ملك الجبال لتامره بما شئت فيهم قال :
فناداني ملك الجبال وسلم علي ثم قال يا محمد ان الله قد سمع قول قومك
لك وقد بعثني ربك اليك لتامرني بامرك فيما شئت ان شئت اطبقت عليهم الاخشبين فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم بل ارجو ان يخرج الله من اصلابهم من يعبد
الله لا يشرك به شيئا وهذا لفظ مسلم فقد عرض عليه عذابهم واستئصالهم فاستانى بهم
وسال لهم التاخير لعل الله ان يخرج من اصلابهم من لا يشرك به شيئا فما
الجمع بين هذا وبين قوله تعالى في هذه الايه ” قل لو ان عندي ما
تستعجلون به لقضي الامر بيني وبينكم والله اعلم بالظالمين ” فالجواب والله اعلم ان هذه
الايه دلت على انه لو كان اليه وقوع العذاب الذي يطلبونه حال طلبهم له لاوقعه
بهم واما الحديث فليس فيه انهم سالوه وقوع العذاب بهم بل عرض عليه ملك الجبال
انه ان شاء اطبق عليهم الاخشبين وهما جبلا مكه اللذان يكتنفانها جنوبا وشمالا فلهذا استانى
بهم وسال الرفق لهم .

وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من
ورقه الا يعلمها ولا حبه في ظلمات الارض ولا رطب ولا يابس الا في كتاب
مبين (59)[عدل]
وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من
ورقه الا يعلمها ولا حبه في ظلمات الارض ولا رطب ولا يابس الا في كتاب
مبين

وقوله تعالى ” وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو ” قال البخاري : حدثنا
عبد العزيز بن عبد الله حدثنا ابراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن سالم بن
عبد الله عن ابيه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مفاتح الغيب خمس
لا يعلمهن الا الله ” ان الله عنده علم الساعه وينزل الغيث ويعلم ما في
الارحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس باي ارض تموت ان الله
عليم خبير ” وفي حديث عمر ان جبريل حين تبدى له في صوره اعرابي فسال
عن الايمان والاسلام والاحسان فقال له النبي صلى الله عليه وسلم فيما قال له ”
خمس لا يعلمهن الا الله ” ثم قرا ” ان الله عنده علم الساعه ”
الايه . وقوله ” ويعلم ما في البر والبحر ” اي يحيط علمه الكريم بجميع
الموجودات بريها وبحريها لا يخفى عليه من ذلك شيء ولا مثقال ذره في الارض ولا
في السماء وما احسن ما قال الصرصري : فلا يخفى عليه الذر … اما تراءى
للنواظر او توارى وقوله ” وما تسقط من ورقه الا يعلمها ” اي ويعلم الحركات
حتى من الجمادات فما ظنك بالحيوانات ولا سيما المكلفون منهم من جنهم وانسهم كما قال
تعالى ” يعلم خائنه الاعين وما تخفي الصدور ” . وقال ابن ابي حاتم :
حدثنا ابي حدثنا الحسن بن الربيع حدثنا ابو الاحوص عن سعيد بن مسروق حدثنا حسان
النمري عن ابن عباس في قوله ” وما تسقط من ورقه الا يعلمها” قال ما
من شجره في بر ولا بحر الا وملك موكل بها يكتب ما يسقط منها رواه
ابن ابي حاتم وقوله” ولا حبه في ظلمات الارض ولا رطب ولا يابس الا في
كتاب مبين ” قال ابن ابي حاتم : حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد
الرحمن بن المسور الزهري حدثنا مالك بن سعير حدثنا الاعمش عن يزيد بن ابي زياد
عن عبد الله بن الحارث قال : ما في الارض من شجره ولا مغرز ابره
الا وعليها ملك موكل ياتي الله بعلمها رطوبتها اذا رطبت ويبوستها اذا يبست وكذا رواه
ابن جرير عن ابي الخطاب زياد بن عبد الله الحساني عن مالك بن سعير به
.

ثم قال ابن ابي حاتم ذكر عن ابي حذيفه حدثنا سفيان عن عمرو بن قيس
عن رجل عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : خلق الله النون وهي
الدواه وخلق الالواح فكتب فيها امر الدنيا حتى ينقضي ما كان من خلق مخلوق او
رزق حلال او حرام او عمل بر او فجور وقرا هذه الايه ” وما تسقط
من ورقه الا يعلمها” الى اخر الايه قال محمد بن اسحاق عن يحيى بن النضر
عن ابيه سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يقول ان تحت الارض الثالثه وفوق
الرابعه من الجن ما لو انهم ظهروا يعني لكم لم تروا معهم نورا على كل
زاويه من زوايا الارض خاتم من خواتيم الله عز وجل على كل خاتم ملك من
الملائكه يبعث الله عز وجل اليه في كل يوم ملكا من عنده ان احتفظ بما
عندك .

وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضى اجل مسمى ثم
اليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعملون (60)[عدل]
وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضى اجل مسمى ثم
اليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعملون

يقول تعالى انه يتوفى عباده في منامهم بالليل وهذا هو التوفي الاصغر كما قال تعالى
” اذ قال الله يا عيسى اني متوفيك ورافعك الي ” وقال تعالى” الله يتوفى
الانفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الاخرى
الى اجل مسمى ” فذكر في هذه الايه الوفاتين الكبرى والصغرى وهكذا ذكر في هذا
المقام حكم الوفاتين الصغرى ثم الكبرى فقال ” وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم
بالنهار ” اي ويعلم ما كسبتم من الاعمال بالنهار وهذه جمله معترضه دلت على احاطه
علمه تعالى بخلقه في ليلهم ونهارهم في حال سكونهم وحال حركتهم كما قال ” سواء
منكم من اسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار ” وكما
قال تعالى ” ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ” اي في الليل
” ولتبتغوا من فضله ” اي في النهار كما قال ” وجعلنا الليل لباسا وجعلنا
النهار معاشا ” ولهذا قال تعالى ههنا ” وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم
بالنهار ” اي ما كسبتم من الاعمال فيه ” ثم يبعثكم فيه” اي في النهار
قاله مجاهد وقتاده والسدي وقال ابن جريج عن عبد الله بن كثير اي في المنام
والاول اظهر وقد روى ابن مردويه بسنده عن الضحاك عن ابن عباس عن النبي صلى
الله عليه وسلم قال ” مع كل انسان ملك اذا نام اخذ نفسه ويرده اليه
فان اذن الله في قبض روحه قبضه والا رد اليه ” فذلك قوله ” وهو
الذي يتوفاكم بالليل” . وقوله ” ليقضى اجل مسمى ” يعني به اجل كل واحد
من الناس ” ثم اليه مرجعكم ” اي يوم القيامه ” ثم ينبئكم ” اي
فيخبركم ” بما كنتم تعملون” اي ويجزيكم على ذلك ان خيرا فخيرا وان شرا فشرا
.

وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظه حتى اذا جاء احدكم الموت توفته رسلنا وهم
لا يفرطون (61)[عدل]
وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظه حتى اذا جاء احدكم الموت توفته رسلنا وهم
لا يفرطون

وقوله ” وهو القاهر فوق عباده ” اي وهو الذي قهر كل شيء وخضع لجلاله
وعظمته وكبريائه كل شيء ” ويرسل عليكم حفظه ” اي من الملائكه يحفظون بدن الانسان
كقوله ” له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من امر الله ” وحفظه
يحفظون عمله ويحصونه كقوله ” وان عليكم لحافظين” الايه وكقوله ” عن اليمين وعن الشمال
قعيد ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد ” وقوله ” اذ يتلقى المتلقيان
” الايه وقوله ” حتى اذا جاء احدكم الموت ” اي احتضر وحان اجله ”
توفته رسلنا ” اي ملائكه موكلون بذلك قال ابن عباس وغير واحد : لملك الموت
اعوان من الملائكه يخرجون الروح من الجسد فيقبضها ملك الموت اذا انتهت الى الحلقوم وسياتي
عند قوله تعالى ” يثبت الله الذين امنوا بالقول الثابت ” الاحاديث المتعلقه بذلك الشاهده
لهذا المروي عن ابن عباس وغيره بالصحه وقوله ” وهم لا يفرطون ” اي في
حفظ روح المتوفى بل يحفظونها وينزلونها حيث شاء الله عز وجل ان كان من الابرار
ففي عليين وان كان من الفجار ففي سجين عياذا بالله من ذلك.

ثم ردوا الى الله مولاهم الحق الا له الحكم وهو اسرع الحاسبين (62)[عدل]
ثم ردوا الى الله مولاهم الحق الا له الحكم وهو اسرع الحاسبين

وقوله ” ثم ردوا الى الله مولاهم الحق ” قال ابن جرير ” ثم ردوا
” يعني الملائكه ” الى الله مولاهم الحق ” ونذكر ههنا الحديث الذي رواه الامام
احمد حيث قال : حدثنا حسين بن محمد حدثنا ابن ابي ذئب عن محمد بن
عمرو بن عطاء عن سعيد بن يسار عن ابي هريره رضي الله عنه عن النبي
صلى الله عليه وسلم انه قال ” ان الميت تحضره الملائكه فاذا كان الرجل الصالح
قالوا اخرجي ايتها النفس الطيبه كانت في الجسد الطيب اخرجي حميده وابشري بروح وريحان ورب
غير غضبان فلا تزال يقال لها ذلك حتى تخرج ثم يعرج بها الى السماء فيستفتح
لها فيقال من هذا فيقال فلان فيقال مرحبا بالنفس الطيبه كانت في الجسد الطيب ادخلي
حميده وابشري بروح وريحان ورب غير غضبان فلا تزال يقال لها ذلك حتى ينتهى بها
الى السماء التي فيها الله عز وجل واذا كان الرجل السوء قالوا اخرجي ايتها النفس
الخبيثه كانت في الجسد الخبيث اخرجي ذميمه وابشري بحميم وغساق واخر من شكله ازواج فلا
تزال يقال لها ذلك حتى تخرج ثم يعرج بها الى السماء فيستفتح لها فيقال من
هذا فيقال فلان فيقال لا مرحبا بالنفس الخبيثه كانت في الجسد الخبيث ارجعي ذميمه فانه
لا يفتح لك ابواب السماء فترسل من السماء ثم تصير الى القبر فيجلس الرجل الصالح
فيقال له مثل ما قيل في الحديث الاول ويجلس الرجل السوء فيقال له مثل ما
قيل في الحديث الثاني ” وهذا حديث غريب ويحتمل ان يكون المراد بقوله ” ثم
ردوا ” يعني الخلائق كلهم الى الله يوم القيامه فيحكم فيهم بعدله كما قال ”
قل ان الاولين والاخرين لمجموعون الى ميقات يوم معلوم ” وقال ” وحشرناهم فلم نغادر
منهم احدا ” الى قوله ” ولا يظلم ربك احدا ” ولهذا قال ” مولاهم
الحق الا له الحكم وهو اسرع الحاسبين” .

قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعا وخفيه لئن انجانا من هذه لنكونن
من الشاكرين (63)[عدل]
قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعا وخفيه لئن انجانا من هذه لنكونن
من الشاكرين

يقول تعالى ممتنا على عباده في انجائه المضطرين منهم من ظلمات البر والبحر اي الحائرين
الواقعين في المهامه البريه وفي اللجج البحريه اذا هاجت الرياح العاصفه فحينئذ يفردون الدعاء له
وحده لا شريك له كقوله ” واذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون الا
اياه ” الايه . وقوله” هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى اذا كنتم في
الفلك وجرين بهم بريح طيبه وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان
وظنوا انهم احيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن انجيتنا من هذه لنكونن من
الشاكرين ” الايه . وقوله ” امن يهديكم في ظلمات البر والبحر ومن يرسل الرياح
بشرا بين يدي رحمته االه مع الله تعالى الله عما يشركون ” وقال في هذه
الايه الكريمه ” قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعا وخفيه ” اي
جهرا وسرا ” لئن انجانا ” اي من هذه الضائقه ” لنكونن من الشاكرين ”
اي بعدها .

قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم انتم تشركون (64)[عدل]
قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم انتم تشركون

قال الله ” قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم انتم ” اي بعد
ذلك ” تشركون ” اي تدعون معه في حال الرفاهيه الهه اخرى .

قل هو القادر على ان يبعث عليكم عذابا من فوقكم او من تحت ارجلكم او
يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم باس بعض انظر كيف نصرف الايات لعلهم يفقهون (65)[عدل]
قل هو القادر على ان يبعث عليكم عذابا من فوقكم او من تحت ارجلكم او
يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم باس بعض انظر كيف نصرف الايات لعلهم يفقهون

وقوله ” قل هو القادر على ان يبعث عليكم عذابا من فوقكم او من تحت
ارجلكم ” لما قال ثم انتم تشركون عقبه بقوله ” قل هو القادر على ان
يبعث عليكم عذابا ” اي بعد انجائه اياكم كقوله في سوره سبحان ” ربكم الذي
يزجي لكم الفلك في البحر لتبتغوا من فضله انه كان بكم رحيما واذا مسكم الضر
في البحر ضل من تدعون الا اياه فلما نجاكم الى البر اعرضتم وكان الانسان كفورا
افامنتم ان يخسف بكم جانب البر او يرسل عليكم حاصبا ثم لا تجدوا لكم وكيلا
ام امنتم ان يعيدكم فيه تاره اخرى فيرسل عليكم قاصفا من الريح فيغرقكم بما كفرتم
ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا ” قال ابن ابي حاتم ذكر عن مسلم
بن ابراهيم حدثنا هارون الاعور عن جعفر بن سليمان عن الحسن في قوله ” قل
هو القادر على ان يبعث عليكم عذابا من فوقكم او من تحت ارجلكم ” قال
هذه للمشركين . وقال ابن ابي نجيح عن مجاهد في قوله ” قل هو القادر
على ان يبعث عليكم عذابا من فوقكم او من تحت ارجلكم ” لامه محمد صلى
الله عليه وسلم وعفى عنهم ونذكر هنا الاحاديث الوارده في ذلك والاثار وبالله المستعان وعليه
التكلان وبه الثقه . قال البخاري رحمه الله تعالى في قوله ” قل هو القادر
على ان يبعث عليكم عذابا من فوقكم او من تحت ارجلكم او يلبسكم شيعا ويذيق
بعضكم باس بعض انظر كيف نصرف الايات لعلهم يفقهون ” يلبسكم يخلطكم من الالتباس يلبسوا
يخلطوا شيعا فرقا حدثنا ابو النعمان حدثنا حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن
جابر بن عبد الله قال لما نزلت هذه الايه ” قل هو القادر على ان
يبعث عليكم عذابا من فوقكم ” قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” اعوذ
بوجهك ” ” او من تحت ارجلكم” قال ” اعوذ بوجهك ” ” او يلبسكم
شيعا ويذيق بعضكم باس بعض ” قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه اهون
– او – ايسر .

وهكذا رواه ايضا في كتاب التوحيد عن قتيبه عن حماد به ورواه النسائي ايضا في
التفسير عن قتيبه ومحمد بن النضر بن مساور ويحيى بن حبيب بن عدي اربعتهم عن
حماد بن زيد به وقد رواه الحميدي في مسنده عن سفيان بن عيينه عن عمرو
بن دينار سمع جابرا عن النبي صلى الله عليه وسلم به . ورواه ابن حبان
في صحيحه عن ابي يعلى الموصلي عن ابي خيثمه عن سفيان بن عيينه به ورواه
ابن جرير في تفسيره عن احمد بن الوليد القرشي وسعيد بن الربيع وسفيان بن وكيع
كلهم عن سفيان بن عيينه به ورواه ابو بكر بن مردويه من حديث ادم بن
ابي اياس ويحيى بن عبد الحميد وعاصم بن علي عن سفيان بن عيينه به ورواه
سعيد بن منصور عن حماد بن زيد وسفيان بن عيينه كلاهما عن عمرو بن دينار
به . ” طريق اخر” قال الحافظ ابو بكر بن مردويه في تفسيره حدثنا سليمان
بن احمد حدثنا مقدام بن داود حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا عبد الله بن
لهيعه عن خالد بن يزيد عن ابي الزبير عن جابر قال لما نزلت” قل هو
القادر على ان يبعث عليكم عذابا من فوقكم ” قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم ” اعوذ بالله من ذلك او من تحت ارجلكم ” قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم ” اعوذ بالله من ذلك ” ” او يلبسكم شيعا ” قال
” هذا ايسر ” وان استعاذه لاعاذه . ويتعلق بهذه الايه احاديث كثيره . ”
احدها ” قال الامام احمد بن حنبل في مسنده حدثنا ابو اليمان حدثنا ابو بكر
يعني ابن ابي مريم عن راشد هو ابن سعد المقرائي عن سعد بن ابي وقاص
قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الايه ” قل هو القادر
على ان يبعث عليكم عذابا من فوقكم او من تحت ارجلكم ” فقال ” اما
انها كائنه ولم يات تاويلها بعد ” . واخرجه الترمذي عن الحسن بن عرفه عن
اسماعيل بن عياش عن ابي بكر بن ابي مريم به ثم قال هذا حديث غريب.

” حديث اخر ” قال الامام احمد حدثنا يعلى هو ابن عبيد حدثنا عثمان بن
حكيم عن عامر بن سعد بن ابي وقاص عن ابيه قال : اقبلنا مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم حتى مررنا على مسجد بني معاويه فدخل فصلى ركعتين فصلينا
معه فناجى ربه عز وجل طويلا ثم قال ” سالت ربي ثلاثا سالته ان لا
يهلك امتي بالغرق فاعطانيها وسالته ان لا يهلك امتي بالسنه فاعطانيها وسالته ان لا يجعل
باسهم بينهم فمنعنيها ” انفرد باخراجه مسلم فرواه في كتاب الفتن عن ابي بكر بن
ابي شيبه عن محمد بن عبد الله بن نمير كلاهما عن عبد الله بن نمير
وعن محمد بن يحيى بن ابي عمرو عن مروان بن معاويه كلاهما عن عثمان بن
حكيم به . ” حديث اخر ” قال الامام احمد قرات على عبد الرحمن بن
مهدي عن مالك عن عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك عن جابر
بن عتيك انه قال جاءنا عبد الله بن عمر في حره بني معاويه – قريه
من قرى الانصار – فقال لي هل تدري اين صلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم في مسجدكم هذا ؟ فقلت نعم فاشرت الى ناحيه منه فقال هل تدري ما
الثلاث التي دعاهن فيه ؟ فقلت نعم فقال اخبرني بهن فقلت دعا ان لا يظهر
عليهم عدوا من غيرهم ولا يهلكهم بالسنين فاعطيهما ودعا بان لا يجعل باسهم بينهم فمنعها
قال صدقت فلا يزال الهرج الى يوم القيامه . ليس هو في شيء من الكتب
السته واسناده جيد قوي ولله الحمد والمنه . ” حديث اخر ” قال محمد بن
اسحاق عن حكيم بن حكيم بن عباد عن خصيف عن عباده بن حنيف عن علي
بن عبد الرحمن اخبرني حذيفه بن اليمان قال خرجت مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم الى حره بني معاويه قال فصلى ثماني ركعات فاطال فيهن ثم التفت الي فقال
” حبستك يا حذيفه ” قلت الله ورسوله اعلم قال اني سالت الله ثلاثا فاعطاني
اثنتين ومنعني واحده سالته ان لا يسلط على امتي عدوا من غيرهم فاعطاني وسالته ان
لا يهلكهم بغرق فاعطاني وسالته ان لا يجعل باسهم بينهم فمنعني .

رواه ابن مردويه من حديث محمد بن اسحاق ” حديث اخر ” قال الامام احمد
حدثنا عبيده بن حميد حدثني سليمان بن الاعمش عن رجاء الانصاري عن عبد الله بن
شداد عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : اتيت رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقيل لي خرج قبل قال فجعلت لا امر باحد الا قال مر قبل
حتى مررت فوجدته قائما يصلي قال فجئت حتى قمت خلفه فاطال الصلاه فلما قضى صلاته
قلت يا رسول الله قد صليت صلاه طويله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
اني صليت صلاه رغبه ورهبه اني سالت الله عز وجل ثلاثا فاعطاني اثنتين ومنعني واحده
سالته ان لا يهلك امتي غرقا فاعطاني وسالته ان لا يظهر عليهم عدوا ليس منهم
فاعطانيها وسالته ان لا يجعل باسهم بينهم فردها علي . ورواه ابن ماجه في الفتن
عن محمد بن عبد الله بن نمير وعلي بن محمد كلاهما عن ابي معاويه عن
الاعمش به . ورواه ابن مردويه من حديث ابي عوانه عن عبد الله بن عمير
عن عبد الرحمن بن ابي ليلى عن معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه
وسلم بمثله او نحوه . ” حديث اخر ” قال الامام احمد حدثنا هارون بن
معروف حدثنا عبد الله بن وهب اخبرني عمرو بن الحارث عن بكير بن الاشج ان
الضحاك بن عبد الله القرشي حدثه عن انس بن مالك انه قال رايت رسول الله
صلى الله عليه وسلم في سفر صلى سبحه الضحى ثماني ركعات فلما انصرف قال اني
صليت صلاه رغبه ورهبه وسالت ربي ثلاثا فاعطاني اثنتين ومنعني واحده سالته ان لا يبتلي
امتي بالسنين ففعل وسالته ان لا يظهر عليهم عدوهم ففعل وسالته ان لا يلبسهم شيعا
فابى علي . ورواه النسائي في الصلاه عن محمد بن سلمه عن ابن وهب به
.

” حديث اخر ” قال الامام احمد حدثنا ابو اليمان اخبرنا شعيب بن ابي حمزه
قال : قال الزهري حدثني عبد الله بن عبد الله بن الحارث بن نوفل عن
عبد الله بن خباب عن ابيه خباب بن الارت مولى بني زهره وكان قد شهد
بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال وافيت رسول الله صلى الله
عليه وسلم في ليله صلاها كلها حتى كان مع الفجر فسلم رسول الله صلى الله
عليه وسلم من صلاته فقلت يا رسول الله لقد صليت الليله صلاه ما رايتك صليت
مثلها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اجل انها صلاه رغب ورهب سالت ربي
عز وجل فيها ثلاث خصال فاعطاني اثنتين ومنعني واحده سالت ربي عز وجل ان لا
يهلكنا بما اهلك به الامم قبلنا فاعطانيها وسالت ربي عز وجل ان لا يظهر علينا
عدوا من غيرنا فاعطانيها وسالت ربي عز وجل ان لا يلبسنا شيعا فمنعنيها . ورواه
النسائي من حديث شعيب بن ابي حمزه به. ومن وجه اخر وابن حبان في صحيحه
باسناديهما عن صالح بن كيسان والترمذي في الفتن من حديث النعمان بن راشد كلاهما عن
الزهري به وقال حسن صحيح . ” حديث اخر ” قال ابو جعفر بن جرير
في تفسيره حدثني زياد بن عبد الله المزني حدثنا مروان بن معاويه الفزاري حدثنا ابو
مالك حدثني نافع بن خالد الخزاعي عن ابيه ان النبي صلى الله عليه وسلم صلى
صلاه خفيفه تامه الركوع والسجود فقال قد كانت صلاه رغبه ورهبه سالت الله عز وجل
فيها ثلاثا اعطاني اثنتين ومنعني واحده سالت الله ان لا يصيبكم بعذاب اصاب به من
كان قبلكم فاعطانيها وسالت الله ان لا يسلط عليكم عدوا يستبيح بيضتكم فاعطانيها وسالت الله
ان لا يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم باس بعض فمنعنيها قال ابو مالك فقلت له ابوك
سمع هذا من في رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : نعم سمعته
يحدث بها القوم انه سمعها من في رسول الله صلى الله عليه وسلم .

” حديث اخر ” قال الامام احمد حدثنا عبد الرزاق قال : قال معمر اخبرني
ايوب عن ابي قلابه عن الاشعث الصنعاني عن ابي اسماء الرحبي عن شداد بن اوس
ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ان الله زوى لي الارض حتى رايت
مشارقها ومغاربها وان ملك امتي سيبلغ ما زوي لي منها واني اعطيت الكنزين الابيض والاحمر
واني سالت ربي عز وجل ان لا يهلك امتي بسنه عامه وان لا يسلط عليهم
عدوا فيهلكهم بعامه وان لا يلبسهم شيعا وان لا يذيق بعضهم باس بعض فقال يا
محمد اني اذا قضيت قضاء فانه لا يرد واني قد اعطيتك لامتك ان لا اهلكهم
بسنه عامه وان لا اسلط عليهم عدوا ممن سواهم فيهلكهم بعامه حتى يكون بعضهم يهلك
بعضا وبعضهم يقتل بعضا وبعضهم يسبي بعضا قال : وقال النبي صلى الله عليه وسلم
اني لا اخاف على امتي الا الائمه المضلين فاذا وضع السيف في امتي لم يرفع
عنهم الى يوم القيامه ليس في شيء من الكتب السته واسناده جيد قوي وقد رواه
ابن مردويه من حديث حماد بن زيد وعباد بن منصور وقتاده ثلاثتهم عن ايوب عن
ابي قلابه عن ابي اسماء عن ثوبان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه
والله اعلم .

” حديث اخر ” قال الحافظ ابو بكر بن مردويه حدثنا عبد الله بن اسماعيل
بن ابراهيم الهاشمي وميمون بن اسحاق بن الحسن الحنفي قالا حدثنا احمد بن عبد الجبار
حدثنا محمد بن فضيل عن ابي مالك الاشجعي عن نافع بن خالد الخزاعي عن ابيه
قال وكان ابوه من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان من اصحاب الشجره
قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا صلى والناس حوله صلى صلاه خفيفه
تامه الركوع والسجود قال فجلس يوما فاطال الجلوس حتى اوما بعضنا الى بعض ان اسكتوا
انه ينزل عليه فلما فرغ قال له بعض القوم يا رسول الله لقد اطلت الجلوس
حتى اوما بعضنا الى بعض انه ينزل عليك قال لا ولكنها كانت صلاه رغبه ورهبه
سالت الله فيها ثلاثا فاعطاني اثنتين ومنعني واحده سالت الله ان لا يعذبكم بعذاب عذب
به من كان قبلكم فاعطانيها وسالت الله ان لا يسلط على امتي عدوا يستبيحها فاعطانيها
وسالته ان لا يلبسكم شيعا وان لا يذيق بعضكم باس بعض فمنعنيها قال : قلت
له ابوك سمعها من رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ؟ قال نعم سمعته
يقول انه سمعها من رسول الله صلى الله عليه واله وسلم عدد اصابعي هذه عشر
اصابع . ” حديث اخر ” قال الامام احمد حدثنا يونس هو ابن محمد المؤدب
حدثنا ليث هو ابن سعد عن ابي وهب الخولاني عن رجل قد سماه عن ابي
بصره الغفاري صاحب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ان رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال سالت ربي عز وجل اربعا فاعطاني ثلاثا ومنعني واحده سالت الله ان
لا يجمع امتي على ضلاله فاعطانيها وسالت الله ان لا يظهر عليهم عدوا من غيرهم
فاعطانيها وسالت الله ان لا يهلكهم بالسنين كما اهلك الامم قبلهم فاعطانيها وسالت الله عز
وجل ان لا يلبسهم شيعا وان لا يذيق بعضهم باس بعض فمنعنيها لم يخرجه احد
من اصحاب الكتب السته . ” حديث اخر ” قال الطبراني حدثنا محمد بن عثمان
بن ابي شيبه حدثنا منجاب بن الحارث حدثنا ابو حذيفه الثعلبي عن زياد بن علاقه
عن جابر بن سمره السوائي عن علي ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم
قال سالت ربي ثلاث خصال فاعطاني اثنتين ومنعني واحده فقلت يا رب لا تهلك امتي
جوعا فقال هذه لك قلت يا رب لا تسلط عليهم عدوا من غيرهم يعني اهل
الشرك فيجتاحهم قال ذلك لك قلت يا رب لا تجعل باسهم بينهم فمنعني هذه .

” حديث اخر ” قال الحافظ ابو بكر بن مردويه حدثنا محمد بن احمد بن
ابراهيم عن احمد بن محمد بن عاصم حدثنا ابو الدرداء المروزي حدثنا اسحاق بن عبد
الله بن كيسان حدثني ابي عن عكرمه عن ابن عباس ان رسول الله صلى الله
عليه واله وسلم قال دعوت ربي عز وجل ان يرفع عن امتي اربعا فرفع الله
عنهم اثنتين وابى علي ان يرفع عنهم اثنتين دعوت ربي ان يرفع الرجم من السماء
والغرق من الارض وان لا يلبسهم شيعا وان لا يذيق بعضهم باس بعض فرفع الله
عنهم الرجم من السماء والغرق من الارض وابى الله ان يرفع اثنتين القتل والهرج .
” طريق اخرى” عن ابن عباس ايضا قال ابن مردويه حدثنا عبد الله بن محمد
بن يزيد حدثني الوليد بن ابان حدثنا جعفر بن منير حدثنا ابو بدر شجاع بن
الوليد حدثنا عمرو بن قيس عن رجل عن ابن عباس قال لما نزلت هذه الايه
قل هو القادر على ان يبعث عليكم عذابا من فوقكم او من تحت ارجلكم او
يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم باس بعض قال فقام النبي صلى الله عليه وسلم فتوضا ثم
قال اللهم لا ترسل على امتي عذابا من فوقهم ولا من تحت ارجلهم ولا تلبسهم
شيعا ولا تذق بعضهم باس بعض قال فاتاه جبريل فقال يا محمد ان الله قد
اجار امتك ان يرسل عليهم عذابا من فوقهم او من تحت ارجلهم . ” حديث
اخر ” قال ابن مردويه حدثنا احمد بن محمد بن عبد الله البزار حدثنا عبد
الله بن احمد بن موسى حدثنا احمد بن محمد بن يحيى بن سعيد حدثنا عمرو
بن محمد العنقزي حدثنا اسباط عن السدي عن ابي المنهال عن ابي هريره عن النبي
صلى الله عليه وسلم قال سالت ربي لامتي اربع خصال فاعطاني ثلاثا ومنعني واحده سالته
ان لا تكفر امتي صفقه واحده فاعطانيها وسالته ان لا يعذبهم بما عذب به الامم
قبلهم فاعطانيها وسالته ان لا يظهر عليهم عدوا من غيرهم فاعطانيها وسالته ان لا يجعل
باسهم بينهم فمنعنيها ورواه ابن ابي حاتم عن ابي سعيد بن يحيى بن سعيد القطان
عن عمرو بن محمد العنقزي به نحوه .

” طريق اخر” وقال ابن مردويه حدثنا محمد بن احمد بن ابراهيم حدثنا محمد بن
يحيى حدثنا ابو كريب حدثنا زيد بن الحباب حدثنا كثير بن زيد الليثي المدني حدثني
الوليد بن رباح مولى ال ابي ذئاب سمع ابا هريره يقول : قال النبي صلى
الله عليه وسلم سالت ربي ثلاثا فاعطاني اثنتين ومنعني واحده سالته ان لا يسلط على
امتي عدوا من غيرهم فاعطاني وسالته ان لا يهلكهم بالسنين فاعطاني وسالته ان لا يلبسهم
شيعا وان لا يذيق بعضهم باس بعض فمنعني . ثم رواه ابن مردويه باسناده عن
سعد بن سعيد بن ابي سعيد المقبري عن ابيه عن ابي هريره عن النبي صلى
الله عليه واله وسلم بنحوه ورواه البزار من طريق عمرو بن ابي سلمه عن ابيه
عن ابي هريره عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه . ورواه البزار من طريق
عمر بن ابي سلمه عن ابيه عن ابي هريره عن النبي صلى الله عليه وسلم
بنحوه . ” اثر اخر ” قال سفيان الثوري عن الربيع بن انس عن ابي
العاليه عن ابي بن كعب قال اربع في هذه الامه قد مضت اثنتان وبقيت اثنتان
” قل هو القادر على ان يبعث عليكم عذابا من فوقكم ” قال الرجم ”
او من تحت ارجلكم” قال الخسف ” او يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم باس بعض ”
قال سفيان يعني الرجم والخسف وقال ابو جعفر الرازي عن الربيع بن انس عن ابي
العاليه عن ابي بن كعب ” قل هو القادر على ان يبعث عليكم عذابا من
فوقكم او من تحت ارجلكم او يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم باس بعض ” قال فهي
اربع خلال منها اثنتان بعد وفاه رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس وعشرين سنه
البسوا شيعا وذاق بعضهم باس بعض وبقيت اثنتان لا بد منهما واقعتان الرجم والخسف ورواه
احمد عن وكيع عن ابي جعفر ورواه ابن ابي حاتم وقال ابن ابي حاتم حدثنا
المنذر بن شاذان حدثنا احمد بن اسحاق حدثنا ابو الاشهب عن الحسن في قوله ”
قل هو القادر على ان يبعث” الايه . قال حبست عقوبتها حتى عمل ذنبها فلما
عمل ذنبها ارسلت عقوبتها وهكذا قال مجاهد وسعيد بن جبير وابو مالك والسدي وابن زيد
وغير واحد في قوله ” عذابا من فوقكم ” يعني الرجم ” او من تحت
ارجلكم ” يعني الخسف .

وهذا هو اختيار ابن جرير ورواه ابن جرير عن يونس عن ابن وهب عن عبد
الرحمن بن زيد بن اسلم في قوله ” قل هو القادر على ان يبعث عليكم
عذابا من فوقكم او من تحت ارجلكم ” قال كان عبد الله بن مسعود يصيح
وهو في المسجد او على المنبر يقول الا ايها الناس انه قد نزل بكم ان
الله يقول ” قل هو القادر على ان يبعث عليكم عذابا من فوقكم ” لو
جاءكم عذاب من السماء لم يبق منكم احدا ” او من تحت ارجلكم ” لو
خسف بكم الارض اهلككم ولم يبق منكم احدا ” او يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم باس
بعض ” الا انه نزل بكم اسوا الثلاث . ” قول ثان” قال ابن جرير
وابن ابي حاتم حدثنا يونس بن عبد الاعلى اخبرنا ابن وهب سمعت خلاد بن سليمان
يقول سمعت عامر بن عبد الرحمن يقول ان ابن عباس كان يقول في هذه الايه
” قل هو القادر على ان يبعث عليكم عذابا من فوقكم ” فائمه السوء ”
او من تحت ارجلكم ” فخدم السوء وقال علي بن ابي طلحه عن ابن عباس
” عذاب من فوقكم ” يعني امراءكم” او من تحت ارجلكم ” يعني عبيدكم وسفلتكم
وحكى ابن ابي حاتم عن ابي سنان وعمرو بن هانئ نحو ذلك. قال ابن جرير
: وهذا القول وان كان له وجه صحيح لكن الاول اظهر واقوى وهو كما قال
ابن جرير رحمه الله ويشهد له بالصحه قوله تعالى ” اامنتم من في السماء ان
يخسف بكم الارض فاذا هي تمور ام امنتم من في السماء ان يرسل عليكم حاصبا
فستعلمون كيف نذير ” وفي الحديث ” ليكونن في هذه الامه قذف وخسف ومسخ ”
وذلك مذكور مع نظائره في امارات الساعه واشراطها وظهور الايات قبل يوم القيامه وستاتي في
موضعها ان شاء الله تعالى وقوله ” او يلبسكم شيعا ” يعني يجعلكم ملتبسين شيعا
فرقا متخالفين . قال الوالبي عن ابن عباس يعني الاهواء وكذا قال مجاهد وغير واحد
وقد ورد في الحديث المروي من طرق عنه صلى الله عليه وسلم انه قال ”
وستفترق هذه الامه على ثلاث وسبعين فرقه كلها في النار الا واحده ” . وقوله
تعالى ” ويذيق بعضكم باس بعض ” قال ابن عباس وغير واحد يعني يسلط بعضكم
على بعض بالعذاب والقتل. وقوله تعالى ” انظر كيف نصرف الايات ” اي نبينها ونوضحها
مره ونفسرها ” لعلهم يفقهون ” اي يفهمون ويتدبرون عن الله اياته وحججه وبراهينه. قال
زيد بن اسلم لما نزلت ” قل هو القادر على ان يبعث عليكم عذابا من
فوقكم ” الايه .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب
بعض بالسيف ” قالوا ونحن نشهد ان لا اله الا الله وانك رسول الله قال”
نعم ” فقال بعضهم لا يكون هذا ابدا ان يقتل بعضنا بعضا ونحن مسلمون فنزلت
” انظر كيف نصرف الايات لعلهم يفقهون وكذب به قومك وهو الحق قل لست عليكم
بوكيل لكل نبا مستقر وسوف تعلمون ” رواه ابن ابي حاتم وابن جرير .

وكذب به قومك وهو الحق قل لست عليكم بوكيل (66)[عدل]
وكذب به قومك وهو الحق قل لست عليكم بوكيل

يقول تعالى ” وكذب به ” اي بالقران الذي جئتهم به والهدى والبيان ” قومك
” يعني قريشا ” وهو الحق ” اي الذي ليس وراءه حق ” قل لست
عليكم بوكيل ” اي لست عليكم بحفيظ ولست بموكل بكم كقوله ” وقل الحق من
ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ” اي انما علي البلاغ وعليكم السمع والطاعه
فمن اتبعني سعد في الدنيا والاخره ومن خالفني فقد شقي في الدنيا والاخره .

لكل نبا مستقر وسوف تعلمون (67)[عدل]
لكل نبا مستقر وسوف تعلمون

ولهذا قال” لكل نبا مستقر ” قال ابن عباس وغير واحد اي لكل نبا حقيقه
اي لكل خبر وقوع ولو بعد حين كما قال ” ولتعلمن نباه بعد حين ”
وقال ” لكل اجل كتاب ” وهذا تهديد ووعيد اكيد ولهذا قال بعده” وسوف تعلمون
” .

واذا رايت الذين يخوضون في اياتنا فاعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره واما ينسينك
الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين (68)[عدل]
واذا رايت الذين يخوضون في اياتنا فاعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره واما ينسينك
الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين

وقوله” واذا رايت الذين يخوضون في اياتنا ” اي بالتكذيب والاستهزاء ” فاعرض عنهم حتى
يخوضوا في حديث غيره ” اي حتى ياخذوا في كلام اخر غير ما كانوا فيه
من التكذيب ” واما ينسينك الشيطان ” والمراد بذلك كل فرد من احاد الامه ان
لا يجلس مع المكذبين الذين يحرفون ايات الله ويضعونها على غير مواضعها فان جلس احد
معهم ناسيا ” فلا تقعد بعد الذكرى” بعد التذكر ” مع القوم الظالمين ” ولهذا
ورد في الحديث ” رفع عن امتي الخطا والنسيان وما استكرهوا عليه ” . وقال
السدي عن ابي مالك وسعيد بن جبير في قوله ” واما ينسينك الشيطان ” قال
ان نسيت فذكرت ” فلا تقعد ” معهم وكذا قال مقاتل بن حيان وهذه الايه
هي المشار اليها في قوله ” وقد نزل عليكم في الكتاب ان اذا سمعتم ايات
الله يكفر بها ويستهزا بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره انكم اذا
مثلهم ” الايه . اي انكم اذا جلستم معهم واقررتموهم على ذلك فقد ساويتموهم فيما
هم فيه .

وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ولكن ذكرى لعلهم يتقون (69)[عدل]
وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ولكن ذكرى لعلهم يتقون

وقوله ” وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ” اي اذا تجنبوهم فلم
يجلسوا معهم في ذلك فقد برئوا من عهدتهم وتخلصوا من اثمهم قال ابن ابي حاتم
حدثنا ابو سعيد الاشج حدثنا عبد الله بن موسى عن اسرائيل عن السدي عن ابي
مالك عن سعيد بن جبير . قوله ” وما على الذين يتقون من حسابهم من
شيء ” قال ما عليك ان يخوضوا في ايات الله اذا فعلت ذلك اي اذا
تجنبتهم واعرضت عنهم وقال اخرون بل معناه وان جلسوا معهم فليس عليهم من حسابهم من
شيء وزعموا ان هذا منسوخ بايه النساء المدنيه وهي قوله ” انكم اذا مثلهم ”
قاله مجاهد والسدي وابن جريج وغيرهم. وعلى قولهم يكون قوله ” ولكن ذكرى لهم لعلهم
يتقون ” اي ولكن امرناكم بالاعراض عنهم حينئذ تذكيرا لهم عما هم فيه لعلهم يتقون
ذلك ولا يعودون اليه .

وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم الحياه الدنيا وذكر به ان تبسل نفس بما
كسبت ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع وان تعدل كل عدل لا يؤخذ
منها اولئك الذين ابسلوا بما كسبوا لهم شراب من حميم وعذاب اليم بما كانوا يكفرون
(70)[عدل]
وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم الحياه الدنيا وذكر به ان تبسل نفس بما
كسبت ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع وان تعدل كل عدل لا يؤخذ
منها اولئك الذين ابسلوا بما كسبوا لهم شراب من حميم وعذاب اليم بما كانوا يكفرون

يقول تعالى ” وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم الحياه الدنيا ” اي دعهم
واعرض عنهم وامهلهم قليلا فانهم صائرون الى عذاب عظيم ولهذا قال وذكر به اي ذكر
الناس بهذا القران وحذرهم نقمه الله وعذابه الاليم يوم القيامه وقوله تعالى ” ان تبسل
نفس بما كسبت ” اي لئلا تبسل قال الضحاك عن ابن عباس ومجاهد وعكرمه والحسن
والسدي تبسل تسلم وقال الوالبي عن ابن عباس تفتضح . وقال قتاده تحبس وقال مره
وابن زيد تؤاخذ . وقال الكلبي تجزى وكل هذه الاقوال والعبارات متقاربه في المعنى وحاصلها
الاسلام للهلكه والحبس عن الخير والارتهان عن درك المطلوب كقوله ” كل نفس بما كسبت
رهينه الا اصحاب اليمين ” وقوله ” ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع
” اي لا قريب ولا احد يشفع فيها كقوله ” من قبل ان ياتي يوم
لا بيع فيه ولا خله ولا شفاعه والكافرون هم الظالمون ” وقوله ” وان تعدل
كل عدل لا يؤخذ منها ” اي ولو بذلت كل مبذول ما قبل منها كقوله
” ان الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من احدهم ملء الارض ذهبا ”
الايه . وكذا قال ههنا ” اولئك الذين ابسلوا بما كسبوا لهم شراب من حميم
وعذاب اليم بما كانوا يكفرون ” .

قل اندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على اعقابنا بعد اذ
هدانا الله كالذي استهوته الشياطين في الارض حيران له اصحاب يدعونه الى الهدى ائتنا قل
ان هدى الله هو الهدى وامرنا لنسلم لرب العالمين (71)[عدل]
قل اندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على اعقابنا بعد اذ
هدانا الله كالذي استهوته الشياطين في الارض حيران له اصحاب يدعونه الى الهدى ائتنا قل
ان هدى الله هو الهدى وامرنا لنسلم لرب العالمين

قال السدي قال المشركون للمسلمين اتبعوا سبيلنا واتركوا دين محمد فانزل الله عز وجل ”
قل اندعوا من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على اعقابنا ” اي
في الكفر ” بعد اذ هدانا الله ” فيكون مثلنا مثل الذي استهوته الشياطين في
الارض يقول مثلكم ان كفرتم بعد ايمانكم كمثل رجل خرج مع قوم على الطريق فضل
الطريق فحيرته الشياطين واستهوته في الارض واصحابه على الطريق فجعلوا يدعونه اليهم يقولون ائتنا فانا
على الطريق فابى ان ياتيهم فذلك مثل من يتبعهم بعد المعرفه بمحمد صلى الله عليه
وعلى اله وسلم ومحمد هو الذي يدعو الى الطريق والطريق هو الاسلام . رواه ابن
جرير وقال قتاده ” استهوته الشياطين في الارض ” اضلته في الارض يعني استهوته سيرته
كقوله ” تهوي اليهم ” وقال علي بن ابي طلحه عن ابن عباس في قوله
” قل اندعوا من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ” الايه .

هذا مثل ضربه الله للالهه ومن يدعو اليها والدعاه الذين يدعون الى هدى الله عز
وجل كمثل رجل ضل عن طريق تائها اذ ناداه مناد يا فلان بن فلان هلم
الى الطريق وله اصحاب يدعونه يا فلان هلم الى الطريق فان اتبع الداعي الاول انطلق
به حتى يلقيه الى الهلكه وان اجاب من يدعوه الى الهدى اهتدى الى الطريق وهذه
الداعيه التي تدعو في البريه من الغيلان يقول مثل من يعبد هذه الالهه من دون
الله فانه يرى انه في شيء حتى ياتيه الموت فيستقبل الندامه والهلكه وقوله ” كالذي
استهوته الشياطين في الارض ” هم الغيلان ” يدعونه” باسمه واسم ابيه وجده فيتبعها وهو
يرى انه في شيء فيصبح وقد رمته في هلكه وربما اكلته او تلقيه في مضله
من الارض يهلك فيها عطشا فهذا مثل من اجاب الالهه التي تعبد من دون الله
عز وجل رواه ابن جرير وقال ابن ابي نجيح عن مجاهد” كالذي استهوته الشياطين في
الارض حيران ” قال رجل حيران يدعوه اصحابه الى الطريق وذلك مثل من يضل بعد
ان هدي وقال العوفي عن ابن عباس قوله ” كالذي استهوته الشياطين في الارض حيران
له اصحاب ” هو الذي لا يستجيب لهدى الله وهو رجل اطاع الشيطان وعمل في
الارض بالمعصيه وحاد عن الحق وضل عنه وله اصحاب يدعونه الى الهدى ويزعمون ان الذي
يامرونه به هدى يقول الله ذلك لاوليائهم من الانس ” ان الهدى هدى الله” والضلال
ما يدعو اليه الجن . رواه ابن جرير ثم قال وهذا يقتضي ان اصحابه يدعونه
الى الضلال ويزعمون انه هدى قال : وهذا خلاف ظاهر الايه فان الله اخبر انهم
يدعونه الى الهدى فغير جائز ان يكون ضلالا وقد اخبر الله انه هدى وهو كما
قال ابن جرير فان السياق يقتضي ان هذا الذي استهوته الشياطين في الارض حيران وهو
منصوب على الحال اي في حال حيرته وضلاله وجهله وجه المحجه وله اصحاب على المحجه
سائرون فجعلوا يدعونه اليهم والى الذهاب معهم على الطريقه المثلى وتقدير الكلام فيابى عليهم ولا
يلتفت اليهم ولو شاء الله لهداه ولرد به الى الطريق ولهذا قال ” قل ان
هدى الله هو الهدى ” كما قال ” ومن يهد الله فما له من مضل
” وقال ” ان تحرص على هداهم فان الله لا يهدي من يضل وما لهم
من ناصرين ” وقوله ” وامرنا لنسلم لرب العالمين” اي نخلص له العباده وحده لا
شريك له .

وان اقيموا الصلاه واتقوه وهو الذي اليه تحشرون (72)[عدل]
وان اقيموا الصلاه واتقوه وهو الذي اليه تحشرون

” وان اقيموا الصلاه واتقوه ” اي وامرنا باقامه الصلاه وبتقواه في جميع الاحوال ”
وهو الذي اليه تحشرون ” اي يوم القيامه .

وهو الذي خلق السماوات والارض بالحق ويوم يقول كن فيكون قوله الحق وله الملك يوم
ينفخ في الصور عالم الغيب والشهاده وهو الحكيم الخبير (73)[عدل]
وهو الذي خلق السماوات والارض بالحق ويوم يقول كن فيكون قوله الحق وله الملك يوم
ينفخ في الصور عالم الغيب والشهاده وهو الحكيم الخبير

” وهو الذي خلق السموات والارض بالحق ” اي بالعدل فهو خالقهما ومالكهما والمدبر لهما
ولمن فيهما وقوله ” ويوم يقول كن فيكون ” يعني يوم القيامه الذي يقول الله
كن فيكون عن امره كلمح البصر او هو اقرب ويوم منصوب اما على العطف على
قوله واتقوه وتقديره واتقوا يوم يقول كن فيكون اما على قوله ” خلق السموات والارض
” اي وخلق يوم يقول كن فيكون فذكر بدء الخلق واعادته وهذا مناسب اما على
اضمار فعل تقديره واذكر يوم يقول كن فيكون وقوله ” قوله الحق وله الملك ”
جملتان محلهما الجر على انهما صفتان لرب العالمين وقوله” ويوم ينفخ في الصور ” يحتمل
ان يكون بدلا من قوله ” ويوم يقول كن فيكون يوم ينفخ في الصور ”
ويحتمل ان يكون ظرفا لقوله ” وله الملك يوم ينفخ في الصور ” كقوله ”
لمن الملك اليوم لله الواحد القهار ” وكقوله ” الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يوما
على الكافرين عسيرا ” وما اشبه ذلك واختلف المفسرون في قوله ” يوم ينفخ في
الصور” فقال بعضهم المراد بالصور هنا جمع صوره اي يوم ينفخ فيها فتحيا . قال
ابن جرير كما يقال سور لسور البلد وهو جمع سوره والصحيح ان المراد بالصور القرن
الذي ينفخ فيه اسرافيل عليه السلام قال ابن جرير والصواب عندنا ما تظاهرت به الاخبار
عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم انه قال ان اسرافيل قد التقم الصور
وحنى جبهته ينتظر متى يؤمر فينفخ . رواه مسلم في صحيحه وقال الامام احمد حدثنا
اسماعيل حدثنا سليمان التيمي عن اسلم العجلي عن بشر بن شغاف عن عبد الله بن
عمرو قال : قال اعرابي يا رسول الله ما الصور ؟ قال قرن ينفخ فيه
.

وقد روينا حديث الصور بطوله من طريق الحافظ ابي القاسم الطبراني في كتابه المطولات قال
حدثنا احمد بن الحسن المقري الايلي حدثنا ابو عاصم النبيل حدثنا اسماعيل بن رافع عن
محمد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي عن ابي هريره رضي الله عنه قال
: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم وهو في طائفه من اصحابه
فقال ان الله لما فرغ من خلق السموات والارض خلق الصور فاعطاه اسرافيل فهو واضعه
على فيه شاخصا بصره الى العرش ينتظر متى يؤمر قلت يا رسول الله صلى الله
عليه وسلم وما الصور ؟ قال القرن قلت كيف هو ؟ قال عظيم والذي بعثني
بالحق ان عظم داره فيه كعرض السموات والارض ينفخ فيه ثلاث نفخات النفخه الاولى نفخه
الفزع والثانيه نفخه الصعق والثالثه نفخه القيام لرب العالمين يامر الله تعالى اسرافيل بالنفخه الاولى
فيقول انفخ فينفخ نفخه الفزع فيفزع اهل السموات والارض الا من شاء الله ويامره فيطيلها
ويديمها ولا يفتر وهي كقول الله ” وما ينظر هؤلاء الا صيحه واحده ما لها
من فواق ” فيسير الله الجبال فتمر مر السحاب فتكون سرابا ثم ترتج الارض باهلها
رجا فتكون كالسفينه المرميه في البحر تضربها الامواج تكفا باهلها كالقنديل المعلق في العرش ترجرجه
الرياح وهو الذي يقول ” يوم ترجف الراجفه تتبعها الرادفه قلوب يومئذ واجفه ” فيميد
الناس على ظهرها وتذهل المراضع وتضع الحوامل وتشيب الولدان وتطير الشياطين هاربه من الفزع حتى
تات الاقطار فتاتيها الملائكه فتضرب وجوهها فترجع ويولي الناس مدبرين ما لهم من امر الله
من عاصم ينادي بعضهم بعضا وهو الذي يقول الله تعالى” يوم التناد ” فبينما هم
على ذلك اذ تصدعت الارض من قطر الى قطر فراوا امرا عظيما لم يروا مثله
واخذهم لذلك من الكرب والهول ما الله به عليم ثم نظروا الى السماء فاذا هي
كالمهل ثم انشقت السماء فانتشرت نجومها وانخسف شمسها وقمرها قال رسول الله صلى الله عليه
وعلى اله وسلم الاموات لا يعلمون بشيء من ذلك قال ابو هريره يا رسول الله
من استثنى الله عز وجل حين يقول ” ففزع من في السموات ومن في الارض
الا من شاء الله ” ؟ قال اولئك الشهداء وانما يصل الفزع الى الاحياء وهم
احياء عند ربهم يرزقون وقاهم الله فزع ذلك اليوم وامنهم منه وهو عذاب الله يبعثه
على شرار خلقه – قال – وهو الذي يقول الله عز وجل ” يا ايها

الناس اتقوا ربكم ان زلزله الساعه شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعه عما ارضعت
وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد
” فيقومون في ذلك العذاب ما شاء الله الا انه يطول ثم يامر الله اسرافيل
بنفخه الصعق فينفخ نفخه الصعق فيصعق اهل السموات والارض الا من شاء الله فاذا هم
قد خمدوا وجاء ملك الموت الى الجبار عز وجل فيقول يا رب قد مات اهل
السموات والارض الا من شئت فيقول الله وهو اعلم بمن بقي : فمن بقي ؟
فيقول يا رب بقيت انت الحي الذي لا تموت وبقيت حمله العرش وبقي جبريل وميكائيل
وبقيت انا فيقول الله عز وجل : ليمت جبريل وميكائيل فينطق الله العرش فيقول يا
رب يموت جبريل وميكائيل فيقول اسكت فاني كتبت الموت على كل من كان تحت عرشي
فيموتان ثم ياتي ملك الموت الى الجبار فيقول يا رب قد مات جبريل وميكائيل فيقول
الله وهو اعلم بمن بقي : فمن بقي ؟ فيقول بقيت انت الحي الذي لا
تموت وبقيت حمله عرشك وبقيت انا فيقول الله لتمت حمله العرش فتموت ويامر الله العرش
فيقبض الصور من اسرافيل ثم ياتي ملك الموت فيقول يا رب قد مات حمله عرشك
فيقول الله وهو اعلم بمن بقي : فمن بقي ؟ فيقول يا رب بقيت انت
الحي الذي لا تموت وبقيت انا فيقول الله انت خلق من خلقي خلقتك لما رايت
فمت فيموت فاذا لم يبق الا الله الواحد القهار الاحد الصمد الذي لم يلد ولم
يولد كان اخرا كما كان اولا طوى السموات والارض طي السجل للكتب ثم دحاهما ثم
يلقفهما ثلاث مرات يقول انا الجبار انا الجبار انا الجبار ثلاثا ثم هتف بصوته ”
لمن الملك اليوم ” ثلاث مرات فلا يجيبه احد ثم يقول لنفسه ” لله الواحد
القهار ” يقول الله ” يوم تبدل الارض غير الارض والسموات ” فيبسطهما ويسطحهما ثم
يمدهما مد الاديم العكاظي ” لا ترى فيها عوجا ولا امتا ” ثم يزجر الله
الخلق زجره واحده فاذا هم في هذه الارض المبدله مثل ما كانوا فيها من الاولى
من كان في بطنها كان في بطنها ومن كان على ظهرها كان على ظهرها ثم
ينزل الله عليهم ماء من تحت العرش ثم يامر الله السماء ان تمطر فتمطر اربعين
يوما حتى يكون الماء فوقهم اثني عشر ذراعا ثم يامر الله الاجساد ان تنبت فتنبت
كنبات الطراثيث او كنبات البقل حتى اذا تكاملت اجسادهم فكانت كما كانت قال الله عز
وجل ليحي حمله عرشي فيحيون ويامر

الله اسرافيل فياخذ الصور فيضعه على فيه ثم يقول ليحي جبريل وميكائيل فيحيان ثم يدعو
الله بالارواح فيؤتى بها تتوهج ارواح المسلمين نورا وارواح الكافرين ظلمه فيقبضها جميعا ثم يلقيها
في الصور ثم يامر الله اسرافيل ان ينفخ نفخه البعث فينفخ نفخه البعث فتخرج الارواح
كانها النحل قد ملات ما بين السماء والارض فيقول وعزتي وجلالي ليرجعن كل روح الى
جسده فتدخل الارواح في الارض الى الاجساد فتدخل في الخياشيم ثم تمشي في الاجساد كما
يمشي السم في اللديغ ثم تنشق الارض عنهم وانا اول من تنشق الارض عنه فتخرجون
سراعا الى ربكم تنسلون ” مهطعين الى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر ” حفاه
عراه غلفا غرلا فتقفون موقفا واحدا مقداره سبعون عاما لا ينظر اليكم ولا يقضى بينكم
فتبكون حتى تنقطع الدموع ثم تدمعون دما وتعرقون حتى يلجمكم العرق او يبلغ الاذقان وتقولون
من يشفع لنا الى ربنا فيقضي بيننا فتقولون من احق بذلك من ابيكم ادم خلقه
الله بيده ونفخ فيه من روحه وكلمه قبلا فياتون ادم فيطلبون ذلك اليه فيابى ويقول
ما انا بصاحب ذلك فيستقرءون الانبياء نبيا نبيا كلما جاءوا نبيا ابى عليهم – قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم – حتى ياتوني فانطلق الى الفحص فاخر ساجدا –
قال ابو هريره يا رسول الله وما الفحص ؟ قال – قدام العرش حتى يبعث
الله الي ملكا فياخذ بعضدي ويرفعني فيقول يا محمد فاقول نعم يا رب فيقول الله
عز وجل ما شانك وهو اعلم – فاقول يا رب وعدتني الشفاعه فشفعني في خلقك
فاقض بينهم قال الله قد شفعتك انا اتيكم اقضي بينكم – قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم – فارجع فاقف مع الناس فبينما نحن وقوف اذ سمعنا من السماء
حسا شديدا فهالنا فينزل اهل السماء الدنيا بمثلي من في الارض من الجن والانس حتى
اذا دنوا من الارض اشرقت الارض بنورهم واخذوا مصافهم وقلنا لهم افيكم ربنا ؟ قالوا
لا وهو ات ثم ينزل اهل السماء الثانيه بمثلي من نزل من الملائكه وبمثلي من
فيها من الجن والانس حتى اذا دنوا من الارض اشرقت الارض بنورهم واخذوا مصافهم وقلنا
لهم افيكم ربنا ؟ فيقولون لا وهو ات ثم ينزلون على قدر ذلك من التضعيف
حتى ينزل الجبار عز وجل في ظلل من الغمام والملائكه فيحمل عرشه يومئذ ثمانيه –
وهم اليوم اربعه – اقدامهم في تخوم الارض السفلى

والارض والسموات الى حجزهم والعرش على مناكبهم لهم زجل في تسبيحهم يقولون سبحان ذي العرش
والجبروت سبحان ذي الملك والملكوت سبحان الحي الذي لا يموت سبحان الذي يميت الخلائق ولا
يموت سبوح قدوس قدوس قدوس سبحان ربنا الاعلى رب الملائكه والروح سبحان ربنا الاعلى الذي
يميت الخلائق ولا يموت فيضع الله كرسيه حيث يشاء من ارضه ثم يهتف بصوته فيقول
يا معشر الجن والانس اني قد انصت لكم منذ خلقتكم الى يومكم هذا اسمع قولكم
وابصر اعمالكم فانصتوا الي فانما هي اعمالكم وصحفكم تقرا عليكم فمن وجد خيرا فليحمد الله
ومن وجد غير ذلك فلا يلومن الا نفسه ثم يامر الله جهنم فيخرج منها عنق
ساطع مظلم ثم يقول ” الم اعهد اليكم يا بني ادم ان لا تعبدوا الشيطان
انه لكم عدو مبين وان اعبدوني هذا صراط مستقيم ولقد اضل منكم جبلا كثيرا افلم
تكونوا تعقلون هذه جهنم التي كنتم توعدون ” او – بها تكذبون – شك ابو
عاصم ” وامتازوا اليوم ايها المجرمون” فيميز الله الناس وتجثو الامم .

يقول الله تعالى” وترى كل امه جاثيه كل امه تدعى الى كتابها اليوم تجزون ما
كنتم تعملون ” فيقضي الله عز وجل بين خلقه الا الثقلين الجن والانس فيقضي بين
الوحوش والبهائم حتى انه ليقضي للجماء من ذات القرن فاذا فرغ من ذلك فلم تبق
تبعه عند واحده للاخرى قال الله لها كوني ترابا فعند ذلك يقول الكافر ” يا
ليتني كنت ترابا ” ثم يقضي الله بين العباد فكان اول ما يقضي فيه الدماء
وياتي كل قتيل في سبيل الله ويامر الله عز وجل كل من قتل فيحمل راسه
تشخب اوداجه فيقول يا رب فيم قتلني هذا ؟ فيقول – وهو اعلم – فيم
قتلتهم ؟ فيقول قتلتهم لتكون العزه لك فيقول الله له صدقت فيجعل الله وجهه مثل
نور الشمس ثم تمر به الملائكه الى الجنه ثم ياتي كل من قتل على غير
ذلك يحمل راسه وتشخب اوداجه فيقول يا رب فيم قتلني هذا ؟ فيقول – وهو
اعلم – لم قتلتهم ؟ فيقول يا رب قتلتهم لتكون العزه لي فيقول تعست ثم
لا تبقى نفس قتلها الا قتل بها ولا مظلمه ظلمها الا اخذ بها وكان في
مشيئه الله ان شاء عذبه وان شاء رحمه ثم يقضي الله تعالى بين من بقي
من خلقه حتى لا تبقى مظلمه لاحد عند احد الا اخذها الله للمظلوم من الظالم
حتى انه ليكلف شائب اللبن بالماء ثم يبيعه ان يخلص اللبن من الماء فاذا فرغ
الله من ذلك نادى مناد يسمع الخلائق كلهم : الا ليلحق كل قوم بالهتهم وما
كانوا يعبدون من دون الله فلا يبقى احد عبد من دون الله الا مثلت له
الهته بين يديه ويجعل يومئذ ملك من الملائكه على صوره عزير ويجعل ملك من الملائكه
على صوره عيسى ابن مريم ثم يتبع هذا اليهود وهذا النصارى ثم قادتهم الهتهم الى
النار وهو الذي يقول ” لو كان هؤلاء الهه ما وردوها وكل فيها خالدون ”
فاذا لم يبق الا المؤمنون فيهم المنافقون جاءهم الله فيما شاء من هيئته فقال :
يا ايها الناس ذهب الناس فالحقوا بالهتكم وما كنتم تعبدون . فيقولون والله ما لنا
اله الا الله وما كنا نعبد غيره فينصرف عنهم وهو الله الذي ياتيهم فيمكث ما
شاء الله ان يمكث ثم ياتيهم فيقول : يا ايها الناس ذهب الناس فالحقوا بالهتكم
وما كنتم تعبدون .

فيقولون والله ما لنا اله الا الله وما كنا نعبد غيره فيكشف لهم عن ساقه
ويتجلى لهم من عظمته ما يعرفون انه ربهم فيخرون للاذقان سجدا على وجوههم ويخر كل
منافق على قفاه ويجعل الله اصلابهم كصياصي البقر ثم ياذن الله لهم فيرفعون ويضرب الله
الصراط بين ظهراني جهنم كحد الشفره او كحد السيف عليه كلاليب وخطاطيف وحسك كحسك السعدان
دونه جسر دحض مزله فيمرون كطرف العين او كلمح البرق او كمر الريح او كجياد
الخيل او كجياد الركاب او كجياد الرجال فناج سالم وناج مخدوش ومكدوس على وجهه في
جهنم فاذا افضى اهل الجنه الى الجنه قالوا من يشفع لنا الى ربنا فندخل الجنه
؟ فيقولون من احق بذلك من ابيكم ادم عليه السلام خلقه الله بيده ونفخ فيه
من روحه وكلمه قبلا فياتون ادم فيطلب ذلك اليه فيذكر ذنبا ويقول ما انا بصاحب
ذلك ولكن عليكم بنوح فانه اول رسل الله فيؤتى نوح فيطلب ذلك اليه فيذكر ذنبا
ويقول ما انا بصاحب ذلك ويقول عليكم بابراهيم فان الله اتخذه خليلا فيؤتى ابراهيم فيطلب
ذلك اليه فيذكر ذنبا ويقول ما انا بصاحب ذلك ويقول عليكم بموسى فان الله قربه
نجيبا وكلمه وانزل عليه التوراه فيؤتى موسى فيطلب ذلك اليه فيذكر ذنبا ويقول لست بصاحب
ذلك ولكن عليكم بروح الله وكلمته عيسى ابن مريم فيؤتى عيسى ابن مريم فيطلب ذلك
اليه فيقول ما انا بصاحبكم ولكن عليكم بمحمد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
فياتوني ولي عند ربي ثلاث شفاعات وعدنيهن فانطلق فاتي الجنه فاخذ بحلقه الباب فاستفتح فيفتح
لي فاحيا ويرحب بي فاذا دخلت الجنه فنظرت الى ربي خررت ساجدا فياذن الله لي
من تحميده وتمجيده بشيء ما اذن به لاحد من خلقه ثم يقول ارفع راسك يا
محمد واشفع تشفع وسل تعطه فاذا رفعت راسي يقول الله – وهو اعلم – ما
شانك ؟ فاقول يا رب وعدتني الشفاعه فشفعني في اهل الجنه فيدخلون الجنه فيقول الله
قد شفعتك وقد اذنت لهم في دخول الجنه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول والذي نفسي بيده ما انتم في الدنيا باعرف بازواجكم ومساكنكم من اهل الجنه بازواجهم
ومساكنهم فيدخل كل رجل منهم على اثنتين وسبعين زوجه سبعين مما ينشئ الله عز وجل
واثنتين ادميتين من ولد ادم لهما فضل على من انشا الله لعبادتهما الله في الدنيا
فيدخل على

الاولى في غرفه من ياقوته على سرير من ذهب مكلل باللؤلؤ عليها سبعون زوجا من
سندس واستبرق ثم انه يضع يده بين كتفيها ثم ينظر الى يده من صدرها ومن
وراء ثيابها وجلدها ولحمها وانه لينظر الى مخ ساقها كما ينظر احدكم الى السلك في
قصبه الياقوت كبدها له مراه وكبده لها مراه فبينا هو عندها لا يملها ولا تمله
ما ياتيها من مره الا وجدها عذراء ما يفتر ذكره وما تشتكي قبلها فبينا هو
كذلك اذ نودي انا قد عرفنا انك لا تمل ولا تمل الا انه لا مني
ولا منيه الا ان لك ازواجا غيرها فيخرج فياتيهن واحده واحده كلما اتى واحده قالت
له والله ما ارى في الجنه شيئا احسن منك ولا في الجنه شيء احب الي
منك . واذا وقع اهل النار في النار وقع فيها خلق من خلق ربك اوبقتهم
اعمالهم فمنهم من تاخذ النار قدميه لا تجاوز ذلك ومنهم من تاخذه الى انصاف ساقيه
ومنهم من تاخذه الى ركبتيه ومنهم من تاخذه الى حقويه ومنهم من تاخذ جسده كله
الا وجهه حرم الله صورته عليها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقول يا
رب شفعني فيمن وقع في النار من امتي فيقول اخرجوا من عرفتم فيخرج اولئك حتى
لا يبقى منهم احد ثم ياذن الله في الشفاعه فلا يبقى نبي ولا شهيد الا
شفع فيقول الله اخرجوا من وجدتم في قلبه زنه دينار ايمانا فيخرج اولئك حتى لا
يبقى منهم احد ثم يشفع الله فيقول اخرجوا من وجدتم في قلبه ايمانا ثلثي دينار
ثم يقول ثلث دينار ثم يقول ربع دينار ثم يقول قيراطا ثم يقول حبه من
خردل فيخرج اولئك حتى لا يبقى منهم احد وحتى لا يبقى في النار من عمل
لله خيرا قط ولا يبقى احد له شفاعه الا شفع حتى ان ابليس يتطاول مما
يرى من رحمه الله رجاء ان يشفع له . ثم يقول بقيت وانا ارحم الراحمين
فيدخل يده في جهنم فيخرج منها ما لا يحصيه غيره كانهم حمم فيلقون على نهر
يقال له نهر الحيوان فينبتون كما تنبت الحبه في حميل السيل فما يلي الشمس منها
اخيضر وما يلي الظل منها اصيفر فينبتون كنبات الطراثيث حتى يكونوا امثال الذر مكتوب في
رقابهم الجهنميون عتقاء الرحمن يعرفهم اهل الجنه بذلك الكتاب ما عملوا خيرا لله قط فيمكثون
في الجنه ما شاء الله وذلك الكتاب في رقابهم ثم يقولون ربنا امح عنا هذا
الكتاب فيمحوه الله عز وجل عنهم .

ثم ذكر بطوله ثم قال هذا حديث مشهور وهو غريب جدا ولبعضه شواهد في الاحاديث
المتفرقه وفي بعض الفاظه نكاره تفرد به اسماعيل بن رافع قاضي اهل المدينه وقد اختلف
فيه فمنهم من وثقه ومنهم من ضعفه ونص على نكاره حديثه غير واحد من الائمه
كاحمد بن حنبل وابي حاتم الرازي وعمرو بن علي الفلاس ومنهم من قال فيه هو
متروك وقال ابن عدي احاديثه كلها فيها نظر الا انه يكتب حديثه في جمله الضعفاء
قلت وقد اختلف عليه في اسناد هذا الحديث على وجوه كثيره قد افردتها في جزء
على حده واما سياقه فغريب جدا ويقال انه جمعه من احاديث كثيره وجعله سياقا واحدا
فانكر عليه بسبب ذلك وسمعت شيخنا الحافظ ابا الحجاج المزي يقول انه راى للوليد بن
مسلم مصنفا قد جمعه كالشواهد لبعض مفردات هذا الحديث فالله اعلم .

واذ قال ابراهيم لابيه ازر اتتخذ اصناما الهه اني اراك وقومك في ضلال مبين (74)[عدل]

واذ قال ابراهيم لابيه ازر اتتخذ اصناما الهه اني اراك وقومك في ضلال مبين

قال الضحاك عن ابن عباس ان ابا ابراهيم لم يكن اسمه ازر وانما كان اسمه
تارخ رواه ابن ابي حاتم وقال ايضا حدثنا احمد بن عمرو بن ابي عاصم النبيل
حدثنا ابي حدثنا ابو عاصم شبيب حدثنا عكرمه عن ابن عباس في قوله ” واذ
قال ابراهيم لابيه ازر ” يعني بازر الصنم وابو ابراهيم اسمه تارخ وامه اسمها شاني
وامراته اسمها ساره وام اسماعيل اسمها هاجر وهي سريه ابراهيم . وهكذا قال غير واحد
من علماء النسب ان اسمه تارخ وقال مجاهد والسدي ازر اسم صنم قلت كانه غلب
عليه ازر لخدمته ذلك الصنم فالله اعلم وقال ابن جرير وقال اخرون هو سب وعيب
بكلامهم ومعناه معوج ولم يسنده ولا حكاه عن احد . وقد قال ابن ابي حاتم
ذكر عن معتمر بن سليمان سمعت ابي يقرا ” واذ قال ابراهيم لابيه ازر ”
قال بلغني انها اعوج وانها اشد كلمه قالها ابراهيم عليه السلام ثم قال ابن جرير
والصواب ان اسم ابيه ازر ثم اورد على نفسه قول النسابين ان اسمه تارخ ثم
اجاب بانه قد يكون له اسمان كما لكثير من الناس او يكون احدهما لقبا وهذا
الذي قاله جيد قوي والله اعلم واختلف القراء في اداء قوله تعالى ” واذ قال
ابراهيم لابيه ازر” فحكى ابن جرير عن الحسن البصري وابي يزيد المدني انهما كانا يقران
” واذ قال ابراهيم لابيه ازر اتتخذ اصناما الهه ” معناه يا ازر اتتخذ اصناما
الهه وقرا الجمهور بالفتح اما على انه علم اعجمي لا ينصرف وهو بدل من قوله
لابيه او عطف بيان وهو اشبه وعلى قول من جعله نعتا لا ينصرف ايضا كاحمر
واسود فاما من زعم انه منصوب لكونه معمولا لقوله ” اتتخذ اصناما ” تقديره يا
ابت اتتخذ ازر اصناما الهه فانه قول بعيد في اللغه فان ما بعد حرف الاستفهام
لا يعمل فيما قبله لان له صدر الكلام . كذا قرره ابن جرير وغيره وهو
مشهور في قواعد العربيه والمقصود ان ابراهيم وعظ اباه في عباده الاصنام وزجره عنها ونهاه
فلم ينته كما قال ” واذ قال ابراهيم لابيه ازر اتتخذ اصناما الهه ” اي
اتتاله لصنم تعبده من دون الله ” اني اراك وقومك ” اي السالكين مسلكك ”
في ضلال مبين ” اي تائهين لا يهتدون اين يسلكون بل في حيره وجهل وامركم
في الجهاله والضلال بين واضح لكل ذي عقل سليم .

وقال تعالى” واذكر في الكتاب ابراهيم انه كان صديقا نبيا اذ قال لابيه يا ابت
لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا يا ابت اني قد
جاءني من العلم ما لم ياتك فاتبعني اهدك صراطا سويا يا ابت لا تعبد الشيطان
ان الشيطان كان للرحمن عصيا يا ابت اني اخاف ان يمسك عذاب من الرحمن فتكون
للشيطان وليا قال اراغب انت عن الهتي يا ابراهيم لئن لم تنته لارجمنك واهجرني مليا
قال سلام عليك ساستغفر لك ربي انه كان بي حفيا واعتزلكم وما تدعون من دون
الله وادعو ربي عسى ان لا اكون بدعاء ربي شقيا ” فكان ابراهيم عليه السلام
يستغفر لابيه مده حياته فلما مات على الشرك وتبين ابراهيم ذلك رجع عن الاستغفار له
وتبرا منه كما قال تعالى ” وما كان استغفار ابراهيم لابيه الا عن موعده وعدها
اياه فلما تبين له انه عدو لله تبرا منه ان ابراهيم لاواه حليم ” وثبت
في الصحيح ان ابراهيم يلقى اباه ازر يوم القيامه فيقول له ازر يا بني اليوم
لا اعصيك فيقول ابراهيم اي رب الم تعدني انك لا تخزني يوم يبعثون واي خزي
اخزى من ابي الابعد ؟ فيقال يا ابراهيم انظر ما وراءك فاذا هو بذبح متلطخ
فيؤخذ بقوائمه فيلقى في النار .

وكذلك نري ابراهيم ملكوت السماوات والارض وليكون من الموقنين (75)[عدل]
وكذلك نري ابراهيم ملكوت السماوات والارض وليكون من الموقنين

وقوله ” وكذلك نري ابراهيم ملكوت السموات والارض ” اي نبين له وجه الدلاله في
نظره الى خلقهما على وحدانيه الله عز وجل في ملكه وخلقه وانه لا اله غيره
ولا رب سواه كقوله” قل انظروا ماذا في السموات والارض ” وقوله ” اولم ينظروا
في ملكوت السموات والارض ” وقال ” افلم يروا ما بين ايديهم وما خلفهم من
السماء والارض ان نشا نخسف بهم الارض او نسقط عليهم كسفا من السماء ان في
ذلك لايه لكل عبد منيب ” واما ما حكاه ابن جرير وغيره عن مجاهد وعطاء
وسعيد بن جبير والسدي وغيرهم . قالوا واللفظ لمجاهد فرجت له السموات فنظر الى ما
فيهن حتى انتهى بصره الى العرش وفرجت له الارضون السبع فنظر الى ما فيهن وزاد
غيره فجعل ينظر الى العباد على المعاصي ويدعو عليهم فقال الله له اني ارحم بعبادي
منك لعلهم ان يتوبوا او يرجعوا. وروى ابن مردويه في ذلك حديثين مرفوعين عن معاذ
وعلي ولكن لا يصح اسنادهما والله اعلم. وروى ابن ابي حاتم من طريق العوفي عن
ابن عباس في قوله ” وكذلك نري ابراهيم ملكوت السموات والارض وليكون من الموقنين ”
فانه تعالى جلى له الامر سره وعلانيته فلم يخف عليه شيء من اعمال الخلائق فلما
جعل يلعن اصحاب الذنوب قال الله انك لا تسطيع هذا فرده الله كما كان قبل
ذلك فيحتمل ان يكون كشف له عن بصره حتى راى ذلك عيانا ويحتمل ان يكون
عن بصيرته حتى شاهده بفؤاده وتحققه وعرفه وعلم ما في ذلك من الحكم الباهره والدلالات
القاطعه كما رواه الامام احمد والترمذي وصححه عن معاذ بن جبل في حديث المنام ”
اتاني ربي في احسن صوره فقال يا محمد فيم يختصم الملا الاعلى ؟ فقلت لا
ادري يا رب فوضع يده بين كتفي حتى وجدت برد انامله بين ثديي فتجلى لي
كل شيء وعرفت ذلك . وذكر الحديث . وقوله ” وليكون من الموقنين” قيل الواو
زائده تقديره وكذلك نري ابراهيم ملكوت السموات والارض ليكون من الموقنين كقوله ” وكذلك نفصل
الايات ولتستبين سبيل المجرمين ” وقيل : بل هي على بابها اي نريه ذلك ليكون
عالما وموقنا.

فلما جن عليه الليل راى كوكبا قال هذا ربي فلما افل قال لا احب الافلين
(76)[عدل]
فلما جن عليه الليل راى كوكبا قال هذا ربي فلما افل قال لا احب الافلين

وقوله تعالى ” فلما جن عليه الليل ” اي تغشاه وستره ” راى كوكبا ”
اي نجما ” قال هذا ربي فلما افل ” اي غاب قال محمد بن اسحاق
بن يسار الافول الذهاب وقال ابن جرير يقال افل النجم يافل ويافل افولا وافلا اذا
غاب ومنه قول ذي الرمه : مصابيح ليست باللواتي تقودها … دياج ولا بالافلات الزوائل
ويقال اين افلت عنا بمعنى اين غبت عنا : قال ” لا احب الافلين ”
قال قتاده علم ان ربه دائم لا يزول.

فلما راى القمر بازغا قال هذا ربي فلما افل قال لئن لم يهدني ربي لاكونن
من القوم الضالين (77)[عدل]
فلما راى القمر بازغا قال هذا ربي فلما افل قال لئن لم يهدني ربي لاكونن
من القوم الضالين

” فلما راى القمر بازغا ” اي طالعا قال هذا ربي فلما افل قال لئن
لم يهدني ربي لاكونن من القوم الضالين .

فلما راى الشمس بازغه قال هذا ربي هذا اكبر فلما افلت قال يا قوم اني
بريء مما تشركون (78)[عدل]
فلما راى الشمس بازغه قال هذا ربي هذا اكبر فلما افلت قال يا قوم اني
بريء مما

” فلما راى الشمس بازغه قال هذا ربي ” اي هذا المنير الطالع ربي ”
هذا اكبر ” اي جرما من النجم ومن القمر واكثر اضاءه ” فلما افلت ”
اي غابت” قال يا قوم اني بريء مما تشركون ” .

اني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والارض حنيفا وما انا من المشركين (79)[عدل]
اني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والارض حنيفا وما انا من المشركين

اي اخلصت ديني وافردت عبادتي ” للذي فطر السموات والارض ” اي خلقهما وابتدعهما على
غير مثال سبق ” حنيفا ” اي في حال كوني حنيفا اي مائلا عن الشرك
الى التوحيد ولهذا قال ” وما انا من المشركين ” وقد اختلف المفسرون في هذا
المقام هل هو مقام نظر او مناظره فروى ابن جرير من طريق علي بن ابي
طلحه عن ابن عباس ما يقتضي انه مقام نظر واختاره ابن جرير مستدلا بقوله ”
لئن لم يهدني ربي ” الايه . وقال محمد بن اسحاق قال ذلك حين خرج
من السرب الذي ولدته فيه امه حين تخوفت عليه من نمرود بن كنعان لما كان
قد اخبر بوجود مولود يكون ذهاب ملكه على يديه فامر بقتل الغلمان عامئذ فلما حملت
ام ابراهيم به وحان وضعها ذهبت به الى سرب ظاهر البلد فولدت فيه ابراهيم وتركته
هناك وذكر اشياء من خوارق العادات كما ذكرها غيره من المفسرين من السلف والخلف والحق
ان ابراهيم عليه الصلاه والسلام كان في هذا المقام مناظرا لقومه مبينا لهم بطلان ما
كانوا عليه من عباده الهياكل والاصنام فبين في المقام الاول مع ابيه خطاهم في عباده
الاصنام الارضيه التي هي على صور الملائكه السماويه ليشفعوا لهم الى الخالق العظيم الذين هم
عند انفسهم احقر من ان يعبدوه وانما يتوسلون اليه بعباده ملائكته ليشفعوا لهم عنده في
الرزق والنصر وغير ذلك مما يحتاجون اليه .

وبين في هذا المقام خطاهم وضلالهم في عباده الهياكل وهي الكواكب السياره السبعه المتحيره وهي
القمر وعطارد والزهره والشمس والمريخ والمشترى وزحل واشدهن اضاءه واشرفهن عندهم الشمس ثم القمر ثم
الزهره فبين اولا صلوات الله وسلامه عليه ان هذه الزهره لا تصلح للالهيه فانها مسخره
مقدره بسير معين لا تزيغ عنه يمينا ولا شمالا ولا تملك لنفسها تصرفا بل هي
جرم من الاجرام خلقها الله منيره لما له في ذلك من الحكم العظيمه وهي تطلع
من المشرق ثم تسير فيما بينه وبين المغرب حتى تغيب عن الابصار فيه ثم تبدو
في الليله القابله على هذا المنوال ومثل هذه لا تصلح للالهيه ثم انتقل الى القمر
فبين فيه مثل ما بين في النجم ثم انتقل الى الشمس كذلك فلما انتفت الالهيه
عن هذه الاجرام الثلاثه التي هي انور ما يقع عليه الابصار وتحقق ذلك بالدليل القاطع
” قال يا قوم اني بريء مما تشركون ” اي انا بريء من عبادتهن وموالاتهن
فان كانت الهه فكيدون بها جميعا ثم لا تنظرون” اني وجهت وجهي للذي فطر السموات
والارض حنيفا وما انا من المشركين ” اي انما اعبد خالق هذه الاشياء ومخترعها ومسخرها
ومقدرها ومدبرها الذي بيده ملكوت كل شيء وخالق كل شيء وربه ومليكه والهه كما قال
تعالى ” ان ربكم الله الذي خلق السموات والارض في سته ايام ثم استوى على
العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بامره الا له الخلق والامر
تبارك الله رب العالمين ” وكيف يجوز ان يكون ابراهيم ناظرا في هذا المقام وهو
الذي قال الله في حقه ” ولقد اتينا ابراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين
اذ قال لابيه وقومه ما هذه التماثيل التي انتم لها عاكفون ” الايات وقال تعالى
” ان ابراهيم كان امه قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين شاكرا لانعمه اجتباه
وهداه الى صراط مستقيم واتيناه في الدنيا حسنه وانه في الاخره لمن الصالحين ثم اوحينا
اليك ان اتبع مله ابراهيم حنيفا وما كان من المشركين ” وقال تعالى” قل انني
هداني ربي الى صراط مستقيم دينا قيما مله ابراهيم حنيفا وما كان من المشركين ”
وقد ثبت في الصحيحين عن ابي هريره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه
قال ” كل مولود يولد على الفطره ” وفي صحيح مسلم عن عياض بن حماد
ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” قال

الله اني خلقت عبادي حنفاء ” . وقال الله في كتابه العزيز” فطرت الله التي
فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ” وقال تعالى ” واذ اخذ ربك من
بني ادم من ظهورهم ذريتهم واشهدهم على انفسهم الست بربكم قالوا بلى ” ومعناه على
احد القولين كقوله ” فطرت الله التي فطر الناس عليها ” كما سياتي بيانه فاذا
كان هذا في حق سائر الخليقه فكيف يكون ابراهيم الخليل الذي جعله الله امه قانتا
لله حنيفا ولم يك من المشركين ناظرا في هذا المقام بل هو اولى الناس بالفطره
السليمه والسجيه المستقيمه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا شك ولا ريب ومما
يؤيد انه كان في هذا المقام مناظرا لقومه فيما كانوا فيه من الشرك لا ناظرا
قوله تعالى .

وحاجه قومه قال اتحاجوني في الله وقد هدان ولا اخاف ما تشركون به الا ان
يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شيء علما افلا تتذكرون (80)[عدل]
وحاجه قومه قال اتحاجوني في الله وقد هداني ولا اخاف ما تشركون به الا ان
يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شيء علما افلا تتذكرون

يقول تعالى مخبرا عن خليله ابراهيم حين جادله قومه فيما ذهب اليه من التوحيد وناظروه
بشبه من القول انه قال ” اتحاجوني في الله وقد هدان ” اي تجادلونني في
امر الله وانه لا اله الا هو وقد بصرني وهداني الى الحق وانا على بينه
منه فكيف التفت الى اقوالكم الفاسده وشبهكم الباطله وقوله ” ولا اخاف ما تشركون به
الا ان يشاء ربى شيئا” اي ومن الدليل على بطلان قولكم فيما ذهبتم اليه ان
هذه الالهه التي تعبدونها لا تؤثر شيئا وانا لا اخافها ولا اباليها فان كان لها
كيد فكيدوني بها ولا تنظرون بل عاجلوني بذلك. وقوله تعالى ” الا ان يشاء ربي
شيئا ” استثناء منقطع اي لا يضر ولا ينفع الا الله عز وجل” وسع ربي
كل شيء علما ” اي احاط علمه بجميع الاشياء فلا يخفى عليه خافيه ” افلا
تتذكرون” اي فيما بينته لكم افلا تعتبرون ان هذه الالهه باطله فتنزجروا عن عبادتها وهذه
الحجه نظير ما احتج بها نبي الله هود عليه السلام على قومه عاد فيما قص
عنهم في كتابه حيث يقول ” قالوا يا هود ما جئتنا ببينه وما نحن بتاركي
الهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين ان نقول الا اعتراك بعض الهتنا بسوء قال
اني اشهد الله واشهدوا اني بريء مما تشركون من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون
اني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابه الا هو اخذ بناصيتها ” الايه
.

وكيف اخاف ما اشركتم ولا تخافون انكم اشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا
فاي الفريقين احق بالامن ان كنتم تعلمون (81)[عدل]
وكيف اخاف ما اشركتم ولا تخافون انكم اشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا
فاي الفريقين احق بالامن ان كنتم تعلمون

وقوله ” وكيف اخاف ما اشركتم ” اي كيف اخاف من هذه الاصنام التي تعبدونها
من دون الله ” ولا تخافون انكم اشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا”
قال ابن عباس وغير واحد من السلف اي حجه وهذا كقوله تعالى ” ام لهم
شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم ياذن به الله ” وقوله تعالى ” ان
هي الا اسماء سميتموها انتم واباؤكم ما انزل الله بها من سلطان ” وقوله ”
فاي الفريقين احق بالامن ان كنتم تعلمون ” اي فاي الطائفتين اصوب الذي عبد من
بيده الضر والنفع او الذي عبد من لا يضر ولا ينفع بلا دليل ايهما احق
بالامن من عذاب الله يوم القيامه لا شريك له .

الذين امنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم اولئك لهم الامن وهم مهتدون (82)[عدل]
الذين امنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم اولئك لهم الامن وهم مهتدون

قال الله تعالى ” الذين امنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم اولئك لهم الامن وهم مهتدون
” اي هؤلاء الذين اخلصوا العباده لله وحده لا شريك له ولم يشركوا به شيئا
هم الامنون يوم القيامه المهتدون في الدنيا والاخره . قال البخاري حدثنا محمد بن بشار
حدثنا ابن ابي عدي عن شعبه عن سليمان عن ابراهيم عن علقمه عن عبد الله
قال لما نزلت ” ولم يلبسوا ايمانهم بظلم ” قال اصحابه واينا لم يظلم نفسه
؟ فنزلت” ان الشرك لظلم عظيم ” وقال الامام احمد حدثنا ابو معاويه حدثنا الاعمش
عن ابراهيم عن علقمه عن عبد الله قال لما نزلت هذه الايه ” الذين امنوا
ولم يلبسوا ايمانهم بظلم ” شق ذلك على الناس فقالوا يا رسول الله اينا لم
يظلم نفسه ؟ قال انه ليس الذي تعنون الم تسمعوا ما قال العبد الصالح ”
يا بني لا تشرك بالله ان الشرك لظلم عظيم ” انما هو الشرك . وقال
ابن ابي حاتم حدثنا ابو سعيد الاشج حدثنا وكيع وابن ادريس عن الاعمش ابراهيم عن
علقمه عن عبد الله قال لما نزلت ” ولم يلبسوا ايمانهم بظلم ” شق ذلك
على اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا واينا لم يظلم نفسه ؟ فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس كما تظنون انما قال لابنه” يا بني لا
تشرك بالله ان الشرك لظلم عظيم” وحدثنا عمر بن تغلب النمري حدثنا ابو احمد حدثنا
سفيان عن الاعمش عن ابراهيم عن علقمه عن عبد الله بن مسعود قال لما نزلت
هذه الايه شق ذلك على اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت ” ان
الشرك لظلم عظيم ” .

رواه البخاري وفي لفظ قالوا اينا لم يظلم نفسه فقال النبي صلى الله عليه وسلم
ليس بالذي تعنون الم تسمعوا ما قال العبد الصالح ” ان الشرك لظلم عظيم” انما
هو الشرك ولابن ابي حاتم عن عبد الله مرفوعا قال ” ولم يلبسوا ايمانهم بظلم
” قال بشرك قال وروي عن ابي بكر الصديق وعمر وابي بن كعب وسلمان وحذيفه
وابن عباس وابن عمر وعمرو بن شرحبيل وابي عبد الرحمن السلمي ومجاهد وعكرمه والنخعي والضحاك
وقتاده والسدي وغير واحد نحو ذلك وقال ابن مردويه حدثنا الشافعي حدثنا محمد بن شداد
المسمعي حدثنا ابو عاصم حدثنا سفيان الثوري عن الاعمش عن ابراهيم عن علقمه عن عبد
الله قال لما نزلت ” الذين امنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم ” قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم قيل لي انت منهم . وقال الامام احمد حدثنا اسحاق بن
يوسف حدثنا ابو جناب عن زاذان عن جرير بن عبد الله قال : خرجنا مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما برزنا من المدينه اذا راكب يوضع نحونا فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : كان هذا الراكب اياكم يريد فانتهى الينا الرجل
فسلم فرددنا عليه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم من اين اقبلت ؟ قال
من اهلي وولدي وعشيرتي قال فاين تريد ؟ قال اريد رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال فقد اصبته قال يا رسول الله علمني ما الايمان قال ان تشهد ان
لا اله الا الله وان محمدا رسول الله وتقيم الصلاه وتؤتي الزكاه وتصوم رمضان وتحج
البيت قال قد اقررت.

قال ثم ان بعيره دخلت يده في جحر جرذان فهوى بعيره وهوى الرجل فوقع على
هامته فمات فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بالرجل فوثب اليه عمار
بن ياسر وحذيفه بن اليمان فاقعداه فقالا : يا رسول الله قبض الرجل قال فاعرض
عنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال لهما رسول الله صلى الله عليه
وسلم اما رايتما اعراضي عن الرجل فاني رايت ملكين يدسان في فيه من ثمار الجنه
فعلمت انه مات جائعا ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا من الذين
قال الله عز وجل فيهم ” الذين امنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم ” الايه ثم
قال دونكم اخاكم فاحتملناه الى الماء فغسلناه وحنطناه وكفناه وحملناه الى القبر فجاء رسول الله
صلى الله عليه وسلم حتى جلس على شفير القبر فقال الحدوا ولا تشقوا فان اللحد
لنا والشق لغيرنا . ثم رواه احمد عن اسود بن عامر عن عبد الحميد بن
جعفر الفراء عن ثابت عن زاذان عن جرير بن عبد الله فذكر نحوه وقال فيه
هذا ممن عمل قليلا واجر كثيرا ; وقال ابن ابي حاتم حدثنا ابي حدثنا يوسف
بن موسى القطان حدثنا مهران بن ابي عمر حدثنا علي بن عبد الله عن ابيه
عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : كنا مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم في مسير ساره اذ عرض له اعرابي فقال يا رسول الله والذي بعثك
بالحق لقد خرجت من بلادي وتلادي ومالي لاهتدي بهداك واخذ من قولك وما بلغتك حتى
ما لي طعام الا من خضر الارض فاعرض علي فعرض عليه رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقبل فازدحمنا حوله فدخل خف بكره في بيت جرذان فتردى الاعرابي فانكسرت عنقه
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صدق والذي بعثني بالحق لقد خرج من بلاده
وتلاده وماله ليهتدي بهداي وياخذ من قولي وما بلغني حتى ما له طعام الا من
خضر الارض اسمعتم بالذي عمل قليلا واجر كثيرا ؟ هذا منهم اسمعتم بالذين امنوا ولم
يلبسوا ايمانهم بظلم اولئك لهم الامن وهم مهتدون ؟ فان هذا منهم .

وفي لفظ قال هذا عمل قليلا واجر كثيرا وروى ابن مردويه من حديث محمد بن
يعلى الكوفي وكان نزل الري حدثنا زياد بن خيثمه عن ابي داود عن عبد الله
بن سخبره قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم من اعطي فشكر
ومنع فصبر وظلم فاستغفر وظلم فغفر وسكت قال : فقالوا يا رسول الله ما له
؟ قال ” اولئك لهم الامن وهم مهتدون ” وقوله ” وتلك حجتنا اتيناها ابراهيم
على قومه ” اي وجهنا حجته عليهم قال مجاهد وغيره يعني بذلك قوله ” وكيف
اخاف ما اشركتم ولا تخافون انكم اشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا فاي
الفريقين احق بالامن ” الايه . وقد صدقه الله وحكم له بالامن والهدايه فقال ”
الذين امنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم اولئك لهم الامن وهم مهتدون ” .

وتلك حجتنا اتيناها ابراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء ان ربك حكيم عليم (83)[عدل]

وتلك حجتنا اتيناها ابراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء ان ربك حكيم عليم

ثم قال بعد ذلك كله ” وتلك حجتنا اتيناها ابراهيم على قومه نرفع درجات من
نشاء ” قرئ بالاضافه وبلا اضافه كما في سوره يوسف وكلاهما قريب في المعنى وقوله”
ان ربك حكيم عليم ” اي حكيم في اقواله وافعاله عليم اي بمن يهديه ومن
يضله وان قامت عليه الحجج والبراهين كما قال ” ان الذين حقت عليهم كلمه ربك
لا يؤمنون ولو جاءتهم كل ايه حتى يروا العذاب الاليم ” ولهذا قال ههنا ”
ان ربك حكيم عليم ” .

ووهبنا له اسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داوود وسليمان وايوب
ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين (84)[عدل]
ووهبنا له اسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان وايوب
ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين

يذكر تعالى انه وهب لابراهيم اسحاق بعد ان طعن في السن وايس هو وامراته ساره
من الولد فجاءته الملائكه وهم ذاهبون الى قوم لوط فبشروهما باسحاق فتعجبت المراه من ذلك
وقالت ” يا ويلتى االد وانا عجوز وهذا بعلي شيخا ان هذا لشيء عجيب قالوا
اتعجبين من امر الله رحمه الله وبركاته عليكم اهل البيت انه حميد مجيد ” فبشروهما
مع وجوده بنبوته وبان له نسلا وعقبا كما قال تعالى” وبشرناه باسحاق نبيا من الصالحين
” وهذا اكمل في البشاره واعظم في النعمه . وقال ” فبشرناه باسحاق ومن وراء
اسحاق يعقوب ” اي ويولد لهذا المولود ولد في حياتكما فتقر اعينكما به كما قرت
بوالده فان الفرح بولد الولد شديد لبقاء النسل والعقب ولما كان ولد الشيخ والشيخه قد
يتوهم انه لا يعقب لضعفه وقعت البشاره به وبولده باسم يعقوب الذي فيه اشتقاق العقب
والذريه وكان هذا مجازاه لابراهيم عليه السلام حين اعتزل قومه وتركهم ونزح عنهم وهاجر من
بلادهم ذاهبا الى عباده الله في الارض فعوضه الله عز وجل عن قومه وعشيرته باولاد
صالحين من صلبه على دينه لتقر بهم عينه كما قال تعالى ” فلما اعتزلهم وما
يعبدون من دون الله وهبنا له اسحاق ويعقوب وكلا جعلنا نبيا ” وقال ههنا ”
ووهبنا له اسحاق ويعقوب كلا هدينا ” وقوله ” ونوحا هدينا من قبل” اي من
قبله هديناه كما هديناه ووهبنا له ذريه صالحه وكل منهما له خصوصيه عظيمه اما نوح
عليه السلام فان الله تعالى لما اغرق اهل الارض الا من امن به وهم الذين
صحبوه في السفينه جعل الله ذريته هم الباقين فالناس كلهم من ذريته واما الخليل ابراهيم
عليه السلام فلم يبعث الله عز وجل بعده نبيا الا من ذريته كما قال تعالى”
وجعلنا في ذريتهما النبوه والكتاب ” الايه .

وقال تعالى ” ولقد ارسلنا نوحا وابراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوه والكتاب ” وقال تعالى
” اولئك الذين انعم الله عليهم من النبيين من ذريه ادم وممن حملنا مع نوح
ومن ذريه ابراهيم واسرائيل وممن هدينا واجتبينا اذا تتلى عليهم ايات الرحمن خروا سجدا وبكيا
” وقوله في هذه الايه الكريمه ” ومن ذريته ” اي وهدينا من ذريته” داود
وسليمان ” الايه وعود الضمير الى نوح لانه اقرب المذكورين ظاهر لا اشكال فيه وهو
اختيار ابن جرير . وعوده الى ابراهيم لانه الذي سيق الكلام من اجله حسن لكن
يشكل عليه لوط فانه ليس من ذريه ابراهيم بل هو ابن اخيه هاران بن ازر
اللهم الا ان يقال انه دخل في الذريه تغليبا كما في قوله ” ام كنتم
شهداء اذ حضر يعقوب الموت اذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا : نعبد
الهك واله ابائك ابراهيم واسماعيل واسحاق الها واحدا ونحن له مسلمون ” فاسماعيل عمه دخل
في ابائه تغليبا وكما قال في قوله ” فسجد الملائكه كلهم اجمعون الا ابليس ”
فدخل ابليس في امر الملائكه بالسجود وذم على المخالفه لانه كان في تشبه بهم فعومل
معاملتهم ودخل معهم تغليبا والا فهو كان من الجن وطبيعته من النار والملائكه من النور
وفي ذكر عيسى عليه السلام في ذريه ابراهيم او نوح على القول الاخر دلاله على
دخول ولد البنات في ذريه الرجل لان عيسى عليه السلام انما ينسب الى ابراهيم عليه
السلام بامه مريم عليها السلام فانه لا اب له . قال ابن ابي حاتم حدثنا
سهل بن يحيى العسكري حدثنا عبد الرحمن بن صالح حدثنا علي بن عابس عن عبد
الله بن عطاء المكي عن ابي حرب بن ابي الاسود قال ارسل الحجاج الى يحيى
بن يعمر فقال بلغني انك تزعم ان الحسن والحسين من ذريه النبي صلى الله عليه
واله وسلم تجده في كتاب الله – وقد قراته من اوله الى اخره فلم اجده
؟ قال اليس تقرا سوره الانعام” ومن ذريته داود وسليمان ” حتى بلغ ” ويحيى
وعيسى ” قال بلى . قال اليس عيسى من ذريه ابراهيم وليس له اب ؟
قال صدقت . فلهذا اذا اوصى الرجل لذريته او وقف على ذريته او وهبهم دخل
اولاد البنات فيهم فاما اذا اعطى الرجل بنيه او وقف عليهم فانه يختص بذلك بنوه
لصلبه وبنو بنيه واحتجوا بقول الشاعر العربي : بنونا بنو ابنائنا وبناتنا … بنوهن ابناء
الرجال الاجانب .

وقال اخرون : ويدخل بنو البنات فيه ايضا لما ثبت في صحيح البخاري ان رسول
الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم قال للحسن بن علي ان ابني هذا سيد
ولعل الله ان يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين فسماه ابنا فدل على دخوله
في الابناء. وقال اخرون : هذا تجوز .

وزكريا ويحيى وعيسى والياس كل من الصالحين (85)[عدل]
وزكريا ويحيى وعيسى والياس كل من الصالحين

وفي ذكر عيسى عليه السلام في ذريه ابراهيم او نوح على القول الاخر دلاله على
دخول ولد البنات في ذريه الرجل لان عيسى عليه السلام انما ينسب الى ابراهيم عليه
السلام بامه مريم عليها السلام فانه لا اب له . قال ابن ابي حاتم حدثنا
سهل بن يحيى العسكري حدثنا عبد الرحمن بن صالح حدثنا علي بن عابس عن عبد
الله بن عطاء المكي عن ابي حرب بن ابي الاسود قال ارسل الحجاج الى يحيى
بن يعمر فقال بلغني انك تزعم ان الحسن والحسين من ذريه النبي صلى الله عليه
واله وسلم تجده في كتاب الله – وقد قراته من اوله الى اخره فلم اجده
؟ قال اليس تقرا سوره الانعام” ومن ذريته داود وسليمان ” حتى بلغ ” ويحيى
وعيسى ” قال بلى . قال اليس عيسى من ذريه ابراهيم وليس له اب ؟
قال صدقت . فلهذا اذا اوصى الرجل لذريته او وقف على ذريته او وهبهم دخل
اولاد البنات فيهم فاما اذا اعطى الرجل بنيه او وقف عليهم فانه يختص بذلك بنوه
لصلبه وبنو بنيه واحتجوا بقول الشاعر العربي : بنونا بنو ابنائنا وبناتنا … بنوهن ابناء
الرجال الاجانب وقال اخرون : ويدخل بنو البنات فيه ايضا لما ثبت في صحيح البخاري
ان رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم قال للحسن بن علي ان ابني
هذا سيد ولعل الله ان يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين فسماه ابنا فدل
على دخوله في الابناء. وقال اخرون : هذا تجوز .

واسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين (86)[عدل]
واسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين

وعود الضمير الى نوح لانه اقرب المذكورين ظاهر لا اشكال فيه وهو اختيار ابن جرير
. وعوده الى ابراهيم لانه الذي سيق الكلام من اجله حسن لكن يشكل عليه لوط
فانه ليس من ذريه ابراهيم بل هو ابن اخيه هاران بن ازر اللهم الا ان
يقال انه دخل في الذريه تغليبا كما في قوله ” ام كنتم شهداء اذ حضر
يعقوب الموت اذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد الهك واله ابائك ابراهيم
واسماعيل واسحاق الها واحدا ونحن له مسلمون ” فاسماعيل عمه دخل في ابائه تغليبا وكما
قال في قوله ” فسجد الملائكه كلهم اجمعون الا ابليس ” فدخل ابليس في امر
الملائكه بالسجود وذم على المخالفه لانه كان في تشبه بهم فعومل معاملتهم ودخل معهم تغليبا
والا فهو كان من الجن وطبيعته من النار والملائكه من النور .

ومن ابائهم وذرياتهم واخوانهم واجتبيناهم وهديناهم الى صراط مستقيم (87)[عدل]
ومن ابائهم وذرياتهم واخوانهم واجتبيناهم وهديناهم الى صراط مستقيم

وقوله ” ومن ابائهم وذرياتهم واخوانهم ” ذكر اصولهم وفروعهم وذوي طبقتهم وان الهدايه والاجتباء
شملهم كلهم ولهذا قال ” واجتبيناهم وهديناهم الى صراط مستقيم” .

ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو اشركوا لحبط عنهم ما كانوا
يعملون (88)[عدل]
ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو اشركوا لحبط عنهم ما كانوا
يعملون

ثم قال تعالى ” ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ” اي
انما حصل لهم ذلك بتوفيق الله وهدايته اياهم ” ولو اشركوا لحبط عنهم ما كانوا
يعملون ” تشديد لامر الشرك وتغليظ لشانه وتعظيم لملابسته كقوله تعالى ” ولقد اوحي اليك
والى الذين من قبلك لئن اشركت ليحبطن عملك ” الايه وهذا شرط والشرط لا يقتضي
جواز الوقوع كقوله ” قل ان كان للرحمن ولد فانا اول العابدين ” وكقوله ”
لو اردنا ان نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا ان كنا فاعلين” وكقوله ” لو اراد
الله ان يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء سبحانه هو الله الواحد القهار” .

اولئك الذين اتيناهم الكتاب والحكم والنبوه فان يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا
بها بكافرين (89)[عدل]
اولئك الذين اتيناهم الكتاب والحكم والنبوه فان يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا
بها بكافرين

وقوله تعالى ” اولئك الذين اتيناهم الكتاب والحكم والنبوه ” اي انعمنا عليهم بذلك رحمه
للعباد بهم ولطفا منه بالخليقه ” فان يكفر بها ” اي بالنبوه ويحتمل ان يكون
الضمير عائدا على هذه الاشياء الثلاثه الكتاب والحكم والنبوه وقوله ” هؤلاء ” يعني اهل
مكه قاله ابن عباس وسعيد بن المسيب والضحاك وقتاده والسدي وغير واحد ” فقد وكلنا
بها قوما ليسوا بها بكافرين” اي ان يكفر بهذه النعم من كفر بها من قريش
وغيرهم من سائر اهل الارض من عرب وعجم ومليين وكتابيين فقد وكلنا بها قوما اخرين
اي المهاجرين والانصار واتباعهم الى يوم القيامه ” ليسوا بها بكافرين ” اي لا يجحدون
منها شيئا ولا يردون منها حرفا واحدا يؤمنون بجميعها محكمها ومتشابهها جعلنا الله منهم بمنه
وكرمه واحسانه .

اولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده قل لا اسالكم عليه اجرا ان هو الا ذكرى
للعالمين (90)[عدل]
اولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده قل لا اسالكم عليه اجرا ان هو الا ذكرى
للعالمين

ثم قال تعالى مخاطبا عبده ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم ” اولئك ” يعني
الانبياء المذكورين مع من اضيف اليهم من الاباء والذريه والاخوان وهم الاشباه ” الذين هدى
الله ” اي هم اهل الهدى لا غيرهم ” فبهداهم اقتده ” اي اقتد واتبع
واذا كان هذا امرا للرسول صلى الله عليه وسلم فامته تبع له فيما يشرعه ويامرهم
به قال البخاري عند هذه الايه : حدثنا ابراهيم بن موسى اخبرنا هشام ان ابن
جريج اخبرهم قال اخبرني سليمان الاحول ان مجاهدا اخبره انه سال ابن عباس افي ”
ص ” سجده فقال نعم ثم تلا ” ووهبنا له اسحاق ويعقوب ” الى قوله
” فبهداهم اقتده ” ثم قال هو منهم زاد يزيد بن هارون ومحمد بن عبيد
وسهيل بن يوسف عن العوام عن مجاهد قلت لابن عباس فقال نبيكم صلى الله عليه
وعلى اله وسلم ممن امر ان يقتدي بهم وقوله تعالى ” قل لا اسالكم عليه
اجرا ” اي لا اطلب منكم على ابلاغي اياكم هذا القران اجرا اي اجره ولا
اريد منكم شيئا” ان هو الا ذكرى للعالمين ” اي يتذكرون به فيرشدوا من العمى
الى الهدى ومن الغي الى الرشاد ومن الكفر الى الايمان .

وما قدروا الله حق قدره اذ قالوا ما انزل الله على بشر من شيء قل
من انزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا
وعلمتم ما لم تعلموا انتم ولا اباؤكم قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون (91)[عدل]

وما قدروا الله حق قدره اذ قالوا ما انزل الله على بشر من شيء قل
من انزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا
وعلمتم ما لم تعلموا انتم ولا اباؤكم قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون

يقول تعالى وما عظموا الله حق تعظيمه اذ كذبوا رسله اليهم : قال ابن عباس
ومجاهد وعبد الله بن كثير نزلت في قريش واختاره ابن جرير وقيل نزلت في طائفه
من اليهود . وقيل في فنحاص رجل منهم .

وقيل في مالك بن الصيف ” قالوا ما انزل الله على بشر من شيء ”
والاول اصح لان الايه مكيه واليهود لا ينكرون انزال الكتب من السماء وقريش والعرب قاطبه
كانوا ينكرون ارسال محمد صلى الله عليه وسلم لانه من البشر كما قال ” اكان
للناس عجبا ان اوحينا الى رجل منهم ان انذر الناس” وكقوله تعالى ” وما منع
الناس ان يؤمنوا اذ جاءهم الهدى الا ان قالوا ابعث الله بشرا رسولا قل لو
كان في الارض ملائكه يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا ” وقال ههنا
” وما قدروا الله حق قدره اذ قالوا ما انزل الله على بشر من شيء
” قال الله تعالى ” قل من انزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى
للناس ” اي قل يا محمد لهؤلاء المنكرين لانزال شيء من الكتب من عند الله
في جواب سلبهم العام باثبات قضيه جزئيه موجبه ” من انزل الكتاب الذي جاء به
موسى” وهو التوراه التي قد علمتم وكل احد ان الله قد انزلها على موسى بن
عمران نورا وهدى للناس اي ليستضاء بها في كشف المشكلات ويهتدى بها من ظلم الشبهات
وقوله ” تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا ” اي تجعلون جملتها قراطيس اي قطعا تكتبونها
من الكتاب الاصلي الذي بايديكم وتحرفون منها ما تحرفون وتبدلون وتتاولون وتقولون هذا من عند
الله اي في كتابه المنزل وما هو من عند الله ولهذا قال ” تجعلونه قراطيس
تبدونها وتخفون كثيرا ” وقوله تعالى ” وعلمتم ما لم تعلموا انتم ولا اباؤكم ”
اي ومن انزل القران الذي علمكم الله فيه من خبر ما سبق ونبا ما ياتي
ما لم تكونوا تعلمون ذلك لا انتم ولا اباؤكم وقد قال قتاده : هؤلاء مشركو
العرب وقال مجاهد هذه للمسلمين وقوله تعالى ” قل الله ” قال علي بن ابي
طلحه عن ابن عباس اي قل الله انزله وهذا الذي قاله ابن عباس هو المتعين
في تفسير هذه الكلمه لا ما قاله بعض المتاخرين من ان معنى ” قل الله
” اي لا يكون خطاب لهم الا هذه الكلمه كلمه ” الله ” وهذا الذي
قاله هذا القائل يكون امرا بكلمه مفرده من غير تركيب والاتيان بكلمه مفرده لا يفيد
في لغه العرب فائده يحسن السكوت عليها وقوله ” ثم ذرهم في خوضهم يلعبون ”
اي ثم دعهم في جهلهم وضلالهم يلعبون حتى ياتيهم من الله اليقين فسوف يعلمون الهم
العاقبه ام لعباد الله المتقين ؟ .

وهذا كتاب انزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر ام القرى ومن حولها والذين يؤمنون
بالاخره يؤمنون به وهم على صلاتهم يحافظون (92)[عدل]
وهذا كتاب انزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر ام القرى ومن حولها والذين يؤمنون
بالاخره يؤمنون به وهم على صلاتهم يحافظون

وقوله ” وهذا كتاب ” يعني القران ” انزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر
ام القرى ” يعني مكه ” ومن حولها ” من احياء العرب ومن سائر طوائف
بني ادم من عرب وعجم كما قال في الايه الاخرى ” قل يا ايها الناس
اني رسول الله اليكم جميعا” وقال ” لانذركم به ومن بلغ ” وقال ” ومن
يكفر به من الاحزاب فالنار موعده ” وقال تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون
للعالمين نذيرا” وقال ” وقل للذين اوتوا الكتاب والامين ااسلمتم فان اسلموا فقد اهتدوا وان
تولوا فانما عليك البلاغ والله بصير بالعباد ” وثبت في الصحيحين ان رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال ” اعطيت خمسا لم يعطهن احد من الانبياء قبلي ” وذكر
منهن وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث الى قومه خاصه وبعثت الى الناس عامه
ولهذا قال” والذين يؤمنون بالاخره يؤمنون به ” اي كل من امن بالله واليوم الاخر
يؤمن بهذا الكتاب المبارك الذي انزلناه اليك يا محمد وهو القران” وهم على صلاتهم يحافظون
” اي يقومون بما فرض عليهم من اداء الصلوات في اوقاتها .

ومن اظلم ممن افترى على الله كذبا او قال اوحي الي ولم يوح اليه شيء
ومن قال سانزل مثل ما انزل الله ولو ترى اذ الظالمون في غمرات الموت والملائكه
باسطو ايديهم اخرجوا انفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق
وكنتم عن اياته تستكبرون (93)[عدل]
ومن اظلم ممن افترى على الله كذبا او قال اوحي الي ولم يوح اليه شيء
ومن قال سانزل مثل ما انزل الله ولو ترى اذ الظالمون في غمرات الموت والملائكه
باسطو ايديهم اخرجوا انفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق
وكنتم عن اياته تستكبرون

يقول تعالى ” ومن اظلم ممن افترى على الله كذبا ” اي لا احد اظلم
ممن كذب على الله فجعل له شركاء او ولدا او ادعى ان الله ارسله الى
الناس ولم يرسله ولهذا قال تعالى ” او قال اوحي الي ولم يوح اليه شيء
” قال عكرمه وقتاده نزلت في مسيلمه الكذاب ” ومن قال سانزل مثل ما انزل
الله ” اي ومن ادعى انه يعارض ما جاء من عند الله من الوحي مما
يفتريه من القول كقوله تعالى ” واذا تتلى عليهم اياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء
لقلنا مثل هذا ” الايه قال الله تعالى ” ولو ترى اذ الظالمون في غمرات
الموت ” اي في سكراته وغمراته وكرباته” والملائكه باسطو ايديهم ” اي بالضرب كقوله” لئن
بسطت الي يدك لتقتلني ” الايه . وقوله ” يبسطوا اليكم ايديهم والسنتهم بالسوء ”
الايه وقال الضحاك وابو صالح باسطو ايديهم اي بالعذاب كقوله ” ولو ترى اذ يتوفى
الذين كفروا الملائكه يضربون وجوههم وادبارهم ” ولهذا قال ” والملائكه باسطو ايديهم ” اي
بالضرب لهم حتى تخرج انفسهم من اجسادهم ولهذا يقولون لهم ” اخرجوا انفسكم” وذلك ان
الكافر اذا احتضر بشرته الملائكه بالعذاب والنكال والاغلال والسلاسل والجحيم والحميم وغضب الرحمن الرحيم فتفرق
روحه في جسده وتعصي وتابى الخروج فتضربهم الملائكه حتى تخرج ارواحهم من اجسادهم قائلين لهم
” اخرجوا انفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق ”
الايه . اي اليوم تهانون غايه الاهانه كما كنتم تكذبون على الله وتستكبرون عن اتباع
اياته والانقياد لرسله وقد وردت الاحاديث المتواتره في كيفيه احتضار المؤمن والكافر عند الموت وهي
مقرره عند قوله تعالى ” يثبت الله الذين امنوا بالقول الثابت في الحياه الدنيا وفي
الاخره ” وقد ذكر ابن مردويه ههنا حديثا مطولا جدا من طريق غريب عن الضحاك
عن ابن عباس مرفوعا فالله اعلم .

ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم اول مره وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم
شفعاءكم الذين زعمتم انهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون (94)[عدل]

ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم اول مره وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم
شفعاءكم الذين زعمتم انهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون

وقوله” ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم اول مره ” اي يقال لهم يوم معادهم هذا
كما قال ” وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم اول مره ” اي
كما بداناكم اعدناكم وقد كنتم تنكرون ذلك وتستبعدونه فهذا يوم البعث وقوله ” وتركتم ما
خولناكم وراء ظهوركم ” اي من النعم والاموال التي اقتنيتموها في الدار الدنيا وراء ظهوركم.
وثبت في الصحيح ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يقول ابن ادم مالي
مالي وهل لك من مالك الا ما اكلت فافنيت او لبست فابليت او تصدقت فامضيت
وما سوى ذلك فذاهب وتاركه للناس وقال الحسن البصري يؤتى بابن ادم يوم القيامه كانه
بذخ فيقول الله عز وجل اين ما جمعت ؟ فقول يا رب جمعته وتركته اوفر
ما كان فيقول له يا ابن ادم اين ما قدمت لنفسك ؟ فلا يراه قدم
شيئا وتلا هذه الايه ” ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم اول مره وتركتم ما خولناكم
وراء ظهوركم ” الايه رواه ابن ابي حاتم وقوله ” وما نرى معكم شفعاءكم الذين
زعمتم انهم فيكم شركاء ” تقريع لهم وتوبيخ على ما كانوا اخذوا في الدنيا من
الانداد والاصنام والاوثان ظانين انها تنفعهم في معاشهم ومعادهم ان كان ثم معاد فاذا كان
يوم القيامه تقطعت بهم الاسباب وانزاح الضلال وضل عنهم ما كانوا يفترون ويناديهم الرب جل
جلاله على رءوس الخلائق .

” اين شركائي الذين كنتم تزعمون” وقيل لهم ” اين ما كنتم تعبدون من دون
الله هل ينصروكم او ينتصرون ” ولهذا قال ههنا ” وما نرى معكم شفعاءكم الذين
زعمتهم انهم فيكم شركاء ” اي في العباده لهم فيكم قسط في استحقاق العباده لهم
ثم قال تعالى ” لقد تقطع بينكم” قرئ بالرفع اي شملكم وبالنصب اي لقد تقطع
ما بينكم من الاسباب والوصلات والوسائل ” وضل عنكم ” اي ذهب عنكم ” ما
كنتم تزعمون ” من رجاء الاصنام والانداد كقوله تعالى ” اذ تبرا الذين اتبعوا من
الذين اتبعوا وراوا العذاب وتقطعت بهم الاسباب وقال الذين اتبعوا لو ان لنا كره فنتبرا
منهم كما تبرءوا منا كذلك يريهم الله اعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار
” وقال تعالى ” فاذا نفخ في الصور فلا انساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ”
وقال تعالى ” انما اتخذتم من دون الله اوثانا موده بينكم في الحياه الدنيا ثم
يوم القيامه يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا وماواكم النار. وما لكم من ناصرين ”
وقال ” وقيل ادعوا شركاءكم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم ” الايه . وقال ” ويوم
نحشرهم جميعا ثم نقول للذين اشركوا ” الى قوله” وضل عنهم ما كانوا يفترون ”
والايات في هذا كثيره جدا .

ان الله فالق الحب والنوى يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي ذلكم الله
فانى تؤفكون (95)[عدل]
ان الله فالق الحب والنوى يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي ذلكم الله
فانى تؤفكون

يخبر تعالى انه فالق الحب والنوى اي يشقه في الثرى فتنبت منه الزروع على اختلاف
اصنافها من الحبوب والثمار على اختلاف الوانها واشكالها وطعومها من النوى ولهذا فسر قوله ”
فالق الحب والنوى ” بقوله ” يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي ”
اي يخرج النبات الحي من الحب والنوى الذي هو كالجماد الميت كقوله ” وايه لهم
الارض الميته احييناها واخرجنا منها حبا فمنه ياكلون ” الى قوله ” ومن انفسهم ومما
لا يعلمون ” وقوله ” ومخرج الميت من الحي ” معطوف على ” فالق الحب
والنوى ” ثم فسره ثم عطف عليه قوله ” ومخرج الميت من الحي ” وقد
عبروا عن هذا وهذا بعبارات كلها متقاربه مؤديه للمعنى فمن قائل يخرج الدجاجه من البيضه
وعكسه ومن قائل يخرج الولد الصالح من الفاجر وعكسه وغير ذلك من العبارات التي تنتظمها
الايه وتشملها. ثم قال تعالى ” ذلكم الله ” اي فاعل هذا هو الله وحده
لا شريك له ” فانى تؤفكون ” اي كيف تصرفون عن الحق وتعدلون عنه الى
الباطل فتعبدون معه غيره .

فالق الاصباح وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا ذلك تقدير العزيز العليم (96)[عدل]
فالق الاصباح وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا ذلك تقدير العزيز العليم

وقوله ” فالق الاصباح وجعل الليل سكنا ” اي خالق الضياء والظلام كما قال في
اول السوره ” وجعل الظلمات والنور” اي فهو سبحانه يفلق ظلام الليل عن غره الصباح
فيضيء الوجود ويستنير الافق ويضمحل الظلام ويذهب الليل بسواده وظلام رواقه ويجيئ النهار بضيائه واشراقه
كقوله ” يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا” فبين تعالى قدرته على خلق الاشياء المتضاده المختلفه
الداله على كمال عظمته وعظيم سلطانه فذكر انه فالق الاصباح وقابل ذلك بقوله ” وجعل
الليل سكنا ” اي ساجيا مظلما لتسكن فيه الاشياء كما قال ” والضحى والليل اذا
سجى ” وقال” والليل اذا يغشى والنهار اذا تجلى ” وقال ” والنهار اذا جلاها
والليل اذا يغشاها ” وقال صهيب الرومي رضي الله عنه لامراته وقد عاتبته في كثره
سهره : ان الله جعل الليل سكنا الا لصهيب ان صهيبا اذا ذكر الجنه طال
شوقه واذا ذكر النار طار نومه . رواه ابن ابي حاتم . وقوله ” والشمس
والقمر حسبانا ” اي يجريان بحساب مقنن مقدر لا يتغير ولا يضطرب بل لكل منهما
منازل يسلكها في الصيف والشتاء فيترتب على ذلك اختلاف الليل والنهار طولا وقصرا كما قال
” هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل ” الايه . وكما قال
لا الشمس ينبغي لها ان تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون
وقال ” والشمس والقمر والنجوم مسخرات بامره ” وقوله ” ذلك تقدير العزيز العليم ”
اي الجميع جار بتقدير العزيز الذي لا يمانع ولا يخالف العليم بكل شيء فلا يعزب
عن علمه مثقال ذره في الارض ولا في السماء وكثيرا ما اذا ذكر الله تعالى
خلق الليل والنهار والشمس والقمر يختم الكلام بالعزه والعلم كما ذكر في هذه الايه وكما
في قوله ” وايه لهم الليل نسلخ منه النهار فاذا هم مظلمون والشمس تجري لمستقر
لها ذلك تقدير العزيز العليم ” ولما ذكر خلق السموات والارض وما فيهن في اول
سوره حم السجده قال ” وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم ”
.

وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر قد فصلنا الايات لقوم
يعلمون (97)[عدل]
وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر قد فصلنا الايات لقوم
يعلمون

وقوله تعالى ” وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر ”
قال بعض السلف من اعتقد في هذه النجوم غير ثلاث فقد اخطا وكذب على الله
سبحانه . ان الله جعلها زينه للسماء ورجوما للشياطين ويهتدى بها في ظلمات البر والبحر
وقوله ” قد فصلنا الايات ” اي قد بيناها ووضحناها” لقوم يعلمون ” اي يعقلون
ويعرفون الحق ويتجنبون الباطل .

وهو الذي انشاكم من نفس واحده فمستقر ومستودع قد فصلنا الايات لقوم يفقهون (98)[عدل]
وهو الذي انشاكم من نفس واحده فمستقر ومستودع قد فصلنا الايات لقوم يفقهون

يقول تعالى ” وهو الذي انشاكم من نفس واحده ” يعني ادم عليه السلام قال
” يا ايها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحده وخلق منها زوجها وبث
منهما رجالا كثيرا ونساء ” وقوله ” فمستقر ومستودع ” اختلفوا في معنى ذلك فعن
ابن مسعود وابن عباس وابي عبد الرحمن السلمي وقيس بن ابي حازم ومجاهد وعطاء وابراهيم
النخعي والضحاك وقتاده والسدي وعطاء الخراساني وغيرهم ” فمستقر ” اي في الارحام قالوا او
اكثرهم ” ومستودع ” اي في الاصلاب وعن ابن مسعود وطائفه عكسه وعن ابن مسعود
ايضا وطائفه فمستقر في الدنيا ومستودع حيث يموت وقال سعيد بن جبير فمستقر في الارحام
وعلى ظهر الارض وحيث يموت وقال الحسن البصري المستقر الذي قد مات فاستقر به عمله
وعن ابن مسعود ومستودع في الدار الاخره والقول الاول اظهر والله اعلم وقوله تعالى ”
قد فصلنا الايات لقوم يفقهون ” اي يفهمون ويعون كلام الله ومعناه .

وهو الذي انزل من السماء ماء فاخرجنا به نبات كل شيء فاخرجنا منه خضرا نخرج
منه حبا متراكبا ومن النخل من طلعها قنوان دانيه وجنات من اعناب والزيتون والرمان مشتبها
وغير متشابه انظروا الى ثمره اذا اثمر وينعه ان في ذلكم لايات لقوم يؤمنون (99)[عدل]

وهو الذي انزل من السماء ماء فاخرجنا به نبات كل شيء فاخرجنا منه خضرا نخرج
منه حبا متراكبا ومن النخل من طلعها قنوان دانيه وجنات من اعناب والزيتون والرمان مشتبها
وغير متشابه انظروا الى ثمره اذا اثمر وينعه ان في ذلكم لايات لقوم يؤمنون

وقوله تعالى ” وهو الذي انزل من السماء ماء ” اي بقدر مباركا ورزقا للعباد
واحياء وغياثا للخلائق رحمه من الله بخلقه ” فاخرجنا به نبات كل شيء ” كقوله
” وجعلنا من الماء كل شيء” ” فاخرجنا منه خضرا ” اي زرعا وشجرا اخضر
ثم بعد ذلك نخلق فيه الحب والثمر ولهذا قال تعالى ” نخرج منه حبا متراكبا
” اي يركب بعضه بعض كالسنابل ونحوها ” ومن النخل من طلعها قنوان” اي جمع
قنو وهي عذوق الرطب دانيه اي قريبه من المتناول كما قال علي بن ابي طلحه
الوالبي عن ابن عباس ” قنوان دانيه ” يعني بالقنوان الدانيه فصار النخل اللاصقه عذوقها
بالارض . رواه ابن جرير قال ابن جرير واهل الحجاز يقولون قنوان وقيس يقول قنوان
قال امرؤ القيس : فاثت اعاليه وادت اصوله … ومال بقنوان من البسر احمرا قال
وتميم يقولون قنيان بالياء قال وهي جمع قنو كما ان صنوان جمع صنو وقوله تعالى
” وجنات من اعناب ” اي ونخرج منه جنات من اعناب وهذان النوعان هما اشرف
الثمار عند اهل الحجاز وربما كانا خيار الثمار في الدنيا كما امتن الله بهما على
عباده في قوله تعالى ” ومن ثمرات النخيل والاعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا ”
وكان ذلك قبل تحريم الخمر وقال ” وجعلنا فيها جنات من نخيل واعناب ” وقوله
تعالى ” والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه” قال قتاده وغيره متشابه في الورق والشكل قريب
بعضه من بعض ومختلف في الثمار شكلا وطعما وطبعا وقوله تعالى ” انظروا الى ثمره
اذا اثمر وينعه” اي نضجه قاله البراء بن عازب وابن عباس والضحاك وعطاء الخراساني والسدي
وقتاده وغيرهم اي فكروا في قدره خالقه من العدم الى الوجود بعد ان كان حطبا
صار عنبا ورطبا وغير ذلك مما خلق سبحانه وتعالى من الالوان والاشكال والطعوم والروائح كقوله
تعالى ” وفي الارض قطع متجاورات وجنات من اعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى
بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الاكل ” الايه .

ولهذا قال ههنا ” ان في ذلكم ” ايها الناس ” لايات ” اي دلالات
على كمال قدره خالق هذه الاشياء وحكمته ورحمته ” لقوم يؤمنون ” اي يصدقون به
ويتبعون رسله .

وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم سبحانه وتعالى عما يصفون
(100)[عدل]
وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم سبحانه وتعالى عما يصفون

هذا رد على المشركين الذين عبدوا مع الله غيره واشركوا به في عبادته ان عبدوا
الجن فجعلوهم شركاء له في العباده تعالى الله عن شركهم وكفرهم فان قيل فكيف عبدت
الجن مع انهم انما كانوا يعبدون الاصنام ؟ فالجواب انهم ما عبدوها الا عن طاعه
الجن وامرهم اياهم بذلك كقوله ” ان يدعون من دونه الا اناثا وان يدعون الا
شيطانا مريدا لعنه الله وقال لاتخذن من عبادك نصيبا مفروضا ولاضلنهم ولامنينهم ولامرنهم فليبتكن اذان
الانعام ولامرنهم فليغيرن خلق الله ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا
مبينا يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان الا غرورا ” وكقوله تعالى ” افتتخذونه وذريته اولياء
من دوني ” الايه . وقال ابراهيم لابيه ” يا ابت لا تعبد الشيطان ان
الشيطان كان للرحمن عصيا ” وكقوله ” الم اعهد اليكم يا بني ادم ان لا
تعبدوا الشيطان انه لكم عدو مبين وان اعبدوني هذا صراط مستقيم ” وتقول الملائكه يوم
القيامه ” سبحانك انت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن اكثرهم بهم مؤمنون ”
ولهذا قال تعالى ” وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم ” اي وقد خلقهم فهو الخالق
وحده لا شريك له فكيف يعبد معه غيره كقول ابراهيم ” اتعبدون ما تنحتون والله
خلقكم وما تعملون ” ومعنى الايه . انه سبحانه وتعالى هو المستقل بالخلق وحده فلهذا
يجب ان يفرد بالعباده وحده لا شريك له وقوله تعالى ” وخرقوا له بنين وبنات
بغير علم ” ينبه به تعالى على ضلال من ضل في وصفه تعالى بان له
ولدا كما زعم من قاله من اليهود في عزير ومن قال من النصارى في عيسى
ومن قال من مشركي العرب في الملائكه انها بنات الله . تعالى الله عما يقول
الظالمون علوا كبيرا ومعنى خرقوا اي اختلقوا وائتفكوا وتخرصوا وكذبوا كما قاله علماء السلف قال
علي بن ابي طلحه وابن عباس وخرقوا يعني تخرصوا وقال العوفي عنه ” وخرقوا له
بنين وبنات بغير علم ” قال جعلوا له بنين وبنات وقال مجاهد ” وخرقوا له
بنين وبنات ” قال كذبوا .

وكذا قال الحسن وقال الضحاك وضعوا وقال السدي قطعوا قال ابن جرير وتاويله اذا وجعلوا
لله الجن شركاء في عبادته اياهم وهو المتفرد بخلقهم بغير شريك ولا معين ولا ظهير
” وخرقوا له بنين وبنات بغير علم ” بحقيقه ما يقولون ولكن جهلا بالله وبعظمته
فانه لا ينبغي لمن كان الها ان يكون له بنون وبنات ولا صاحبه ولا ان
يشركه في خلقه شريك ولهذا قال ” سبحانه وتعالى عما يصفون ” اي تقدس وتنزه
وتعاظم عما يصفه هؤلاء الجهله الضالون من الاولاد والانداد والنظراء والشركاء.

بديع السماوات والارض انى يكون له ولد ولم تكن له صاحبه وخلق كل شيء وهو
بكل شيء عليم (101)[عدل]
بديع السماوات والارض انى يكون له ولد ولم تكن له صاحبه وخلق كل شيء وهو
بكل شيء عليم

بديع السموات والارض ” اي مبدعهما وخالقهما ومنشئهما ومحدثهما على غير مثال سبق كما قال
مجاهد والسدي ومنه سميت البدعه بدعه لانه لا نظير لها فيما سلف ” انى يكون
له ولد ” اي كيف يكون له ولد” ولم تكن له صاحبه ” اي والولد
انما يكون متولدا بين شيئين متناسبين والله تعالى لا يناسبه ولا يشابهه شيء من خلقه
لانه خالق كل شيء فلا صاحبه له ولا ولد كما قال تعالى ” وقالوا اتخذ
الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا ادا ” الى قوله ” وكلهم اتيه يوم القيامه فردا
” ” وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم ” فبين تعالى انه الذي خلق
كل شيء وانه بكل شيء عليم فكيف يكون له صاحبه من خلقه تناسبه وهو الذي
لا نظير له فانى يكون له ولد ” تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ”
.

ذلكم الله ربكم لا اله الا هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو على كل شيء
وكيل (102)[عدل]
ذلكم الله ربكم لا اله الا هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو على كل شيء
وكيل

يقول تعالى ” ذلكم الله ربكم ” اي الذي خلق كل شيء ولا ولد له
ولا صاحبه ” لا اله الا هو خالق كل شيء فاعبدوه” اي فاعبدوه وحده لا
شريك له واقروا له بالوحدانيه وانه لا اله الا هو وانه لا ولد له ولا
والد ولا صاحبه له ولا نظير ولا عديل ” وهو على كل شيء وكيل ”
اي حفيظ ورقيب يدبر كل ما سواه ويرزقهم ويكلاهم بالليل والنهار .

لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير (103)[عدل]
لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير

وقوله ” لا تدركه الابصار ” فيه اقوال للائمه من السلف . ” احدها ”
لا تدركه في الدنيا وان كانت تراه في الاخره كما تواترت به الاخبار عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم من غير ما طريق ثابت في الصحاح والمسانيد والسنن .
كما قال مسروق عن عائشه انها قالت من زعم ان محمدا ابصر ربه فقد كذب
وفي روايه – على الله – فان الله تعالى قال ” لا تدركه الابصار وهو
يدرك الابصار” . رواه ابن ابي حاتم من حديث ابي بكر بن عياش عن عاصم
بن ابي النجود عن ابي الضحى عن مسروق ورواه غير واحد عن مسروق وثبت في
الصحيح وغيره عن عائشه غير وجه وخالفها ابن عباس فعنه اطلاق الرؤيه وعنه انه راه
بفؤاده مرتين والمساله تذكر في اول سوره النجم ان شاء الله وقال ابن ابي حاتم
ذكر محمد بن مسلم حدثنا احمد بن ابراهيم الدورقي حدثنا يحيى بن معين قال :
سمعت اسماعيل بن عليه يقول في قول الله ” لا تدركه الابصار ” قال هذا
في الدنيا وذكر ابي عن هشام بن عبد الله انه قال نحو ذلك . وقال
اخرون ” لا تدركه الابصار” اي جميعها وهذا مخصص بما ثبت من رؤيه المؤمنين له
في الدار الاخره وقال اخرون من المعتزله بمقتضى ما فهموه من الايه انه لا يرى
في الدنيا ولا في الاخره فخالفوا اهل السنه والجماعه في ذلك مع ما ارتكبوه من
الجهل بما دل عليه كتاب الله وسنه رسوله . اما الكتاب فقوله تعالى ” وجوه
يومئذ ناضره الى ربها ناظره ” وقال تعالى عن الكافرين” كلا انهم عن ربهم يومئذ
لمحجوبون ” قال الامام الشافعي فدل هذا على ان المؤمنين لا يحجبون عنه تبارك وتعالى
. واما السنه فقد تواترت الاخبار عن ابي سعيد وابي هريره وابن جريج وصهيب وبلال
وغير واحد من الصحابه عن النبي صلى الله عليه وسلم من ان المؤمنين يرون الله
في الدار الاخره في العرصات وفي روضات الجنات جعلنا الله تعالى منهم بمنه وكرمه امين
. وقيل المراد بقوله” لا تدركه الابصار ” اي العقول رواه ابن ابي حاتم عن
علي بن الحسين عن الفلاس عن ابن مهدي عن ابي الحصين يحيى بن الحصين قارئ
اهل مكه انه قال ذلك وهذا غريب جدا وخلاف ظاهر الايه وكانه اعتقد ان الادراك
في معنى الرؤيه والله اعلم.

وقال اخرون لا منافاه بين اثبات الرؤيه ونفي الادراك فان الادراك اخص من الرؤيه ولا
يلزم من نفي الاخص انتفاء الاعم . ثم اختلف هؤلاء في الادراك المنفي ما هو
فقيل معرفه الحقيقه فان هذا لا يعلمه الا هو وان راه المؤمنون كما ان من
راى القمر فانه لا يدرك حقيقته وكنهه وماهيته فالعظيم اولى بذلك وله المثل الاعلى. قال
ابن عليه في الايه . هذا في الدنيا رواه ابن ابي حاتم . وقال اخرون
الادراك اخص من الرؤيه وهو الاحاطه قالوا ولا يلزم من عدم الاحاطه عدم الرؤيه كما
لا يلزم من احاطه العلم عدم العلم قال تعالى ” ولا يحيطون به علما ”
وفي صحيح مسلم لا احصي ثناء عليك انت كما اثنيت على نفسك ولا يلزم منه
عدم الثناء فكذلك هذا قال العوفي عن ابن عباس في قوله تعالى ” لا تدركه
الابصار وهو يدرك الابصار ” قال لا يحيط بصر احد بالملك وقال ابن ابي حاتم
حدثنا ابو زرعه حدثنا عمرو بن حماد بن طلحه القناد حدثنا اسباط عن سماك عن
عكرمه انه قيل له لا تدركه الابصار قال الست ترى السماء ؟ قال بلى قال
فكلها ترى ؟ وقال سعيد بن ابي عروبه عن قتاده في الايه ” لا تدركه
الابصار وهو يدرك الابصار ” وهو اعظم من ان تدركه الابصار . وقال ابن جرير
حدثنا سعد بن عبد الله بن عبد الحكم حدثنا خالد بن عبد الرحمن حدثنا ابو
عرفجه عن عطيه العوفي في قوله تعالى” وجوه يومئذ ناضره الى ربها ناظره ” قال
هم ينظرون الى الله لا تحيط ابصارهم به من عظمته وبصره محيط بهم فذلك قوله
” لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار ” وورد في تفسير هذه الايه حديث رواه
ابن ابي حاتم ههنا فقال حدثنا ابو زرعه حدثنا منجاب بن الحارث السهمي حدثنا بشر
بن عماره عن ابي روق عن عطيه العوفي عن ابي سعيد الخدري عن رسول الله
صلى الله عليه واله وسلم في قوله” لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار ” قال
” لو ان الجن والانس والشياطين والملائكه منذ خلقوا الى ان فنوا صفوا صفا واحدا
ما احاطوا بالله ابدا ” غريب لا يعرف الا من هذا الوجه ولم يروه احد
من اصحاب الكتب السته والله اعلم .

وقال اخرون في الايه بما رواه الترمذي في جامعه وابن ابي عاصم في كتاب السنه
له وابن ابي حاتم في تفسيره وابن مردويه ايضا والحاكم في مستدركه من حديث الحكم
بن ابان قال سمعت عكرمه يقول سمعت ابن عباس يقول راى محمد ربه تبارك وتعالى
فقلت اليس الله يقول ” لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار” الايه فقال لي لا
ام لك ذلك نوره الذي هو نوره اذا تجلى بنوره لا يدركه شيء وفي روايه
لا يقوم له شيء قال الحاكم صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وفي معنى هذا
الاثر ما ثبت في الصحيحين من حديث ابي موسى الاشعري رضي الله عنه مرفوعا ان
الله لا ينام ولا ينبغي له ان ينام يخفض القسط ويرفعه يرفع اليه عمل النهار
قبل الليل وعمل الليل قبل النهار حجابه النور – او النار – لو كشفه لاحرقت
سبحات وجهه ما انتهى اليه بصره من خلقه وفي الكتب المتقدمه ان الله تعالى قال
لموسى لما سال الرؤيه : يا موسى انه لا يراني حي الا مات ولا يابس
الا تدهده . اي تدعثر وقال تعالى” فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى
صعقا فلما افاق قال سبحانك تبت اليك وانا اول المؤمنين ” ونفي هذا الاثر الادراك
الخاص لا ينفي الرؤيه يوم القيامه يتجلى لعباده المؤمنين كما يشاء فاما جلاله وعظمته على
ما هو عليه تعالى وتقدس وتنزه فلا تدركه الابصار ولهذا كانت ام المؤمنين عائشه رضي
الله عنها تثبت الرؤيه في الدار الاخره وتنفيها في الدنيا وتحتج بهذه الايه ” لا
تدركه الابصار وهو يدرك الابصار ” فالذي نفته الادراك الذي هو بمعنى رؤيه العظمه والجلال
على ما هو عليه فان ذلك غير ممكن للبشر ولا للملائكه ولا لشيء وقوله ”
وهو يدرك الابصار” اي يحيط بها ويعلمها على ما هي عليه لانه خلقها كما قال
تعالى ” الا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ” وقد يكون عبر بالابصار عن
المبصرين كما قال السدي في قوله ” لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار ” لا
يراه شيء وهو يرى الخلائق وقال ابو العاليه في قوله تعالى ” وهو اللطيف الخبير”
قال اللطيف لاستخراجها الخبير بمكانها والله اعلم وهذا كما قال تعالى اخبارا عن لقمان فيما
وعظ به ابنه ” يا بني انها ان تك مثقال حبه من خردل فتكن في
صخره او في السموات او في الارض يات بها الله ان الله لطيف خبير ”
.

قد جاءكم بصائر من ربكم فمن ابصر فلنفسه ومن عمي فعليها وما انا عليكم بحفيظ
(104)[عدل]
قد جاءكم بصائر من ربكم فمن ابصر فلنفسه ومن عمي فعليها وما انا عليكم بحفيظ

البصائر هي البينات والحجج التي اشتمل عليها القران وما جاء به الرسول صلى الله عليه
وسلم ” فمن ابصر فلنفسه ” كقوله ” فمن اهتدى فانما يهتدي لنفسه ومن ضل
فانما يضل عليها ” ولهذا قال” ومن عمي فعليها ” لما ذكر البصائر قال ”
ومن عمي فعليها ” اي انما يعود وباله عليه كقوله” فانها لا تعمى الابصار ولكن
تعمى القلوب التي في الصدور ” ” وما انا عليكم بحفيظ ” اي بحافظ ولا
رقيب بل انما انا مبلغ والله يهدي من يشاء ويضل من يشاء .

وكذلك نصرف الايات وليقولوا درست ولنبينه لقوم يعلمون (105)[عدل]
وكذلك نصرف الايات وليقولوا درست ولنبينه لقوم يعلمون

وقوله ” وكذلك نصرف الايات ” اي وكما فصلنا الايات في هذه السوره من بيان
التوحيد وانه لا اله الا هو هكذا نوضح الايات ونفسرها ونبينها في كل موطن لجهاله
الجاهلين وليقول المشركون والكافرون المكذبون دارست يا محمد من قبلك من اهل الكتاب وقاراتهم وتعلمت
منهم هكذا قاله ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير والضحاك وغيرهم .

وقال الطبراني حدثنا عبد الله بن احمد حدثنا ابي حدثنا سفيان بن عيينه عن عمرو
بن دينار عن عمرو بن كيسان قال سمعت ابن عباس يقول دارست تلوت خاصمت جادلت
وهذا كقوله تعالى اخبارا عن كذبهم وعنادهم ” وقال الذين كفروا ان هذا الا افك
افتراه واعانه عليه قوم اخرون فقد جاءوا ظلما وزورا وقالوا اساطير الاولين اكتتبها” الايه وقال
تعالى اخبارا عن زعيمهم وكاذبهم ” انه فكر وقدر فقتل كيف قدر ثم قتل كيف
قدر ثم نظر ثم عبس وبسر ثم ادبر واستكبر فقال ان هذا الا سحر يؤثر
ان هذا الا قول البشر” وقوله ” ولنبينه لقوم يعلمون ” اي ولنوضحه لقوم يعلمون
الحق فيتبعونه والباطل فيجتنبونه فلله تعالى الحكمه البالغه في اضلال اولئك وبيان الحق لهؤلاء كقوله
تعالى ” يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا ” الايه وكقوله ” ليجعل ما يلقي
الشيطان فتنه للذين في قلوبهم مرض والقاسيه قلوبهم وان الله لهادي الذين امنوا الى صراط
مستقيم ” وقال تعالى ” وما جعلنا اصحاب النار الا ملائكه وما جعلنا عدتهم الا
فتنه للذين كفروا ليستيقن الذين اوتوا الكتاب ويزداد الذين امنوا ايمانا ولا يرتاب الذين اوتوا
الكتاب والمؤمنون وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا اراد الله بهذا مثلا كذلك يضل
الله من يشاء ويهدي من يشاء وما يعلم جنود ربك الا هو ” وقال ”
وننزل من القران ما هو شفاء ورحمه للمؤمنين ولا يزيد الظالمين الا خسارا ” وقال
تعالى ” قل هو للذين امنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في اذانهم وقر وهو
عليهم عمى اولئك ينادون من مكان بعيد” الى غير ذلك من الايات الداله على انه
تعالى انزل القران هدى للمتقين وانه يضل به من يشاء ويهدي به من يشاء ولهذا
قال ههنا ” وكذلك نصرف الايات وليقولوا درست ولنبينه لقوم يعلمون” وقرا بعضهم ” وليقولوا
درست ” قال التميمي عن ابن عباس درست اي قرات وتعلمت وكذا قال مجاهد والسدي
والضحاك وعبد الرحمن بن زيد بن اسلم وغير واحد وقال عبد الرزاق عن معمر قال
الحسن” وليقولوا درست ” يقول تقادمت وانمحت وقال عبد الرزاق ايضا انبانا ابن عيينه عن
عمرو بن دينار سمعت ابن الزبير يقول ان صبيانا يقرءون ههنا دارست وانما درست وقال
شعبه حدثنا ابو اسحاق الهمداني قال هي في قراءه ابن مسعود درست يعني بغير الف
بنصب السين ووقف على التاء قال ابن جرير

ومعناه انمحت وتقادمت اي ان هذا الذي تتلوه علينا قد مر بنا قديما وتطاولت مدته
وقال سعيد بن ابي عروبه عن قتاده انه قراها درست اي قرات وتعلمت وقال معمر
عن قتاده درست قرات وفي حرف ابن مسعود درس وقال ابو عبيد القاسم بن سلام
حدثنا حجاج عن هارون قال هي في حرف ابي بن كعب وابن مسعود وليقولوا درس
قال يعنون النبي صلى الله عليه وسلم انه قرا وهذا غريب فقد روي عن ابي
بن كعب خلاف هذا قال ابو بكر بن مردويه حدثنا محمد بن احمد بن ابراهيم
حدثنا الحسن بن ليث حدثنا ابو سلمه حدثنا احمد بن ابي بزه المكي حدثنا وهب
بن زمعه عن ابيه عن حميد الاعرج عن مجاهد عن ابن عباس عن ابي بن
كعب قال : اقراني رسول الله صلى الله عليه وسلم” وليقولوا درست ” . ورواه
الحاكم في مستدركه من حديث وهب بن زمعه وقال يعني بجزم السين ونصب التاء ثم
قال صحيح الاسناد ولم يخرجاه .

اتبع ما اوحي اليك من ربك لا اله الا هو واعرض عن المشركين (106)[عدل]
اتبع ما اوحي اليك من ربك لا اله الا هو واعرض عن المشركين

يقول تعالى امرا لرسوله صلى الله عليه وسلم ولمن اتبع طريقته ” اتبع ما اوحي
اليك من ربك ” اي اقتد به واقتف اثره واعمل به فان ما اوحي اليك
من ربك هو الحق الذي لا مريه فيه لانه لا اله الا هو ” واعرض
عن المشركين” اي اعف عنهم واصفح واحتمل اذاهم حتى يفتح الله لك وينصرك ويظفرك عليهم
.

ولو شاء الله ما اشركوا وما جعلناك عليهم حفيظا وما انت عليهم بوكيل (107)[عدل]
ولو شاء الله ما اشركوا وما جعلناك عليهم حفيظا وما انت عليهم بوكيل

واعلم ان لله حكمه في اضلالهم فانه لو شاء لهدى الناس جميعا ولو شاء لجمعهم
على الهدى ” ولو شاء الله ما اشركوا” اي بل له المشيئه والحكمه فيما يشاؤه
ويختاره لا يسال عما يفعل وهم يسالون وقوله تعالى ” وما جعلناك عليهم حفيظا ”
اي حافظا تحفظ اقوالهم واعمالهم ” وما انت عليهم بوكيل ” اي موكل على ارزاقهم
وامورهم ان عليك الا البلاغ كما قال تعالى ” فذكر انما انت مذكر لست عليهم
بمصيطر ” وقال ” انما عليك البلاغ وعلينا الحساب” .

ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم كذلك زينا لكل
امه عملهم ثم الى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون (108)[عدل]
ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم كذلك زينا لكل
امه عملهم ثم الى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون

يقول الله تعالى ناهيا لرسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين عن سب الهه المشركين وان
كان فيه مصلحه الا انه يترتب عليه مفسده اعظم منها وهي مقابله المشركين بسب اله
المؤمنين وهو ” الله لا اله الا هو ” كما قال علي بن ابي طلحه
عن ابن عباس في هذه الايه قالوا يا محمد لتنتهين عن سبك الهتنا او لنهجون
ربك فنهاهم الله ان يسبوا اوثانهم ” فيسبوا الله عدوا بغير علم ” وقال عبد
الرزاق عن معمر عن قتاده كان المسلمون يسبون اصنام الكفار فيسب الكفار الله عدوا بغير
علم فانزل الله ” ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله ” وروى ابن جرير
وابن ابي حاتم عن السدي انه قال في تفسير هذه الايه : لما حضر ابا
طالب الموت قالت قريش انطلقوا فلندخل على هذا الرجل فلنامره ان ينهى عنا ابن اخيه
فانا نستحيي ان نقتله بعد موته فتقول العرب كان يمنعهم فلما مات قتلوه فانطلق ابو
سفيان وابو جهل والنضر بن الحارث واميه وابي ابنا خلف وعقبه بن ابي معيط وعمرو
بن العاص والاسود بن البختري وبعثوا رجلا منهم يقال له المطلب قالوا استاذن لنا على
ابي طالب فاتى ابا طالب فقال : هؤلاء مشيخه قومك يريدون الدخول عليك فاذن لهم
عليه فدخلوا عليه فقالوا يا ابا طالب انت كبيرنا وسيدنا وان محمدا قد اذانا واذى
الهتنا فنحب ان تدعوه فتنهاه عن ذكر الهتنا ولندعه والهه فدعاه فجاء النبي صلى الله
عليه وسلم فقال له ابو طالب هؤلاء قومك وبنو عمك قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم ما تريدون ؟ قالوا نريد ان تدعنا والهتنا ولندعك والهك فقال النبي صلى
الله عليه وسلم ارايتم ان اعطيتكم هذا هل انتم معطي كلمه ان تكلمتم بها ملكتم
بها العرب ودانت لكم بها العجم وادت لكم الخراج قال ابو جهل وابيك لاعطينكها وعشره
امثالها قالوا فما هي ؟ قال : قولوا لا اله الا الله فابوا واشمازوا قال
ابو طالب يا ابن اخي قل غيرها .

فان قومك قد فزعوا منها قال يا عم ما انا بالذي يقول غيرها حتى ياتوا
بالشمس فيضعوها في يدي ولو اتوا بالشمس فوضعوها في يدي ما قلت غيرها اراده ان
يؤيسهم فغضبوا وقالوا لتكفن عن شتم الهتنا او لنشتمنك ونشتمن من يامرك فذلك قوله ”
فيسبوا الله عدوا بغير علم ” ومن هذا القبيل وهو ترك المصلحه لمفسده ارجح منها
ما جاء في الصحيح ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ملعون من سب
والديه قالوا يا رسول الله وكيف يسب الرجل والديه ؟ قال يسب ابا الرجل فيسب
اباه ويسب امه فيسب امه او كما قال صلى الله عليه وسلم وقوله ” كذلك
زينا لكل امه عملهم” اي وكما زينا لهؤلاء القوم حب اصنامهم والمحاماه لها والانتصار كذلك
زينا لكل امه اي من الامم الخاليه على الضلال عملهم الذي كانوا فيه ولله الحجه
البالغه والحكمه التامه فيما يشاؤه ويختاره” ثم الى ربهم مرجعهم ” اي معادهم ومصيرهم ”
فينبئهم بما كانوا يعملون ” اي يجازيهم باعمالهم ان خيرا فخير وان شرا فشر .

واقسموا بالله جهد ايمانهم لئن جاءتهم ايه ليؤمنن بها قل انما الايات عند الله وما
يشعركم انها اذا جاءت لا يؤمنون (109)[عدل]
واقسموا بالله جهد ايمانهم لئن جاءتهم ايه ليؤمنن بها قل انما الايات عند الله وما
يشعركم انها اذا جاءت لا يؤمنون

يقول تعالى اخبارا عن المشركين انهم اقسموا بالله جهد ايمانهم اي حلفوا ايمانا مؤكده ”
لئن جاءتهم ايه ” اي معجزه وخارق ” ليؤمنن بها ” اي ليصدقنها” قل انما
الايات عند الله ” اي قل يا محمد لهؤلاء الذين يسالونك الايات تعنتا وكفرا وعنادا
لا على سبيل الهدى والاسترشاد انما مرجع هذه الايات الى الله ان شاء جاءكم بها
وان شاء ترككم قال ابن جرير حدثنا هناد حدثنا يونس بن بكير حدثنا ابو معشر
عن محمد بن كعب القرظي قال كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قريش فقالوا
يا محمد تخبرنا ان موسى كان معه عصا يضرب بها الحجر فانفجرت منه اثنتا عشره
عينا وتخبرنا ان عيسى كان يحيي الموتى وتخبرنا ان ثمود كانت لهم ناقه فاتنا من
الايات حتى نصدقك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اي شيء تحبون ان اتيكم
به ؟ قالوا تجعل لنا الصفا ذهبا فقال لهم فان فعلت تصدقوني ؟ قالوا نعم
والله لئن فعلت لنتبعك اجمعون فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو فجاءه جبريل
عليه السلام فقال له ما شئت ان شئت اصبح من الصفا ذهبا ولئن ارسل ايه
فلم يصدقوا عند ذلك ليعذبنهم وان شئت فاتركهم حتى يتوب تائبهم . فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم بل يتوب تائبهم فانزل الله تعالى ” واقسموا بالله جهد ايمانهم
” الى قوله تعالى ” ولكن اكثرهم يجهلون ” وهذا مرسل وله شواهد من وجوه
اخر .

وقال الله تعالى ” وما منعنا ان نرسل بالايات الا ان كذب بها الاولون ”
الايه وقوله تعالى ” وما يشعركم انها اذا جاءت لا يؤمنون ” قيل المخاطب بما
يشعركم المشركون واليه ذهب مجاهد كانه يقول لهم وما يدريكم بصدقهم في هذه الايمان التي
تقسمون بها وعلى هذا فالقراءه ” انها اذا جاءت لا يؤمنون ” بكسر انها على
استئناف الخبر عنهم بنفي الايمان عند مجيء الايات التي طلبوها وقرا بعضهم ” انها اذا
جاءت لا تؤمنون ” بالتاء المثناه من فوق وقيل المخاطب بقوله وما يشعركم المؤمنون يقول
وما يدريكم ايها المؤمنون وعلى هذا فيجوز في قوله ” انها ” الكسر كالاول والفتح
على انه معمول يشعركم وعلى هذا فتكون لا في قوله ” انها اذا جاءت لا
يؤمنون ” صله كقوله ” ما منعك الا تسجد اذ امرتك ” وقوله ” وحرام
على قريه اهلكناها انهم لا يرجعون ” اي ما منعك ان تسجد اذ امرتك وحرام
انهم يرجعون وتقديره في هذه الايه وما يدريكم ايها المؤمنون الذين تودون لهم ذلك حرصا
على ايمانهم انها اذا جاءتهم الايات يؤمنون قال بعضهم ” انها ” بمعنى لعلها قال
ابن جرير وذكروا ان ذلك كذلك في قراءه ابي بن كعب . قال وقد ذكر
عن العرب سماعا اذهب الى السوق انك تشتري لنا شيئا بمعنى لعلك تشتري . قال
وقد قيل ان قول عدي بن زيد العبادي من هذا : اعاذل ما يدريك ان
منيتي … الى ساعه في اليوم او في ضحى الغد وقد اختار هذا القول ابن
جرير وذكر عليه شواهد من اشعار العرب والله اعلم .

ونقلب افئدتهم وابصارهم كما لم يؤمنوا به اول مره ونذرهم في طغيانهم يعمهون (110)[عدل]
ونقلب افئدتهم وابصارهم كما لم يؤمنوا به اول مره ونذرهم في طغيانهم يعمهون

وقوله تعالى” ونقلب افئدتهم وابصارهم كما لم يؤمنوا به اول مره ” قال العوفي عن
ابن عباس في هذه الايه لما جحد المشركون ما انزل الله لم تثبت قلوبهم على
شيء وردت عن كل امر وقال مجاهد في قوله” ونقلب افئدتهم وابصارهم ” ونحول بينهم
وبين الايمان ولو جاءتهم كل ايه فلا يؤمنون كما حلنا بينهم وبين الايمان اول مره
. وكذا قال عكرمه وعبد الرحمن بن زيد بن اسلم وقال ابن ابي طلحه عن
ابن عباس رضي الله عنه انه قال اخبر الله ما العباد قائلون قبل ان يقولوه
وعملهم قبل ان يعملوه وقال ” ولا ينبئك مثل خبير ” جل وعلا وقال ”
ان تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله – الى قوله لو
ان لي كره فاكون من المحسنين” فاخبر الله سبحانه انهم لو ردوا لم يقدروا على
الهدى وقال : ” ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وانهم لكاذبون ” وقال تعالى
” ونقلب افئدتهم وابصارهم كما لم يؤمنوا به اول مره ” وقال ولو ردوا الى
الدنيا لحيل بينهم وبين الهدى كما حلنا بينهم وبينه اول مره وهم في الدنيا وقوله
” ونذرهم” اي نتركهم ” في طغيانهم ” قال ابن عباس والسدي في كفرهم وقال
ابو العاليه والربيع بن انس وقتاده في ضلالهم ” يعمهون ” قال الاعمش يلعبون وقال
ابن عباس ومجاهد وابو العاليه والربيع وابو مالك وغيره في كفرهم يترددون .

ولو اننا نزلنا اليهم الملائكه وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا
الا ان يشاء الله ولكن اكثرهم يجهلون (111)[عدل]
ولو اننا نزلنا اليهم الملائكه وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا
الا ان يشاء الله ولكن اكثرهم يجهلون

يقول تعالى ولو اننا اجبنا سؤال هؤلاء الذين اقسموا بالله جهد ايمانهم لئن جاءتهم ايه
ليؤمنن بها فنزلنا عليهم الملائكه تخبرهم بالرساله من الله بتصديق الرسل كما سالوا فقالوا ”
او تاتي بالله والملائكه قبيلا ” وقالوا لن نؤمن لك حتى نؤتى مثل ما اوتي
رسل الله ” وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا انزل علينا الملائكه او نرى ربنا
لقد استكبروا في انفسهم وعتو عتوا كبيرا ” ” وكلمهم الموتى ” اي فاخبروهم بصدق
ما جاءتهم به الرسل ” وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ” قرا بعضهم قبلا بكسر
القاف وفتح الباء من المقابله والمعاينه وقرا اخرون بضمهما قيل معناه من المقابله والمعاينه ايضا
كما رواه علي بن ابي طلحه والعوفي عن ابن عباس وبه قال قتاده وعبد الرحمن
بن زيد بن اسلم . وقال مجاهد قبلا اي افواجا قبيلا قبيلا اي تعرض عليهم
كل امه بعد امه فيخبرونهم بصدق الرسل فيما جاءوهم به ” ما كانوا ليؤمنوا الا
ان يشاء الله ” اي ان الهدايه اليه لا اليهم بل يهدي من يشاء ويضل
من يشاء وهو الفعال لما يريد ” لا يسال عما يفعل وهم يسالون” لعلمه وحكمته
وسلطانه وقهره وغلبته وهذه الايه كقوله تعالى ” ان الذين حقت عليهم كلمه ربك لا
يؤمنون ولو جاءتهم كل ايه حتى يروا العذاب الاليم ” .

وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الانس والجن يوحي بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا
ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون (112)[عدل]
وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الانس والجن يوحي بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا
ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون

يقول تعالى وكما جعلنا لك يا محمد اعداء يخالفونك ويعادونك ويعاندونك جعلنا لكل نبي من
قبلك ايضا اعداء فلا يحزنك ذلك كما قال تعالى ” ولقد كذبت رسل من قبلك
فصبروا على ما كذبوا واوذوا ” الايه . وقال تعالى ” ما يقال لك الا
ما قد قيل للرسل من قبلك ان ربك لذو مغفره وذو عقاب اليم ” وقال
تعالى” وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين” الايه . وقال ورقه بن نوفل لرسول
الله صلى الله عليه وسلم انه لم يات احد بمثل ما جئت به الا عودي
وقوله ” شياطين الانس والجن ” بدل من” عدوا ” اي لهم اعداء من شياطين
الانس والجن والشيطان كل من خرج عن نظيره بالشر ولا يعادي الرسل الا الشياطين من
هؤلاء وهؤلاء قبحهم الله ولعنهم . قال عبد الرزاق حدثنا معمر عن قتاده في قوله
” شياطين الانس والجن ” قال من الجن شياطين ومن الانس شياطين يوحي بعضهم الى
بعض قال قتاده وبلغني ان ابا ذر كان يوما يصلي فقال النبي صلى الله عليه
وسلم ” تعوذ يا ابا ذر من شياطين الانس والجن ” فقال او ان من
الانس شياطين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” نعم ” وهذا منقطع بين
قتاده وابي ذر . وقد روي من وجه اخر عن ابي ذر رضي الله عنه
قال ابن جرير حدثنا المثنى حدثنا ابو صالح حدثني معاويه بن صالح ابي عبد الله
محمد بن ايوب وغيره من المشيخه عن ابن عائذ عن ابي ذر قال : اتيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس قد اطال فيه الجلوس قال : فقال
” يا ابا ذر هل صليت ” قلت لا يا رسول الله قال ” قم
فاركع ركعتين ” قال ثم جئت فجلست اليه فقال ” يا ابا ذر هل تعوذت
بالله من شياطين الجن والانس ” قال : قلت لا يا رسول الله وهل للانس
من شياطين ؟ قال : ” نعم هم شر من شياطين الجن ” . وهذا
ايضا فيه انقطاع وروي متصلا كما قال الامام احمد حدثنا وكيع حدثنا المسعودي انبانا ابو
عمر الدمشقي عن عبيد بن الحسيحاس عن ابي ذر قال : اتيت النبي صلى الله
عليه وسلم وهو في المسجد فجلست فقال : ” يا ابا ذر هل صليت ؟
” . قلت لا قال قم فصل قال فقمت فصليت ثم جلست فقال يا ابا
ذر تعوذ بالله من شر شياطين الانس والجن .

قال : قلت يا رسول الله وللانس شياطين ؟ قال نعم وذكر تمام الحديث بطوله
. وكذا رواه الحافظ ابو بكر بن مردويه في تفسيره من حديث جعفر بن عون
ويعلى بن عبيد وعبيد الله بن موسى ثلاثتهم عن المسعودي به . ” طريق اخرى
عن ابي ذر ” قال ابن جرير حدثنا المثنى حدثنا الحجاج حدثنا حماد عن حميد
بن هلال حدثني رجل من اهل دمشق عن عوف بن مالك عن ابي ذر ان
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا ابا ذر هل تعوذت بالله من شر
شياطين الانس والجن ؟ قال : قلت يا رسول الله هل للانس من شياطين ؟
قال : نعم . ” طريق اخرى للحديث ” قال ابن ابي حاتم حدثنا محمد
بن عوف الحمصي حدثنا ابو المغيره حدثنا معاذ بن رفاعه عن علي بن يزيد عن
القاسم عن ابي امامه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا ابا
ذر تعوذت من شياطين الجن والانس ؟ قال يا رسول الله وهل للانس شياطين ؟
قال نعم ” شياطين الانس والجن يوحي بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا وقوله ”
يوحي بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا ” فهذه طرق لهذا الحديث ومجموعها يفيد قوته
وصحته والله اعلم قال ابن جرير حدثنا ابن وكيع حدثنا ابو نعيم عن شريك عن
سعيد بن مسروق عن عكرمه ” شياطين الانس والجن ” قال ليس من الانس شياطين
ولكن شياطين الجن يوحون الى شياطين الانس وشياطين الانس يوحون الى شياطين الجن قال وحدثنا
الحارث حدثنا عبد العزيز حدثنا اسرائيل عن السدي عن عكرمه في قوله ” يوحي بعضهم
الى بعض زخرف القول غرورا ” قال للانس شياطين وللجن شياطين فيلقى شيطان الانس شيطان
الجن فيوحي بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا وقال اسباط عن السدي عن عكرمه في
قوله ” يوحي بعضهم الى بعض ” اما شياطين الانس فالشياطين التي تضل الانس وشياطين
الجن التي تضل الجن يلتقيان فيقول كل واحد منهما لصاحبه اني اضللت صاحبي بكذا وكذا
فاضل انت صاحبك بكذا وكذا فيعلم بعضهم بعضا ففهم ابن جرير من هذا ان المراد
بشياطين الانس عند عكرمه والسدي الشياطين من الجن الذين يضلون الناس لا ان المراد منه
شياطين الانس منهم ولا شك ان هذا ظاهر من كلام عكرمه واما كلام السدي فليس
مثله في هذا المعنى وهو محتمل .

وقد روى ابن ابي حاتم نحو هذا عن ابن عباس من روايه الضحاك عنه قال
ان للجن شياطين يضلونهم مثل شياطين الانس يضلونهم قال فيلتقي شياطين الانس وشياطين الجن فيقول
هذا لهذا اضلله بكذا فهو قوله ” يوحي بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا ”
وعلى كل حال فالصحيح ما تقدم من حديث ابي ذر ان للانس شياطين منهم وشيطان
كل شيء ما رده ولهذا جاء في صحيح مسلم عن ابي ذر ان رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال ” الكلب الاسود شيطان ” ومعناه والله اعلم شيطان في
الكلاب وقال ابن جريج قال مجاهد في تفسير هذه الايه : كفار الجن شياطين يوحون
الى شياطين الانس كفار الانس زخرف القول غرورا وروى ابن ابي حاتم عن عكرمه قال
قدمت على المختار فاكرمني وانزلني حتى كاد يتعاهد مبيتي بالليل قال : فقال لي اخرج
الى الناس فحدثهم قال : فخرجت فجاء رجل فقال : ما تقول في الوحي فقلت
الوحي وحيان قال الله تعالى ” بما اوحينا اليك هذا القران” وقال تعالى ” شياطين
الانس والجن يوحي بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا ” قال فهموا بي ان ياخذوني
فقلت لهم : ما لكم ذاك اني مفتيكم وضيفكم فتركوني وانما عرض عكرمه بالمختار وهو
ابن ابي عبيد قبحه الله وكان يزعم انه ياتيه الوحي وقد كانت اخته صفيه تحت
عبد الله بن عمر وكانت من الصالحات ولما اخبر عبد الله بن عمر ان المختار
يزعم انه يوحى اليه فقال صدق قال الله تعالى” وان الشياطين ليوحون الى اوليائهم ”
وقوله تعالى ” يوحي بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا ” اي يلقي بعضهم الى
بعض القول المزين المزخرف وهو المزوق الذي يغتر سامعه من الجهله بامره” ولو شاء ربك
ما فعلوه ” اي وذلك كله بقدر الله وقضائه وارادته ومشيئته ان يكون لكل نبي
عدو من هؤلاء ” فذرهم ” اي فدعهم ” وما يفترون” اي يكذبون اي دع
اذاهم وتوكل على الله في عداوتهم فان الله كافيك وناصرك عليهم .

ولتصغى اليه افئده الذين لا يؤمنون بالاخره وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون (113)[عدل]
ولتصغى اليه افئده الذين لا يؤمنون بالاخره وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون

وقوله تعالى ” ولتصغى اليه ” ولتميل اليه قاله ابن عباس ” افئده الذين لا
يؤمنون بالاخره ” اي قلوبهم وعقولهم واسماعهم وقال السدي : قلوب الكافرين” وليرضوه ” اي
يحبوه ويريدوه وانما يستجيب لذلك من لا يؤمن بالاخره كما قال تعالى ” فانكم وما
تعبدون ما انتم عليه بفاتنين الا من هو صال الجحيم ” وقال تعالى ” انكم
لفي قول مختلف يؤفك عنه من افك ” وقوله ” وليقترفوا ما هم مقترفون ”
قال علي بن ابي طلحه عن ابن عباس وليكتسبوا ما هم مكتسبون وقال السدي وابن
زيد وليعملوا ما هم عاملون .

افغير الله ابتغي حكما وهو الذي انزل اليكم الكتاب مفصلا والذين اتيناهم الكتاب يعلمون انه
منزل من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين (114)[عدل]
افغير الله ابتغي حكما وهو الذي انزل اليكم الكتاب مفصلا والذين اتيناهم الكتاب يعلمون انه
منزل من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين

يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم قل لهؤلاء المشركين بالله الذين يعبدون غيره” افغير
الله ابتغي حكما ” اي بيني وبينكم ” وهو الذي انزل اليكم الكتاب مفصلا ”
اي مبينا” والذين اتيناهم الكتاب ” اي من اليهود والنصارى يعلمون انه منزل من ربك
بالحق اي بما عندهم من البشارات بك من الانبياء المتقدمين ” فلا تكونن من الممترين
” كقوله ” فان كنت في شك مما انزلنا اليك فاسال الذين يقرءون الكتاب من
قبلك لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين ” وهذا شرط والشرط لا
يقتضي وقوعه ولهذا جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال ” لا
اشك ولا اسال ” .

وتمت كلمه ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم (115)[عدل]
وتمت كلمه ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم

وقوله تعالى ” وتمت كلمه ربك صدقا وعدلا ” قال قتاده : صدقا فيما قال
وعدلا فيما حكم يقول صدقا في الاخبار وعدلا في الطلب فكل ما اخبر به فحق
لا مريه فيه ولا شك وكل ما امر به فهو العدل الذي لا عدل سواه
وكل ما نهى عنه فباطل فانه لا ينهى الا عن مفسده كما قال تعالى ”
يامرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ” الى اخر الايه ” لا مبدل لكلماته ” اي
ليس احد يعقب حكمه تعالى لا في الدنيا ولا في الاخره ” وهو السميع ”
لاقوال عباده ” العليم ” بحركاتهم وسكناتهم الذي يجازي كل عامل بعمله .

وان تطع اكثر من في الارض يضلوك عن سبيل الله ان يتبعون الا الظن وان
هم الا يخرصون (116)[عدل]
وان تطع اكثر من في الارض يضلوك عن سبيل الله ان يتبعون الا الظن وان
هم الا يخرصون

يخبر تعالى عن حال اكثر اهل الارض من بني ادم انه الضلال كما قال تعالى
” ولقد ضل قبلهم اكثر الاولين ” وقال تعالى ” وما اكثر الناس ولو حرصت
بمؤمنين ” وهم في ضلالهم ليسوا على يقين من امرهم وانما هم في ظنون كاذبه
وحسبان باطل ” ان يتبعون الا الظن وان هم الا يخرصون ” فان الخرص هو
الحزر ومنه خرص النخل وهو حزر ما عليها من التمر وذلك كله عن قدر الله
ومشيئته .

ان ربك هو اعلم من يضل عن سبيله وهو اعلم بالمهتدين (117)[عدل]
ان ربك هو اعلم من يضل عن سبيله وهو اعلم بالمهتدين

” هو اعلم من يضل عن سبيله ” فييسره لذلك ” هو اعلم بالمهتدين ”
فييسرهم لذلك وكل ميسر لما خلق له .

فكلوا مما ذكر اسم الله عليه ان كنتم باياته مؤمنين (118)[عدل]
فكلوا مما ذكر اسم الله عليه ان كنتم باياته مؤمنين

هذا اباحه من الله لعباده المؤمنين ان ياكلوا من الذبائح ما ذكر عليه اسمه ومفهومه
انه لا يباح ما لم يذكر اسم الله عليه كما كان يستبيحه كفار قريش من
اكل الميتات واكل ما ذبح على النصب وغيرها ثم ندب الى الاكل مما ذكر اسم
الله عليه .

وما لكم الا تاكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم
الا ما اضطررتم اليه وان كثيرا ليضلون باهوائهم بغير علم ان ربك هو اعلم بالمعتدين
(119)[عدل]
وما لكم الا تاكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم
الا ما اضطررتم اليه وان كثيرا ليضلون باهوائهم بغير علم ان ربك هو اعلم بالمعتدين

اليه وان كثيرا ليضلون باهوائهم بغير علم ان ربك هو اعلم بالمعتدين ” فقال ”
وما لكم ان لا تاكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرم
عليكم ” اي قد بين لكم ما حرم عليكم ووضحه وقرا بعضهم فصل بالتشديد وقرا
اخرون بالتخفيف والكل بمعنى البيان والوضوح” الا ما اضطررتم اليه ” اي الا في حال
الاضطرار فانه يباح لكم ما وجدتم ثم بين تعالى جهاله المشركين في ارائهم الفاسده من
استحلالهم الميتات وما ذكر عليه غير اسم الله تعالى فقال ” وان كثيرا ليضلون باهوائهم
بغير علم ان ربك هو اعلم بالمعتدين ” اي هو اعلم باعتدائهم وكذبهم وافترائهم .

وذروا ظاهر الاثم وباطنه ان الذين يكسبون الاثم سيجزون بما كانوا يقترفون (120)[عدل]
وذروا ظاهر الاثم وباطنه ان الذين يكسبون الاثم سيجزون بما كانوا يقترفون

قال مجاهد ” وذروا ظاهر الاثم وباطنه ” معصيته في السر والعلانيه وفي روايه عنه
هو ما ينوى مما هو عامل وقال قتاده ” وذروا ظاهر الاثم وباطنه ” اي
سره وعلانيته قليله وكثيره وقال السدي : ظاهره الزنا مع البغايا ذوات الرايات وباطنه الزنا
مع الخليله والصدائق والاخدان وقال عكرمه ظاهره نكاح ذوات المحارم والصحيح ان الايه عامه في
ذلك كله وهي كقوله تعالى ” قل انما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما
بطن ” الايه ولهذا قال تعالى ” ان الذين يكسبون الاثم سيجزون بما كانوا يقترفون
” اي سواء كان ظاهرا او خفيا فان الله سيجزيهم عليه قال ابن ابي حاتم
: حدثنا الحسن بن عرفه حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن معاويه بن صالح عن
عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن ابيه عن النواس بن سمعان قال : سالت
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاثم فقال ” الاثم ما حاك في صدرك
وكرهت ان يطلع الناس عليه ” .

ولا تاكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وانه لفسق وان الشياطين ليوحون الى اوليائهم
ليجادلوكم وان اطعتموهم انكم لمشركون (121)[عدل]
ولا تاكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وانه لفسق وان الشياطين ليوحون الى اوليائهم
ليجادلوكم وان اطعتموهم انكم لمشركون

استدل بهذه الايه الكريمه من ذهب الى ان الذبيحه لا تحل اذا لم يذكر اسم
الله عليها وان كان الذابح مسلما وقد اختلف الائمه رحمهم الله في هذه المساله على
ثلاثه اقوال فمنهم من قال لا تحل هذه الذبيحه بهذه الصفه وسواء متروك التسميه عمدا
او سهوا وهو مروي عن ابن عمر ونافع مولاه وعامر الشعبي ومحمد بن سيرين وهو
روايه عن الامام مالك وروايه عن احمد بن حنبل نصرها طائفه من اصحابه المتقدمين والمتاخرين
وهو اختيار ابي ثور وداود الظاهري واختار ذلك ابو الفتوح محمد بن محمد بن علي
الطائي من متاخري الشافعيه في كتابه الاربعين واحتجوا لمذهبهم هذا بهذه الايه وبقوله في ايه
الصيد ” فكلوا مما امسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه ” ثم قد اكد في
هذه الايه قوله” وانه لفسق ” والضمير قيل عائد على الاكل وقيل عائد على الذبح
لغير الله وبالاحاديث الوارده في الامر بالتسميه عند الذبيحه والصيد كحديثي عدي بن حاتم وابي
ثعلبه ” اذا ارسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل ما امسك عليك ”
وهما في الصحيحين وحديث رافع بن خديج ما انهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوه
وهو في الصحيحين ايضا وحديث ابن مسعود ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم
قال للجن لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه رواه مسلم وحديث جندب بن سفيان
البجلي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذبح قبل ان يصلي
فليذبح مكانها اخرى ومن لم يكن ذبح حتى صلينا فليذبح باسم الله اخرجاه. وعن عائشه
رضي الله عنها ان ناسا قالوا : يا رسول الله ان قوما ياتوننا باللحم لا
ندري اذكر اسم الله عليه ام لا ؟ قال سموا عليه انتم وكلوا قال :
وكانوا حديثي عهد بالكفر رواه البخاري. ووجه الدلاله انهم فهموا ان التسميه لا بد منها
وخشوا ان لا تكون وجدت من اولئك لحداثه اسلامهم فامرهم بالاحتياط بالتسميه عند الاكل لتكون
كالعوض عن المتروكه عند الذبح ان لم تكن وجدت وامرهم باجراء احكام المسلمين على السداد
والله اعلم .

والمذهب الثاني في المساله انه لا يشترط التسميه بل هي مستحبه فان تركت عمدا او
نسيانا لا يضر وهذا مذهب الامام الشافعي رحمه الله وجميع اصحابه وروايه عن الامام احمد
نقلها عنه حنبل وهو روايه عن الامام مالك ونص على ذلك اشهب بن عبد العزيز
من اصحابه وحكي عن ابن عباس وابي هريره وعطاء بن ابي رباح والله اعلم .
وحمل الشافعي الايه الكريمه ” ولا تاكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وانه لفسق
” على ما ذبح لغير الله كقوله تعالى ” او فسقا اهل لغير الله به
” وقال ابن جريج عن عطاء ” ولا تاكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه
” قال : ينهى عن ذبائح كانت تذبحها قريش للاوثان وينهى عن ذبائح المجوس وهذا
المسلك الذي طرقه الامام الشافعي قوي وقد حاول بعض المتاخرين ان يقويه بان جعل الواو
في قوله ” انه لفسق ” حاليه اي : لا تاكلوا مما لم يذكر اسم
الله عليه في حال كونه فسقا ولا يكون فسقا حتى يكون قد اهل به لغير
الله. ثم ادعى ان هذا متعين ولا يجوز ان تكون الواو عاطفه لانه يلزم منه
عطف جمله اسميه خبريه على جمله فعليه طلبيه وهذا ينتقض عليه بقوله” وان الشياطين ليوحون
الى اوليائهم ” فانها عاطفه لا محاوله فان كانت الواو التي ادعى انها حاليه صحيحه
على ما قال امتنع عطف هذه عليها فان عطفت على الطلبيه ورد عليه ما اورد
على غيره وان لم تكن الواو حاليه بطل ما قال من اصله والله اعلم وقال
ابن ابي حاتم : حدثنا ابي حدثنا يحيى بن المغيره انبانا جرير عن عطاء عن
سعيد بن جبير عن ابن عباس في الايه ” ولا تاكلوا مما لم يذكر اسم
الله عليه ” قال هي الميته .

ثم رواه عن ابي زرعه عن يحيى بن ابي كثير عن ابن لهيعه عن عطاء
وهو ابن السائب به وقد استدل لهذا المذهب بما رواه ابو داود في المراسيل من
حديث ثور بن يزيد عن الصلت السدوسي مولى سويد بن ميمون احد التابعين الذين ذكرهم
ابو حاتم بن حبان في كتاب الثقات قال : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم ذبيحه المسلم حلال ذكر اسم الله او لم يذكر انه ان ذكر لم يذكر
الا اسم الله وهذا مرسل يعضد بما رواه الدارقطني عن ابن عباس انه قال اذا
ذبح المسلم ولم يذكر اسم الله فلياكل فان المسلم فيه اسم من اسماء الله واحتج
البيهقي ايضا بحديث عائشه رضي الله عنها المتقدم ان ناسا قالوا يا رسول الله ان
قوما حديثي عهد بجاهليه ياتوننا بلحم لا ندري اذكروا اسم الله عليه ام لا ؟
فقال سموا انتم وكلوا قالوا فلو كان وجود التسميه شرطا لم يرخص لهم الا مع
تحققها والله اعلم . المذهب الثالث في المساله ان ترك البسمله على الذبيحه نسيانا لم
يضر وان تركها عمدا لم تحل هذا هو المشهور من مذهب الامام مالك واحمد بن
حنبل وبه يقول ابو حنيفه واصحابه واسحق بن راهويه وهو محكي عن علي وابن عباس
وسعيد بن المسيب وعطاء وطاوس والحسن البصري وابي مالك وعبد الرحمن بن ابي ليلى وجعفر
بن محمد وربيعه بن ابي عبد الرحمن ونقل الامام ابو الحسن المرغيناني في كتابه الهدايه
الاجماع قبل الشافعي على تحريم متروك التسميه عمدا فلهذا قال ابو يوسف والمشايخ لو حكم
حاكم بجواز بيعه لم ينفذ لمخالفه الاجماع وهذا الذي قاله غريب جدا وقد تقدم نقل
الخلاف عمن قبل الشافعي والله اعلم .

وقال الامام ابو جعفر بن جرير رحمه الله من حرم ذبيحه الناسي فقد خرج من
قول جميع الحجه وخالف الخبر الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك
يعني ما رواه الحافظ ابو بكر البيهقي انبانا ابو عبد الله الحافظ حدثنا ابو العباس
الاصم حدثنا ابو اميه الطرسوسي حدثنا محمد بن يزيد حدثنا معقل بن عبيد الله عن
عمرو بن دينار عن عكرمه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
المسلم يكفيه اسمه ان نسي ان يسمي حين يذبح فليذكر اسم الله ولياكله وهذا الحديث
رفعه خطا اخطا فيه معقل بن عبيد الله الجزري فانه وان كان من رجال مسلم
الا ان سعيد بن منصور وعبد الله بن الزبير الحميدي روياه عن سفيان بن عيينه
عن عمرو عن ابي الشعثاء عن عكرمه عن ابن عباس من قوله فزادا في اسناده
ابا الشعثاء ووثقاه وهذا اصح نص عليه البيهقي وغيره من الحفاظ ثم نقل ابن جرير
وغيره عن الشعبي ومحمد بن سيرين انهما كرها متروك التسميه نسيانا والسلف يطلقون الكراهيه على
التحريم كثيرا والله اعلم الا ان من قاعده ابن جرير انه لا يعتبر قول الواحد
ولا الاثنين مخالفا لقول الجمهور فيعده اجماعا فليعلم هذا والله الموفق قال ابن جرير :
حدثنا ابن وكيع حدثنا ابو اسامه عن جبير بن يزيد قال : سئل الحسن ساله
رجل اتيت بطير كذا فمنه ما قد ذبح فذكر اسم الله عليه ومنه ما نسي
ان يذكر اسم الله عليه واختلط الطير فقال الحسن كله كله قال وسالت محمد بن
سيرين فقال : قال الله ” ولا تاكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ”
واحتج لهذا المذهب بالحديث المروي من طرق عند ابن ماجه عن ابن عباس وابي هريره
وابي ذر وعقبه بن عامر وعبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم
ان الله وضع عن امتي الخطا والنسيان وما استكرهوا عليه وفيه نظر والله اعلم وقد
روى الحافظ ابو احمد بن عدي من حديث مروان بن سالم القرقساني عن الاوزاعي عن
يحيى بن ابي كثير عن ابي سلمه عن ابي هريره قال جاء رجل الى النبي
صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ارايت الرجل منا يذبح وينسى ان
يسمي ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم اسم الله على كل مسلم ولكن هذا
اسناده ضعيف فان مروان بن سالم القرقساني ابا عبد الله الشامي ضعيف تكلم فيه غير
واحد من الائمه والله اعلم وقد افردت هذه المساله على حده وذكرت

مذهب الائمه وماخذهم وادلتهم ووجه الدلالات والمناقضات والمعارضات والله اعلم .

قال ابن جرير : وقد اختلف اهل العلم في هذه الايه هل نسخ من حكمها
شيء ام لا ؟ فقال بعضهم لم ينسخ منها شيء وهي محكمه فيما عنيت به
وعلى هذا قول مجاهد وعامه اهل العلم وروي عن الحسن البصري وعكرمه ما حدثنا به
ابن حميد : حدثنا يحيى بن واضح عن الحسين بن واقد عن عكرمه والحسن البصري
قالا : قال الله” فكلوا مما ذكر اسم الله عليه ان كنتم باياته مؤمنين ”
وقال ” ولا تاكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وانه لفسق ” فنسخ واستثنى
من ذلك فقال ” وطعام الذين اوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم ” وقال
ابن ابي حاتم : قرا علي العباس بن الوليد بن يزيد حدثنا محمد بن سعيد
اخبرني النعمان يعني ابن المنذر عن مكحول قال : انزل الله في القران ” ولا
تاكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ” ثم نسخها الرب ورحم المسلمين فقال ”
اليوم احل لكم الطيبات وطعام الذين اوتوا الكتاب حل لكم ” فنسخها بذلك واحل طعام
اهل الكتاب ثم قال ابن جرير : والصواب انه لا تعارض بين حل طعام اهل
الكتاب وبين تحريم ما لم يذكر اسم الله عليه وهذا الذي قاله صحيح ومن اطلق
من السلف النسخ ههنا فانما اراد التخصيص والله سبحانه وتعالى اعلم وقوله تعالى ” وان
الشياطين ليوحون الى اوليائهم ليجادلوكم ” قال ابن ابي حاتم : حدثنا ابو سعيد الاشج
حدثنا ابو بكر بن عياش عن ابي اسحاق قال : قال رجل لابن عمر ان
المختار يزعم انه يوحى اليه قال صدق وتلا هذه الايه ” وان الشياطين ليوحون الى
اوليائهم” وحدثنا ابي حدثنا ابو حذيفه حدثنا عكرمه بن عمار عن ابي زميل قال :
كنت قاعدا عند ابن عباس وحج المختار ابن ابي عبيد فجاءه رجل فقال يا ابن
عباس زعم ابو اسحاق انه اوحي اليه الليله فقال ابن عباس صدق فنفرت وقلت يقول
ابن عباس صدق فقال ابن عباس هما وحيان وحي الله ووحي الشيطان فوحي الله الى
محمد صلى الله عليه وسلم ووحي الشيطان الى اوليائه ثم قرا ” وان الشياطين ليوحون
الى اوليائهم ” وقد تقدم عن عكرمه في قوله ” يوحي بعضهم الى بعض زخرف
القول غرورا” نحو هذا وقوله ” ليجادلوكم ” قال ابن ابي حاتم : حدثنا ابو
سعيد الاشج حدثنا عمران بن عيينه عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير قال
: خاصمت اليهود النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا ناكل مما قتلنا ولا ناكل مما
قتل الله ؟ فانزل الله” ولا تاكلوا مما لم يذكر اسم

الله عليه وانه لفسق ” هكذا رواه مرسلا ورواه ابو داود متصلا فقال حدثنا عثمان
بن ابي شيبه حدثنا عمران بن عيينه عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير
عن ابن عباس قال جاءت اليهود الى النبي صلى الله عليه واله وسلم فقالوا ناكل
مما قتلنا ولا ناكل مما قتل الله ؟ فانزل الله ” ولا تاكلوا مما لم
يذكر اسم الله عليه ” الايه وكذا رواه ابن جرير عن محمد بن عبد الاعلى
وسفيان بن وكيع كلاهما عن عمران بن عيينه به . ورواه البزار عن محمد بن
موسى الجرسي عن عمران بن عيينه به وهذا فيه نظر من وجوه ثلاثه ” احدها
” ان اليهود لا يرون اباحه الميته حتى يجادلوا ” الثاني ” ان الايه من
الانعام وهي مكيه . ” الثالث ” ان هذا الحديث رواه الترمذي عن محمد بن
موسى الجرسي عن زياد بن عبد الله البكائي عن عطاء بن السائب عن سعيد بن
جبير عن ابن عباس ورواه الترمذي بلفظ : اتى ناس النبي صلى الله عليه وسلم
فذكره وقال حسن غريب . وروي عن سعيد بن جبير مرسلا وقال الطبراني : حدثنا
علي بن المبارك حدثنا زيد بن المبارك حدثنا موسى بن عبد العزيز حدثنا الحكم بن
ابان عن عكرمه عن ابن عباس قال : لما نزلت ” ولا تاكلوا مما لم
يذكر اسم الله عليه” ارسلت فارس الى قريش ان خاصموا محمدا وقولوا له فما تذبح
انت بيدك بسكين فهو حلال وما ذبح الله عز وجل بشمشير من ذهب يعني الميته
فهو حرام فنزلت هذه الايه ” وان الشياطين ليوحون الى اوليائهم ليجادلوكم وان اطعتموهم انكم
لمشركون ” اي وان الشياطين من فارس ليوحون الى اوليائهم من قريش وقال ابو داود
: حدثنا محمد بن كثير اخبرنا اسرائيل حدثنا سماك عن عكرمه عن ابن عباس في
قوله ” وان الشياطين ليوحون الى اوليائهم ” يقولون ما ذبح الله فلا تاكلوه وما
ذبحتم انتم فكلوه فانزل الله ” ولا تاكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ”
ورواه ابن ماجه وابن ابي حاتم عن عمرو بن عبد الله عن وكيع عن اسرائيل
به وهذا اسناد صحيح . ورواه ابن جرير من طرق متعدده عن ابن عباس وليس
فيه ذكر اليهود فهذا هو المحفوظ لان الايه مكيه واليهود لا يحبون الميته .

وقال ابن جرير : حدثنا ابن وكيع حدثنا جرير عن عطاء عن سعيد بن جبير
عن ابن عباس” ولا تاكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ” الى قوله ”
ليجادلوكم ” قال : يوحي الشياطين الى اوليائهم تاكلون مما قتلتم ولا تاكلون مما قتل
الله ؟ وفي بعض الفاظه عن ابن عباس ان الذي قتلتم ذكر اسم الله عليه
وان الذي قد مات لم يذكر اسم الله عليه وقال ابن جريج : قال عمرو
بن دينار عن عكرمه ان مشركي قريش كاتبوا فارس على الروم وكاتبتهم فارس فكتب فارس
اليهم ان محمدا واصحابه يزعمون انهم يتبعون امر الله فما ذبح الله بسكين من ذهب
فلا ياكلونه وما ذبحوه هم ياكلونه فكتب بذلك المشركون الى اصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم فوقع في انفس ناس من المسلمين من ذلك شيء فانزل الله ” وانه
لفسق وان الشياطين ليوحون الى اوليائهم ليجادلوكم وان اطعتموهم انكم لمشركون ” ونزلت ” يوحي
بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا ” وقال السدي في تفسير هذه الايه ان المشركين
قالوا للمسلمين كيف تزعمون انكم تتبعون مرضات الله فما قتل الله فلا تاكلونه وما ذبحتم
انتم تاكلونه ؟ فقال الله تعالى ” وان اطعتموهم ” في اكل الميته ” انكم
لمشركون ” وهكذا قاله مجاهد والضحاك وغير واحد من علماء السلف . وقوله تعالى ”
وان اطعتموهم انكم لمشركون ” اي حيث عدلتم عن امر الله لكم وشرعه الى قول
غيره فقدمتم عليه غيره فهذا هو الشرك كقوله تعالى ” اتخذوا احبارهم ورهبانهم اربابا من
دون الله ” الايه . وقد روى الترمذي في تفسيرها عن عدي بن حاتم انه
قال : يا رسول الله ما عبدوهم فقال بلى انهم احلوا لهم الحرام وحرموا عليهم
الحلال فاتبعوهم فذلك عبادتهم اياهم .

اومن كان ميتا فاحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات
ليس بخارج منها كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون (122)[عدل]
اومن كان ميتا فاحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات
ليس بخارج منها كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون

هذا مثل ضربه الله تعالى للمؤمن الذي كان ميتا اي في الضلاله هالكا حائرا فاحياه
الله اي احيا قلبه بالايمان وهداه له ووفقه لاتباع رسله ” وجعلنا له نورا يمشي
به في الناس ” اي يهتدي كيف يسلك وكيف يتصرف به والنور هو القران كما
رواه العوفي وابن ابي طلحه عن ابن عباس وقال السدي : الاسلام والكل صحيح ”
كمن مثله في الظلمات ” اي الجهالات والاهواء والضلالات المتفرقه ” ليس بخارج منها” اي
لا يهتدي الى منفذ ولا مخلص مما هو فيه وفي مسند الامام احمد عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم انه قال ” ان الله خلق خلقه في ظلمه ثم
رش عليهم من نوره فمن اصابه ذلك النور اهتدى ومن اخطاه ضل ” كما قال
تعالى ” الله ولي الذين امنوا يخرجهم من الظلمات الى النور والذين كفروا اولياؤهم الطاغوت
يخرجونهم من النور الى الظلمات اولئك اصحاب النار هم فيها خالدون ” وقال تعالى” افمن
يمشي مكبا على وجهه اهدى امن يمشي سويا على صراط مستقيم ” وقال تعالى ”
مثل الفريقين كالاعمى والاصم والبصير والسميع هل يستويان مثلا افلا تذكرون ” وقال تعالى ”
وما يستوي الاعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور وما يستوي الاحياء
ولا الاموات ان الله يسمع من يشاء وما انت بمسمع من في القبور ان انت
الا نذير ” والايات في هذا كثيره ووجه المناسبه في ضرب المثلين ههنا بالنور والظلمات
ما تقدم في اول السوره ” وجعل الظلمات والنور” وزعم بعضهم ان المراد بهذا المثل
رجلان معينان فقيل عمر بن الخطاب هو الذي كان ميتا فاحياه الله وجعل له نورا
يمشي به في الناس وقيل عمار بن ياسر واما الذي في الظلمات ليس بخارج منها
ابو جهل عمرو بن هشام لعنه الله . والصحيح ان الايه عامه يدخل فيها كل
مؤمن وكافر . وقوله تعالى” كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون ” اي حسنا لهم
ما كانوا فيه من الجهاله والضلاله قدرا من الله وحكمه بالغه لا اله الا هو
وحده لا شريك له .

وكذلك جعلنا في كل قريه اكابر مجرميها ليمكروا فيها وما يمكرون الا بانفسهم وما يشعرون
(123)[عدل]
وكذلك جعلنا في كل قريه اكابر مجرميها ليمكروا فيها وما يمكرون الا بانفسهم وما يشعرون

يقول تعالى : وكما جعلنا في قريتك يا محمد اكابر من المجرمين ورؤساء ودعاه الى
الكفر والصد عن سبيل الله والى مخالفتك وعداوتك كذلك كانت الرسل من قبلك يبتلون بذلك
ثم تكون لهم العاقبه كما قال تعالى ” وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين
” الايه وقال تعالى ” واذا اردنا ان نهلك قريه امرنا مترفيها ففسقوا فيها ”
الايه قيل معناه امرناهم بالطاعه فخالفوا فدمرناهم وقيل امرناهم امرا قدريا كما قال ههنا ”
ليمكروا فيها ” وقوله تعالى ” اكابر مجرميها ليمكروا فيها” قال ابن ابي طلحه عن
ابن عباس ” اكابر مجرميها ليمكروا فيها ” قال سلطنا شرارهم فعصوا فيها فاذا فعلوا
ذلك اهلكناهم بالعذاب . وقال مجاهد وقتاده ” اكابر مجرميها ” عظماؤها قلت : وهكذا
قوله تعالى ” وما ارسلنا في قريه من نذير الا قال مترفوها انا بما ارسلتم
به كافرون وقالوا نحن اكثر اموالا واولادا وما نحن بمعذبين” وقال تعالى ” وكذلك ما
ارسلنا من قبلك في قريه من نذير الا قال مترفوها انا وجدنا اباءنا على امه
وانا على اثارهم مقتدون ” والمراد بالمكر ههنا دعاؤهم الى الضلاله بزخرف من المقال والفعال
كقوله تعالى اخبارا عن قوم نوح ” ومكروا مكرا كبارا ” وكقوله تعالى ” ولو
ترى اذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم الى بعض القول يقول الذين استضعفوا للذين
استكبروا لولا انتم لكنا مؤمنين قال الذين استكبروا للذين استضعفوا انحن صددناكم عن الهدى بعد
اذ جاءكم بل كنتم مجرمين وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار اذ
تامروننا ان نكفر بالله ونجعل له اندادا ” الايه وقال ابن ابي حاتم : حدثنا
ابي حدثنا ابن ابي عمر حدثنا سفيان قال : كل مكر في القران فهو عمل
وقوله تعالى ” وما يمكرون الا بانفسهم وما يشعرون ” اي وما يعود وبال مكرهم
ذلك واضلالهم من اضلوه الا على انفسهم كما قال تعالى ” وليحملن اثقالهم واثقالا مع
اثقالهم ” وقال ” ومن اوزار الذين يضلونهم بغير علم الا ساء ما يزرون ”
.

واذا جاءتهم ايه قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما اوتي رسل الله الله اعلم
حيث يجعل رسالته سيصيب الذين اجرموا صغار عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون (124)[عدل]

واذا جاءتهم ايه قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما اوتي رسل الله الله اعلم
حيث يجعل رسالته سيصيب الذين اجرموا صغار عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون

وقوله تعالى ” واذا جاءتهم ايه قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما اوتي رسل
الله ” اي اذا جاءتهم ايه وبرهان وحجه قاطعه قالوا ” لن نؤمن حتى نؤتى
مثل ما اوتي رسل الله ” اي حتى تاتينا الملائكه من الله بالرساله كما تاتي
الى الرسل كقوله جل وعلا ” وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا انزل علينا الملائكه
او نرى ربنا” الايه وقوله ” الله اعلم حيث يجعل رسالته ” اي هو اعلم
حيث يضع رسالته ومن يصلح لها من خلقه كقوله تعالى ” وقالوا لولا نزل هذا
القران على رجل من القريتين عظيم اهم يقسمون رحمه ربك” الايه يعنون لولا نزل هذا
القران على رجل عظيم كبير جليل مبجل في اعينهم ” من القريتين ” اي من
مكه والطائف وذلك انهم قبحهم الله كانوا يزدرون بالرسول صلوات الله وسلامه عليه بغيا وحسدا
وعنادا واستكبارا كقوله تعالى مخبرا عنه ” واذا راك الذين كفروا ان يتخذونك الا هزوا
اهذا الذي بعث الله رسولا ” وقال تعالى” واذا راوك ان يتخذونك الا هزوا اهذا
الذي يذكر الهتكم وهم بذكر الرحمن هم كافرون ” وقال تعالى ” ولقد استهزئ برسل
من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون ” هذا وهم معترفون بفضله
وشرفه ونسبه وطهاره بيته ومرباه ومنشئه صلى الله وملائكته والمؤمنون عليه حتى انهم كانوا يسمونه
بينهم قبل ان يوحى اليه الامين ” وقد اعترف بذلك رئيس الكفار ابو سفيان حين
ساله هرقل ملك الروم وكيف نسبه فيكم ؟ قال هو فينا ذو نسب قال هل
كنتم تتهمونه بالكذب قبل ان يقول ما قال ؟ قال لا – الحديث بطوله الذي
استدل ملك الروم بطهاره صفاته عليه السلام على صدق نبوته وصحه ما جاء به وقال
الامام احمد : حدثنا محمد بن مصعب حدثنا الاوزاعي عن شداد ابي عمار عن واثله
بن الاسقع رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال ان
الله اصطفى من ولد ابراهيم اسماعيل واصطفى من بني اسماعيل بني كنانه واصطفى من بني
كنانه قريشا واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم انفرد باخراجه مسلم من
حديث الاوزاعي وهو عبد الرحمن بن عمرو امام اهل الشام به نحوه وفي صحيح البخاري
عن ابي هريره رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
بعثت من خير قرون بني ادم قرنا فقرنا حتى بعثت من القرن الذي كنت فيه
وقال الامام احمد : حدثنا ابو نعيم عن سفيان عن يزيد بن ابي زياد

عن عبد الله بن الحارث بن نوفل عن المطلب بن ابي وداعه قال : قال
العباس بلغه صلى الله عليه وسلم بعض ما يقول الناس فصعد المنبر فقال من انا
؟ قالوا : انت رسول الله فقال انا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب
ان الله خلق الخلق فجعلني في خير خلقه وجعلهم فريقين فجعلني في خير فرقه وخلق
القبائل فجعلني في خير قبيله وجعلهم بيوتا فجعلني في خيرهم بيتا ; فانا خيركم بيتا
وخيركم نفسا صدق صلوات الله وسلامه عليه وفي الحديث ايضا المروي عن عائشه رضي الله
عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي جبريل قلبت الارض
مشارقها ومغاربها فلم اجد رجلا افضل من محمد وقلبت الارض مشارقها ومغاربها فلم اجد بني
اب افضل من بني هاشم رواه الحاكم والبيهقي . وقال الامام احمد : حدثنا ابو
بكر حدثنا عاصم عن زر بن حبيش عن عبد الله بن مسعود قال : ان
الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد
فاصطفاه لنفسه فبعثه برسالته ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد صلى الله عليه
وسلم فوجد قلوب اصحابه خير قلوب العباد فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون على دينه فما راه
المسلمون حسنا فهو عند الله حسن وما راه المسلمون سيئا فهو عند الله سيئ .

وقال احمد : حدثنا شجاع بن الوليد قال : ذكر قابوس بن ابي ظبيان عن
ابيه عن سلمان قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا سلمان
لا تبغضني فتفارق دينك قلت يا رسول الله كيف ابغضك وبك هدانا الله ؟ قال
تبغض العرب فتبغضني وذكر ابن ابي حاتم في تفسير هذه الايه ذكر عن محمد بن
منصور الجواز حدثنا سفيان عن ابي حسين قال : ابصر رجل ابن عباس وهو داخل
من باب المسجد فلما نظر اليه راعه فقال من هذا قالوا ابن عباس ابن عم
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ” الله اعلم حيث يجعل رسالته” وقوله تعالى
” سيصيب الذين اجرموا صغار عند الله وعذاب شديد ” الايه هذا وعيد شديد من
الله وتهديد اكيد لمن تكبر عن اتباع رسله والانقياد لهم فيما جاءوا به فانه سيصيبه
يوم القيامه بين يدي الله صغار وهو الذله الدائمه كما انهم استكبروا اعقبهم ذلك ذلا
يوم القيامه لما استكبروا في الدنيا كقوله تعالى ” ان الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون
جهنم داخرين” اي صاغرين ذليلين حقيرين وقوله تعالى ” وعذاب شديد بما كانوا يمكرون ”
لما كان المكر غالبا انما يكون خفيا وهو التلطف في التحيل والخديعه قوبلوا بالعذاب الشديد
من الله يوم القيامه جزاء وفاقا ” ولا يظلم ربك احدا ” كما قال تعالى
” يوم تبلى السرائر ” اي تظهر المستترات والمكنونات والضمائر وجاء في الصحيحين عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم انه قال ينصب لكل غادر لواء عند استه يوم القيامه
فيقال هذه غدره فلان بن فلان والحكمه في هذا انه لما كان الغدر خفيا لا
يطلع عليه الناس فيوم القيامه يصير علما منشورا على صاحبه بما فعل .

فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام ومن يرد ان يضله يجعل صدره ضيقا
حرجا كانما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون (125)[عدل]
فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام ومن يرد ان يضله يجعل صدره ضيقا
حرجا كانما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون

يقول تعالى : فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام اي ييسره له وينشطه
ويسهله لذلك فهذه علامات على الخير كقوله تعالى ” افمن شرح الله صدره للاسلام فهو
على نور من ربه ” الايه وقال تعالى ” ولكن الله حبب اليكم الايمان وزينه
في قلوبكم وكره اليكم الكفر والفسوق والعصيان اولئك هم الراشدون ” وقال ابن عباس في
قوله ” فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام” يقول تعالى يوسع قلبه للتوحيد
والايمان به وكذا قال ابو مالك وغير واحد وهو ظاهر . وقال عبد الرزاق اخبرنا
الثوري عن عمرو بن قيس عن عمرو بن مره عن ابي جعفر قال : سئل
رسول الله صلى الله عليه وسلم اي المؤمنين اكيس ؟ قال” اكثرهم ذكرا للموت واكثرهم
لما بعده استعدادا” قال : وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الايه ”
فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام ” قالوا : كيف يشرح صدره يا
رسول الله ؟ قال نور يقذف فيه فينشرح له وينفسح قالوا : فهل لذلك من
اماره يعرف بها ؟ قال الانابه الى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت
قبل لقاء الموت وقال ابن جرير : حدثنا هناد حدثنا قبيصه عن سفيان يعني الثوري
عن عمرو بن مره عن رجل يكنى ابا جعفر كان يسكن المدائن قال : سئل
النبي صلى الله عليه وسلم عن قول الله تعالى ” فمن يرد الله ان يهديه
يشرح صدره للاسلام ” فذكر نحو ما تقدم . وقال ابن ابي حاتم : حدثنا
ابو سعيد الاشج حدثنا ابن ادريس عن الحسن بن الفرات القزاز عن عمرو بن مره
عن ابي جعفر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” فمن يرد
الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام” قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا دخل
الايمان القلب انفسح له القلب وانشرح قالوا : يا رسول الله هل لذلك من اماره
؟ قال نعم الانابه الى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل الموت
وقد رواه ابن جرير عن سوار بن عبد الله العنبري حدثنا المعتمر بن سليمان سمعت
ابي يحدث عن عبد الله بن مره عن ابي جعفر فذكره .

وقال ابن ابي حاتم : حدثنا ابو سعيد الاشج حدثنا ابو خالد الاحمر عن عمرو
بن قيس عن عمرو بن مره عن عبد الله بن مسعود قال : تلا رسول
الله صلى الله عليه وسلم هذه الايه ” فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره
للاسلام ” قالوا : يا رسول الله ما هذا الشرح ؟ قال نور يقذف في
القلب قالوا : يا رسول الله فهل لذلك من اماره تعرف ؟ قال نعم قالوا
: وما هي ؟ قال : الانابه الى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والاستعداد
للموت قبل الموت . وقال ابن جرير ايضا : حدثني هلال بن العلاء حدثنا سعيد
بن عبد الملك بن وافد حدثنا محمد بن مسلم عن ابي عبد الرحمن عن زيد
بن ابي انيسه عن عمرو بن مره عن ابي عبيده بن عبد الله بن مسعود
قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا دخل النور القلب انفسح وانشرح
قالوا : فهل لذلك من علامه يعرف بها ؟ قال الانابه الى دار الخلود والتنحي
عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل لقاء الموت وقد رواه من وجه اخر عن ابن
مسعود متصلا مرفوعا فقال : حدثني ابن سنان القزاز حدثنا محبوب بن الحسن الهاشمي عن
يونس عن عبد الرحمن بن عبيد بن عتبه عن عبد الله بن مسعود عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال ” فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام
” قالوا : يا رسول الله وكيف يشرح صدره ؟ قال يدخل فيه النور فينفسح
قالوا : وهل لذلك علامه يا رسول الله ؟ قال التجافي عن دار الغرور والانابه
الى دار الخلود والاستعداد للموت قبل ان ينزل الموت فهذه طرق لهذا الحديث مرسله ومتصله
يشد بعضها بعضا والله اعلم . وقوله تعالى ” ومن يرد ان يضله يجعل صدره
ضيقا حرجا ” قرئ بفتح الضاد وتسكين الياء والاكثرون ضيقا بتشديد الياء وكسرها وهما لغتان
كهين وهين وقرا بعضهم حرجا بفتح الحاء وكسر الراء قيل بمعنى اثم قاله السدي. وقيل
بمعنى القراءه الاخرى حرجا بفتح الحاء والراء وهو الذي لا يتسع لشيء من الهدى ولا
يخلص اليه شيء ما ينفعه من الايمان ولا ينفذ فيه وقد سال عمر بن الخطاب
رضي الله عنه رجلا من الاعراب من اهل الباديه من مدلج عن الحرجه فقال هي
الشجره تكون بين الاشجار لا تصل اليها راعيه ولا وحشيه ولا شيء فقال عمر رضي
الله عنه : كذلك قلب المنافق لا يصل اليه شيء من الخير .

وقال العوفي عن ابن عباس يجعل الله عليه الاسلام ضيقا والاسلام واسع وذلك حين يقول
” ما جعل عليكم في الدين من حرج ” يقول ما جعل عليكم في الاسلام
من ضيق وقال مجاهد والسدي : ضيقا حرجا شاكا . وقال عطاء الخراساني ضيقا حرجا
اي ليس للخير فيه منفذ وقال ابن المبارك عن ابن جريج ضيقا حرجا بلا اله
الا الله حتى يستطيع ان تدخل قلبه كانما يصعد في السماء من شده ذلك عليه
. وقال سعيد بن جبير يجعل صدره ضيقا حرجا قال : لا يجد فيه مسلكا
الا صعدا وقال السدي” كانما يصعد في السماء ” من ضيق صدره . وقال عطاء
الخراساني ” كانما يصعد في السماء ” يقول مثله كمثل الذي لا يستطيع ان يصعد
الى السماء. وقال الحكم بن ابان عن عكرمه عن ابن عباس ” كانما يصعد في
السماء ” يقول فكما لا يستطيع ابن ادم ان يبلغ السماء فكذلك لا يستطيع ان
يدخل التوحيد والايمان قلبه حتى يدخله الله في قلبه وقال الاوزاعي ” كانما يصعد في
السماء ” كيف يستطيع من جعل الله صدره ضيقا ان يكون مسلما. وقال الامام ابو
جعفر بن جرير : وهذا مثل ضربه الله لقلب هذا الكافر في شده ضيقه عن
وصول الايمان اليه يقول فمثله في امتناعه من قبول الايمان وضيقه عن وصوله اليه مثل
امتناعه عن الصعود الى السماء وعجزه عنه لانه ليس في وسعه وطاقته وقال في قوله
” كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون” يقول كما يجعل الله صدر من
اراد اضلاله ضيقا حرجا كذلك يسلط الله الشيطان عليه وعلى امثاله ممن ابى الايمان بالله
ورسوله فيغويه ويصده عن سبيل الله وقال ابن ابي طلحه عن ابن عباس : الرجس
الشيطان وقال مجاهد : الرجس كل ما لا خير فيه وقال عبد الرحمن بن زيد
بن اسلم الرجس العذاب.

وهذا صراط ربك مستقيما قد فصلنا الايات لقوم يذكرون (126)[عدل]
وهذا صراط ربك مستقيما قد فصلنا الايات لقوم يذكرون

لما ذكر تعالى طريق الضالين عن سبيله الصادين عنها نبه على شرف ما ارسل به
رسوله من الهدى ودين الحق فقال تعالى ” وهذا صراط ربك مستقيما ” منصوب على
الحال اي هذا الدين الذي شرعناه لك يا محمد بما اوحينا اليك هذا القران هو
صراط الله المستقيم كما تقدم في حديث الحارث عن علي في نعت القران : هو
صراط الله المستقيم وحبل الله المتين وهو الذكر الحكيم رواه احمد والترمذي بطوله ” قد
فصلنا الايات ” اي وضحناها وبيناها وفسرناها ” لقوم يذكرون ” اي لمن له فهم
ووعي يعقل عن الله ورسوله .

لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون (127)[عدل]
لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون

” لهم دار السلام ” وهي الجنه ” عند ربهم” اي يوم القيامه وانما وصف
الله الجنه ههنا بدار السلام لسلامتهم فيما سلكوه من الصراط المستقيم المقتفي اثر الانبياء وطرائقهم
فكما سلموا من افات الاعوجاج افضوا الى دار السلام ” وهو وليهم ” اي حافظهم
وناصرهم ومؤيدهم ” بما كانوا يعملون ” اي جزاء على اعمالهم الصالحه تولاهم واثابهم الجنه
بمنه وكرمه .

ويوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الانس وقال اولياؤهم من الانس ربنا
استمتع بعضنا ببعض وبلغنا اجلنا الذي اجلت لنا قال النار مثواكم خالدين فيها الا ما
شاء الله ان ربك حكيم عليم (128)[عدل]
ويوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الانس وقال اولياؤهم من الانس ربنا
استمتع بعضنا ببعض وبلغنا اجلنا الذي اجلت لنا قال النار مثواكم خالدين فيها الا ما
شاء الله ان ربك حكيم

يقول تعالى : واذكر يا محمد فيما تقصه عليهم وتنذرهم به ” ويوم يحشرهم جميعا”
يعني الجن واولياءهم من الانس الذين كانوا يعبدونهم في الدنيا ويعوذون بهم ويطيعونهم ويوحي بعضهم
الى بعض زخرف القول غرورا ” يا معشر الجن قد استكثرتم من الانس ” اي
يقول يا معشر الجن وسياق الكلام يدل على المحذوف ومعنى قوله” قد استكثرتم من الانس
” اي من اغوائهم واضلالهم كقوله تعالى ” الم اعهد اليكم يا بني ادم ان
لا تعبدوا الشيطان انه لكم عدو مبين وان اعبدوني هذا صراط مستقيم ولقد اضل منكم
جبلا كثيرا افلم تكونوا تعقلون ” وقال علي بن ابي طلحه عن ابن عباس ”
يا معشر الجن قد استكثرتم من الانس ” يعني اضللتم منهم كثيرا وكذا قال مجاهد
والحسن وقتاده ” وقال اولياؤهم من الانس ربنا استمتع بعضنا ببعض ” يعني ان اولياء
الجن من الانس قالوا مجيبين لله تعالى عن ذلك بهذا قال ابن ابي حاتم :
حدثنا ابو الاشهب هوذه بن خليفه حدثنا عوف عن الحسن في هذه الايه قال :
استكثرتم من اهل النار يوم القيامه فقال اولياؤهم من الانس ربنا استمتع بعضنا ببعض قال
الحسن : وما كان استمتاع بعضهم ببعض الا ان الجن امرت وعملت الانس . وقال
محمد بن كعب في قوله” ربنا استمتع بعضنا ببعض ” قال الصحابه في الدنيا.

وقال ابن جريج : كان الرجل في الجاهليه ينزل الارض فيقول اعوذ بكبير هذا الوادي
فذلك استمتاعهما فاعتذروا به يوم القيامه واما استمتاع الجن بالانس فانه كان فيما ذكر ما
ينال الجن من الانس من تعظيمهم اياهم في استعانتهم بهم فيقولون قد سدنا الانس والجن
” وبلغنا اجلنا الذي اجلت لنا ” قال السدي يعني الموت ” قال النار مثواكم”
اي ماواكم ومنزلكم انتم واياهم واولياؤكم” خالدين فيها ” اي ماكثين فيها مكثا مخلدا الا
ما شاء الله قال بعضهم يرجع معنى الاستثناء الى البرزخ وقال بعضهم : هذا رد
الى مده الدنيا وقيل غير ذلك من الاقوال التي سياتي تقريرها عند قوله تعالى في
سوره هود ” خالدين فيها ما دامت السموات والارض الا ما شاء ربك ان ربك
فعال لما يريد” وقد روى ابن جرير وابن ابي حاتم في تفسير هذه الايه من
طريق عبد الله بن صالح كاتب الليث : حدثني معاويه بن صالح عن علي بن
ابي حاتم بن ابي طلحه عن ابن عباس قال ” النار مثواكم خالدين فيها الا
ما شاء الله ان ربك حكيم عليم ” قال ان هذه الايه ايه لا ينبغي
لاحد ان يحكم على الله في خلقه ولا ينزلهم جنه ولا نارا .

وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون (129)[عدل]
وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون

قال سعيد عن قتاده في تفسيرها انما يولي الله الناس اعمالهم فالمؤمن ولي المؤمن اين
كان وحيث كان والكافر ولي الكافر اينما كان وحيثما كان ليس الايمان بالتمني ولا بالتحلي
واختاره ابن جرير وقال معمر عن قتاده في تفسير الايه يولي الله بعض الظالمين بعضا
في النار يتبع بعضهم بعضا وقال : مالك بن دينار قرات في الزبور اني انتقم
من المنافقين بالمنافقين ثم انتقم من المنافقين جميعا وذلك في كتاب الله قول الله تعالى
” وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا ” وقال عبد الرحمن بن زيد بن اسلم في
قوله ” وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا ” قال ظالمي الجن وظالمي الانس وقرا ”
ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين ” قال ونسلط ظلمه
الجن على ظلمه الانس . وقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمه عبد الباقي بن
احمد من طريق سعيد بن عبد الجبار الكرابيسي عن حماد بن سلمه عن عاصم عن
ذر عن ابن مسعود مرفوعا من اعان ظالما سلطه الله عليه وهذا حديث غريب وقال
بعض الشعراء : وما من يد الا يد الله فوقها … ولا ظالم الا سيبلى
بظالم ومعنى الايه الكريمه كما ولينا هؤلاء الخاسرين من الانس تلك الطائفه التي اغوتهم من
الجن كذلك نفعل بالظالمين نسلط بعضهم على بعض ونهلك بعضهم ببعض وننتقم من بعضهم ببعض
جزاء على ظلمهم وبغيهم .

يا معشر الجن والانس الم ياتكم رسل منكم يقصون عليكم اياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا
قالوا شهدنا على انفسنا وغرتهم الحياه الدنيا وشهدوا على انفسهم انهم كانوا كافرين (130)[عدل]
يا معشر الجن والانس الم ياتكم رسل منكم يقصون عليكم اياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا
قالوا شهدنا على انفسنا وغرتهم الحياه الدنيا وشهدوا على انفسهم انهم كانوا

وهذا ايضا مما يقرع الله به كافري الجن والانس يوم القيامه حيث يسالهم وهو اعلم
هل بلغتهم الرسل رسالاته وهذا استفهام تقرير ” يا معشر الجن والانس الم ياتكم رسل
منكم ” اي من جملتكم والرسل من الانس فقط وليس من الجن رسل كما قد
نص على ذلك مجاهد وابن جريج وغير واحد من الائمه من السلف والخلف وقال ابن
عباس الرسل من بني ادم ومن الجن نذر .

وحكى ابن جرير عن الضحاك بن مزاحم انه زعم ان في الجن رسلا واحتج بهذه
الايه الكريمه وفيه نظر لانها محتمله وليست بصريحه وهي والله اعلم كقوله ” مرج البحرين
يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان فباي الاء ربكما تكذبان ” الى ان قال ” يخرج
منهما اللؤلؤ والمرجان” ومعلوم ان اللؤلؤ والمرجان انما يستخرجان من الملح لا من الحلو وهذا
واضح ولله الحمد وقد ذكر هذا الجواب بعينه ابن جرير والدليل على ان الرسل انما
هم من الانس قوله تعالى ” انا اوحينا اليك كما اوحينا الى نوح والنبيين من
بعده – الى قوله – رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجه بعد
الرسل ” وقوله تعالى عن ابراهيم ” وجعلنا في ذريته النبوه والكتاب” فحصر النبوه والكتاب
بعد ابراهيم في ذريته ولم يقل احد من الناس ان النبوه كانت في الجن قبل
ابراهيم الخليل ثم انقطعت عنهم ببعثته وقال تعالى ” وما ارسلنا قبلك من المرسلين الا
انهم لياكلون الطعام ويمشون في الاسواق ” وقال” وما ارسلنا من قبلك الا رجالا نوحي
اليهم من اهل القرى ” ومعلوم ان الجن تبع للانس في هذا الباب ولهذا قال
تعالى اخبارا عنهم ” واذ صرفنا اليك نفرا من الجن يستمعون القران فلما حضروه قالوا
انصتوا فلما قضي ولوا الى قومهم منذرين قالوا يا قومنا انا سمعنا كتابا انزل من
بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي الى الحق والى طريق مستقيم يا قومنا اجيبوا
داعي الله وامنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب اليم ومن لا يجب
داعي الله فليس بمعجز في الارض وليس له من دونه اولياء اولئك في ضلال مبين
” وقد جاء في الحديث الذي رواه الترمذي وغيره ان رسول الله صلى الله عليه
وسلم تلا عليهم سوره الرحمن وفيها قوله تعالى ” سنفرغ لكم ايها الثقلان فباي الاء
ربكما تكذبان ” وقال تعالى في هذه الايه الكريمه ” يا معشر الجن والانس الم
ياتكم رسل منكم يقصون عليكم اياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على انفسنا ”
اي اقررنا ان الرسل قد بلغونا رسالاتك وانذرونا لقاءك وان هذا اليوم كائن لا محاله
وقال تعالى ” وغرتهم الحياه الدنيا ” اي وقد فرطوا في حياتهم الدنيا وهلكوا بتكذيبهم
الرسل ومخالفتهم للمعجزات لما اغتروا به من زخرف الحياه الدنيا وزينتها وشهواتها ” وشهدوا على
انفسهم ” اي يوم القيامه ” انهم كانوا

كافرين ” اي في الدنيا بما جاءتهم به الرسل صلوات الله وسلامه عليهم .

ذلك ان لم يكن ربك مهلك القرى بظلم واهلها غافلون (131)[عدل]
ذلك ان لم يكن ربك مهلك القرى بظلم واهلها غافلون

يقول تعالى ” ذلك ان لم يكن ربك مهلك القرى بظلم واهلها غافلون ” اي
انما اعذرنا الى الثقلين بارسال الرسل وانزال الكتب لئلا يؤاخذ احد بظلمه وهو لم تبلغه
دعوه ولكن اعذرنا الى الامم وما عذبنا احدا الا بعد ارسال الرسل اليهم كما قال
تعالى ” وان من قريه الا خلا فيها نذير ” وقال تعالى ” ولقد بعثنا
في كل امه رسولا ان اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ” كقوله” وما كنا معذبين حتى
نبعث رسولا ” وقال تعالى” كلما القي فيها فوج سالهم خزنتها الم ياتكم نذير قالوا
بلى قد جاءنا نذير فكذبنا ” والايات في هذا كثيره قال الامام ابو جعفر بن
جرير ويحتمل قوله تعالى ” بظلم ” وجهين : ” احدهما ” ” ذلك ”
من اجل ” ان لم يكن ربك مهلك القرى بظلم ” اهلها بالشرك ونحوه ”
وهم غافلون ” يقول ان لم يكن يعاجلهم بالعقوبه حتى يبعث اليهم رسولا ينبههم على
حجج الله عليهم وينذرهم عذاب الله يوم معادهم ولم يكن بالذي يؤاخذهم غفله فيقولوا ما
جاءنا من بشير ولا نذير ” والوجه الثاني ” ” ذلك ان لم يكن ربك
مهلك القرى بظلم ” يقول لم يكن ربك ليهلكهم دون التنبيه والتذكير بالرسل والايات والعبر
فيظلمهم بذلك والله غير ظلام لعبيده ثم شرع يرجح الوجه الاول ولا شك انه اقوى
والله اعلم .

ولكل درجات مما عملوا وما ربك بغافل عما يعملون (132)[عدل]
ولكل درجات مما عملوا وما ربك بغافل عما يعملون

قال : وقوله تعالى ” ولكل درجات مما عملوا ” اي ولكل عامل من طاعه
الله او معصيته مراتب ومنازل من عمله يبلغه الله اياها ويثيبه بها ان خيرا فخير
وان شرا فشر قلت : ويحتمل ان يعود قوله ” ولكل درجات مما عملوا ”
اي من كافري الجن والانس اي ولكل درجه في النار بحسبه كقوله ” قال لكل
ضعف ” وقوله ” الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما
كانوا يفسدون ” ” وما ربك بغافل عما يعملون ” قال ابن جرير : اي
وكل ذلك من عملهم يا محمد بعلم من ربك يحصيها ويثبتها لهم عنده ليجازيهم عليها
عند لقائهم اياه ومعادهم اليه .

وربك الغني ذو الرحمه ان يشا يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء كما انشاكم من
ذريه قوم اخرين (133)[عدل]
وربك الغني ذو الرحمه ان يشا يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء كما انشاكم من
ذريه قوم اخرين

يقول تعالى ” وربك ” يا محمد ” الغني ” اي عن جميع خلقه من
جميع الوجوه وهم الفقراء اليه في جميع احوالهم ” ذو الرحمه ” اي وهو مع
ذلك رحيم بهم كما قال تعالى ” ان الله بالناس لرءوف رحيم ” ” ان
يشا يذهبكم ” اي اذا خالفتم امره” ويستخلف من بعدكم ما يشاء ” اي قوم
اخرين اي يعملون بطاعته ” كما انشاكم من ذريه قوم اخرين ” اي هو قادر
على ذلك سهل عليه يسير لديه كما اذهب القرون الاولى واتى بالذي بعدها كذلك هو
قادر على اذهاب هؤلاء والاتيان باخرين كما قال تعالى ” ان يشا يذهبكم ايها الناس
ويات باخرين وكان الله على ذلك قديرا ” وقال تعالى” يا ايها الناس انتم الفقراء
الى الله والله هو الغني الحميد ان يشا يذهبكم ويات بخلق جديد وما ذلك على
الله بعزيز ” . وقال تعالى ” والله الغني وانتم الفقراء وان تتولوا يستبدل قوما
غيركم ثم لا يكونوا امثالكم ” وقال محمد بن اسحاق عن يعقوب بن عتبه قال
: سمعت ابان بن عثمان يقول في هذه الايه ” كما انشاكم من ذريه قوم
اخرين ” الذريه الاصل والذريه النسل .

ان ما توعدون لات وما انتم بمعجزين (134)[عدل]
ان ما توعدون لات وما انتم بمعجزين

وقوله تعالى ” ان ما توعدون لات وما انتم بمعجزين” اي اخبرهم يا محمد ان
الذي يوعدون به من امر المعاد كائن لا محاله ” وما انتم بمعجزين” اي ولا
تعجزون الله بل هو قادر على اعادتكم وان صرتم ترابا رفاتا وعظاما هو قادر لا
يعجزه شيء وقال ابن ابي حاتم في تفسيرها : حدثنا ابي حدثنا محمد بن المصفى
حدثنا محمد بن حسين عن ابي بكر بن ابي مريم عن عطاء بن ابي رباح
عن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم
انه قال يا بني ادم ان كنتم تعقلون فعدوا انفسكم من الموتى والذي نفسي بيده
ان ما توعدون لات وما انتم بمعجزين.

قل يا قوم اعملوا على مكانتكم اني عامل فسوف تعلمون من تكون له عاقبه الدار
انه لا يفلح الظالمون (135)[عدل]
قل يا قوم اعملوا على مكانتكم اني عامل فسوف تعلمون من تكون له عاقبه الدار
انه لا يفلح

وقوله تعالى ” قل يا قوم اعملوا على مكانتكم اني عامل فسوف تعلمون ” هذا
تهديد شديد ووعيد اكيد اي استمروا على طريقتكم وناحيتكم ان كنتم تظنون انكم على هدى
فانا مستمر على طريقتي ومنهجي كقوله ” وقل للذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم انا
عاملون وانتظروا انا منتظرون ” قال علي بن ابي طلحه عن ابن عباس” على مكانتكم
” ناحيتكم ” فسوف تعلمون من تكون له عاقبه الدار انه لا يفلح الظالمون ”
اي اتكون لي او لكم وقد انجز الله موعده لرسوله صلوات الله عليه اي فانه
تعالى مكنه في البلاد وحكمه في نواصي مخالفيه من العباد وفتح له مكه واظهره على
من كذبه من قومه وعاداه وناواه واستقر امره على سائر جزيره العرب وكذلك اليمن والبحرين
وكل ذلك في حياته ثم فتحت الامصار والاقاليم والرساتيق بعد وفاته في ايام خلفائه رضي
الله عنهم اجمعين كما قال الله تعالى ” كتب الله لاغلبن انا ورسلي ان الله
قوي عزيز ” وقال ” انا لننصر رسلنا والذين امنوا في الحياه الدنيا ويوم يقوم
الاشهاد يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنه ولهم سوء الدار ” وقال تعالى ”
ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ان الارض يرثها عبادي الصالحون وقال تعالى اخبارا
عن رسله فاوحى اليهم ربهم لنهلكن الظالمين ولنسكننكم الارض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي
وخاف وعيد ” وقال تعالى” وعد الله الذين امنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض
كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم
امنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا” الايه وقد فعل الله ذلك بهذه الامه المحمديه وله
الحمد والمنه اولا واخرا وظاهرا وباطنا.

وجعلوا لله مما ذرا من الحرث والانعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما
كان لشركائهم فلا يصل الى الله وما كان لله فهو يصل الى شركائهم ساء ما
يحكمون (136)[عدل]
وجعلوا لله مما ذرا من الحرث والانعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما
كان لشركائهم فلا يصل الى الله وما كان لله فهو يصل الى شركائهم ساء ما
يحكمون

هذا ذم وتوبيخ من الله للمشركين الذين ابتدعوا بدعا وكفرا وشركا وجعلوا لله شركاء وجزءا
من خلقه وهو خالق كل شيء سبحانه وتعالى ولهذا قال تعالى” وجعلوا لله مما ذرا
” اي مما خلق وبرا ” من الحرث ” اي من الزرع والثمار ” والانعام
نصيبا” اي جزءا وقسما ” فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا ” وقوله ” فما
كان لشركائهم فلا يصل الى الله وما كان لله فهو يصل الى شركائهم” قال علي
بن ابي طلحه والعوفي عن ابن عباس انه قال في تفسير هذه الايه : ان
اعداء الله كانوا اذا حرثوا حرثا او كانت لهم ثمره جعلوا لله منه جزءا وللوثن
جزءا فما كان من حرث او ثمره او شيء من نصيب الاوثان حفظوه واحصوه وان
سقط منه شيء فيما سمي للصمد ردوه الى ما جعلوه للوثن وان سبقهم الماء الذي
جعلوه للوثن فسقى شيئا جعلوه لله جعلوا ذلك للوثن وان سقط شيء من الحرث والثمر
الذي جعلوه لله فاختلط بالذي جعلوه للوثن قالوا : هذا فقير ولم يردوه الى ما
جعلوه لله وان سبقهم الماء الذي جعلوه لله فسقى ما سمي للوثن تركوه للوثن وكانوا
يحرمون من اموالهم البحيره والسائبه والوصيله والحام فيجعلوه للاوثان ويزعمون انهم يحرمونه قربه لله فقال
الله تعالى ” وجعلوا لله مما ذرا من الحرث والانعام نصيبا” الايه وهكذا قال مجاهد
وقتاده والسدي وغير واحد وقال عبد الرحمن بن زيد بن اسلم في الايه : كل
شيء يجعلونه لله من ذبح يذبحونه لا ياكلونه ابدا حتى يذكروا معه اسماء الالهه وما
كان للالهه لم يذكروا اسم الله معه وقرا الايه حتى بلغ” ساء ما يحكمون ”
اي ساء ما يقسمون فانهم اخطئوا اولا القسم لان الله تعالى هو رب كل شيء
ومليكه وخالقه وله الملك وكل شيء له وفي تصرفه وتحت قدرته ومشيئته لا اله غيره
ولا رب سواه ثم لما قسموا فيما زعموا القسمه الفاسده لم يحفظوها بل جاروا فيها
كقوله جل وعلا ” ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون ” وقال تعالى ”
وجعلوا له من عباده جزءا ان الانسان لكفور مبين” وقال تعالى ” الكم الذكر وله
الانثى ” وقوله” تلك اذا قسمه ضيزى ” .

وكذلك زين لكثير من المشركين قتل اولادهم شركاؤهم ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم ولو شاء الله
ما فعلوه فذرهم وما يفترون (137)[عدل]
وكذلك زين لكثير من المشركين قتل اولادهم شركاؤهم ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم ولو شاء الله
ما فعلوه فذرهم وما يفترون

يقول تعالى : وكما زينت الشياطين لهؤلاء ان يجعلوا لله مما ذرا من الحرث والانعام
نصيبا كذلك زينوا لهم قتل اولادهم خشيه الاملاق وواد البنات خشيه العار قال علي بن
ابي طلحه عن ابن عباس : وكذلك زين لكثير من المشركين قتل اولادهم شركاؤهم زينوا
لهم قتل اولادهم . وقال مجاهد : شركاؤهم شياطينهم يامرونهم ان يئدوا اولادهم خشيه العيله
. وقال السدي : امرتهم الشياطين ان يقتلوا البنات واما ليردوهم فيهلكوهم واما ليلبسوا عليهم
دينهم اي فيخلطون عليهم دينهم ونحو ذلك قال عبد الرحمن بن زيد بن اسلم وقتاده
وهذا كقوله تعالى ” واذا بشر احدهم بالانثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم . يتوارى
من القوم من سوء ما بشر به” الايه وكقوله ” واذا الموءوده سئلت باي ذنب
قتلت ” وقد كانوا ايضا يقتلون الاولاد من الاملاق وهو الفقر او خشيه الاملاق ان
يحصل لهم في تلف المال وقد نهاهم عن قتل اولادهم لذلك وانما كان هذا كله
من تزيين الشياطين وشرعهم ذلك قوله تعالى ” ولو شاء الله ما فعلوه ” اي
كان هذا واقع بمشيئته تعالى وارادته واختياره لذلك كونا وله الحكمه التامه في ذلك فلا
يسال عما يفعل وهم يسالون ” فذرهم وما يفترون ” اي فدعهم واجتنبهم وما هم
فيه فسيحكم الله بينك وبينهم .

وقالوا هذه انعام وحرث حجر لا يطعمها الا من نشاء بزعمهم وانعام حرمت ظهورها وانعام
لا يذكرون اسم الله عليها افتراء عليه سيجزيهم بما كانوا يفترون (138)[عدل]
وقالوا هذه انعام وحرث حجر لا يطعمها الا من نشاء بزعمهم وانعام حرمت ظهورها وانعام
لا يذكرون اسم الله عليها افتراء عليه سيجزيهم بما كانوا يفترون

قال علي بن ابي طلحه عن ابن عباس : الحجر الحرام مما حرموا من الوصيله
وتحريم ما حرموا . وكذلك قال مجاهد والضحاك والسدي وقتاده وعبد الرحمن بن زيد بن
اسلم وغيرهما وقال قتاده ” وقالوا هذه انعام وحرث حجر ” تحريم كان عليهم من
الشياطين في اموالهم وتغليظ وتشديد ولم يكن من الله تعالى وقال ابن زيد بن اسلم”
حجر ” انما احتجزوها لالهتهم ; وقال السدي” لا يطعمها الا من نشاء بزعمهم ”
يقولون حرام ان يطعم الا من شئنا وهذه الايه الكريمه كقوله تعالى ” قل ارايتم
ما انزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل الله اذن لكم ام
على الله تفترون ” وكقوله تعالى ” ما جعل الله من بحيره ولا سائبه ولا
وصيله ولا حام ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب واكثرهم لا يعقلون ” وقال
السدي : اما الانعام التي حرمت ظهورها فهي البحيره والسائبه والوصيله والحام واما الانعام التي
لا يذكرون اسم الله عليها لا اذا ولدوها ولا ان نحروها . وقال ابو بكر
بن عياش عن عاصم بن ابي النجود قال لي ابو وائل : اتدري ما في
قوله ” وانعام حرمت ظهورها وانعام لا يذكرون اسم الله عليها ” قلت لا قال
: هي البحيره كانوا لا يحجون عليها . وقال مجاهد : كان من ابلهم طائفه
لا يذكرون اسم الله عليها ولا في شيء من شانها لا ان ركبوا ولا ان
حلبوا ولا ان حملوا ولا ان نتجوا ولا ان عملوا شيئا” افتراء عليه ” اي
على الله وكذبا منهم في اسنادهم ذلك الى دين الله وشرعه فانه لم ياذن لهم
في ذلك ولا رضيه منهم ” سيجزيهم بما كانوا يفترون” اي عليه ويسندون اليه .

وقالوا ما في بطون هذه الانعام خالصه لذكورنا ومحرم على ازواجنا وان يكن ميته فهم
فيه شركاء سيجزيهم وصفهم انه حكيم عليم (139)[عدل]
وقالوا ما في بطون هذه الانعام خالصه لذكورنا ومحرم على ازواجنا وان يكن ميته فهم
فيه شركاء سيجزيهم وصفهم انه حكيم عليم

قال ابو اسحاق السبيعي عن عبد الله بن ابي الهذيل عن ابن عباس” وقالوا ما
في بطون هذه الانعام خالصه لذكورنا” الايه قال اللبن وقال العوفي عن ابن عباس ”
وقالوا ما في بطون هذه الانعام خالصه لذكورنا” فهو اللبن كانوا يحرمونه على اناثهم ويشربه
ذكرانهم وكانت الشاه اذا ولدت ذكرا ذبحوه وكان للرجال دون النساء وان كانت انثى تركت
فلم تذبح وان كانت ميته فهم فيه شركاء فنهى الله عن ذلك . وكذا قال
السدي وقال الشعبي : البحيره لا ياكل من لبنها الا الرجال وان مات منها شيء
اكله الرجال والنساء . وكذا قال عكرمه وقتاده وعبد الرحمن بن زيد بن اسلم وقال
مجاهد في قوله” وقالوا ما في بطون هذه الانعام خالصه لذكورنا ومحرم على ازواجنا ”
قال هي السائبه والبحيره وقال ابو العاليه ومجاهد وقتاده في قول الله ” سيجزيهم وصفهم
” اي قولهم الكذب في ذلك يعني كقوله تعالى ” ولا تقولوا لما تصف السنتكم
الكذب. هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب ان الذين يفترون على الله الكذب
لا يفلحون متاع” الايه ” انه حكيم ” اي في افعاله واقواله وشرعه وقدره ”
عليم ” باعمال عباده من خير وشر وسيجزيهم عليها اتم الجزاء .

قد خسر الذين قتلوا اولادهم سفها بغير علم وحرموا ما رزقهم الله افتراء على الله
قد ضلوا وما كانوا مهتدين (140)[عدل]
قد خسر الذين قتلوا اولادهم سفها بغير علم وحرموا ما رزقهم الله افتراء على الله
قد ضلوا وما كانوا مهتدين

يقول تعالى : قد خسر الذين فعلوا هذه الافاعيل في الدنيا والاخره اما في الدنيا
فخسروا اولادهم بقتلهم وضيقوا عليهم في اموالهم فحرموا اشياء ابتدعوها من تلقاء انفسهم واما في
الاخره فيصيرون الى اسوا المنازل بكذبهم على الله وافترائهم كقوله ” ان الذين يفترون على
الله الكذب لا يفلحون متاع في الدنيا ثم الينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما
كانوا يكفرون ” وقال الحافظ ابو بكر بن مردويه في تفسير هذه الايه : حدثنا
محمد بن احمد بن ابراهيم حدثنا محمد بن ايوب حدثنا عبد الرحمن بن المبارك حدثنا
ابو عوانه عن ابي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما
قال : اذا سرك ان تعلم جهل العرب فاقرا ما فوق الثلاثين والمائه من سوره
الانعام ” قد خسر الذين قتلوا اولادهم سفها بغير علم وحرموا ما رزقهم الله افتراء
على الله قد ضلوا وما كانوا مهتدين ” وهكذا رواه البخاري منفردا في كتاب مناقب
قريش من صحيحه عن ابي النعمان محمد بن الفضل عارم عن ابي عوانه واسمه الوضاح
بن عبد الله اليشكري عن ابي بشر واسمه جعفر بن ابي وحشيه عن اياس به
.

وهو الذي انشا جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفا اكله والزيتون والرمان متشابها وغير
متشابه كلوا من ثمره اذا اثمر واتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا انه لا يحب
المسرفين (141)[عدل]
وهو الذي انشا جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفا اكله والزيتون والرمان متشابها وغير
متشابه كلوا من ثمره اذا اثمر واتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا انه لا يحب
المسرفين

والنخل والزرع مختلفا اكله والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه كلوا من ثمره اذا اثمر واتوا
حقه يوم حصاده ولا تسرفوا انه لا يحب المسرفين” يقول تعالى مبينا انه الخالق لكل
شيء من الزروع والثمار والانعام التي تصرف فيها هؤلاء المشركون بارائهم الفاسده وقسموها وجزءوها فجعلوا
منها حراما وحلالا فقال ” وهو الذي انشا جنات معروشات وغير معروشات ” قال علي
بن ابي طلحه عن ابن عباس : معروشات مسموكات وفي روايه فالمعروشات ما عرش الناس
وغير معروشات ما خرج في البر والجبال من الثمرات وقال عطاء الخراساني عن ابن عباس
معروشات ما عرش من الكرم وغير معروشات ما لم يعرش من الكرم وكذا قال السدي
وقال ابن جريج : متشابها وغير متشابه قال متشابه في المنظر وغير متشابه في المطعم
وقال محمد بن كعب ” كلوا من ثمره اذا اثمر ” قال من رطبه وعنبه
وقوله تعالى” واتوا حقه يوم حصاده ” قال ابن جرير : قال بعضهم هي الزكاه
المفروضه . حدثنا عمرو حدثنا عبد الصمد حدثنا يزيد بن درهم قال : سمعت انس
بن مالك يقول ” واتوا حقه يوم حصاده ” قال الزكاه المفروضه .

وقال علي بن ابي طلحه عن ابن عباس ” واتوا حقه يوم حصاده ” يعني
الزكاه المفروضه يوم يكال ويعلم كيله وكذا قال سعيد بن المسيب وقال العوفي عن ابن
عباس ” واتوا حقه يوم حصاده ” وذلك ان الرجل كان اذا زرع فكان يوم
حصاده لم يخرج مما حصد شيئا فقال الله تعالى ” واتوا حقه يوم حصاده ”
وذلك ان يعلم ما كيله وحقه من كل عشره واحد وما يلقط الناس من سنبله
وقد روى الامام احمد وابو داود في سننه من حديث محمد بن اسحاق حدثني محمد
بن يحيى بن حبان عن عمه واسع بن حبان عن جابر بن عبد الله ان
النبي صلى الله عليه وسلم امر من كل جاذ عشره اوسق من التمر بقنو يعلق
في المسجد للمساكين وهذا اسناده جيد قوي وقال طاوس وابو الشعثاء وقتاده والحسن والضحاك وابن
جريج هي الزكاه وقال الحسن البصري هي الصدقه من الحب والثمار وكذا قال زيد بن
اسلم وقال اخرون هو حق اخر سوى الزكاه وقال اشعث عن محمد بن سيرين ونافع
عن ابن عمر في قوله ” واتوا حقه يوم حصاده” قال : كانوا يعطون شيئا
سوى الزكاه رواه ابن مردويه . وروى عبد الله بن المبارك وغيره عن عبد الملك
بن ابي سليمان عن عطاء بن ابي رباح في قوله ” واتوا حقه يوم حصاده
” قال : يعطي من حضره يومئذ ما تيسر وليس بالزكاه .

وقال مجاهد : اذا حضرك المساكين طرحت لهم منه وقال عبد الرزاق عن ابن عيينه
عن ابن ابي نجيح عن مجاهد ” واتوا حقه يوم حصاده ” قال عند الزرع
يعطي القبضه وعند الصرام يعطي القبضه ويتركهم فيتبعون اثار الصرام وقال الثوري عن حماد عن
ابراهيم النخعي قال : يعطي مثل الضغث وقال ابن المبارك عن شريك عن سالم عن
سعيد بن جبير ” واتوا حقه يوم حصاده ” قال : كان هذا قبل الزكاه
للمساكين القبضه والضغث لعلف دابته وفي حديث ابن لهيعه عن دراج عن ابي الهيثم عن
ابي سعيد مرفوعا ” واتوا حقه يوم حصاده” قال : ما سقط من السنبل رواه
ابن مردويه وقال اخرون : هذا شيء كان واجبا ثم نسخه الله بالعشر او نصف
العشر حكاه ابن جرير عن ابن عباس ومحمد بن الحنفيه وابراهيم النخعي والحسن والسدي وعطيه
العوفي وغيرهم واختاره ابن جرير رحمه الله قلت : وفي تسميه هذا نسخا نظر لانه
قد كان شيئا واجبا في الاصل ثم ان فصل بيانه وبين مقدار المخرج وكميته قالوا
وكان هذا في السنه الثانيه من الهجره فالله اعلم وقد ذم الله سبحانه الذين يصرمون
ولا يتصدقون كما ذكر عن اصحاب الجنه في سوره ” ن ” ” اذ اقسموا
ليصرمنها مصبحين ولا يستثنون فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون فاصبحت كالصريم ” اي
كالليل المدلهم سوداء محترقه ” فتنادوا مصبحين ان اغدوا على حرثكم ان كنتم صارمين فانطلقوا
وهم يتخافتون ان لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين وغدوا على حرد ” اي قوه وجلد
وهمه ” قادرين فلما راوها قالوا انا لضالون بل نحن محرومون قال اوسطهم الم اقل
لكم لولا تسبحون قالوا سبحان ربنا انا كنا ظالمين فاقبل بعضهم على بعض يتلاومون قالوا
يا ويلنا انا كنا طاغين عسى ربنا ان يبدلنا خيرا منها انا الى ربنا راغبون
كذلك العذاب ولعذاب الاخره اكبر لو كانوا يعلمون ” .

وقوله تعالى ” ولا تسرفوا انه لا يحب المسرفين ” قيل معناه لا تسرفوا في
الاعطاء فتعطوا فوق المعروف وقال ابو العاليه : كانوا يعطون يوم الحصاد شيئا ثم تباروا
فيه واسرفوا فانزل الله ” ولا تسرفوا” وقال ابن جريج نزلت في ثابت بن قيس
بن شماس جذ نخلا له فقال لا ياتيني اليوم احد الا اطعمته فاطعم حتى امسى
وليست له ثمره فانزل الله تعالى ” ولا تسرفوا انه لا يحب المسرفين ” رواه
ابن جرير عنه وقال ابن جريج عن عطاء نهوا عن السرف في كل شيء وقال
اياس بن معاويه : ما جاوزت به امر الله فهو سرف وقال السدي في قوله
” ولا تسرفوا ” قال لا تعطوا اموالكم فتقعدوا فقراء. وقال سعيد بن المسيب ومحمد
بن كعب في قوله ” ولا تسرفوا ” قال لا تمنعوا الصدقه فتعصوا ربكم ثم
اختار ابن جرير قول عطاء انه نهى عن الاسراف في كل شيء ولا شك انه
صحيح لكن الظاهر والله اعلم من سياق الايه حيث قال تعالى ” كلوا من ثمره
اذا اثمر واتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا ” ان يكون عائدا على الاكل اي
لا تسرفوا في الاكل لما فيه من مضره العقل والبدن كقوله تعالى ” كلوا واشربوا
ولا تسرفوا ” الايه وفي صحيح البخاري تعليقا” كلوا واشربوا والبسوا من غير اسراف ولا
مخيله ” وهذا من هذا والله اعلم .

ومن الانعام حموله وفرشا كلوا مما رزقكم الله ولا تتبعوا خطوات الشيطان انه لكم عدو
مبين (142)[عدل]
ومن الانعام حموله وفرشا كلوا مما رزقكم الله ولا تتبعوا خطوات الشيطان انه لكم عدو
مبين

وقوله عز وجل ” ومن الانعام حموله وفرشا ” اي وانشا لكم من الانعام ما
هو حموله وما هو فرش قيل المراد بالحموله ما يحمل عليه من الابل والفرش الصغار
منها كما قال الثوري عن ابي اسحاق عن ابي الاحوص عن عبد الله في قوله
حموله ما حمل عليه من الابل وفرشا الصغار من الابل رواه الحاكم وقال صحيح الاسناد
ولم يخرجاه . وقال ابن عباس : الحموله هي الكبار والفرش الصغار من الابل وكذا
قال مجاهد . وقال علي بن ابي طلحه عن ابن عباس” ومن الانعام حموله وفرشا
” اما الحموله فالابل والخيل والبغال والحمير وكل شيء يحمل عليه واما الفرش فالغنم واختاره
ابن جرير قال : واحسبه انما سمي فرشا لدنوه من الارض وقال الربيع بن انس
والحسن والضحاك وقتاده وغيره : الحموله الابل والبقر والفرش الغنم . وقال السدي : اما
الحموله فالابل واما الفرش فالفصلان والعجاجيل والغنم وما حمل عليه حموله . وقال عبد الرحمن
بن زيد بن اسلم : الحموله ما تركبون والفرش ما تاكلون وتحلبون : شاه لا
تحمل تاكلون لحمها وتتخذون من صوفها لحافا وفرشا .

وهذا الذي قال عبد الرحمن في تفسير هذه الايه الكريمه حسن يشهد له قوله تعالى
” اولم يروا انا خلقنا لهم مما عملت ايدينا انعاما فهم لها مالكون وذللناها لهم
فمنها ركوبهم ومنها ياكلون ” وقال تعالى” وان لكم في الانعام لعبره نسقيكم مما في
بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين” الى ان قال ” ومن اصوافها
واوبارها واشعارها اثاثا ومتاعا الى حين ” وقال تعالى ” الله الذي جعل لكم الانعام
لتركبوا منها ومنها تاكلون ولكم فيها منافع ولتبلغوا عليها حاجه في صدوركم وعليها وعلى الفلك
تحملون ويريكم اياته فاي ايات الله تنكرون ” وقوله تعالى ” كلوا مما رزقكم الله
” اي من الثمار والزروع والانعام فكلها خلقها الله وجعلها رزقا لكم ” ولا تتبعوا
خطوات الشيطان” اي طريقه واوامره كما اتبعها المشركون الذين حرموا ما رزقهم الله اي من
الثمار والزروع افتراء على الله ” انه لكم ” اي ان الشيطان ايها الناس لكم
” عدو مبين ” اي مبين ظاهر العداوه كما قال” ان الشيطان لكم عدو فاتخذوه
عدوا انما يدعو حزبه ليكونوا من اصحاب السعير ” وقال تعالى” يا بني ادم لا
يفتننكم الشيطان كما اخرج ابويكم من الجنه ينزع عنهما لباسهما ليريهما سواتهما” الايه وقال تعالى
” افتتخذونه وذريته اولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا ” والايات في
هذا كثيره في القران .

ثمانيه ازواج من الضان اثنين ومن المعز اثنين قل الذكرين حرم ام الانثيين اما اشتملت
عليه ارحام الانثيين نبئوني بعلم ان كنتم صادقين (143)[عدل]
ثمانيه ازواج من الضان اثنين ومن المعز اثنين قل الذكرين حرم ام الانثيين اما اشتملت
عليه ارحام الانثيين نبئوني بعلم ان كنتم صادقين

هذا بيان لجهل العرب قبل الاسلام فيما كانوا حرموا من الانعام وجعلوها اجزاء وانواعا بحيره
وسائبه ووصيله وحاما وغير ذلك من الانواع التي ابتدعوها في الانعام والزروع والثمار فبين تعالى
انه انشا جنات معروشات وغير معروشات وانه انشا من الانعام حموله وفرشا . ثم بين
اصناف الانعام الى غنم وهو بياض وهو الضان وسواد وهو المعز ذكره وانثاه والى ابل
ذكورها واناثها وبقر كذلك وانه تعالى لم يحرم شيئا من ذلك ولا شيئا من اولادها
بل كلها مخلوقه لبني ادم اكلا وركوبا وحموله وحلبا وغير ذلك من وجوه المنافع كما
قال ” وانزل لكم من الانعام ثمانيه ازواج ” الايه وقوله تعالى ” اما اشتملت
عليه ارحام الانثيين ” رد عليهم في قولهم ” ما في بطون هذه الانعام خالصه
لذكورنا ومحرم على ازواجنا” الايه وقوله تعالى ” نبئوني بعلم ان كنتم صادقين” اي اخبروني
عن يقين كيف حرم الله عليكم ما زعمتم تحريمه من البحيره والسائبه والوصيله والحام ونحو
ذلك وقال العوفي عن ابن عباس قوله” ثمانيه ازواج من الضان اثنين ومن المعز اثنين”
فهذه اربعه ازواج ” قل الذكرين حرم ام الانثيين” يقول لم احرم شيئا من ذلك
” اما اشتملت عليه ارحام الانثيين ” يعني هل يشتمل الرحم الا على ذكر او
انثى فلم تحرمون بعض وتحلون بعضا ؟ ” نبئوني بعلم ان كنتم صادقين ” يقول
تعالى : كله حلال .

ومن الابل اثنين ومن البقر اثنين قل الذكرين حرم ام الانثيين اما اشتملت عليه ارحام
الانثيين ام كنتم شهداء اذ وصاكم الله بهذا فمن اظلم ممن افترى على الله كذبا
ليضل الناس بغير علم ان الله لا يهدي القوم الظالمين (144)[عدل]
ومن الابل اثنين ومن البقر اثنين قل الذكرين حرم ام الانثيين اما اشتملت عليه ارحام
الانثيين ام كنتم شهداء اذ وصاكم الله بهذا فمن اظلم ممن افترى على الله كذبا
ليضل الناس بغير علم ان الله لا يهدي القوم الظالمين

وقوله تعالى ” ام كنتم شهداء اذ وصاكم الله بهذا ” تهكم بهم فيما ابتدعوه
وافتروه على الله من تحريم ما حرموه من ذلك ” فمن اظلم ممن افترى على
الله كذبا ليضل الناس بغير علم ” اي لا اجد اظلم منه ” ان الله
لا يهدي القوم الظالمين ” واول من دخل في هذه الايه عمرو بن لحي بن
قمعه لانه اول من غير دين الانبياء واول من سيب السوائب ووصل الوصيله وحمى الحامي
كما ثبت ذلك في الصحيح .

قل لا اجد في ما اوحي الي محرما على طاعم يطعمه الا ان يكون ميته
او دما مسفوحا او لحم خنزير فانه رجس او فسقا اهل لغير الله به فمن
اضطر غير باغ ولا عاد فان ربك غفور رحيم (145)[عدل]
قل لا اجد في ما اوحي الي محرما على طاعم يطعمه الا ان يكون ميته
او دما مسفوحا او لحم خنزير فانه رجس او فسقا اهل لغير الله به فمن
اضطر غير باغ ولا عاد فان ربك غفور رحيم

يقول تعالى امرا عبده ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم” قل ” يا محمد لهؤلاء
الذين حرموا ما رزقهم الله افتراء على الله ” لا اجد فيما اوحي الي محرما
على طاعم يطعمه ” اي اكل ياكله قيل معناه لا اجد شيئا مما حرمتم حراما
سوى هذه وقيل معناه لا اجد من الحيوانات شيئا حراما سوى هذه فعلى هذا يكون
ما ورد من التحريمات بعد هذا في سوره المائده وفي الاحاديث الوارده رافعا لمفهوم هذه
الايه ومن الناس من يسمي هذا نسخا والاكثرون من المتاخرين لا يسمونه نسخا لانه من
باب رفع مباح الاصل والله اعلم وقال العوفي عن ابن عباس ” او دما مسفوحا
” يعني المهراق وقال عكرمه في قوله ” او دما مسفوحا ” لولا هذه الايه
لتتبع الناس ما في العروق كما تتبعه اليهود وقال حماد عن عمران بن جرير قال
: سالت ابا مجلز عن الدم وما يتلطخ من الذبيح من الراس وعن القدر يرى
فيها الحمره فقال انما نهى الله عن الدم المسفوح وقال قتاده : حرم من الدماء
ما كان مسفوحا فاما اللحم خالطه الدم فلا باس به وقال ابن جرير : حدثنا
المثنى حدثنا حجاج بن منهال حدثنا حماد عن يحيى بن سعيد عن القاسم عن عائشه
رضي الله عنها انها كانت لا ترى بلحوم السباع باسا والحمره والدم يكونان على القدر
وقرات هذه الايه صحيح غريب .

وقال الحميدي حدثنا سفيان حدثنا عمرو بن دينار قال : قلت لجابر بن عبد الله
انهم يزعمون ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لحوم الحمر الاهليه زمن
خيبر فقال : قد كان يقول ذلك الحكم بن عمرو عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم ولكن ابى ذلك الحبر يعني ابن عباس وقرا ” قل لا اجد فيما
اوحي الي محرما على طاعم يطعمه ” الايه وكذا رواه البخاري عن علي بن المديني
عن سفيان به واخرجه ابو داود من حديث ابن جريج عن عمرو بن دينار ورواه
الحاكم في مستدركه مع انه في صحيح البخاري كما رايت وقال ابو بكر بن مردويه
والحاكم في مستدركه : حدثنا محمد بن على بن دحيم حدثنا احمد بن حازم حدثنا
ابو نعيم الفضل بن دكين حدثنا محمد بن شريك عن عمرو بن دينار عن ابي
الشعثاء عن ابن عباس قال : كان اهل الجاهليه ياكلون اشياء ويتركون اشياء تقذرا فبعث
الله نبيه وانزل كتابه واحل حلاله وحرم حرامه فما احل فهو حلال وما حرم فهو
حرام وما سكت عنه فهو عفو وقرا هذه الايه ” قل لا اجد فيما اوحي
الي محرما على طاعم يطعمه” الايه وهذا لفظ ابن مردويه ورواه ابو داود منفردا به
عن محمد بن داود بن صبيح عن ابي نعيم به وقال الحاكم : هذا حديث
صحيح الاسناد ولم يخرجاه وقال الامام احمد : حدثنا عفان حدثنا ابو عوانه عن سماك
بن حرب عن عكرمه عن ابن عباس قال : ماتت شاه لسوده بنت زمعه فقالت
: يا رسول الله ماتت فلانه تعني الشاه قال ” فلم لا اخذتم مسكها ”
قالت ناخذ مسك شاه قد ماتت ؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم
” انما قال الله ” قل لا اجد فيما اوحي الي محرما على طاعم يطعمه
الا ان يكون ميته او دما مسفوحا او لحم خنزير ” وانكم لا تطعمونه ان
تدبغوه فتنتفعوا به فارسلت فسلخت مسكها فاتخذت منه قربه حتى تخرقت عندها رواه احمد ورواه
البخاري والنسائي من حديث الشعبي عن عكرمه عن ابن عباس عن سوده بنت زمعه بذلك
او نحوه وقال سعيد بن منصور : حدثنا عبد العزيز بن محمد عن عيسى بن
نميله الفزاري عن ابيه قال : كنت عند ابن عمر فساله رجل عن اكل القنفذ
فقرا عليه ” قل لا اجد فيما اوحي الي محرم على طاعم يطعمه ” الايه
فقال شيخ عنده : سمعت ابا هريره يقول : ذكر عند النبي صلى الله عليه
وسلم فقال خبيث من الخبائث فقال ابن عمر : ان كان النبي صلى الله عليه
وسلم قاله فهو كما قال

ورواه ابو داود عن ابي ثور عن سعيد بن منصور به . وقوله تعالى ”
فمن اضطر غير باغ ولا عاد ” اي فمن اضطر الى اكل شيء مما حرم
الله في هذه الايه الكريمه وهو غير متلبس ببغي ولا عدوان ” فان ربك غفور
رحيم ” اي غفور له رحيم به وقد تقدم تفسير هذه الايه في سوره البقره
بما فيه كفايه والغرض من سياق هذه الايه الكريمه الرد على المشركين الذين ابتدعوا ما
ابتدعوه من تحريم المحرمات على انفسهم بارائهم الفاسده من البحيره والسائبه والوصيله والحام ونحو ذلك
فامر رسوله ان يخبرهم انه لا يجد فيما اوحاه الله اليه ان ذلك محرم وانما
حرم ما ذكر في هذه الايه من الميته والدم المسفوح ولحم الخنزير وما اهل لغير
الله به وما عدا ذلك فلم يحرم وانما هو عفو مسكوت عنه فكيف تزعمون انتم
انه حرام ومن اين حرمتموه ولم يحرمه الله ؟ وعلى هذا فلا يبقى تحريم اشياء
اخر فيما بعد هذا كما جاء النهي عن لحوم الحمر الاهليه ولحوم السباع وكل ذي
مخلب من الطير على المشهور من مذاهب العلماء .

وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما الا ما
حملت ظهورهما او الحوايا او ما اختلط بعظم ذلك جزيناهم ببغيهم وانا لصادقون (146)[عدل]
وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما الا ما
حملت ظهورهما او الحوايا او ما اختلط بعظم ذلك جزيناهم ببغيهم وانا لصادقون

قال ابن جرير : يقول تعالى وحرمنا على اليهود كل ذي ظفر وهو البهائم والطير
ما لم يكن مشقوق الاصابع كالابل والنعام والاوز والبط قال علي بن ابي طلحه عن
ابن عباس ” وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ” وهو البعير والنعامه وكذا
قال مجاهد والسدي في روايه وقال سعيد بن جبير : هو الذي ليس منفرج الاصابع
. وفي روايه عنه كل متفرق الاصابع ومنه الديك وقال قتاده في قوله ” وعلى
الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ” وكان يقال للبعير والنعامه واشياء من الطير والحيتان
وفي روايه البعير والنعامه وحرم عليهم من الطير البط وشبهه وكل شيء ليس بمشقوق الاصابع
وقال ابن جريج عن مجاهد كل ذي ظفر قال النعامه والبعير شقاشقا قلت للقاسم بن
ابي بزه وحدثته ما شقاشقا ؟ قال : كل ما لا ينفرج من قوائم البهائم
قال : وما انفرج اكلته . قال : انفرج قوائم البهائم والعصافير قال فيهود تاكله
قال ولم تنفرج قائمه البعير – خفه – ولا خف النعامه ولا قائمه الاوز فلا
تاكل اليهود الابل ولا النعامه ولا الاوز ولا كل شيء لم تنفرج قائمته ولا تاكل
حمار الوحش وقوله تعالى ” ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما ” قال السدي :
يعني الثرب وشحم الكليتين وكانت اليهود تقول انه حرمه اسرائيل فنحن نحرمه . وكذا قال
ابن زيد وقال قتاده : الثرب وكل شحم كان كذلك ليس في عظم وقال علي
بن ابي طلحه عن ابن عباس ” الا ما حملت ظهورهما ” يعني ما علق
بالظهر من الشحوم وقال السدي وابو صالح : الاليه مما حملت ظهورهما . وقوله تعالى”
او الحوايا ” قال الامام ابو جعفر بن جرير : الحوايا جمع واحدها حاوياء .
وحاويه وحويه وهو ما تحوي من البطن فاجتمع واستدار وهي بنات اللبن وهي المباعر وتسمى
المرابض وفيها الامعاء . قال ومعنى الكلام : ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما الا
ما حملت ظهورهما وما حملت الحوايا . قال علي بن ابي طلحه عن ابن عباس
: او الحوايا وهي المبعر . وقال مجاهد : الحوايا المبعر والمربض وكذا قال سعيد
بن جبير والضحاك وقتاده وابو مالك والسدي .

وقال عبد الرحمن بن زيد بن اسلم وغير واحد : الحوايا المرابض التي تكون فيها
الامعاء تكون وسطها وهي بنات اللبن وهي في كلام العرب تدعى المرابض وقوله تعالى ”
او ما اختلط بعظم” يعني الا ما اختلط من الشحوم بعظم فقد احللناه لهم وقال
ابن جريج : شحم الاليه ما اختلط بالعصعص فهو حلال وكل شيء في القوائم والجنب
والراس والعين وما اختلط بعظم فهو حلال ونحوه قاله السدي وقوله تعالى ” ذلك جزيناهم
ببغيهم ” اي هذا التضييق انما فعلناه بهم والزمناهم به مجازاه على بغيهم ومخالفتهم اوامرنا
كما قال تعالى ” فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات احلت لهم وبصدهم عن
سبيل الله كثيرا ” وقوله” انا لصادقون ” اي وانا لعادلون فيما جزيناهم به وقال
ابن جرير : وانا لصادقون فيما اخبرناك به يا محمد من تحريمنا ذلك عليهم لا
كما زعموا من ان اسرائيل هو الذي حرمه على نفسه والله اعلم . وقال عبد
الله بن عباس : بلغ عمر بن الخطاب رضي الله عنه ان سمره باع خمرا
فقال : قاتل الله سمره الم يعلم ان رسول الله صلى الله عليه وعلى اله
وسلم قال لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها اخرجاه من حديث سفيان بن
عيينه عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس عن عمر به . وقال
الليث : حدثني يزيد بن ابي حبيب قال : قال عطاء بن ابي رباح سمعت
جابر بن عبد الله يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم
يقول عام الفتح ان الله ورسوله حرم بيع الخمر والميته والخنزير والاصنام فقيل يا رسول
الله ارايت شحوم الميته فانها يدهن بها الجلود وتطلى بها السفن ويستصبح بها الناس فقال
لا هو حرام ثم قال رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم عند ذلك
قاتل الله اليهود ان الله لما حرم عليهم شحومها جملوه ثم باعوه واكلوا ثمنه ورواه
الجماعه من طرق عن يزيد بن ابي حميد به وقال الزهري عن سعيد بن المسيب
عن ابي هريره قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قاتل الله
اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها واكلوا ثمنها ورواه البخاري ومسلم جميعا عن عبدان عن ابن
المبارك عن يونس عن الزهري به.

وقال ابن مردويه : حدثنا محمد بن عبد الله بن ابراهيم حدثنا اسماعيل بن اسحاق
حدثنا سليمان بن حرب حدثنا وهب حدثنا خالد الحذاء عن بركه ابي الوليد عن ابن
عباس ان رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم كان قاعدا خلف المقام فرفع
بصره الى السماء فقال لعن الله اليهود – ثلاثا – ان الله حرم عليهم الشحوم
فباعوها واكلوا ثمنها وان الله لم يحرم على قوم اكل شيء الا حرم عليهم ثمنه
وقال الامام احمد : حدثنا علي بن عاصم انبانا خالد الحذاء عن بركه ابي الوليد
انبانا ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم قاعدا
في المسجد مستقبلا الحجر فنظر الى السماء فضحك فقال لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم
فباعوها واكلوا اثمانها وان الله اذا حرم على قوم اكل شيء حرم عليهم ثمنه ورواه
ابو داود من حديث خالد الحذاء وقال الاعمش عن جامع بن شداد عن كلثوم عن
اسامه بن زيد قال : دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم
وهو مريض نعوده فوجدناه نائما قد غطى وجهه ببرد عدني فكشف عن وجهه وقال لعن
الله اليهود يحرمون شحوم الغنم وياكلون اثمانها وفي روايه حرمت عليهم الشحوم فباعوها واكلوا اثمانها
وفي لفظ لابي داود عن ابن عباس مرفوعا ان الله اذا حرم اكل شيء حرم
عليهم ثمنه .

فان كذبوك فقل ربكم ذو رحمه واسعه ولا يرد باسه عن القوم المجرمين (147)[عدل]
فان كذبوك فقل ربكم ذو رحمه واسعه ولا يرد باسه عن القوم المجرمين

يقول تعالى : فان كذبك يا محمد مخالفوك من المشركين واليهود ومن شابههم فقل ”
ربكم ذو رحمه واسعه ” وهذا ترغيب لهم في ابتغاء رحمه الله الواسعه واتباع رسوله
” ولا يرد باسه عن القوم المجرمين ” ترهيب لهم في مخالفتهم الرسول خاتم النبيين
وكثيرا ما يقرن الله تعالى بين الترغيب والترهيب في القران كما قال تعالى في اخر
هذه السوره ” وان ربك سريع العقاب وانه لغفور رحيم ” وقال ” وان ربك
لذو مغفره للناس على ظلمهم وان ربك لشديد العقاب ” وقال تعالى” نبئ عبادي اني
انا الغفور الرحيم وان عذابي هو العذاب الاليم ” وقال تعالى ” غافر الذنب وقابل
التوب شديد العقاب ” وقال ” ان بطش ربك لشديد انه هو يبدئ ويعيد وهو
الغفور الودود ” والايات في هذا كثيره جدا .

سيقول الذين اشركوا لو شاء الله ما اشركنا ولا اباؤنا ولا حرمنا من شيء كذلك
كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا باسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا ان
تتبعون الا الظن وان انتم الا تخرصون (148)[عدل]
سيقول الذين اشركوا لو شاء الله ما اشركنا ولا اباؤنا ولا حرمنا من شيء كذلك
كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا باسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا ان
تتبعون الا الظن وان انتم الا تخرصون

هذه مناظره ذكرها الله تعالى وشبهه تشبث بها المشركون في شركهم وتحريم ما حرموا فان
الله مطلع على ما هم فيه من الشرك والتحريم لما حرموه وهو قادر على تغييره
بان يلهمنا الايمان ويحول بيننا وبين الكفر فلم يغيره فدل على انه بمشيئته وارادته ورضاه
منا بذلك ولهذا قالوا ” لو شاء الله ما اشركنا ولا اباؤنا ولا حرمنا من
شيء ” كما في قوله تعالى ” وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم ” الايه
وكذلك الايه التي في النحل مثل هذه سواء قال الله تعالى ” كذلك كذب الذين
من قبلهم ” اي بهذه الشبهه ضل من ضل قبل هؤلاء وهي حجه داحضه باطله
لانها لو كانت صحيحه لما اذاقهم الله باسه ودمر عليهم وادال عليهم رسله الكرام واذاق
المشركين من اليم الانتقام ” قل هل عندكم من علم ” اي بان الله راض
عنكم فيما انتم فيه ” فتخرجوه لنا” اي فتظهروه لنا وتبينوه وتبرزوه ” ان تتبعون
الا الظن ” اي الوهم والخيال والمراد بالظن ههنا الاعتقاد الفاسد ” وان انتم الا
تخرصون” تكذبون على الله فيما ادعيتموه قال علي بن ابي طلحه عن ابن عباس ”
ولو شاء الله ما اشركنا” وقال ” كذلك كذب الذين من قبلهم ” ثم قال”
ولو شاء الله ما اشركوا ” فانهم قالوا عبادتنا الالهه تقربنا الى الله زلفى فاخبرهم
الله انها لا تقربهم فقوله ” ولو شاء الله ما اشركوا ” يقول تعالى لو
شئت لجمعتهم على الهدى اجمعين .

قل فلله الحجه البالغه فلو شاء لهداكم اجمعين (149)[عدل]
قل فلله الحجه البالغه فلو شاء لهداكم اجمعين

يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ” قل ” لهم يا محمد ” فلله
الحجه البالغه ” اي له الحكمه التامه والحجه البالغه في هدايه من هدى واضلال من
ضل ” فلو شاء لهداكم اجمعين ” فكل ذلك بقدرته ومشيئته واختياره وهو مع ذلك
يرضى عن المؤمنين ويبغض الكافرين كما قال تعالى ” ولو شاء الله لجمعهم على الهدى
” وقال تعالى ” ولو شاء ربك لامن من في الارض ” وقوله ” ولو
شاء ربك لجعل الناس امه واحده ولا يزالون مختلفين الا من رحم ربك ولذلك خلقهم
وتمت كلمه ربك لاملان جهنم من الجنه والناس اجمعين ” قال الضحاك : لا حجه
لاحد عصى الله ولكن الحجه البالغه على عباده .

قل هلم شهداءكم الذين يشهدون ان الله حرم هذا فان شهدوا فلا تشهد معهم ولا
تتبع اهواء الذين كذبوا باياتنا والذين لا يؤمنون بالاخره وهم بربهم يعدلون (150)[عدل]
قل هلم شهداءكم الذين يشهدون ان الله حرم هذا فان شهدوا فلا تشهد معهم ولا
تتبع اهواء الذين كذبوا باياتنا والذين لا يؤمنون بالاخره وهم بربهم يعدلون

وقوله تعالى ” قل هلم شهداءكم ” اي احضروا شهداءكم ” الذين يشهدون ان الله
حرم هذا ” اي هذا الذي حرمتموه وكذبتم وافتريتم على الله فيه ” فان شهدوا
فلا تشهد معهم ” اي لانهم انما يشهدون والحاله هذه كذبا وزورا ” ولا تتبع
اهواء الذين كذبوا باياتنا والذين لا يؤمنون بالاخره وهم بربهم يعدلون” اي يشركون به ويجعلون
له عديلا .

قل تعالوا اتل ما حرم ربكم عليكم الا تشركوا به شيئا وبالوالدين احسانا ولا تقتلوا
اولادكم من املاق نحن نرزقكم واياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا
تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون (151)[عدل]
قل تعالوا اتل ما حرم ربكم عليكم الا تشركوا به شيئا وبالوالدين احسانا ولا تقتلوا
اولادكم من املاق نحن نرزقكم واياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا
تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون

قال داود الاودي عن الشعبي عن علقمه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال :
من اراد ان ينظر الى وصيه رسول الله صلى الله عليه وسلم التي عليها خاتمه
فليقرا هؤلاء الايات ” قل تعالوا اتل ما حرم ربكم عليكم الا تشركوا به شيئا
– الى قوله – لعلكم تتقون ” وقال الحاكم في مستدركه : حدثنا بكر بن
محمد الصيرفي عن عروه حدثنا عبد الصمد بن الفضل حدثنا مالك بن اسماعيل المهدي حدثنا
اسرائيل عن ابي اسحاق عن عبد الله بن خليفه قال : سمعت ابن عباس يقول
في الانعام ايات محكمات هن ام الكتاب ثم قرا ” قل تعالوا اتل ما حرم
ربكم عليكم ” الايات ثم قال الحاكم : صحيح الاسناد ولم يخرجاه قلت ورواه زهير
وقيس بن الربيع كلاهما عن ابي اسحاق عن عبد الله بن قيس عن ابن عباس
به والله اعلم . وروى الحاكم ايضا في مسنده من حديث يزيد بن هارون عن
سفيان بن حسين عن الزهري عن ابي ادريس عن عباده بن الصامت قال : قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم ايكم يبايعني على ثلاث ثم تلا رسول الله صلى
الله عليه وسلم” قل تعالوا اتل ما حرم ربكم عليكم ” حتى فرغ من الايات
فمن وفى فاجره على الله ومن انتقض منهن شيئا فادركه الله به في الدنيا كانت
عقوبته ومن اخر الى الاخره فامره الى الله ان شاء عذبه وان شاء عفا عنه
ثم قال صحيح الاسناد ولم يخرجاه وانما اتفقا على حديث الزهري عن ابي ادريس عن
ابي عباده بايعوني على ان لا تشركوا بالله شيئا الحديث وقد روى سفيان بن حسين
كلا الحديثين فلا ينبغي ان ينسب الى الوهم في احد الحديثين اذا جمع بينهما والله
اعلم.

واما تفسيرها فيقول تعالى لنبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد
لهؤلاء المشركين الذين عبدوا غير الله وحرموا ما رزقهم الله وقتلوا اولادهم وكل ذلك فعلوه
بارائهم وتسويل الشياطين لهم ” قل ” لهم ” تعالوا ” اي هلموا واقبلوا ”
اتل ما حرم ربكم عليكم ” اي اقص عليكم واخبركم بما حرم ربكم عليكم حقا
لا تخرصا ولا ظنا بل وحيا منه وامرا من عنده” الا تشركوا به شيئا ”
وكان في الكلام محذوفا دل عليه السياق وتقديره واوصاكم ” الا تشركوا شيئا ” ولهذا
قال في اخر الايه ” ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون ” وكما قال الشاعر :
حج واوصى بسليمى الاعبدا … ان لا ترى ولا تكلم احدا ولا يزل شرابها مبردا

وتقول العرب امرتك ان لا تقوم وفي الصحيحين من حديث ابي ذر رضي الله عنه
قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اتاني جبريل فبشرني انه من مات
لا يشرك بالله شيئا من امتك دخل الجنه قلت وان زنى وان سرق ؟ قال
وان زنى وان سرق قلت وان زنى وان سرق ؟ قال وان زنى وان سرق
قلت وان زنى وان سرق ؟ قال وان زنى وان سرق وان شرب الخمر وفي
بعض الروايات ان قائل ذلك هو ابو ذر لرسول الله صلى الله عليه وسلم وانه
عليه الصلاه والسلام قال في الثالثه وان رغم انف ابي ذر فكان ابو ذر يقول
بعد تمام الحديث وان رغم انف ابي ذر وفي بعض المسانيد والسنن عن ابي ذر
قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى” يا ابن ادم
انك ما دعوتني ورجوتني فاني اغفر لك على ما كان منك ولا ابالي ولو اتيتني
بقراب الارض خطيئه اتيتك بقرابها مغفره ما لم تشرك بي شيئا وان اخطات حتى تبلغ
خطاياك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ” ولهذا شاهد في القران قال الله تعالى
” ان الله لا يغفر ان يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ”
وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنه والايات
والاحاديث في هذا كثيره جدا وروى ابن مردويه من حديث عباده وابي الدرداء لا تشركوا
بالله شيئا وان قطعتم او صلبتم او حرقتم وقال ابن ابي حاتم : حدثنا محمد
بن عوف الحمصي حدثنا ابن ابي مريم حدثنا نافع بن يزيد حدثني سيار بن عبد
الرحمن عن يزيد بن قوذر عن سلمه بن شريح عن عباده بن الصامت قال :
اوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع خصال الا تشركوا بالله شيئا وان حرقتم
وقطعتم وصلبتم رواه ابن ابي حاتم وقوله تعالى ” وبالوالدين احسانا” اي واوصاكم وامركم بالوالدين
احسانا اي ان تحسنوا اليهم كما قال تعالى ” وقضى ربك الا تعبدوا الا اياه
وبالوالدين احسانا ” وقرا بعضهم ووصى ربك الا تعبدوا الا اياه وبالوالدين احسانا اي احسنوا
اليهم والله تعالى كثيرا ما يقرن بين طاعته وبر الوالدين كما قال ” ان اشكر
لي ولوالديك الي المصير وان جاهداك على ان تشرك بي ما ليس لك به علم
فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من اناب الي ثم الي مرجعكم فانبئكم
بما كنتم تعملون ” فامر بالاحسان اليهما وان كانا مشركين بحسبهما وقال تعالى ” واذ
اخذنا ميثاق بني

اسرائيل لا تعبدون الا الله وبالوالدين احسانا ” الايه والايات في هذا كثيره وفي الصحيحين
عن ابن مسعود رضي الله عنه انه قال : سالت رسول الله صلى الله عليه
وسلم اي العمل افضل ؟ قال الصلاه على وقتها قلت ثم اي ؟ قل بر
الوالدين قلت ثم اي ؟ قال الجهاد في سبيل الله قال ابن مسعود : حدثني
بهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو استزدته لزادني وروى الحافظ ابو بكر بن
مردويه بسنده عن ابي الدرداء وعن عباده بن الصامت كل منهما يقول اوصاني خليلي رسول
الله صلى الله عليه وسلم اطع والديك وان امراك ان تخرج لهما من الدنيا فافعل
ولكن في اسناديهما ضعف والله اعلم . وقوله تعالى ” ولا تقتلوا اولادكم من املاق
نحن نرزقكم واياهم ” لما اوصى تعالى بالوالدين والاجداد عطف على ذلك الاحسان الى الابناء
والاحفاد فقال تعالى ” ولا تقتلوا اولادكم من املاق ” وذلك انهم كانوا يقتلون اولادهم
كما سولت لهم الشياطين ذلك فكانوا يئدون البنات خشيه العار وربما قتلوا بعض الذكور خشيه
الافتقار ولهذا ورد في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه انه
سال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم اي الذنب اعظم ؟ قال ان تجعل
لله ندا وهو خلقك قلت ثم اي ؟ قال ان تقتل ولدك خشيه ان يطعم
معك قلت ثم اي ؟ قال ان تزاني حليله جارك ثم تلا رسول الله صلى
الله عليه وسلم ” والذين لا يدعون مع الله الها اخر ولا يقتلون النفس التي
حرم الله الا بالحق ولا يزنون ” الايه وقوله تعالى” من املاق ” قال ابن
عباس وقتاده والسدي وغيره : هو الفقر اي ولا تقتلوهم من فقركم الحاصل.

وقال في سوره الاسراء ” ولا تقتلوا اولادكم خشيه املاق ” اي لا تقتلوهم خوفا
من الفقر في الاجل ولهذا قال هناك ” نحن نرزقهم واياكم ” فبدا برزقهم للاهتمام
بهم اي لا تخافوا من فقركم بسبب رزقهم فهو على الله واما هنا فلما كان
الفقر حاصلا قال ” نحن نرزقكم واياهم ” لانه الاهم ههنا والله اعلم وقوله تعالى
” ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ” كقوله تعالى” قل انما حرم
ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والاثم والبغي بغير الحق وان تشركوا بالله ما
لم ينزل به سلطانا وان تقولوا على الله ما لا تعلمون ” وقد تقدم تفسيرها
في قوله تعالى” وذروا ظاهر الاثم وباطنه ” وفي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله
عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا احد اغير من الله
من اجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن وقال عبد الملك بن عمير
عن وراد عن مولاه المغيره قال : قال سعد بن عباده لو رايت مع امراتي
رجلا لضربته بالسيف غير مصفح فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اتعجبون
من غيره سعد ؟ فوالله لانا اغير من سعد والله اغير مني من اجل ذلك
حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن اخرجاه وقال كامل ابو العلاء عن ابي صالح
عن ابي هريره قال : قيل يا رسول الله انا نغار قال والله اني لاغار
والله اغير مني ومن غيرته نهى عن الفواحش رواه ابن مردويه ولم يخرجه احد من
اصحاب الكتب السته ومر على شرط الترمذي فقد روي بهذا السند اعمار امتي ما بين
الستين الى السبعين وقوله تعالى” ولا تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق” وهذا مما
نص تبارك وتعالى عن النهي عنه تاكيدا والا فهو داخل في النهي عن الفواحش ما
ظهر منها وما بطن فقد جاء في الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه
قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل دم امرئ مسلم يشهد
ان لا اله الا الله واني رسول الله الا باحدى ثلاث الثيب الزاني والنفس بالنفس
والتارك لدينه المفارق للجماعه وفي لفظ لمسلم والذي لا اله غيره لا يحل دم رجل
مسلم وذكره قال الاعمش فحدثت به ابراهيم فحدثني عن الاسود عن عائشه بمثله وروى ابو
داود والنسائي عن عائشه رضي الله عنها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
لا يحل دم امرئ مسلم الا باحدى ثلاث خصال زان محصن يرجم ورجل قتل متعمدا
فيقتل ورجل

يخرج من الاسلام وحارب الله ورسوله فيقتل او يصلب او ينفى من الارض وهذا لفظ
النسائي . وعن امير المؤمنين عثمان بن عفان انه قال وهو محصور : سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يحل دم امرئ مسلم الا باحدى ثلاث :
رجل كفر بعد اسلامه او زنى بعد احصانه او قتل نفسا بغير نفس فوالله ما
زنيت في جاهليه ولا اسلام ولا تمنيت ان لي بديني بدلا منه بعد اذ هداني
الله ولا قتلت نفسا فبم تقتلوني ؟ . رواه الامام احمد والترمذي والنسائي وابن ماجه
وقال الترمذي هذا حديث حسن وقد جاء النهي والزجر والوعيد في قتل المعاهد وهو المستامن
من اهل الحرب فروى البخاري عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه
وسلم مرفوعا من قتل معاهدا لم يرح رائحه الجنه وان ريحها ليوجد من مسيره اربعين
عاما وعن ابي هريره عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من قتل معاهدا له
ذمه الله وذمه رسوله فقد اخفر بذمه الله فلا يرح رائحه الجنه وان ريحها ليوجد
من مسيره سبعين خريفا رواه ابن ماجه والترمذي وقال حسن صحيح وقوله ” ذلكم وصاكم
به لعلكم تعقلون ” اي هذا مما وصاكم به لعلكم تعقلون عن الله امره ونهيه
.

ولا تقربوا مال اليتيم الا بالتي هي احسن حتى يبلغ اشده واوفوا الكيل والميزان بالقسط
لا نكلف نفسا الا وسعها واذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله اوفوا
ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون (152)[عدل]
ولا تقربوا مال اليتيم الا بالتي هي احسن حتى يبلغ اشده واوفوا الكيل والميزان بالقسط
لا نكلف نفسا الا وسعها واذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله اوفوا
ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون

قال عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : لما انزل
الله ” ولا تقربوا مال اليتيم الا بالتي هي احسن ” و ” ان الذين
ياكلون اموال اليتامى ظلما ” الايه فانطلق من كان عنده يتيم فعزل طعامه من طعامه
وشرابه من شرابه فجعل يفضل الشيء فيحبس له حتى ياكله ويفسد فاشتد ذلك عليهم فذكروا
ذلك لرسول الله فانزل الله ” ويسالونك عن اليتامى قل اصلاح لهم خير وان تخالطوهم
فاخوانكم ” قال : فخلطوا طعامهم بطعامهم وشرابهم بشرابهم رواه ابو داود وقوله تعالى ”
حتى يبلغ اشده ” قال الشعبي ومالك وغير واحد من السلف يعني حتى يحتلم .
وقال السدي : حتى يبلغ ثلاثين سنه وقيل اربعون سنه وقيل ستون سنه قال وهذا
كله بعيد ههنا والله اعلم. وقوله تعالى ” واوفوا الكيل والميزان بالقسط” يامر تعالى باقامه
العدل في الاخذ والاعطاء كما توعد على تركه في قوله تعالى ” ويل للمطففين الذين
اذا اكتالوا على الناس يستوفون واذا كالوهم او وزنوهم يخسرون الا يظن اولئك انهم مبعوثون
ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين ” وقد اهلك الله امه من الامم كانوا
يبخسون المكيال والميزان وفي كتاب الجامع لابي عيسى الترمذي من حديث الحسين بن قيس ابي
علي الرحبي عن عكرمه عن ابن عباس رضي الله عنه قال : قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم لاصحاب الكيل والميزان انكم وليتم امرا هلكت فيه الامم السالفه قبلكم
ثم قال لا نعرفه مرفوعا الا من حديث الحسين وهو ضعيف في الحديث . وقد
روي باسناد صحيح عن ابن عباس موقوفا قلت وقد رواه ابن مردويه في تفسيره من
حديث شريك عن الاعمش عن سالم بن ابي الجعد عن ابن عباس قال : قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم انكم معشر الموالي قد بشركم الله بخصلتين بها هلكت
القرون المتقدمه المكيال والميزان وقوله تبارك وتعالى ” لا نكلف نفسا الا وسعها ” اي
من اجتهد في اداء الحق واخذه فان اخطا بعد استفراغ وسعه وبذل جهده فلا حرج
عليه .

وقد روى ابن مردويه من حديث بقيه عن ميسره بن عبيد عن عمرو بن ميمون
بن مهران عن ابيه عن سعيد بن المسيب قال : قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم في الايه ” واوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا الا وسعها ”
فقال من اوفى على يده في الكيل والميزان والله يعلم صحه نيته بالوفاء فيهما لم
يؤاخذ وذلك تاويل وسعها هذا مرسل غريب وقوله ” واذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا
قربى ” كقوله ” يا ايها الذين امنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ” الايه
وكذا التي تشبهها في سوره النساء يامر تعالى بالعدل في الفعال والمقال على القريب والبعيد
والله تعالى يامر بالعدل لكل احد في كل وقت وفي كل حال وقوله ” وبعهد
الله اوفوا ” قال ابن جرير : يقول وبوصيه الله التي اوصاكم بها فاوفوا وايفاء
ذلك ان تطيعوه فيما امركم ونهاكم وتعملوا بكتابه وسنه رسوله وذلك هو الوفاء بعهد الله
” ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون ” يقول تعالى : هذا اوصاكم به وامركم به
واكد عليكم فيه ” لعلكم تذكرون” اي تتعظون وتنتهون مما كنتم فيه قبل هذا وقرا
بعضهم بتشديد الذال واخرون بتخفيفها .

وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به
لعلكم تتقون (153)[عدل]
وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به
لعلكم تتقون

قال علي بن ابي طلحه عن ابن عباس في قوله ” ولا تتبعوا السبل فتفرق
بكم عن سبيله ” وفي قوله ” ان اقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه ” ونحو
هذا في القران قال امر الله المؤمنين بالجماعه ونهاهم عن الاختلاف والتفرقه واخبرهم انه انما
هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله ونحو هذا قاله مجاهد وغير واحد
وقال الامام احمد بن حنبل : حدثنا الاسود بن عامر شاذان حدثنا ابو بكر هو
ابن عياش عن عاصم هو ابن ابي النجود عن ابي وائل عن عبد الله هو
ابن مسعود رضي الله عنه قال : خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا
بيده ثم قال هذا سبيل الله مستقيما وخط عن يمينه وشماله ثم قال هذه السبل
ليس منها سبيل الا عليه شيطان يدعو اليه ثم قرا” وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه
ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ” وكذا رواه الحاكم عن الاصم عن احمد
بن عبد الجبار عن ابي بكر بن عياش به وقال صحيح ولم يخرجاه وهكذا رواه
ابو جعفر الرازي وورقاء وعمرو بن ابي قيس عن عاصم عن ابي وائل شقيق بن
سلمه عن ابن مسعود مرفوعا به نحوه وكذا رواه يزيد بن هارون ومسدد والنسائي عن
يحيى بن حبيب بن عربي وابن حبان من حديث ابن وهب اربعتهم عن حماد بن
زيد عن عاصم عن ابي وائل عن ابن مسعود به وكذا رواه ابن جرير عن
المثنى عن الحماني عن حماد بن زيد به ورواه الحاكم عن ابي بكر بن اسحاق
عن اسماعيل بن اسحاق القاضي عن سليمان بن حرب عن حماد بن زيد به كذلك
وقال صحيح ولم يخرجاه وقد روى هذا الحديث النسائي والحاكم من حديث احمد بن عبد
الله بن يونس عن ابي بكر بن عياش عن عاصم عن زر عن عبد الله
بن مسعود به مرفوعا وكذا رواه الحافظ ابو بكر بن مردويه من حديث يحيى الحماني
عن ابي بكر بن عياش عن عاصم عن زر به فقد صححه الحاكم كما رايت
في الطريقين ولعل هذا الحديث عن عاصم بن ابي النجود عن زر وعن ابي وائل
شقيق بن سلمه كلاهما عن ابن مسعود به والله اعلم وقال الحاكم : وشاهد هذا
الحديث حديث الشعبي عن جابر من غير وجه معتمد.

يشير الى الحديث الذي قال الامام احمد وعبد بن حميد جميعا واللفظ لاحمد حدثنا عبد
الله بن محمد وهو ابو بكر بن ابي شيبه انبانا ابو خالد الاحمر عن مجاهد
عن الشعبي عن جابر قال : كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فخط
خطا هكذا امامه فقال هذا سبيل الله وخطين عن يمينه وخطين عن شماله وقال هذه
سبل الشيطان ثم وضع يده في الخط الاوسط ثم تلا هذه الايه ” وان هذا
صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون
” ورواه احمد وابن ماجه في كتاب السنه من سننه والبزار عن ابي سعيد عبد
الله بن سعيد عن ابي خالد الاحمر به قلت ورواه الحافظ ابن مردويه من طريقين
عن ابي سعيد الكندي حدثنا ابو خالد عن مجاهد عن الشعبي عن جابر قال :
خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا وخط عن يمينه خطا وخط عن يساره
خطا ووضع يده على الخط الاوسط وتلا هذه الايه ” وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه
” ولكن العمده على حديث ابن مسعود مع ما فيه من الاختلاف ان كان مؤثرا
وقد روي موقوفا عليه قال ابن جرير : حدثنا محمد بن عبد الاعلى حدثنا محمد
بن ثور عن معمر عن ابان بن عثمان ان رجلا قال لابن مسعود ما الصراط
المستقيم ؟ قال : تركنا محمد صلى الله عليه وسلم في ادناه وطرفه في الجنه
وعن يمينه جواد وعن يساره جواد ثم رجال يدعون من مر بهم فمن اخذ في
تلك الجواد انتهت به الى النار ومن اخذ على الصراط انتهى به الى الجنه .
ثم قرا ابن مسعود ” وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم
عن سبيله ” الايه وقال ابن مردويه : حدثنا محمد بن عبد الوهاب حدثنا ادم
حدثنا اسماعيل بن عياش حدثنا ابان بن عياش عن مسلم بن ابي عمران عن عبد
الله بن عمر سال عبد الله عن الصراط المستقيم فقال ابن مسعود تركنا محمد في
ادناه وطرفه في الجنه وذكر تمام الحديث كما تقدم والله اعلم .

وقد روي من حديث النواس بن سمعان نحوه قال الامام احمد حدثني الحسن بن سوار
ابو العلاء حدثنا ليث يعني ابن سعد عن معاويه بن صالح ان عبد الرحمن بن
جبير بن نفير حدثه عن ابيه عن النواس بن سمعان عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال ضرب الله مثلا صراطا مستقيما وعن جنبي الصراط سوران فيهما ابواب مفتحه
وعلى الابواب ستور مرخاه وعلى باب الصراط داع يقول يا ايها الناس ادخلوا الصراط المستقيم
جميعا ولا تفرقوا وداع يدعو من فوق الصراط فاذا اراد الانسان ان يفتح شيئا من
تلك الابواب قال ويحك لا تفتحه فانك ان تفتحه تلجه فالصراط الاسلام والسوران حدود الله
والابواب المفتحه محارم الله وذلك الداعي على راس الصراط كتاب الله والداعي من فوق الصراط
واعظ الله في قلب كل مسلم ورواه الترمذي والنسائي عن علي بن حجر زاد النسائي
وعمرو بن عثمان كلاهما عن بقيه بن الوليد عن يحيى بن سعد عن خالد بن
معدان عن جبير بن نفير عن النواس بن سمعان به وقال الترمذي حسن غريب وقوله
تعالى ” فاتبعوه ولا تتبعوا السبل ” انما وحد سبيله لان الحق واحد ولهذا جمع
السبل لتفرقها وتشعبها كما قال تعالى ” الله ولي الذين امنوا يخرجهم من الظلمات الى
النور والذين كفروا اولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور الى الظلمات اولئك اصحاب النار هم فيها
خالدون ” وقال ابن ابي حاتم حدثنا احمد بن سنان الواسطي حدثنا يزيد بن هارون
حدثنا سفيان بن حسين عن الزهري عن ابي ادريس الخولاني عن عباده بن الصامت قال
: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ايكم يبايعني على هؤلاء الايات الثلاث ثم
تلا ” قل تعالوا اتل ما حرم ربكم عليكم ” حتى فرغ من ثلاث ايات
ثم قال ومن وفى بهن فاجره على الله ومن انتقص منهن شيئا فادركه الله في
الدنيا كانت عقوبته ومن اخره الى الاخره كان امره الى الله ان شاء اخذه وان
شاء عفا عنه .

ثم اتينا موسى الكتاب تماما على الذي احسن وتفصيلا لكل شيء وهدى ورحمه لعلهم بلقاء
ربهم يؤمنون (154)[عدل]
ثم اتينا موسى الكتاب تماما على الذي احسن وتفصيلا لكل شيء وهدى ورحمه لعلهم بلقاء
ربهم يؤمنون

قال ابن جرير ” ثم اتينا موسى الكتاب ” تقديره ثم قل يا محمد مخبرا
عنا انا اتينا موسى الكتاب بدلاله قوله ” قل تعالوا اتل ما حرم ربكم عليكم”
قلت وفي هذا نظر , و ” ثم ” ههنا انما هي لعطف الخبر بعد
الخبر لا للترتيب ههنا كما قال الشاعر : قل لمن ساد ثم ساد ابوه …
ثم قد ساد قبل ذلك جده وههنا لما اخبر الله سبحانه عن القران بقوله ”
وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ” عطف بمدح التوراه ورسولها فقال ” ثم اتينا موسى
الكتاب” وكثيرا ما يقرن سبحانه بين ذكر القران والتوراه كقوله تعالى ” ومن قبله كتاب
موسى اماما ورحمه وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا ” وقوله اول هذه السوره ” قل
من انزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا
” الايه .

وهذا كتاب انزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون (155)[عدل]
وهذا كتاب انزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون

وبعدها ” وهذا كتاب انزلناه مبارك ” الايه . وقال تعالى مخبرا عن المشركين ”
فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا لولا اوتي مثل ما اوتي موسى ” قال تعالى
” اولم يكفروا بما اوتي موسى من قبل قالوا سحران تظاهرا وقالوا انا بكل كافرون
” وقال تعالى مخبرا عن الجن انهم قالوا” يا قومنا انا سمعنا كتابا انزل من
بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي الى الحق ” الايه وقوله تعالى ” تماما
على الذي احسن وتفصيلا ” اي اتيناه الكتاب الذي انزلناه اليه تمام كاملا جامعا لما
يحتاج اليه في شريعته كقوله ” وكتبنا له في الالواح من كل شيء ” الايه
. وقوله تعالى ” على الذي احسن ” اي جزاء على احسانه في العمل وقيامه
باوامرنا وطاعتنا كقوله ” هل جزاء الاحسان الا الاحسان ” وكقوله ” واذ ابتلى ابراهيم
ربه بكلمات فاتمهن قال اني جاعلك للناس اماما ” وكقوله” وجعلنا منهم ائمه يهدون بامرنا
لما صبروا و كانوا باياتنا يوقنون ” وقال ابو جعفر الرازي عن الربيع بن انس
” ثم اتينا موسى الكتاب تماما على الذي احسن ” يقول احسن فيما اعطاه الله
وقال قتاده من احسن في الدنيا تمم له ذلك في الاخره واختار ابن جرير ان
تقديره ” ثم اتينا موسى الكتاب تماما ” على احسانه فكانه جعل الذي مصدريه كما
قيل في قوله تعالى ” وخضتم كالذي خاضوا ” اي كخوضهم وقال ابن رواحه .
وثبت الله ما اتاك من حسن … في المرسلين ونصرا كالذي نصروا وقال اخرون الذي
ههنا بمعنى الذين قال ابن جرير وذكر عبد الله بن مسعود انه كان يقرؤها تماما
على الذين احسنوا وقال ابن ابي نجيح عن مجاهد تماما على الذي احسن قال على
المؤمنين والمحسنين وكذا قال ابو عبيده وقال البغوي المحسنون الانبياء والمؤمنون . يعني اظهرنا فضله
عليهم قلت كقوله تعالى ” قال يا موسى اني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي ”
ولا يلزم اصطفاؤه على محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الانبياء والخليل عليهما السلام لادله
اخرى.

قال ابن جرير : وروى ابو عمرو بن العلاء عن يحيى بن يعمر انه كان
يقرؤها تماما على الذي احسن رفعا بتاويل على الذي هو احسن ثم قال وهذه قراءه
لا استجيز القراءه بها وان كان لها في العربيه وجه صحيح وقيل معناه تماما على
احسان الله زياده على ما احسن اليه حكاه ابن جرير والبغوي ولا منافاه بينه وبين
القول الاول وبه جمع ابن جرير كما بيناه ولله الحمد وقوله تعالى ” وتفصيلا لكل
شيء وهدى ورحمه ” فيه مدح لكتابه الذي انزله الله عليه ” لعلهم بلقاء ربهم
يؤمنون وهذا كتاب انزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون ” فيه الدعوه الى اتباع القران
يرغب سبحانه عباده في كتابه ويامرهم بتدبره والعمل به والدعوه اليه ووصفه بالبركه لمن اتبعه
وعمل به في الدنيا والاخره لانه حبل الله المتين.

ان تقولوا انما انزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وان كنا عن دراستهم لغافلين (156)[عدل]

ان تقولوا انما انزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وان كنا عن دراستهم لغافلين

قال ابن جرير معناه وهذا كتاب انزلناه لئلا تقولوا ” انما انزل الكتاب على طائفتين
من قبلنا ” يعني لينقطع عذركم كقوله تعالى ” ولولا ان تصيبهم مصيبه بما قدمت
ايديهم فيقولوا ربنا لولا ارسلت الينا رسولا فنتبع اياتك ” الايه . وقوله تعالى” على
طائفتين من قبلنا ” قال علي بن ابي طلحه عن ابن عباس هم اليهود والنصارى
وكذا قال مجاهد والسدي وقتاده وغير واحد وقوله ” وان كنا عن دراستهم لغافلين ”
اي وما كنا نفهم ما يقولون لانهم ليسوا بلساننا ونحن في غفله وشغل مع ذلك
عما هم فيه .

او تقولوا لو انا انزل علينا الكتاب لكنا اهدى منهم فقد جاءكم بينه من ربكم
وهدى ورحمه فمن اظلم ممن كذب بايات الله وصدف عنها سنجزي الذين يصدفون عن اياتنا
سوء العذاب بما كانوا يصدفون (157)[عدل]
او تقولوا لو انا انزل علينا الكتاب لكنا اهدى منهم فقد جاءكم بينه من ربكم
وهدى ورحمه فمن اظلم ممن كذب بايات الله وصدف عنها سنجزي الذين يصدفون عن اياتنا
سوء العذاب بما كانوا يصدفون

وقوله ” او تقولوا لو انا انزل علينا الكتاب لكنا اهدى منهم ” اي وقطعنا
تعللكم ان تقولوا لو انا انزل علينا ما انزل عليهم لكنا اهدى منهم فيما اوتوه
كقوله ” واقسموا بالله جهد ايمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن اهدى من احدى الامم ”
الايه . وهكذا قال ههنا ” فقد جاءكم بينه من ربكم وهدى ورحمه ” يقول
فقد جاءكم من الله على لسان محمد صلى الله عليه واله وسلم النبي العربي قران
عظيم فيه بيان للحلال والحرام وهدى لما في القلوب ورحمه من الله بعباده الذين يتبعونه
ويقتفون ما فيه وقوله تعالى ” فمن اظلم ممن كذب بايات الله وصدف عنها ”
اي لم ينتفع بما جاء به الرسول ولا اتبع ما ارسل به ولا ترك غيره
بل صدف عن اتباع ايات الله اي صرف الناس وصدهم عن ذلك قاله السدي وعن
ابن عباس ومجاهد وقتاده وصدف عنها اعرض عنها وقول السدي ههنا فيه قوه لانه قال
” فمن اظلم ممن كذب بايات الله وصدف عنها ” كما تقدم في اول السوره
” وهم ينهون عنه ويناون عنه وان يهلكون الا انفسهم” وقال تعالى ” الذين كفروا
وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب ” وقال في هذه الايه الكريمه ”
سنجزي الذين يصدفون عن اياتنا سوء العذاب بما كانوا يصدفون ” وقد يكون المراد فيما
قاله ابن عباس ومجاهد وقتاده ” فمن اظلم ممن كذب بايات الله وصدف عنها ”
اي لا امن بها ولا عمل بها كقوله تعالى ” فلا صدق ولا صلى ولكن
كذب وتولى ” وغير ذلك من الايات الداله على اشتمال الكافر على التكذيب بقلبه وترك
العمل بجوارحه ولكن كلام السدي اقوى واظهر والله اعلم لان الله قال ” فمن اظلم
ممن كذب بايات الله وصدف عنها ” كقوله تعالى ” الذين كفروا وصدوا عن سبيل
الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون” .

هل ينظرون الا ان تاتيهم الملائكه او ياتي ربك او ياتي بعض ايات ربك يوم
ياتي بعض ايات ربك لا ينفع نفسا ايمانها لم تكن امنت من قبل او كسبت
في ايمانها خيرا قل انتظروا انا منتظرون (158)[عدل]
هل ينظرون الا ان تاتيهم الملائكه او ياتي ربك او ياتي بعض ايات ربك يوم
ياتي بعض ايات ربك لا ينفع نفسا ايمانها لم تكن امنت من قبل او كسبت
في ايمانها خيرا قل انتظروا انا منتظرون

يقول تعالى متوعدا للكافرين به والمخالفين لرسله والمكذبين باياته والصادين عن سبيله” هل ينظرون الا
ان تاتيهم الملائكه او ياتي ربك ” وذلك كائن يوم القيامه ” او ياتي بعض
ايات ربك يوم ياتي بعض ايات ربك لا ينفع نفسا ايمانها” وذلك قبل يوم القيامه
كائن من امارات الساعه واشراطها كما قال البخاري في تفسير هذه الايه حدثنا موسى بن
اسماعيل حدثنا عبد الواحد حدثنا عماره حدثنا ابو زرعه عن ابي هريره رضي الله عنه
قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم” لا تقوم الساعه حتى تطلع الشمس
من مغربها فاذا راها الناس امن من عليها فذلك حين لا ينفع نفسا ايمانها لم
تكن امنت من قبل حدثنا اسحاق حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن همام بن منبه
عن ابي هريره قال : قال رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم لا
تقوم الساعه حتى تطلع الشمس من مغربها وفي لفظ فاذا طلعت وراها الناس امنوا اجمعون
وذلك حين لا ينفع نفسا ايمانها لم تكن امنت من قبل ثم قرا هذه الايه
. هكذا روي هذا الحديث من هذين الوجهين ومن الوجه الاول اخرجه بقيه الجماعه في
كتبهم الا الترمذي من طرق عن عماره بن القعقاع بن شبرمه عن ابي زرعه بن
عمرو بن جرير عن ابي هريره به . واما الطريق الثاني فرواه عن اسحاق غير
منسوب وقيل هو ابن منصور الكوسج وقيل اسحاق بن نصر والله اعلم وقد رواه مسلم
عن محمد بن رافع الجندي سابوري كلاهما عن عبد الرزاق به . وقد ورد هذا
الحديث من طرق اخر عن ابي هريره كما انفرد مسلم بروايته من حديث العلاء بن
عبد الرحمن بن يعقوب مولى الحرقه عن ابيه عن ابي هريره به وقال ابن جرير
حدثنا ابو كريب حدثنا ابن فضيل عن ابيه عن ابي حازم عن ابي هريره قال
: قال رسول الله تعالى عليه واله وسلم ثلاث اذا خرجن ” لا ينفع نفسا
ايمانها لم تكن امنت من قبل او كسبت في ايمانها خيرا” طلوع الشمس من مغربها
والدجال ودابه الارض ورواه احمد عن وكيع عن فضيل بن غزوان عن ابي حازم سلمان
عن ابي هريره به وعنده والدخان .

ورواه مسلم عن ابي بكر بن ابي شيبه وزهير بن حرب عن وكيع ورواه هو
ايضا والترمذي من غير وجه عن فضيل بن غزوان به . ورواه اسحاق بن عبد
الله القروي عن مالك عن ابي الزناد عن الاعرج عن ابي هريره ولكن لم يخرجه
احد من اصحاب الكتب من هذا الوجه لضعف القروي والله اعلم وقال ابن جرير حدثنا
الربيع بن سليمان حدثنا شعيب بن الليث عن ابيه عن جعفر بن ربيعه عن عبد
الرحمن بن هرمز الاعرج عن ابي هريره قال : قال رسول الله صلى الله عليه
وعلى اله وسلم لا تقوم الساعه حتى تطلع الشمس من مغربها فاذا طلعت امن الناس
كلهم وذلك حين لا ينفع نفسا ايمانها لم تكن امنت من قبل الايه ورواه ابن
لهيعه عن الاعرج عن ابي هريره به. ورواه وكيع عن فضيل بن غزوان عن ابي
حازم عن ابي هريره به اخرج هذه الطرق كلها الحافظ ابو بكر بن مردويه في
تفسيره وقال ابن جرير حدثنا الحسن بن يحيى اخبرنا عبد الرزاق قال اخبرنا معمر عن
ايوب عن ابن سيرين عن ابي هريره قال : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم من تاب قبل ان تطلع الشمس من مغربها قبل منه لم يخرجه احد من
اصحاب الكتب السته ” حديث اخر ” عن ابي ذر الغفاري في الصحيحين وغيرهما من
طرق عن ابراهيم بن يزيد بن شريك التيمي عن ابيه عن ابي ذر جندب بن
جناده رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم
اتدري اين تذهب الشمس اذا غربت ؟ قلت لا ادري ! قال انها تنتهي دون
العرش فتخر ساجده ثم تقوم حتى يقال لها ارجعي فيوشك يا ابا ذر ان يقال
لها ارجعي من حيث جئت وذلك حين ” لا ينفع نفسا ايمانها لم تكن امنت
من قبل ” . ” حديث اخر ” عن حذيفه بن اسيد بن ابي سريحه
الغفاري رضي الله عنه قال الامام احمد بن حنبل حدثنا سفيان عن فرات عن ابي
الطفيل عن حذيفه بن اسيد الغفاري قال : اشرف علينا رسول الله صلى الله عليه
وسلم من غرفه ونحن نتذاكر الساعه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقوم
الساعه حتى تروا عشر ايات : طلوع الشمس من مغربها والدخان والدابه وخروج ياجوج وماجوج
وخروج عيسى ابن مريم وخروج الدجال وثلاثه خسوف : خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيره
العرب ونار تخرج من قعر عدن تسوق او تحشر الناس تبيت معهم حيث باتوا وتقيل
معهم حيث قالوا .

وهكذا رواه مسلم واهل السنن الاربعه من حديث فرات القزاز عن ابي الطفيل عامر بن
واثله عن حذيفه بن اسيد به . وقال الترمذي حسن صحيح . ” حديث اخر”
عن حذيفه بن اليمان رضي الله عنه قال الثوري عن منصور عن ربعي عن حذيفه
قال : سالت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله ما ايه
طلوع الشمس من مغربها ؟ فقال النبي صلى الله عليه واله وسلم تطول تلك الليله
حتى تكون قدر ليلتين فينتبه الذين كانوا يصلون فيها فيعملون كما كانوا يعملون قبلها والنجوم
لا ترى قد غابت مكانها ثم يرقدون ثم يقومون فيصلون ثم يرقدون ثم يقومون تبطل
عليهم جنوبهم حتى يتطاول عليهم الليل فيفزع الناس ولا يصبحون فبينما هم ينتظرون طلوع الشمس
من مشرقها اذ طلعت من مغربها فاذا راها الناس امنوا فلم ينفعهم ايمانهم . رواه
ابن مردويه وليس هو في شيء من الكتب السته من هذا الوجه والله اعلم .
” حديث اخر ” عن ابي سعيد الخدري واسمه سعد بن مالك بن سنان رضي
الله عنه وارضاه قال الامام احمد حدثنا وكيع حدثنا ابن ابي ليلى عن عطيه العوفي
عن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم يوم ياتي
بعض ايات ربك لا ينفع نفسا ايمانها قال طلوع الشمس من مغربها . ورواه الترمذي
عن سفيان بن وكيع عن ابيه به وقال غريب. ورواه بعضهم ولم يرفعه وفي حديث
طالوت بن عباد عن فضال بن جبير عن ابي امامه صدي بن عجلان قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان اول الايات طلوع الشمس من مغربها .
وفي حديث عاصم بن ابي النجود عن زر بن حبيش عن صفوان بن عسال قال
: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان الله فتح بابا قبل المغرب
عرضه سبعون عاما للتوبه لا يغلق حتى تطلع الشمس منه .

رواه الترمذي وصححه النسائي وابن ماجه من حديث طويل ” حديث اخر ” عن عبد
الله بن ابي اوفى قال ابن مردويه حدثنا محمد بن علي بن دحيم حدثنا احمد
بن حازم حدثنا ضرار بن صرد حدثنا ابن فضيل عن سليمان بن زيد عن عبد
الله بن ابي اوفى قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لياتين
على الناس ليله تعدل ثلاث ليال من لياليكم هذه فاذا كان ذلك يعرفها المتنفلون يقوم
احدهم فيقرا حزبه ثم ينام ثم يقوم فيقرا حزبه ثم ينام فبينما هم كذلك اذ
صاح الناس بعضهم من بعض فقالوا ما هذا فيفزعون الى المساجد فاذا هم بالشمس قد
طلعت حتى اذا صارت في وسط السماء رجعت وطلعت من مطلعها قال حينئذ لا ينفع
نفسا ايمانها . هذا حديث غريب من هذا الوجه وليس هو في شيء من الكتب
السته . ” حديث اخر ” عن عبد الله بن عمرو قال الامام احمد حدثنا
اسماعيل بن ابراهيم حدثنا ابو حيان عن ابي زرعه عن عمرو بن جرير قال جلس
ثلاثه من المسلمين الى مروان بالمدينه فسمعوه وهو يحدث عن الايات يقول ان اولها خروج
الدجال قال فانصرفوا الى عبد الله بن عمرو فحدثوه بالذي سمعوه من مروان في الايات
فقال لم يقل مروان شيئا حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان
اول الايات خروجا طلوع الشمس من مغربها وخروج الدابه ضحى فايتهما كانت قبل صاحبتها فالاخرى
على اثرها ثم قال عبد الله وكان يقرا الكتب واظن اولاها خروجا طلوع الشمس من
مغربها وذلك انها كلما غربت اتت تحت العرش وسجدت واستاذنت في الرجوع فاذن لها في
الرجوع حتى اذا بدا الله ان تطلع من مغربها فعلت كما كانت تفعل اتت تحت
العرش فسجدت واستاذنت في الرجوع فلم يرد عليها شيء ثم استاذنت في الرجوع فلا يرد
عليها شيء حتى اذا ذهب من الليل ما شاء الله ان يذهب وعرفت انه اذا
اذن لها في الرجوع لم تدرك المشرق قالت رب ما ابعد المشرق من لي بالناس
, حتى اذا صار الافق كانه طوق استاذنت في الرجوع فيقال لها من مكانك فاطلعي
فطلعت على الناس من مغربها ثم تلا عبد الله هذه الايه ” لا ينفع نفسا
ايمانها لم تكن امنت من قبل ” الايه واخرجه مسلم في صحيحه وابو داود وابن
ماجه في سننيهما من حديث ابي حيان التيمي واسمه يحيى بن سعيد بن حيان عن
ابي زرعه بن عمرو بن جرير به .

” حديث اخر عنه ” قال الطبراني حدثنا احمد بن يحيى بن خالد بن حيان
الرقي حدثنا اسحاق بن ابراهيم بن زريق الحمصي حدثنا عثمان بن سعيد بن كثير بن
دينار حدثنا ابن لهيعه عن يحيى بن عبد الله عن ابي عبد الرحمن الحبلي عن
عبد الله بن عمرو بن العاص قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم اذا
طلعت الشمس من مغربها خر ابليس ساجدا ينادي ويجهر الهي مرني ان اسجد لمن شئت
قال فيجتمع اليه زبانيته فيقولون كلهم ما هذا التضرع فيقول انما سالت ربي ان ينظرني
الى الوقت المعلوم وهذا الوقت المعلوم قال ثم تخرج دابه الارض من صدع في الصفا
قال : فاول خطوه تضعها بانطاكيا فتاتي ابليس فتلطمه هذا حديث غريب جدا وسنده ضعيف
ولعله من الزاملتين اللتين اصابهما عبد الله بن عمرو يوم اليرموك فاما رفعه فمنكر والله
اعلم ” حديث اخر ” عن عبد الله بن عمرو وعبد الرحمن بن عوف ومعاويه
بن ابي سفيان رضي الله عنهم اجمعين قال الامام احمد حدثنا الحكم بن نافع حدثنا
اسماعيل بن عياش عن ضمضم بن زرعه عن شريح بن عبيد يرده الى مالك بن
يخامر عن ابن السعدي ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تنقطع الهجره
مادام العدو يقاتل فقال معاويه وعبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن عمرو بن العاص
ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ان الهجره خصلتان احداهما تهجر السيئات والاخرى
تهاجر الى الله ورسوله ولا تنقطع ما تقبلت التوبه ولا تزال التوبه تقبل حتى تطلع
الشمس من مغربها فاذا طلعت طبع على كل قلب بما فيه وكفى الناس العمل .
هذا الحديث حسن الاسناد ولم يخرجه احد من اصحاب الكتب السته والله اعلم . ”
حديث اخر ” عن ابن مسعود رضي الله عنه قال عوف الاعرابي عن محمد بن
سيرين حدثني ابو عبيده عن ابن مسعود انه كان يقول ما ذكر من الايات فقد
مضى غير اربع طلوع الشمس من مغربها والدجال ودابه الارض وخروج ياجوج وماجوج . قال
وكان يقول الايه التي تختم بها الاعمال طلوع الشمس من مغربها الم تر ان الله
يقول ” يوم ياتي بعض ايات ربك ” الايه كلها يعني طلوع الشمس من مغربها.

حديث ابن عباس رضي الله عنهما رواه الحافظ ابو بكر بن مردويه في تفسيره من
حديث عبد المنعم بن ادريس عن ابيه عن وهب بن منبه عن ابن عباس مرفوعا
فذكر حديثا طويلا غريبا منكرا رفعه وفيه ان الشمس والقمر يطلعان يومئذ من المغرب مقرونين
واذا انتصفا السماء رجعا ثم عادا الى ما كانا عليه . وهو حديث غريب جدا
بل منكر بل موضوع ان ادعي انه مرفوع فاما وقفه على ابن عباس او وهب
بن منبه وهو الاشبه فغير مرفوع والله اعلم وقال سفيان عن منصور عن عامر عن
عائشه رضي الله عنها قالت : اذا خرج اول الايات طرحت وحبست الحفظه وشهدت الاجساد
على الاعمال رواه ابن جرير رحمه الله تعالى فقوله تعالى ” لا ينفع نفسا ايمانها
لم تكن امنت من قبل ” اي اذا انشا الكافر ايمانا يومئذ لا يقبل منه
فاما من كان مؤمنا قبل ذلك فان كان مصلحا في عمله فهو بخير عظيم وان
لم يكن مصلحا فاحدث توبه حينئذ لم تقبل منه توبته كما دلت عليه الاحاديث المتقدمه
وعليه يحمل قوله تعالى ” او كسبت في ايمانها خيرا ” اي ولا يقبل منها
كسب عمل صالح اذا لم يكن عاملا به قبل ذلك وقوله تعالى ” قل انتظروا
انا منتظرون ” تهديد شديد للكافرين ووعيد اكيد لمن سوف بايمانه وتوبته الى وقت لا
ينفعه ذلك وانما كان هذا الحكم عند طلوع الشمس من مغربها لاقتراب الساعه وظهور اشراطها
كما قال ” فهل ينظرون الا الساعه ان تاتيهم بغته فقد جاء اشراطها فانى لهم
اذا جاءتهم ذكراهم ” وقوله تعالى ” فلما راوا باسنا قالوا امنا بالله وحده وكفرنا
بما كنا به مشركين فلم يك ينفعهم ايمانهم لما راوا باسنا ” الايه .

ان الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء انما امرهم الى الله ثم
ينبئهم بما كانوا يفعلون (159)[عدل]
ان الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء انما امرهم الى الله ثم
ينبئهم بما كانوا يفعلون

قال مجاهد وقتاده والضحاك والسدي نزلت هذه الايه في اليهود والنصارى وقال العوفي عن ابن
عباس قوله ” ان الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا ” وذلك ان اليهود والنصارى اختلفوا
قبل مبعث محمد صلى الله عليه وسلم فتفرقوا فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم
انزل الله عليه” ان الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء ” الايه
وقال ابن جرير حدثني سعيد بن عمر السكوني حدثنا بقيه بن الوليد كتب الى عباد
بن كثير حدثني ليث عن طاوس عن ابي هريره رضي الله عنه قال : قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الايه ” ان الذين فرقوا دينهم وكانوا
شيعا لست منهم في شيء ” وليسوا منك هم اهل البدع واهل الشبهات واهل الضلاله
من هذه الامه . لكن هذا اسناد لا يصح فان عباد بن كثير متروك الحديث
ولم يختلق هذا الحديث ولكنه وهم في رفعه فانه رواه سفيان الثوري عن ليث وهو
ابن ابي سليم عن طاوس عن ابي هريره في الايه انه قال نزلت في هذه
الامه وقال ابو غالب عن ابي امامه في قوله ” وكانوا شيعا ” قال هم
الخوارج وروى عنه مرفوعا ولا يصح وقال شعبه عن مجالد عن الشعبي عن شريح عن
عمر رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعائشه رضي الله
عنها ” ان الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا ” قال : هم اصحاب البدع .
وهذا رواه ابن مردويه وهو غريب ايضا ولا يصح رفعه والظاهر ان الايه عامه في
كل من فارق دين الله وكان مخالفا له فان الله بعث رسوله بالهدى ودين الحق
ليظهره على الدين كله وشرعه واحد لا اختلاف فيه ولا افتراق فمن اختلف فيه وكانوا
شيعا اي فرقا كاهل الملل والنحل والاهواء والضلالات فان الله تعالى قد برا رسول الله
صلى الله عليه وسلم مما هم فيه وهذه الايه كقوله تعالى ” شرع لكم من
الدين ما وصى به نوحا والذي اوحينا اليك ” الايه .

وفي الحديث نحن معاشر الانبياء اولاد علات ديننا واحد فهذا هو الصراط المستقيم وهو ما
جاءت به الرسل من عباده الله وحده لا شريك له والتمسك بشريعه الرسول المتاخر وما
خالف ذلك فضلالات وجهالات واراء واهواء والرسل براء منها كما قال الله تعالى ” لست
منهم في شيء ” وقوله تعالى ” انما امرهم الى الله ثم ينبئهم بما كانوا
يفعلون” كقوله تعالى ” ان الذين امنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين اشركوا ان
الله يفصل بينهم يوم القيامه ” الايه . ثم بين لطفه سبحانه في حكمه وعدله
يوم القيامه فقال تعالى .

من جاء بالحسنه فله عشر امثالها ومن جاء بالسيئه فلا يجزى الا مثلها وهم لا
يظلمون (160)[عدل]
من جاء بالحسنه فله عشر امثالها ومن جاء بالسيئه فلا يجزى الا مثلها وهم لا
يظلمون

وهذه الايه الكريمه مفصله لما اجمل في الايه الاخرى وهي قوله ” من جاء بالحسنه
فله خير منها ” وقد وردت الاحاديث مطابقه لهذه الايه كما قال الامام احمد بن
حنبل رحمه الله حدثنا عفان حدثنا جعفر بن سليمان حدثنا الجعد ابو عثمان عن ابي
رجاء العطاردي عن ابن عباس رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال فيما يروي عن ربه تبارك وتعالى ان ربكم عز وجل رحيم من هم بحسنه
فلم يعملها كتبت له حسنه فان عملها كتبت له عشرا الى سبعمائه الى اضعاف كثيره
. ومن هم بسيئه فلم يعملها كتبت له حسنه فان عملها كتبت له واحده او
يمحوها الله عز وجل ولا يهلك على الله الا هالك . ورواه البخاري ومسلم والنسائي
من حديث الجعد ابي عثمان به. وقال احمد ايضا حدثنا ابو معاويه حدثنا الاعمش عن
المعرور بن سويد عن ابي ذر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى
الله عليه واله وسلم يقول الله عز وجل من عمل حسنه فله عشر امثالها وازيد
ومن عمل سيئه فجزاؤها مثلها او اغفر ومن عمل قراب الارض خطيئه ثم لقيني لا
يشرك بي شيئا جعلت له مثلها مغفره ومن اقترب الي شبرا اقتربت اليه ذراعا ومن
اقترب الي ذراعا اقتربت اليه باعا ومن اتاني يمشي اتيته هروله ورواه مسلم عن ابي
كريب عن ابي معاويه وعن ابي بكر بن ابي شيبه عن وكيع عن الاعمش به
ورواه ابن ماجه عن علي بن محمد الطنافسي عن وكيع به .

وقال الحافظ ابو يعلى الموصلي حدثنا شيبان حدثنا حماد حدثنا ثابت عن انس بن مالك
رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من هم بحسنه فلم
يعملها كتبت له حسنه فان عملها كتبت له عشرا ومن هم بسيئه فلم يعملها لم
يكتب عليه شيء فان عملها كتبت عليه سيئه واحده واعلم ان تارك السيئه الذي لا
يعملها على ثلاثه اقسام تاره يتركها لله فهذا تكتب له حسنه على كفه عنها لله
تعالى وهذا عمل ونيه ولهذا جاء انه يكتب له حسنه كما جاء في بعض الفاظ
الصحيح فانما تركها من جرائي اي من اجلي وتاره يتركها نسيانا وذهولا عنها فهذا لا
له ولا عليه لانه لم ينو خيرا ولا فعل شرا وتاره يتركها عجزا وكسلا عنها
بعد السعي في اسبابها والتلبس بما يقرب منها فهذا بمنزله فاعلها كما جاء في الحديث
الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال اذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول
في النار قالوا يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول ؟ قال انه كان
حريصا على قتل صاحبه . وقال الامام ابو يعلى الموصلي حدثنا مجاهد بن موسى حدثنا
علي وحدثنا الحسن بن الصباح وابو خيثمه قالا حدثنا اسحاق بن سليمان كلاهما عن موسى
بن عبيده عن ابي بكر بن عبيد الله بن انس عن جده انس .

قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من هم بحسنه كتب الله له
حسنه فان عملها كتبت له عشرا ومن هم بسيئه لم تكتب عليه حتى يعملها فان
عملها كتبت عليه سيئه فان تركها كتبت له حسنه يقول الله تعالى انما تركها من
مخافتي هذا لفظ حديث مجاهد يعني ابن موسى وقال الامام احمد حدثنا عبد الرحمن بن
مهدي حدثنا شيبان بن عبد الرحمن عن الركين بن الربيع عن ابيه عن عمه فلان
بن عميله عن خريم بن فاتك الاسدي ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ان
الناس اربعه والاعمال سته فالناس موسع له في الدنيا والاخره وموسع له في الدنيا مقتور
عليه في الاخره ومقتور عليه في الدنيا موسع له في الاخره وشقي في الدنيا والاخره
والاعمال موجبتان ومثل بمثل وعشره اضعاف وسبعمائه ضعف فالموجبتان من مات مسلما مؤمنا لا يشرك
بالله شيئا وجبت له الجنه ومن مات كافرا وجبت له النار ومن هم بحسنه فلم
يعملها فعلم الله انه قد اشعرها قلبه وحرص عليها كتبت له حسنه ومن هم بسيئه
لم تكتب عليه ومن عملها كتبت واحده ولم تضاعف عليه ومن عمل حسنه كانت عليه
بعشر امثالها ومن انفق نفقه في سبيل الله عز وجل كانت بسبعمائه ضعف . ورواه
الترمذي والنسائي من حديث الركين بن الربيع عن ابيه عن بشير بن عميله عن خريم
بن فاتك به ببعضه والله اعلم وقال ابن ابي حاتم حدثنا ابو زرعه حدثنا عبيد
الله بن عمر القواريري حدثنا يزيد بن زريع حدثنا حبيب بن المعلم عن عمرو بن
شعيب عن ابيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يحضر الجمعه ثلاثه
نفر رجل حضرها بلغو فهو حظه منها ورجل حضرها بدعاء فهو رجل دعا الله فان
شاء اعطاه وان شاء منعه ورجل حضرها بانصات وسكون ولم يتخط رقبه مسلم ولم يؤذ
احدا فهي كفاره له الى الجمعه التي تليها وزياده ثلاثه ايام وذلك لان الله عز
وجل يقول ” من جاء بالحسنه فله عشر امثالها ” وقال الحافظ ابو القاسم الطبراني
حدثنا هاشم بن مرثد حدثنا محمد بن اسماعيل حدثني ابي حدثني ضمضم بن زرعه عن
شريح بن عبيد عن ابي مالك الاشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم الجمعه كفاره لما بينها وبين الجمعه التي تليها وزياده ثلاثه ايام .

وذلك لان الله تعالى قال ” من جاء بالحسنه فله عشر امثالها ” وعن ابي
ذر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صام
ثلاثه ايام من كل شهر فقد صام الدهر كله . رواه الامام احمد وهذا لفظه
والنسائي وابن ماجه والترمذي وزاد : فانزل الله تصديق ذلك في كتابه ” من جاء
بالحسنه فله عشر امثالها ” اليوم بعشره ايام. ثم قال هذا حديث حسن . وقال
ابن مسعود ” من جاء بالحسنه فله عشر امثالها ” من جاء بلا اله الا
الله ومن جاء بالسيئه يقول بالشرك . وهكذا جاء عن جماعه من السلف رضي الله
عنهم اجمعين وقد ورد فيه حديث مرفوع الله اعلم بصحته لكني لم اروه من وجه
يثبت والاحاديث والاثار في هذا كثير جدا وفيما ذكر كفايه ان شاء الله وبه الثقه
.

قل انني هداني ربي الى صراط مستقيم دينا قيما مله ابراهيم حنيفا وما كان من
المشركين (161)[عدل]
قل انني هداني ربي الى صراط مستقيم دينا قيما مله ابراهيم حنيفا وما كان من
المشركين

مله ابراهيم حنيفا وما كان من المشركين ” يقول تعالى امرا نبيه صلى الله عليه
وسلم سيد المرسلين ان يخبر بما انعم به عليه من الهدايه الى صراطه المستقيم الذي
لا اعوجاج فيه ولا انحراف ” دينا قيما ” اي قائما ثابتا ” مله ابراهيم
حنيفا وما كان من المشركين ” كقوله ” ومن يرغب عن مله ابراهيم الا من
سفه نفسه ” وقوله ” وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم
في الدين من حرج مله ابيكم ابراهيم ” وقوله ” ان ابراهيم كان امه قانتا
لله حنيفا ولم يك من المشركين شاكرا لانعمه اجتباه وهداه الى صراط مستقيم واتيناه في
الدنيا حسنه وانه في الاخره لمن الصالحين ثم اوحينا اليك ان اتبع مله ابراهيم حنيفا
وما كان من المشركين ” وليس يلزم من كونه صلى الله عليه وسلم امر باتباع
مله ابراهيم الحنيفيه ان يكون ابراهيم اكمل منه فيها لانه عليه السلام قام بها قياما
عظيما واكملت له اكمالا تاما لم يسبقه احد الى هذا الكمال ولهذا كان خاتم الانبياء
وسيد ولد ادم على الاطلاق وصاحب المقام المحمود الذي يرغب اليه الخلق حتى الخليل عليه
السلام وقد قال ابن مردويه حدثنا محمد بن عبد الله بن حفص حدثنا احمد بن
عصام حدثنا ابو داود الطيالسي حدثنا شعبه انبانا سلمه بن كهيل سمعت ذر بن عبد
الله الهمداني يحدث عن ابن ابزى عن ابيه قال كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم اذا اصبح قال اصبحنا على مله الاسلام وكلمه الاخلاص ودين نبينا محمد ومله ابينا
ابراهيم حنيفا وما كان من المشركين وقال الامام احمد حدثنا يزيد اخبرنا محمد بن اسحاق
عن داود بن الحصين عن عكرمه عن ابن عباس رضي الله عنهما انه قال :
قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم اي الاديان احب الى الله تعالى ؟ قال
الحنيفيه السمحه وقال احمد ايضا حدثنا سليمان بن داود حدثنا عبد الرحمن بن ابي الزناد
عن هشام بن عروه عن ابيه عن عائشه رضي الله عنها قالت : وضع رسول
الله صلى الله تعالى عليه واله وسلم ذقني على منكبه لانظر الى زفن الحبشه حتى
كنت التي مللت فانصرفت عنه .

قال عبد الرحمن عن ابيه قال : قال لي عروه ان عائشه قالت : قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ لتعلم يهود ان في ديننا فسحه اني ارسلت
بحنيفيه سمحه اصل الحديث مخرج في الصحيحين والزياده لها شواهد من طرق عده وقد استقصيت
طرقها في شرح البخاري ولله الحمد والمنه .

قل ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين (162)[عدل]
قل ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين

وقوله تعالى ” قل ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ” يامره تعالى
ان يخبر المشركين الذين يعبدون غير الله ويذبحون لغير اسمه انه مخالف لهم في ذلك
فان صلاته لله ونسكه على اسمه وحده لا شريك له وهذا كقوله تعالى ” فصل
لربك وانحر ” اي اخلص له صلاتك وذبحك فان المشركين كانوا يعبدون الاصنام ويذبحون لها
فامره الله تعالى بمخالفتهم والانحراف عما هم فيه والاقبال بالقصد والنيه والعزم على الاخلاص لله
تعالى قال مجاهد في قوله ” ان صلاتي ونسكي ” النسك الذبح في الحج والعمره
. وقال الثوري عن السدي عن سعيد بن جبير ” ونسكي” قال ذبحي . وكذا
قال السدي والضحاك وقال ابن ابي حاتم حدثنا محمد بن عوف حدثنا احمد بن خالد
الذهبي حدثنا محمد بن اسحاق عن يزيد بن ابي حبيب عن ابن عباس عن جابر
بن عبد الله قال : ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم عيد
النحر بكبشين وقال حين ذبحهما وجهت وجهي للذي فطر السموات والارض حنيفا وما انا من
المشركين.

لا شريك له وبذلك امرت وانا اول المسلمين (163)[عدل]
لا شريك له وبذلك امرت وانا اول المسلمين

ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك امرت وانا اول
المسلمين وقوله عز وجل ” وانا اول المسلمين ” قال قتاده اي من هذه الامه
وهو كما قال فان جميع الانبياء قبله كلهم كانت دعوتهم الى الاسلام واصله عباده الله
وحده لا شريك له كما قال ” وما ارسلنا من قبلك من رسول الا نوحي
اليه انه لا اله الا انا فاعبدون ” وقد اخبرنا تعالى عن نوح انه قال
لقومه ” فان توليتم فما سالتكم من اجر ان اجري الا على الله وامرت ان
اكون من المسلمين” وقال تعالى ” ومن يرغب عن مله ابراهيم الا من سفه نفسه
ولقد اصطفيناه في الدنيا وانه في الاخره لمن الصالحين اذ قال له ربه اسلم قال
اسلمت لرب العالمين ووصى بها ابراهيم بنيه ويعقوب يا بني ان الله اصطفى لكم الدين
فلا تموتن الا وانتم مسلمون ” وقال يوسف عليه السلام ” رب قد اتيتني من
الملك وعلمتني من تاويل الاحاديث فاطر السموات والارض انت ولي في الدنيا والاخره توفني مسلما
والحقني بالصالحين ” وقال موسى ” يا قوم ان كنتم امنتم بالله فعليه توكلوا ان
كنتم مسلمين فقالوا على الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنه للقوم الظالمين ونجنا برحمتك من
القوم الكافرين ” وقال تعالى ” انا انزلنا التوراه فيها هدى ونور يحكم بها النبيون
الذين اسلموا للذين هادوا والربانيون والاحبار ” الايه .

وقال تعالى ” واذ اوحيت الى الحواريين ان امنوا بي وبرسولي قالوا امنا واشهد باننا
مسلمون ” فاخبر تعالى انه بعث رسله بالاسلام ولكنهم متفاوتون فيه بحسب شرائعهم الخاصه التي
ينسخ بعضها بعضا الى ان نسخت بشريعه محمد صلى الله عليه وسلم التي لا تنسخ
ابد الابدين ولا تزال قائمه منصوره واعلامها منشوره الى قيام الساعه ولهذا قال عليه السلام
نحن معاشر الانبياء اولاد علات ديننا واحد فان اولاد العلات هم الاخوه من اب واحد
وامهات شتى فالدين واحد وهو عباده الله وحده لا شريك له وان تنوعت الشرائع التي
هي بمنزله الامهات كما ان اخوه الاخياف عكس هذا بنو الام الواحده من اباء شتى
والاخوه الاعيان الاشقاء من اب واحد وام واحده والله اعلم وقد قال الامام احمد حدثنا
ابو سعيد حدثنا عبد العزيز بن عبد الله الماجشون حدثنا عبد الله بن الفضل الهاشمي
عن عبد الرحمن الاعرج عن عبيد الله بن ابي رافع عن علي رضي الله عنه
ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان اذا كبر استفتح ثم قال وجهت وجهي
للذي فطر السموات والارض حنيفا وما انا من المشركين ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله
رب العالمين الى اخر الايه ” اللهم انت الملك لا اله الا انت ربي وانا
عبدك ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا لا يغفر الذنوب الا انت واهدني
لاحسن الاخلاق ولا يهدي لاحسنها الا انت واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها الا
انت . تباركت وتعاليت استغفرك واتوب اليك ثم ذكر تمام الحديث فيما يقوله في الركوع
والسجود والتشهد وقد رواه مسلم في صحيحه .

قل اغير الله ابغي ربا وهو رب كل شيء ولا تكسب كل نفس الا عليها
ولا تزر وازره وزر اخرى ثم الى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون (164)[عدل]

قل اغير الله ابغي ربا وهو رب كل شيء ولا تكسب كل نفس الا عليها
ولا تزر وازره وزر اخرى ثم الى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون

يقول تعالى ” قل ” يا محمد لهؤلاء المشركين بالله في اخلاص العباده له والتوكل
عليه ” اغير الله ابغي ربا ” اي اطلب ربا سواه” وهو رب كل شيء
” يربيني ويحفظني ويكلؤني ويدبر امري اي لا اتوكل الا عليه ولا انيب الا اليه
لانه رب كل شيء ومليكه وله الخلق والامر ففي هذه الايه الامر باخلاص التوكيل تضمنت
التي قبلها اخلاص العباده لله وحده لا شريك له وهذا المعنى يقرن بالاخر كثيرا في
القران كقوله تعالى مرشدا لعباده ان يقولوا له ” اياك نعبد واياك نستعين ” وقوله
” فاعبده وتوكل عليه” وقوله ” قل هو الرحمن امنا به وعليه توكلنا” وقوله ”
رب المشرق والمغرب لا اله هو فاتخذه وكيلا ” واشباه ذلك من الايات وقوله تعالى
” ولا تكسب كل نفس الا عليها ولا تزر وازره وزر اخرى” اخبار عن الواقع
يوم القيامه في جزاء الله تعالى وحكمه وعدله ان النفوس انما تجازى باعمالها ان خيرا
فخير وان شرا فشر وانه لا يحمل من خطيئه احد على احد وهذا من عدله
تعالى كما قال” وان تدع مثقله الى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا
قربى ” وقوله تعالى ” فلا يخاف ظلما ولا هضما ” قال علماء التفسير :
اي فلا يظلم بان يحمل عليه سيئات غيره ولا تهضم بان ينقص من حسناته وقال
تعالى ” كل نفس بما كسبت رهينه الا اصحاب اليمين ” معناه كل نفس مرتهنه
بعملها السيئ الا اصحاب اليمين فانه قد يعود بركه اعمالهم الصالحه على ذرياتهم وقراباتهم كما
قال في سوره الطور ” والذين امنوا واتبعتهم ذريتهم بايمان الحقنا بهم ذريتهم وما التناهم
من عملهم من شيء ” اي الحقنا بهم ذريتهم في المنزله الرفيعه في الجنه وان
لم يكونوا قد شاركوهم في الاعمال بل في اصل الايمان وما التناهم اي انقصنا اولئك
الساده الرفعاء من اعمالهم شيئا حتى ساويناهم وهؤلاء الذين هم انقص منهم منزله بل رفعهم
تعالى الى منزله الاباء ببركه اعمالهم بفضله ومنته ثم قال ” كل امرئ بما كسب
رهين ” اي من شر وقوله ” ثم الى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه
تختلفون ” اي اعملوا على مكانتكم انا عاملون على ما نحن عليه فستعرضون ونعرض عليه
وينبئنا واياكم باعمالنا واعمالكم وما كنا نختلف في الدار الدنيا كقوله ” قل لا تسالون
عما اجرمنا ولا نسال عما تعملون قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو
الفتاح العليم ” .

وهو الذي جعلكم خلائف الارض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما اتاكم ان
ربك سريع العقاب وانه لغفور رحيم (165)[عدل]
وهو الذي جعلكم خلائف الارض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما اتاكم ان
ربك سريع العقاب وانه لغفور رحيم

يقول تعالى ” وهو الذي جعلكم خلائف الارض ” اي جعلكم تعمرونها جيلا بعد جيل
وقرنا بعد قرن وخلفا بعد سلف . قاله ابن زيد وغيره كقوله تعالى ” ولو
نشاء لجعلنا منكم ملائكه في الارض يخلفون ” وكقوله تعالى ” ويجعلكم خلفاء الارض ”
وقوله ” اني جاعل في الارض خليفه ” وقوله ” عسى ربكم ان يهلك عدوكم
ويستخلفكم في الارض فينظر كيف تعملون ” وقوله ” ورفع بعضكم فوق بعض درجات ”
اي فاوت بينكم في الارزاق والاخلاق والمحاسن والمساوي والمناظر والاشكال والالوان وله الحكمه في ذلك
كقوله تعالى ” نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياه الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات
ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ” وقوله” انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللاخره اكبر درجات
واكبر تفضيلا ” وقوله تعالى ” ليبلوكم فيما اتاكم ” اي ليختبركم في الذي انعم
به عليكم وامتحنكم به ليختبر الغني في غناه ويساله عن شكره والفقير في فقره ويساله
عن صبره وفي صحيح مسلم من حديث ابي نضره عن ابي سعيد الخدري رضي الله
عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الدنيا حلوه خضره وان
الله مستخلفكم فيها فناظر ماذا تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فان اول فتنه بني اسرائيل
كانت في النساء وقوله تعالى ” ان ربك سريع العقاب وانه لغفور رحيم” ترهيب وترغيب
ان حسابه وعقابه سريع فيمن عصاه وخالف رسله ” وانه لغفور رحيم ” لمن والاه
واتبع رسله فيما جاءوا به من خبر وطلب . وقال محمد بن اسحاق ليرحم العباد
على ما فيهم . رواه ابن ابي حاتم وكثيرا ما يقرن الله تعالى في القران
بين هاتين الصفتين كقوله ” وان ربك لذو مغفره للناس على ظلمهم وان ربك لشديد
العقاب ” وقوله” نبئ عبادي اني انا الغفور الرحيم وان عذابي هو العذاب الاليم ”
الى غير ذلك من الايات المشتمله على الترغيب والترهيب فتاره يدعو عباده اليه بالرغبه وصفه
الجنه والترغيب فيما لديه وتاره يدعوهم اليه بالرهبه وذكر النار وانكالها وعذابها والقيامه واهوالها وتاره
بهما لينجع في كل بحسبه جعلنا الله ممن اطاعه فيما امر وترك ما عنه نهى
وزجر وصدقه فيما اخبر انه قريب مجيب سميع الدعاء جواد كريم وهاب .

وقد قال الامام احمد حدثنا عبد الرحمن حدثنا زهير عن العلاء عن ابيه عن ابي
هريره مرفوعا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لو يعلم المؤمن ما عند
الله من العقوبه ما طمع بجنته احد ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمه
ما قنط احد من الجنه خلق الله مائه رحمه فوضع واحده بين خلقه يتراحمون بها
وعند الله تسعه وتسعون ورواه الترمذي عن قتيبه عن عبد العزيز الدراوردي عن العلاء به
. وقال حسن ورواه مسلم عن يحيى بن يحيى وقتيبه وعلي بن حجر ثلاثتهم عن
اسماعيل بن جعفر عن العلاء وعنه ايضا قال : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم لما خلق الله الخلق كتب في كتاب فهو عنده فوق العرش ان رحمتي تغلب
غضبي وعنه ايضا قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول جعل الله الرحمه
مائه جزء فامسك عنده تسعه وتسعين جزءا وانزل في الارض جزءا واحدا فمن ذلك الجزء
تتراحم الخلائق حتى ترفع الدابه حافرها عن ولدها خشيه من ان تصيبه . رواه مسلم
. اخر تفسير سوره الانعام ولله الحمد والمنه .

 

  • حب عذاب عباره باسم غيلان صور
  • قال وما علمي بما كانو يعملون ان حسابهم
  • سبوح قدوس ربنا ألايه
  • شرح كتب عليكم ادا خضر احدكم الموت
  • كان عمر يرى الرأي فينزل به القر
  • من راى اطفال عراه ياكلون طعام حلم تفسير الاحلام لابن سيرين
السابق
دعاء جلب الحبيب للزواج , ابتهال للعثور على شريك الحياة , ادعية للزواج سريعا
التالي
صور رجال شباب , رمزيات جديدة للرجال